رواية جديدة عقاب ابن البادية لريناد يوسف - الفصل 20 - 1 الإثنين 25/12/2023
قراءة رواية عقاب ابن البادية كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية عقاب ابن البادية
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل العشرون
1
تم النشر يوم الإثنين
25/12/2023
مرت الليلة على آدم فى المشفى، لم يبارح فيها جوار أمه إلا حين يذهب للإطمئنان على أبيه ثم يعود اليها مرة أخرى،
يجلس بجوراها ويحتضن كفها بين كفيه تارة، ويقبله تارة أخرى، قاوم البكاء كثيراً ولكنه تلفت حوله وحين وجد أمه غافية، ووجد نفسه وحيداً لا يراه أحد.. حرر دموعه لأول مرة منذ وقت طويل.. منذ سنوات عديدة، وتحديداً منذ أخبره قصير أن الدموع لم تخلق للرجال.. لم يعد يفهم بعد أن تساقطت دموعه لِم حُرمت الدموع على الرجال وهي تُريح بهذا القدر؟!
لِم تصنفت من ضمن صفات الضعف وهى تغسل الروح مما يضعفها وتعينها على إستعادة قوتها.. تباً لقوانين البشر الظالمة، فالله لم يخلق الدموع عبثاً، وإن كانت للنساء فقط فلم. وضعها داخل الرجال؟
نهض عند حلول الفجر، توضأ وصلى ورفع يداه يدعوا الله بان يعيدهم له سالمين وألا يكتب عليه اليتم منهم لبقية حياته، ويكفى حرمان السنوات الماضية، وألا يفقد حضن أمه الدافئ بعد إن وجده وعاد اليه معه كل الأمان.
عاد اليها متبسماً فقد كانت مستيقظة تنظر اليه ودموعها تسيل من عينيها، إقترب منها وقبل يدها وجبينها ودفن وجهه فى رقبتها وهى ضمته اليها بكل حنان، وأخيراً همست له للمرة الأولى بما اذاب قلبه:
-والله ياآدم انا ما ردتلي روحي غير من إمبارح، من ساعة ماحضنتنى وضميتك، انا رجعتلى الحياة بسبب الحادثه دى.
- وأنا تو اللي حسيت بحلا ونعيم الدنيا ودفوها بعد مادقت حلا احظانك ياأمى.
- ابوك ياآدم.. طمني على ابوك يابنى
صمت قليلاً وحاول طمئنتها:
-بوي بخير لا تخافي، عمي الشيخ منصور بياخذه ويسافر بيه ويعالجه ويصير زين ومابيه الا العافيه.
سألته بقلق وقد تملك منها الخوف:
- ليه يسافر فيه ايه ابوك، خدني ليه يآدم بسرعه، وديني لأبوك يابني.
اجابها وهو يحاول ان يثنيها عن قرار النهوض بتثبيتها بكلتا يديه بحنان:
- والله زين ياامي زين بس الشيخ يريد يسفرا زيادة إطمئنان.
- طيب عايزه اشوفه
- مافيكي تتحركين الطبيب قال ماتبرحي سريرك لحين يصرح الطبيب وأنا بعيوني باخدك لعنده، هاوديني ولا تجادلين بالله اعليكي.
- طيب عايزه اشوفه دلوقتي اعمل إيه؟
-يعني انت ماتوثقين فيا؟ اذا انا بخبرك انو بخير ليش ماتصدقين؟
- طيب خلاص مصدقاك بس متزعلش نفسك.. بس ارجوك ياأدم لو باباك فيه حاجه تقولي، اوعى تخاف عليا من زعل او صدمه، انا قلبي مش مطمن عليه وخايفه وبعد كلامك عن سفر الشيخ بيه انا خفت اكتر.
-لا ماتخافين، ابي راح يردلنا سليم معافى، ونتجمع ثلاثتنا ونعيش سوا وماراح نضيع يوم بعاد عن بعضنا مره ثانيه.
صمتت عايده فقد انهكها الحديث والجدل وبدأت انفاسها تثقل، وشعرت وهي تفكر بزوجها، وأن هناك إحتمال ألا يتم شفاءه بأن جاثوم قد جلس فوق قلبها وبدنها وشل جميع حواسها.
اما فى القبيله..
الشيخه عوالى لوحت بيدها لقصير وما أن أتى لها حتى قالت له:
-ياقصير خدني معاك لو كنت معدي لعقاب وامه .
قصير: اي ياعمتي اني رايحلهم الحين هيا،، وايش اللي معاك هادا؟
-هادي خبزة تنور وربع كبش مدفون لعويلتي عقاب وسالم مو متعودين على اوكال المشافي.
زين ياعمتي اللي سويتيلهم اوكال والله ماتذكرتها وقلت نشتريلهم من هناك.
- لا لا تشتري وتعذب حالك اوكال الشوارع مايمري ولا تطيب ليه النفس؟
رجوه- خذوني معاكم اذا رايحين لسالم بالله عليكم استاحيشته واجد وودي انوديله... مثرودة هو يحبها وااجد
قصير
-اقعدي يارجوه مارايحين نلاعبوا صغار احنا، والطريق يتعبك وانتي مو متعوده على الخرجة.
- يابوي انا مو صغيره ولا راح تحملني فوق اكتافك انا نمشي بروحي.
- قلت لا وغورى على خيمة امك جاك غاير.
نظرت الى عوالى مترجية لها بعيناها اللامعتين بالدمع فقالت عوالي لقصير:
- خليها تيجي معنا ياقصير حتى اجيبلها كم لبسه من الحضر بمقاسها، كان ودي من بدري اجيبلها بس ماكنت اعرف اقياسها، خليها مشوار واحد.
-امرك ياعمتي.. فوتي عالسياره ياام لسان.
- الله يخليك ياجتي عوالي ويطول بعمرك يارب.. اي هيكي الحناين تكون.
انهت جملتها وهرولت نحو السيارة، فنظرت عوالي لقصير وقالت له معاتبة:
-لا تقسى عالبنيه ياقصير بيكفيها قساوة امها عليها وكيدها من خوها اللي جا وخد مكانها،
وانفطمت وانرمت رمية ضنا الحرام.. الخزي عليكم، لا تكون انت وامها والزمن عليها.
- عمتي احنا ماندلل بنيات، دلالنا بالهدايا والعطايا مو بالحن والطبطبه وانت تعرفين، ليش ودك اغير اطباعنا اللي عايشين بيها من جد الجد؟ .. ويش فيها امها قست عليها، القسوه تعلم القوة..واللي مايشوف قسوة مايعرف يعيش.
- انت متل مرتك مابيكم خير ولا بقلبكم حن غير لهلال على قول رجوه.. يلا فوت قدامي وخد هالقشمة وجيب معك قروش واجدات ودي اجيب حوايج للصبايا بالمره.
- ياريت كل الهموم قروش ياعمتي لا تشيلين هم بس يلا ياعمتي بالله عليك تأخرنا، لسه وراي مشوار للمطار وشغله طويله.
- لكن مع مين انا ودي نتسوق من للسوق وانجيب حاجاتنا ؟
- ناخدو معنا حدا من الشباب.. يابرق.. برق اقبل..
جاءه الشاب يهرول فقال له آمراً:
- شيل لغراض وديهم عالسيارة وتعال معنا لترافق شيختك للسوق وتساعدها بحمل لغراض وترجعها.. روح انت بسيارتي وانا بروح بسيارة عقاب، احنا الروحه سوا بس الرده كل واحد بروحه.
- تأمر امر ياشيخ.
وصلوا المشفى وهناك ترجل الجميع
ووصلت رجوه وكانت هي الأسبق بينهم، خطواتها تسابق الريح وعيناها تبحث في الوجوه عن سالم..
وبمجرد أن رأته جالس فى الطرقة بجوار جده منصور حتى صرخت وهرولت نحوه وهي تقول:
- واااك اعليك وعلى امك جالس ومرتاح ومستانس انت وما شايل هم شي وتاركنى لحالي بالقبيله وتعرفني مافيني بلاك ياتيس التيوس انت.
وقف سالم بمجرد ان سمع صوتها وتبسم وهو يراها آتية اليه مسرعة، وكاد أن يفرد لها ذراعيه كي ترتمي في احضانه ولكن هيهات أن يفعلها في وجود ابيها والشيخ والشيخة.. فاردف لها مرحباً:
- ياهلا برجوه، تو نورت المشفا.
- ولا هلا ولا قطران على راسك، كيف غادي يجيلك نوم وتارك رجوه بلا حلا ولا شي تاكله بالليل ياتيس.. والله لأقص رجولك بمقص عمتي عوالي بس نعاودوا لديارنا.
كان سالم يتبسم فقط دون ان يعقب على كلامها، هي فقط امامه وهو مشتاق لها ولا تهمه كل شتائمها..
فجلست على الكرسي المجاور له واشارت له بالجلوس وهي تقول له:
- اجلس اجلس ياتيس انريد نسألك عن واااجد حاجات شفتها بطريقي وماسألت.. لن بوي وقت نحكي يبحلق في يرعبني ويخلي فمي يتصكر لحاله.
جلس سالم بجوارها بعد أن سلم على الشيخه عوالي وعمه قصير، وسمع قصير يسأله بغرابة:
- وانت تقولك اقعد ياتيس وتقعد؟
رجوه:
- اييي يلا غيرو عليا الحنين واقلبو قلبه وقسوه وخلوه يكرهني متلكم، انا اقولا ياتيس هاد دلال ومناغشه وهو كمان يقولي يانعجه ياعنز وانا مانزعل منا، بس لو تطلعون انتم منها وتتركو التياس والنعاج يتفاهمن. كان نربحو..
هملا و قولي ياسالم ويش هاد اللي لابسينا الحريم بالحضر؟،، وااااك اعلينا رجولهم باينه وما عندهن سراويل يلبسونها.. والرجال ويش هاد اللي يلبسونا؟
والله خلص لقماش قبل لا يكملون ثيابهم للأرض مسوينها قصيرة.. والله اهل الحضر يضحكون واااجد هههه
كانت تتحدث وتسأل عن كل شيء بسرعة ودفعة واحدة حتى أن سالم لا يجد الفرصة للرد!
اما قصير فإقترب من عمه وقال له:
-كيف صارت صحتهم اليوم، وكيفا عقاب؟
اجابه منصور:
- والله احوالهم تصعب عالكفار ياوليدي الحرمة متحطم اعضامها ،والراجل ربنا ايتولاه وعقاب الله يصبر قليبه.. طمني ويش سويت انت بلاوراق؟
- جبت صورة محمود وتو هنعدي لراجلنا انخليه يسويله جواز بساعتين ويجيبله ويجيبلك تأشيره بعد.
- طيب هيا ياوليدي خلينا نكسبو الوقت. ويتم مانوينا
- تم ياشيخ.
انهى حديثه وخرج من المشفى، وانطلق بالسيارة ليتمم اوراق محمود ويقوم بالحجز له هو وللشيخ منصور فى اسرع وقت.
وترك عوالي مع الشيخ منصور، اخرجت له الطعام ليأكل هو وسالم، ثم أخذت نصيب عقاب من الطعام وذهبت للغرفة التي بها أمه والتي دلها عليها سالم.. طرقت الباب بهدوء ودخلت.. وآدم فور رؤيته لها وقف وذهب اليها مرحباً بصوت منخفض حتى لا يزعج امه التى غفت للتوا،
سألته عوالي بنبرة منخفضة ايضاً عن حال أمه وعن حاله الذى لا يخفى عليها، فأسفل عيناه إكتسحته الهالات ووجهه شاحب،
فإلتمست لحاله العذر فما يمر به ليس بقليل.
اجلسته وبدأت تكشف امامه الطعام وتطعمه بيدها وهي تخفف عنه وتطمئنه بأن والديه سيكونان بخير، وفي هذة الاثناء فتحت عايده عينيها على صوت عوالي وهي تهمس لآدم، فوجدتها تطعمه بيدها وتنظر اليه بحنان أم، وعلى قدر ارتياحها لآن إبنها لم يُحرم من الحنان كلياً، على قدر غيرتها فقد كانت تود ألا تطعمه إمرأة سواها، ولا يإخذ دورها احد.