-->

رواية جديدة عقول غيبها العشق لأسماء حميدة - الفصل 1 - 1 - الأحد 31/12/2023

 

قراءة رواية عقول غيبها العشق كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية عقول غيبها العشق

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة أسماء حميدة

الفصل الأول

1

تم النشر يوم الأحد

31/12/2023


أجسام باردة ووجوه مشوهة شاحبة و الدماء تسيل من أفواههم، لعنة أصابت الجميع، خراب ودمار خيم على المكان. 

بل المقاطعة بأكملها صارت خاوية. 


سهول وشقاق وطرقات وأزقة يملأها الأشلاء والجثث. 


سحابة خيمت أعلى سماءه، فسكبت دمعها أعلى رأسه، ليقشعر بدنه من برودة الجو القارس الذي تضرب أمواجه بشرته الباهتة، فله أكثر من عشرة أيام لم يتغذى.


إنه (أرون دانييل) صائد الوحوش المميز، الذي استعنت به الڤاتيكان لمحاربة قوى الشر أصبح أكثرهم شراً على الإطلاق، يجاهد ويعافر حتى يقاوم غريزته المتعطشة للدماء. 

يسير بتهدلٍ لا يعرف إلى أين؟ 


ذكريات الماضي تطارده، آخر لقاء بينه وبين حبيبته (إميلي) محفور بالذاكرة، قتلها بغير عمد، داوته وتسبب هو في موتها. 


أعوام وأعوام وهو هائم يحاول إيجاد من ينتمي إليهم ولكنه يأس، حقنة العلاج قوَّمت حالته فلا هو يتحول عند اكتمال القمر، ولا عاد إلى طبيعته البشرية بشكلٍ كلي. 


مقسوم إلى نصفين أحدهما يبحث عن الخلاص، ولكن ما صار عليه لا نهاية له إنه البقاء بلا رحمة . 


والشق الآخر متعطش للدماء فقد جفت أوردته من سائلها ويشعر بالهزلان والضعف، لذلك قرر الإبتعاد عن الأنظار واختار هذا البرج النائي الخاص بالمراقبة ليعِش به هو وصديقه (توماس) الهارب إلى اللانهاية معه بعد أبحاثه التي أثمرت عن أكسير الخلود ليتجرعه (توماس) مشاركاً رفيقه في رحلة العذاب. 


ولكن (توماس) استطاع أن يتعايش ويكوِّن حياة دون الإفصاح عن سره، أما هذا المدمر ذاتياً زهد رغد العيش مكتفٍ بالمكوث ككهلٍ متقاعدٍ في هذا المكان الذي يفتقر إلى الحياة. 


قواه خارقة، رجل بقوة جيش، إنسان لا يفنى، ذئب دون تحوُّل ولكن إذا غضب ملعون من يقف في طريقه، فقد خطر آخر سطور في كتاب حياته. 


بعد ألف عام من العزلة والاختباء، قرر أحدهم اقتحام خلوته، فهل سيقبل؟! 

            

❈-❈-❈


في عام 2020

نبست (كيتي) معلقة بانتصار، وصوتها مكبوت هامس: - وقعت بيدي (أرون دانييل). 


فقد انتظرت (كيتي) لفترة طويلة قابعة على هذه الكتلة الصخرية التي ترتفع خمسين قدم عن الشاطئ، وفترة الظهيرة بدت وكأنها لن تنتهِ. 


لم تتمكن منذ ساعات من إراحة ظهرها أو التخلص من تنميل ساقيها، فترات طويلة من الانتظار، فلن تخاطر الآن، وتفضح أمر اختبائها.


فكرت (كيتي) في الاستسلام، حتى اقترب قرص الشمس في المغيب غارقاً في البحر، يحمل معه الضوء ويقترب موعد الشفق. 


ستنتظر ربع ساعة إضافية، وهذا ما أخذت تردده بينها وبين حالها، وبعدها سينتهي كل هذا العذاب، وحينها ستتسلق لأعلى ولن تفكر في الهبوط إلى السفح؛ فالمسيرة لأسفل غير مضمونة، على أي حال قمة هذا التل على بعد عشرة أقدام. 


تسطحت (كيتي) على الصخور، فبدت الرؤية أوضح من أعلى القمة التي تحتلها بجسدها الممشوق الفاتن، وثقة لا تعلم مصدرها سيطرت عليها وهي تُقنع حالها بأنها ستتمكن من مراقبة أكبر قدر من المساحة الواسعة من تلك الشرفة الممتدة بين البرج والبحر، ولكنها أخطأت في حساباتها وبدت الشرفة محجوبة عن عينيها الرمادية، كل هذا الجهد ولم تتمكن من كشف سوى بركة السباحة وحدها. 


لا مجال للتراجع ولهذا بقت متشبثة بذلك الوكر، تدعو إلى الله كي يغري ارتفاع الحرارة المفاجئ طريدها للسباحة ليلطف الماء لهيب الجو الذي جعل كتلة الصخور أسفلها أشبه بالجمر. 


:_وأخيراً. 

هذا ما صاحت به عزيزتنا (كيتي) بحماس. 


فقد كان من ارتكزت عليه عيناها قادم من اتجاه باب الشرفة يقف متطلع إلى البحر، يرفع إحدى يديه أعلى ناظريه ليحجب عن عينيه أشعة الشمس الآفلة. 


نزعت (كيتي) غطاء عدسة كاميرتها، بينما أخذت الرياح الهوجاء تتلاعب بخصلات شعره الأسود الطويل المائل إلى البني القاتم وهذا بعد أن اختار طريدها تلك البقعة التي يتسم جوها بالحرارة في معظم فترات العام ؛ فاغمق لون بشرته عن آخر صورة التقطت له بآلة تصوير بدائية قبل اختفاءه. 


ولا تعلم إذا كان هذا ال (أرون) أشقر بالفعل كما الصورة الوحيدة التي عرضها عليها محرضها للقدوم إلى هنا وهو الحقير (إبرام) . 


نسمة الهواء التي طالته رفعت خصلات شعره المتطايرة عن جبينه، فبدا مسترخٍ ومرتاح في صومعته الآمنة. 


ابتسمت بمكر فهذا كله سيتغير عندما يكتشف أنه مطاردٌ ومراقب.

أقشعر بدنها بالرغم من ارتفاع درجة الحرارة والقيظ الذي يحف الأجواء، فقد حظرها (أرون) بشكل مبالغ به أن تبقَ بعيدة عنه قدر المستطاع. 


نبه عليها قائلاً أنه لو رآها بالقرب من برجه المتهالك العتيق هذا والذي اتخذه مسكناً له وفي يدها آلة تصوير سوف يلقيها في زنزانة البرج التي لم يَخطُ إليها شخص منذ أعوام بل قرون فمن كثرة ما مر من سنون بات لا يتذكر عددها. 


هزت (كيتي) رأسها تبعد عن ذهنها فكرة احتجازه لها داخل زنزانة البرج المظلم المنعزل هذا، وأخذت تبث بداخلها أفكار إيجابية كونه يمازحها ويحاول إخافتها لتبتعد. 


حسناً جداً، سيكتشف لاحقاً أنها لا تخاف بسهولة، وزنزانته تلك التي يتباهى بها لم تعُد سوى قبو نفايات لا قيمة لها، كما أنها لم تقترب منه أنها بعيدة عنه. 


إذ أن المكان الذي اتخذته (كيتي) كمركز تجسس لها على بعد 30 متر منه، لذلك لا يمكنه التذمر أو فعل شيء حيال ذلك. 


تدافعت فكرة مخيبة للآمال إلى ذهنها قبل أن تتمكن من نفضها عن رأسها، وهي أن حدود أملاك (أرون) تبدأ من الجانب الآخر من الصخور المتكتلة التي تستر خلوته وتحميه من المتلصصين أمثالها ما عدا تلك البركة من المياه المتفرعة من البحر. 


لا بأس فلن يعلم (أرون) بأنها كانت هنا إلا بعد أن تظهر الصور التي ستلتقطها له إلى جانب صورة هذا البغيض (إبرام) تتصدر الصحف والمجلات التي تسعى وراء أخبار وفضائح المشاهير. 


ومَن أكثر شهرة من (أرون دانييل) صياد الوحوش! 


عبثت يدا (كيتي) بزوم العدسة ومركزتها على لقطة جانبية لمنكبين عريضين تصبغا بسمرة الشمس الحارقة، لا يخفيهما سوى منشفة كبيرة ملقاة عليهما بإهمال، والاها ظهره اللامعة بشرته كالبرونز المضوي فبدت ناعمة في ضوء الغسق. 


براقة وملساء وقوية هي عضلات كتفيها وظهره، وكأنه تمثال قديم لأحد الرياضيين رأته مسبقاً في متحف. 


رفعت (كيتي) عدسة كاميرتها إلى وجهه سريعاً، وكادت أن تنتفض من رقدتها بإجفالٍ وهي تسلطها عليه، حيث بدا قريبا جداً إليها بما يكفي لتتلمس معالم وجهه الوسيم. 


تبدد إحساسها بالنصر وتحول إلى ارتياعٍ عندما استشعرت مدى تجاوبها مع هذه الرجولة المغوية حتى وهي على بعدٍ كبير منه. 


مرآه تبعث بداخلها اضطراباً وربكة، فمنذ أول لقاءٍ بينهما وهي تشعر بالخجل والخزي بسبب الدعوة الخيالية التي طلت من عينيه الخبيرتين. 


الصفحة التالية