-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 74 - 1 الأحد 17/12/2023

     رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

النسخة العامية


الأحد 17/12/2023

الفصل الرابع والسبعون

1


منذ أربع سنوات وثلاثة أشهر وأسبوع..

صباح اليوم التالي..

 

طرق الباب بخفة قبل أن يقوم بفتحه ليجدها جالسة على الفراش بملامح يبدو عليها اثار الإرهاق ليستدل مما يراه أنها لم تنم منذ ليلة أمس فوقف بجانب الباب وحدثها بهدوء:

-       صباح الخير.

 

أومأت باقتضاب دون أن ترفع انظارها نحوه وردت:

-       صباح الخير يا يونس.

 

سألها لكي يصل كلاهما لحل حقيقي بعد نوبة جنونها طوال يوم أمس بأكمله:

-       عندك استعداد نتكلم دلوقتي ولا خلاص قررتي قرار عايزة تبلغيني بيه؟

 

رفعت انظارها نحوه وتفقدته لتخبره مجيبة بقلة حيلة وحالة من اليأس هائلة قد تحكمت بها:

-       أنا مش عارفة اعمل إيه!

 

تضاربت انظار كلاهما ليلمح الدموع بعينيها وكل ما أوشك على قوله بعد يوم أمس كانت جُمل لا تدل سوى على نهاية سوداء لهذا الزواج الذي لم يمر عليه سوى القليل بعد فأخبرها مستفسرًا:

-       تحبي تفكري تاني النهاردة؟ امبارح كله مكنش كفاية؟

 

قلبت شـ ـفتاها بسخرية وهي تتفقده بأعين غير مصدقة لكلماته وقالت متعجبة باستنكار:

-       ولو فكرت سنة بحالها؟ ده مش هيغير إني حامل، ومش هيغير إن كل اللي فكرت فيه ووصلتله بصعوبة وخوف وتعب ورعب عشت فيه مبقاش هيحصل، ويمكن حتى مشاعري دي استحالة أنساها، انت مصدق إني لغاية دلوقتي مزعلتش لحظة على بابا ولا حاسة بشفقة من ناحية عمر أو روان، وكمان مش قادرة أفرح بحملي؟!

 

تنهد وهو ينظر لها باهتمام ولم يُقلل من أي كلمة قالتها ولكن ذاك الإلحاح بداخله يدفعه أن يُنهي كل ما طرأ على حياتهما الجديدة فقال متعجبًا باستنكار مثلها:

-       وإيه يعني؟

 

رفعت حاجباها باستغراب وقبل أن يجدها تدفعه بشيء ما مثل تلك المزهرية التي كادت أن تصيبه أمس تابع ما يود الوصول إليه:

-       نصيب من عند ربنا إنك تحملي على طول أو إن باباكي يتوفى.. هنعمل إيه؟ هتموتي طفل؟! ولا هنصحي باباكي تاني وتحاسبيه؟

 

نهضت بغضب لتتحدث باندفاع:

-       طيب وحياتي؟ وكل اللي كان نفسي فيه؟ أنا كده مش هخلص دراستي، ومش بعيد أسقط وأخلص بقا طب في كام سنة؟ عشرة؟ خمستاشر؟ وابقا الست اللي قاعدة في البيت بتجري ورا ولادها وبتحدفهم بالشبشب ومستنية جوزي يخلص شغل عشان اشوفه الساعة تمانية تسعة بليل على ما ارجع؟

 

مجرد تخيل ما تقوله من إلقاء أطفالها بالأحذية جعله يرغب بالضحك ولكنه تماسك أمام تلد الدموع التي تحجب مُقلتيها عنه لتُكمل هي:

-       بعد كل مواضيع خطوبتنا وبابا اللي مكانش موافق وماما اللي عاملتني كأني بنت الجيران مش بنتها كان نفسي أبقى مبسوطة، كل اللي فكرت فيه إن الصيف ده هتجوز إنسان بحبه وبيحبني وهنسافر سوا ونتبسط  ونرجع نختفي عن الدنيا كلها كام يوم ومحدش غيرنا يعرف، وبعدين نسافر نعمل عمرة وعلى اخر الصيف نبتدي حياة مع بعض وارجع لدراستي وأركز فيها بعيد عن مشاكل بيتنا مع إنسان بيحبني وبيقدرني.. مكنتش عايزة اقضيها دوخة ولا نوم ولا ترجيع وضهري الاقيه واجعني في أول الدراسة ومش قادرة افتح كتاب ولا احضر المحاضرات. 

 

أومأ لها بتفهم لم يخلو من السخرية الجادة في نفس الوقت:

-       يعني من كلامك إني المفروض كنت اعمل زيك لما حاولت اكلمك اول مرة وقفلتيها في وشي واتصدم وازعل وأقول خلاص احلامي اتدمرت وحياتي وقفت واقعد على السرير اعيط، ولا يمكن لما كنت عرفت إني باباكي مش موافق عليا اقعد بقا على جنب واكتئب وأقول كان نفسي البنت دي تحبني بس حظي وحش، وكل ما حد قريب مني زي يارا ولا اصحابي يكلموني اروح اصوت في وشهم واتعصب عليهم.. هو ده الصح من وجهة نظرك؟ كنت اعمل كده وأقول حياتي اللي كان نفسي فيها باظت؟!

 

فاجئها بما قاله لتنظر له بمشاعر مختلطة جعلت رغبتها في البُكاء تتوقف بينما طالعها وقال بمنطقية:

-       لما تطلعلنا حاجة في حياتنا مكناش عاملين حسابها الدنيا مبتوقفش يا عنود.

 

اختلفت ملامحها لمجرد التفكير في كلماته لتنفجر بالبكاء وقالت:

-       أنا كان نفسي أولادي يحبوني، كان نفسي يشوفوني ست ناجحة وابقا فاضية ليهم واديهم اهتمام والعب معاهم، مش عايزاهم يطلعوا يلاقوا مامتهم مشغولة بحاجة عنهم. مش عايزة أكون نسخة من ماما اللي عمرها ما سألت فيا ودايمًا مشغولة بحاجة عني ولا عايزة أكون الأم القاسية اللي طول اليوم برا البيت زي بابا ويوم ما باجي البيت الاقيهم بيتجنبوني.. كان نفسي ادي لكل حاجة وقتها!

 

اقترب نحوها بعدما أثارت حُزنه بما تبدو عليه فعانقها وربت عليها بدعم وأخبرها:

-       ما ممكن بسهولة تدي لكل حاجة وقتها، أنا هابقى معاكي مش هسيبك، أنا مش هروح في أي مكان ولو على الشغل فراشد معايا والناس اللي بشتغل معاهم كويسين وعارفهم بقالي سنين وهساعدك في كل حاجة.. بلاش تبصي البصة دي لحياتنا مع بعض..

 

رفعت عيناها الباكيتان نحوه وأخبرته بمصداقية:

-       أنا خايفة أوي يا يونس، حاسة إني هبقى فاشلة في كل حاجة وإني صُغيرة أوي اشيل كل المسئوليات دي مع بعض.

 

تفقدها وحاول أن يمدها بأقصى ما يُمكن من الدعم وأخبرها:

-       متخافيش يا حبيبتي، البيبي ده مش هيكون ابنك أو بنتك لواحدك، ودراستك وشغلك هما مهمين بالنسبالي لأن لو حصل العكس وبقيت مكانك عارف إنك هتساعديني.. هنحاول ننظم الوقت على قد ما نقدر وربنا هيكرمنا إن شاء الله..

 

قبل جبهتها وضمها إليه فبادلته العناق وبكت للحظات ولكنه لا يكره أكثر من هذه الأوقات المُظلمة بسُحب الغم والدراما المبالغ بها فسألها:

-       أنا عمري رجعت في كلامي معاكي وحسيتي إني بشغلك عن دراستك ولا اتجوزنا واتخطبنا وكتبنا الكتاب في أوقات الاجازة زي ما كنتي عايزة؟

 

هدأت من بكائها قليلًا ورفعت عيناها نحو عينيه واجابته بابتسامة مُنكـسرة:

-       يا يونس أنا لو كنت بتخيل أحسن راجل في الدنيا كده بيني وبين نفسي مكونتش هلاقي اللي أحسن منك.

 

ابتسم بامتنان على ما قالته ورفع يـ ـدها ليُقبلها وأخبرها:

-       يبقى خلاص.. نفرح بالبيبي، وشوفي حابة نعمل عمرة ولا نأجلها لو تعبانة، ونسافر مكان تاني بدل العمرة، ولا نروح بيتنا بقا اللي عيني طلعت فيه ونفرح ونفرح يارا وراشد واخواتك وأول ما نعرف بنت ولا ولد نجهز كل حاجة سوا.

 

أومأت له بالموافقة وابتسمت له وهو يمسح بقايا دموعها ليخبرها:

-       نبطل عياط ونضحك شوية واشوف الـ tomato face لو سمحتي عشان مبحبش مود الزعل والعكننة أنتِ عرفاني..

 

اتسعت ابتسامتها له ولكنها تلاشت عندما تذكرت ما قالته لكل من أخيها وزوجته فسألها:

-       عكننا ليه تاني ما كنا ماشين حلو؟

 

تفقدته بحيرة ثم اجابته:

-       أنا عكيت الدنيا أوي مع عمر وروان وزمانهم مش طايقني.

-       حبيبتي الدنيا أسهل من كده.. نتكلم ونشوف أحسن طريقة تعتذري بيها على كلامك الدبش ده اللي مبيخلصش.

--

في نفس الوقت..

تفقدها وهي نائمة بجانبه، حظه بات رائعًا بشكل لا يُصدق، لقد استيقظ مبكرًا على النقيض من أعراض اكتئابه اللعينة، هل هو الحظ فقط؟ أم أنها بكل ما هي عليه تستطيع التغلب على كمياء عقله غير المتوازنة؟

 

ابعد خصلاتها التي تخفي القليل من ملامحها عنه وتسائل بينه وبين نفسه ماذا لو ذهبت تلك القضية للجحيم وبقيّ معها للأبد في هذه الحياة السعيدة التي تُشبه جائزة نوبل لعالِم مجتهد قضى طوال حياته البائسة في التوصل لعنصر كيميائي بعد ستة وثلاثون عام من البحث وتطبيق النظريات الصعبة التي لا يحبذ مجرد القراءة عنها؟

 

هذه الأنانية عليه أن يتخلص منها، ليس بعد أن حاول اقناع "بسام" وبعد كل هذا الوقت الذي نجح خلاله أن يُنسيها أمر الطلاق ورسمية الزواج، تبًا لقد تخلص من عمله، وأغلب املاكه كسيارات كثيرة ستصبح قطعة خردة بعد سنوات من السجن، وطائرته، ولقد تزوجت أخته وأخبرها بكل شيء، هل يجبُن الآن ويتحول لفتى صغير سيبكي دماء لو انتشل أحد دُميته المفضلة منه؟

 

حسنًا، سيكون رجل وسيفعلها ولكن مرة أخيرة معها، مرة واحدة فقط من ممارسة الحب، هذا المزاج الرمادي بدلًا من الأسود الحالك هو أفضل بكثير، وربما يتحتم عليه أن يُشاركه معها بلحظاتهما الأخيرة سويًا!

 

شعرت بتلك القُبل البطيئة الدافئة بجانب شـ ـفتيها وبعد تزايدها لدرجة جعلت ادراكها ورغبتها أكبر من شعور النعاس فتحت عيناها وهي تتفقده وابتعدت قليلًا لكي يتوقف عما يفعله وأخبرته بابتسامة:

-       صباح الخير.

الصفحة التالية