رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه - الفصل 74 - 2 الأحد 17/12/2023
رواية كما يحلو لها
الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه
رواية جديدة كما يحلو لها
تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى
من قصص وروايات
الكاتبة بتول طه
النسخة العامية
الأحد 17/12/2023
الفصل الرابع والسبعون
2
اقترب منها مرة أخرى ولكنها ابتعدت وهي
تخبره:
-
استنى بس اغسل سناني ولا اسرح شعري ولا أي
حاجة طيب!
قلب عيناه بانزعاج شديد وهو يدرك أن مجرد
ساعات تفصل كلاهما عن انفصالهما للأبد ولا يريد أن يفسد أي منها ليتنهد مخبرًا
إياها:
-
وهي دي أول مرة؟ أنا لما بقولك إنك حلوة
فأنتِ فنظري حلوة وأنتِ لابسة أحلى فستان عندك، وأنت نايمة، وأنتِ تعبانة، وأنتِ
لابسة هدوم البيت.. ودلوقتي شايفك أحلى واحدة في الدنيا..
تمعنت بملامحه وبداخلها هي تشعر بالمثل
تمامًا، في أي وقت وبأي مكان لا تدري لماذا كل ما به يجعلها تظن أنها محظوظة
لوقوعها في عشق أكثر رجل جذاب لم تجد مثل جاذبيته في رجل آخر في الحياة، وبمجرد
تريثها وعدم قولها لأي كلمة وظهور تلك الابتسامة على شـ ـفتيها كانت بمثابة اعلان
قبولها لكل ما بادر هو به منذ لحظات، ليقترب منها مُجددًا ثم أعاد الكَرّة!
هل الأمر يكمن في نظراته لها التي تجعلها
تشعر وكأنها أفضل امرأة في الحياة، أم بلمـ ـساته التي لا تعرف هل اكتسب تأثير ما
يفعله خلالها عن طريق نساء سابقة أم مجرد القراءة؟ أم يكمن سر استسلامها معه بهذه
اللحظات الحميمة بكلماته التي يُغازلها بها؟ لا تجد إجابة بداخلها سوى تلك
الكيمياء اللعينة التي تتشاركها معه وربما العشق والمشاعر التي لن يفقهها سواهما
ولن يستطيع أي أحد فهمها ولو أخبرت العالم بأكمله عما يتشاركانه بملايين الكلمات.
التقطت أنفاسها كما فعل هو بعد هذه القبل
التي جعلت كيانها بأكمله يتلظى رغبة بالمزيد، والتقت أعينهما بحوار سري لا يُفسر
كنهه غيرهما وتعجبت من طول تفقده لها حيث ابتعد كلما اقتربت هي لتطالعه باستفسار
فوجدته يقول أغرب ما قد ينطق به في هذه اللحظات:
-
عايزك تعرفي إني آسف.
ضيقت ما بين حاجباها وهي تطالعه بمزيد من
الاستغراب ليُتابع هو:
-
آسف على كل لحظة ضيعتها معاكي بغبائي، كانت
حياتنا زمانها حلوة أوي..
اقترب ليُقبلها مرة أخرى وهو غامض الأعين
محاولًا أن يسيطر على رغبته في البُكاء ليقينه أنه بمجرد فراغهما مما يفعلاه
سيتوجه معها لنهاية كل ما بينهما للأبد ونظر إليها مرة أخرى ثم قال مُكملًا:
-
وآسف على أي حاجة جاية ممكن اعملها وأنا قاصد
أو مش قاصد..
ارتابت من كلماته وحاولت مواكبة دفء أنفاسه،
وتلك الرائحة الغريبة بلحيته التي تجعلها تشعر بالراحة كلما تسللت لأنفاسها،
لتقارب على سؤاله بما يعنيه بينما أدرك هو ما ستنطق به فأجاب خافيًا حقيقة وداعه
لها، وادعى كونه رجل يُصاب بنوبات من الاكتئاب، الهوس، الغضب وجلد الذات والندم
المميت وكانت الحُجة مُعدة مسبقًا بأنه رجل مريض لا يتحكم فيما يشعر به:
-
أنتِ عارفة إني ممكن بين يوم وليلة أبقى مش
واعي باللي حواليا، من دلوقتي بقولك إني آسف على أي حاجة ممكن اعملها وتضايقك.. بس
غصب عني.. أنتِ أصلًا متستحقيش غير كل حاجة حلوة، وتستحقي راجل أحسن مني بكتير
أوي!
يعرف أنه يعتذر على ما ستجد نفسها به طوال
ليلة اليوم، يعرف أنها ستبكي، ستصرخ به، وقد تكرهه للأبد.. قد لا يجد بعسليتيها
نفس هذه النظرات العاشقة، قد تسبه طوال حياتها القادمة كُلما تذكرته أو ذُكر اسمه
أمامها.. ولكن لم يحدث هذا قبل لقاءهما الأخير معًا الذي سيكون الذكرى الأخيرة
لهما سويًا!
❈-❈-❈
عودة للوقت الحالي..
انتبهت "مايا" لما يحدث ولكنها لن
تتقبل فرض "عمر" المستمر كلما أرادت التدخل بينهما وهي لن تستطيع فعل
هذا بـ "يحيي" حتى ولو كان مجرد زوجها السابق فهما لم ينفصلا سوى منذ
أسبوع واحد.. وما يحدث أمامه سيزيد من ارتيابه بشأنهما، حتى ولو كانت الحقيقة هي
مجرد لحظة انهيار لأم من أجل ابنها ووالده هو من يحاول أن يُهدئها.
قالت بصوت سيسمعه كلاهما والتنبيه يُغلف كل
حرف نطقت به بعد أن أجلت حلقها:
-
يحيي اهو جه، أكيد هيطمنا على ريان.
فرت من بين ذراعيه وتوجهت بهرولة نحو
"يحيي" وهي في حالة من عدم الوعي لا تؤهلها لإدراك أنها كانت بين ذراعي
طليقها الأول والآن تذهب لطليقها الثاني لكي تستطيع الاطمئنان على ابنها منه
لتحدثه بحروف تسابق بعضها بعضًا:
-
يحيي أنا مش عارفة هيحصل ايه لريان وقولت
اجيبه المستشفى هنا عشان تطمني.. كان معايا ووقع واتعور ولقيت دم على وشه وكان
بيقول إن ايديه بتوجعه ومش قادر يحركها.. أرجوك اعرف الدكاترة مخبين عليا حاجة ولا
لأ وفهمني هو فيه ايه!
لم يجدها قط بمثل هذه الحالة من الانهيار
ولكنه لا يستطيع تجاوز هذا الشعور الذي يدفعه على الذهاب لهذا الوغد خلفها وابراحه
ضربًا، ولكنه تماسك كما أنه لن يستطيع تعريض سُمعته بالعمل لمثل هذا الضرر،
والأهم؛ هي لم تعد زوجته منذ أيام بعدما وضحت له رغبتها النهائية بالانفصال عنه والطلاق
حيث أنها لن تكون سعيدة بحياة رجل ليس لديه وقت للثرثرة والاستجابة لمشاعر مبالغ
بها لن تُفيد.
حاول التحكم في الكثير من المشاعر التي تدور
بداخله كما حاول أن يتصرف بالقليل من الرسمية وأخبرها:
-
اهدي ومتقلقيش إن شاء الله هيكون كويس.
تفقدته وهي تكاد تصل لحافة الجنون لتلح عليه
متوسلة:
-
يعني ايه هيكون كويس، أنا شوفته وهو بيوقع
وبيصوت والدم اللي كان على وشه.. هو ايه اللي حصله؟ أرجوك أتكلم مرة واحدة وفهمني
فيه ايه واشرحلي!
انجرفت ببكاء شديد لتقترب "مايا"
ووقفت بجانبها بينما تفقدها هو وأخبرها:
-
لما يطلع من الأشعة، مش هنعرف حاجة قبل كده..
اهدي وبطلي عياط، وأنا أول ما أعرف حاجة هطمنك.
تركها وغادر بينما صُدمت مما فعله وشعرت بأن
رأسها يحترق وكل دمائها بداخلها تغلي وهي تراه يأخذ خطوات ويبتعد عنها لتلاحظ
"مايا" تلك الانفعالات على ملامحها فحاولت أن تهدئها:
-
روان مش كده، اهدي يا حبيبتي وهتطمني على
ريان، اللي أنتِ بتعمليه ده هيوترك أكتر وهيوتر كل اللي حواليكي والأطفال يعني
ياما بيحصلها وبتبقى شقاوة بس مش أكتر!
لم تتحرك عسليتاها من عليه ولم تكترث بتلك
التي تربت على كتفها وتبعته بخطوات سريعة لكي تلحق به ثم نادته بصوت أقرب للصياح:
-
يحيي.. أنا بكلمك وأنت بتسبني وتمشي!!
التفت لها قبل أن يجد جميع الأطباء وطاقم
التمريض بل وعمال النظافة يشهدوا على هذا الشجار الذي أوشك على الحدوث بنبرتها
التي لا يستمع لها منها سوى عندما تريد المشاجرة ليلتفت لها وهو يخبرها بنبرة معتدلة
لن يسمعها غيرها:
-
أنا رايح أنادي دكتور كويس عشان يطمني ويطمنك
على ريان!
تحفزت أكثر وحدثته بغضب:
-
وليه متفهمنيش ده؟ ليه كل حاجة كده معاك؟
أجلى حلقه شاعرًا بالإحراج عندما مر طبيب
متخصص لتوه فأومأ له باحترام بعد أن ألقى عليه السلام برسمية وأدرك أنها ستفسد
سمعته بالعمل وهي تتصرف بنفس طريقتها المعهودة فأخبرها:
-
تعالي طيب معايا، أنا بس كنت عايز الموضوع
يمشي بسرعة!
وجدته يمشي حتى توجه للمصعد فتبعته ومنها إلى
مكتب ليس به أي أحد لتدرك بعد لحظة أنه مكتب مدير المشفى، أي أنه مكتبه هو نفسه
وبمجرد التفاته نحوها رأت تلك الملامح الغاضبة على وجهه!
أدركت أنها لا تُشبه سوى كُرة في ملعب الرجال
يركلها كل من يشاء لإحراز أهدافٍ لعينة، هناك من يستغلها لإجبارها على عشقه وشتتها
لسنوات بل وآتى بكل خبثه ليعانقها منذ قليل، وها هو آخر يُشتتها فقط للحفاظ على
ماء وجهه أمام العاملين معه والأقل منه في مسماهم الوظيفي، تبًا لهذا وتبًا لذاك!
-
فيه إيه يا روان؟ أنتِ مش مكفيكي شهور
اتخانقنا فيهم، وخناق قبل الطلاق وكمان جاية تتخانقي معايا في شغلي قدام الناس بعد
ما اتطلقنا؟! أنتِ خلاص مبقاش بيجي من وراكي غير النكد والمشاكل؟!
تفقدته بتعجب وهي لا تُصدق هذه الكلمات التي
سمعتها وهتفت بعدم تصديق:
-
نكد ومشاكل!! ده بجد!