-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 61 - 2 الأحد 17/12/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الواحد والستون

2

تم النشر يوم الأحد

 17/12/2023


لا خلاف على أن نمط نوم الرضيع حديث الولادة غير منتظم خاصة في البداية. فالطفل يستيقظ للرضاعة ثم يخلد للنوم مرة أخرى. ولكن في غضون أسبوعين، سيكون الرضيع قادرًا على البقاء مستيقظًا لفترة أطول، وكذلك الحال مع النوم. تصبح مواعيد نومه أكثر انتظامًا مع نمو الدماغ والجهاز العصبي، وخلال ذلك سيتمكن من النوم لفترات أطول بين نوبات الرضاعة.


الفترة الأولى من حياة الرضيع، المتمثلة في الثلاثة أشهر الأولى، تكون مرهقة على الأم من نواحي عديدة، أصعبها يتمثل في نوم الرضيع المتقطع، الذي لا يعطي للأم وقت كافٍ لإراحة جسدها المنهك، من الحمل والولادة، وكذلك الرضاعة، والخلود للنوم في فترات غفواته القصيرة التي تعقب الرضاعة عادةً، من الصعب حدوثه مع الالتزمات اليومية، خاصة إذا كانت الأم مسئولة عن طفلٍ آخرٍ، وذلك غير مهامها الزوجية.


زفرة متعبة غادرت فمها، وهي تحاول إعادة الرضيع إلى النوم ثانية، بعد أن استيقظ من غفوته التي لم تتخطً الدقيقتين، لسبب غير معلوم، فقد أرضعته، وبدلت حفاضه بآخر نظيف، كما أعطت له دواء المغص والتقلصات، فما السبب إذن وراء بكائه وعدم نومه؟


بجوارها "عز الدين" مندثرًا تحت الغطاء، وكاد يغلبه النعاس، إلا أن نفختها القوية استرعت حواسه، وما جعل تأثير النوم يزول بشكل جزئي من عينيه، التي أصبحت تبصرها الآن، هو صوتها المنزعج وهي تغمغم:


-كان لازم تسميه عاصم يعني، أهو طلع صعب زيه.


تشكلت بسمة صغيره فوق شفتيه من وصفها، وبصوت متحشرج قليلًا من تأثير النوم سألها:


-عمل إيه بس؟


اعترى وجهها الضيق وهي تعلق بصوت عملت على ألا ترتفع نبرته، هامسة سأم:


-عمل إيه! ده مبينامش يا عز، ده كل دقيقتين بيصحى.


ارتكز ببصره عليها –بعد أن ذهب عنه مفعول النعاس- وهو يعقب بهدوء:


-مانتي عارفة انهم كده اول شهرين، مع الوقت النوم بيظبط.


هي تعلم أنها مسألة وقت، وسيتغير ذلك الوضع بالتدريج، ولكن الأعصاب تُستنزف من الضغط، ومع ذلك كانت حانية معه، لم تلجأ لتفريغ شحنات الغضب بالصياح عليه، أو مع أخيه من قبله، حتى لا تعتاد على ذلك الأسلوب الغير سوي في التعامل معهما، ولكيلا يضعف تعرضهم للصراخ المستمر من النمو المعرفي لأحد طفليها، بقت صامتة وهي تهدهده، متمسكة بآخر ذرات صمودها، وثباتها، في حين لاحظ "عز الدين" أمارات الإرهاق بادية عليها بشدة، تعاطف مع ما تبذله من مجهود مضاعف حتى تلبي كافة احتياجاتهم، خاصة الفترة الأخيرة منذ مولد "عاصم" الصغير، ولهذا عرض عليها برفق:


-لو تعبتي هاتي انيمه ونامي انتي شوية؟


وجهت نظراتها له، وناظرته بنظرة امتنان، ثم قالت له بخفوت:


-لأ خلاص بينام اهو.


لحظات أُخر وغفى بين ذراعيها، بتؤدة حتى لا تيقظة ثانيةً، نزلت عن الفراش، ووضعته في سريره الصغير الملاصق لسريرها، وحينما عادت بظهرها لتتمد على الفراش مجددًا، استمعت إلى غمغمة زوجها الخافتة:


-جه في وقته.


التفتت إليه بنظراتها المستغربة من عبارته، التقطت عيناها حينها تحفزه في نومته، وسألته باشتفاف لما فسرته:


-وقت إيه؟ عايزه إيه من ورا البصة دي؟


دنا منها وهو يعقب بملاطفة:


-هعوز إيه يعني يا زوزا؟


وما لبث أن أضاف بعبثية وهو يشرف عليها بجسده:


-أهو نلحقلنا اي حاجة قبل مايصحى.


وضعت ساعديها فوق صدره، وسألته بتعجب مدهوش من صحوته:


-انت مش كنت بتنام؟


انشق ثغره ببسمة ماكرة، وبغمزة من إحدى عينيه هسهس بمرح:


-لا ما هو طير النوم من عيني خلاص.


نظرة ذات مغزى رمقها بها وهو يضيف بإيحاء مقصود:


-وهنا مش قصدي على عاصم طبعا.


تفلتت منها ضحكة مغرية، حفازة ومغوية، وقد وهجت عيناها بانجذاب عاطفي شديد من طرقه المستميلة، القادرة على جذبها بسهولة، للانغماس في عالمهما الخاص، الذي لا يوجد منه مفر ولا مناص، بقرب يشعل الرغبات الدفينة، ويثير المشاعر الثمينة، بكل ما هو باعث على الدفء، والراحة، والسكينة.



❈-❈-❈



أحيانًا تفرض الحياة على الإنسان ما لا يريده، وأحيانًا يرى أنه قد أُجبر على العيش في وضع لن يفيده، ولكن أن يتحول الشيء الذي بغض على تواجده، إلى أعظم ما يمكن أن يملكه، هذا ما لم يكن يتخيله "عاصم" عند رفضه الإنجاب، وسخطه على تمسك "داليا" بحملها رغم كثرة ما كانت لديها من الأسباب، فها هو الآن يهرب من صخب الحياة، ويجلس بالقرب من أجمل عطايا المولى وهداياه، أطفاله، ذريته التي سيسعى لتكون صالحة، معطاءة، محبة، عطوفة، وللخير مانحة، ربما لن يكون في مقدوره بمفرده تربيتهم التربية المتكاملة، بإعطائهم كل النصائح المطلوبة، وغرز الشيم المنشودة، ولكن بمساعدة أفراد أسرته، ووجودهم الداعم، والمؤازر ستصبح بالتأكيد نشأتهم نشأة باهرة وصحيحة.


ضحكاتهم الجميلة، وتعبيراتهم الطفولية، وتلك الأصوات الصاخبة صخبًا بات محببًا، أضحت كلها أسبابًا قوية في رسم البسمة على محياه، وبعث السرور في القلب وبين ثناياه. وقف في منتصف غرفة الصغيرين، يتابع لعبهما، ويرصد كافة حركاتهما، وهو يهدهد رضيعته الغالية، ومن الحين للآخر يتفقد ما إذا كانت قد غفت، وأثناء نظرة خاطفة لمح جفنيها المغمضين، ممَ جعله يثبت نظره عليها، وبنظرات محبة ظل يتفحص ملامحها الصغيرة، وجمالها الفريد، والذي بدا له في نفس الآن مألوفًا. منذ الوهلة الأولى شعر أنها تقارب في الخِلقة زوجته، ولكنه كان مع ذلك يشعر ببعض التعبيرات الشبيهة لأخرى محفورة في ذهنه، وسكونها الحين بين يديه، جعله يتأكد من ذلك الشبه، ونتيجة لذلك ارتسمت بسمة واسعة على شفتيه، اهتزت قليلًا عندما انتبه إلى مجيء "داليا"، السائلة بفضول:


-بتضحك على إيه؟


 الصفحة التالية