-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 61 - 3 الأحد 17/12/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الواحد والستون

3

تم النشر يوم الأحد

 17/12/2023


عاد ببصره إلى رضيعته مجددًا، وأخبر زوجته بسرور:


-شبه ماما.


ارتفع حاجباها بطريقة معبرة عن تفاجؤها بمَ أبلغها به، وسألته بطيف بسمة بدأ في الارتسام على وجهها:


-بجد!


في ظل تفحصها للرضيعة النائمة، سألها باستفهام:


-ايه مش حاسة؟


اتسعت بسمتها بعدما لاحظت شبهًا واضحًا بين وجهها الغافي الحين، وصورة قديمة لخالتها، سبق وقد رأتها في ألبوم صور للعائلة، وهللت بطريقة فرحة لذلك الشبه، مؤكدة:


-ايوه فعلا، انا لسه واخده بالي دلوقتي.


سر ذلك الشبه "عاصم" كثيرًا، فعلى الأقل بعد وفاتها، سيرى وجهها في طفلته العزيزة، وبعد برهة قليلة أضافت "داليا" برقة:


-انا كنت فكراها شبهي، بس طلعت شبه خالتو اكتر.


علق على ما قالته بهدوء رزين:


-ماهي شبهك برضه، انتي ناسية إنك شبه ماما؟


هزت رأسها بالسلب، فهي بالفعل أشبه في الخلقة لخالتها، ولهذا كانت تراها ابنة لها منذ ولادتها، وعلى ذلك الأساس عاملتها، حتى أنها بعد وفاة والديها تحملت كامل مسئوليتها، ولكن مرضها هو ما جعلها بغير قصد تهملها، وتقصر في إمدادها باحتياجاتها، من العطف، الحنان، والتوجيه، ولكنها لن تنكر أبدًا مواقفها الطيبة السابقة لذلك. غامت عينا "عاصم" خلف سحابة رقيقة من الدموع، وهتف بحنين:


-كانت هتفرح اوي لو كانت شافتها هي واخواتها.


مسحت برفق فوق جانب ذراعه، ورددت بخفوت:


-ربنا يرحمها.


على ذكرها تذكر الحلم الطويل، الذي صاحب غيبوبته، حول نظره بغتةً نحو زوجته، وأخبرها بلمحة متأثرة:


-تعرفي اني حلمت بيها وانا في الغيبوبة.


ظهر التفاجؤ على محياها، وسألته:


-بخالتو؟


أومأ بتأكيد، وقال بعد برهة بصوت بائس:


-كانت عايزه تاخدني معاها.


خفقة قابضة عصفت بقلبها من جملته، أمسكت بكفه المعاون للآخر المحاوط الرضيعة، وكأنها تطمئن نفسها بوجوده، وطلبت منه بعد ذلك بفضول:


-احكيلي الحلم.


هز رأسه بإيماءة موافقة، ولكن قبل ذلك ذهب ليضع الرضيعة فوق السرير، لترتاح في نومها، توجه بزوجته بعد ذلك ليجلسا على أريكة قريبة من السرير، وكذلك من موضع الولدين، ثم بدأ في الاسترسال مسردًا:


-كنت في مكان واسع، وكان في ولد وبنت صغيرين  شوفتهم بيضحكولي من بعيد، كانوا حلوين اوي، لفت انتباهي وجودهم في المكان الكبير ده لواحدهم وكنت عايز اروحلهم.


ارتكز بعينيه على ولديه المشاغبين، وببسمة تحمل حبًا أبويًا، أكمل:


-بس فجأة ظهر نائل ورائف على شمالي، وكانوا في سن اكبر شوية، وشاورولي برضه عشان اروحلهم.


اتسعت بسمته وهو يتابع بعد أن انتقل ببصره لها:


-فرحت اني شوفتهم وكنت رايحلهم فعلا خلاص، بس الولد والبنت التانيين شاوروا بإيديهم في نفس الوقت على حاجة ورايا، ولما دورت وشي لقيتها ماما..


ظهرت بعينيه لمعة رطبة، واهتز صوته وهو يردد:


-فرحت اوي وعيطت من المفاجأة، دي أول مرة اشوفها من بعد ما ماتت وكان نفسي أوي اترمي في حضنها، بس اللي منعني من اني اروحلها انتي.


قطبت جبينها وسألته بتفاجؤ وهي تشير على نفسها:


-انا؟


أومأ بهزة بسيطة، ثم أخبرها:


-ندهتي عليا فجأة، ولما دورت وشي ليكي، لقيتك واقفة مع نائل ورائف وبتشورولي عشان اجيلكم انتم.


زفر نفسًا سريعًا قبل أن يكمل بتؤثر:


-في اللحظة دي فضلت واقف في النص مش عارف اعمل ايه، ولا اروح لمين، اروح لماما اللي نفسي اترمى في حضنها؟


عبرت عيناه عن حبه الشديد لهم وهو يضيف:


-ولا لمراتي وولادي اللي مش بقدر ابعد عنهم؟ 


بقت تنصت له ببسمة صافية بغير أن تقاطعه، وهو يحكي:


-بقت رجل ورا ورجل قدام، لحد ماخدت قرار اني اروح لماما، كانت وحشاني اوي، وكان الولد والبنت كمان راحولها وكنت عايز اعرف هما مين، وليه راحوا لماما وماجوش ليا، أو حتى راحولكم.


توقف لهنيهة ليلتقط أنفاسه، ثم تابع:


-وفعلا مشيت وبدأت اسرع رجلي ومديت ايدي ليها، وقبل ما ايدها تمسكني، صوت جميل اوي نده من ورايا قالي بابا.


التفت بوجه نخو ملاكه الصغير، وأصغر فرد في أسرته، وردد بحب:


-دورت وشي علطول، لقيت بنت حلوة شبه الملايكة، كانت اصغر من نائل ورائف حاجة بسيطة، وكانت واقفة بينهم بتضحكلي..


عاد ببصره نحو "داليا"، وقد ابتسم وجهه، وانبجس الانبهار من صوته وهو يخبرها:


-ضحكتها كانت جميلة اوي، مقدرتش اشيل عيني من عليها، لدرجة انها اول مامدتلي ايديها عشان اروحلها، نسيت نفسي ولقيت رجلي بتجري عليها من غير ماحس، وأول ماشتلتها وخدتها في حضني الحلم خلص، وتقريبا فوقت بعدها على صوت مانيسا.


توسعت بسمة متأثرة من نهاية الحلم على وجهه، الموضح اختياره لهم، حتى في غياهب فكره، وخلال فقد وعيه، اختفت للحظة من مباغتتها بقوله:


-لأ لحظة، لمسة إيدك.


زوت ما بين حاجبين باستغرب وسألته:


-مالها؟


أخبرها بتذكر بصوت يقطر بالعاطفة:


-صحيت على لسمة إيدك على وشي.


تذكرت في تلك اللحظة تحسسها لوجنته قبل أن تبكي الرضيعة وتخرج بها لترضعها "زينة"، فوجودها ساعده حقًا في الاستيقاظ من تلك الغيبوبة اللعينة، ولكن صوت ملاكهما الصغير هو ما حفزه، وأنعش وعيه، وأعاده في لحظتها إلى أرض الواقع. زاغت بعينيها نحوها، وسألته ببسمة مستشفة:


-عارف مين البنت الجميلة دي؟


ضحك ضحكة صغيرة، ورد عليها ونظراته موجهة لصغيرته:


-مانيسا.


اختفت إشراقة وجهه على حين غرة، حينما توصل إلى هوية الطفلين المجهولين، فإذا كان الثلاثة أطفال الذين كانوا بصحبة زوجته هم أولاده، فهذا يعني أن الطفلين اللذين رحلا مع والدته، هما الجنينان الذي أجهضهما قسرًا من رحم أمهما، اغمض عينيه بندم، ثم ما لبث أن سألها بتحسر:


-وعارفة مين الولد والبنت؟


لم تكن بحاجة للتفكير في أمرهما، خاصة بعدما أتم سرد الحلم، فالتفسير البديهي يشير إلى أنهما الجنينان اللذان سبق حملاها بهما لحملها بالتوأم، وحتى تزيل ذلك البؤس الذي ارتسم على وجهه، أخبرته بهدوء:


-هما في مكان احسن، عصافير في الجنة.


لم تخفف كلماتها من وطأة الندم على روحه، وقال بضيق بعد زفرة مختنقة:


-بكره نفسي كل مابفتكر اني موتهم، مش عارف ازاي ربنا هيسامحني على ذنب زي ده.


وضعت يدها فوق ظهر كفه، المنبسط فوق فخذه، وقالت له بمؤازرة:


-ربنا يسامحنا احنا الاتنين، وأكيد هو اختارلهم الأحسن، استغفره يا عاصم وهو إن شاء الله يغفرلك.


تعجب من طريقتها الجديدة في التحدث، والمنافية لطبيعة شخصيتها السابقة، وكأنها قد تربت على يد أحد أولياء الله الصالحين، وليس في بيئةٍ أقل ما توصف به أنها مستنقع للموبقات، لان وجهه بعد عباراتها الدافئة، واستبقى نظره واهتمامه معها وهي تتابع:


-انا يمكن لسه معرفش حاجات كتير في الدين، اللي اكتشفت إني منسوبة ليه اسمًا.


لاحت عزيمة تعج بالتفاؤل فوق وجهها وهي تضيف:


-بس الأكيد اني بحاول اقرب من ربنا، وبحاول اصلي بانتظام، واقرأ في القرآن، وعندي أمل ان ربنا يغفرلي.


توقفت لهنيهة، فقد أرادت أن تشجعه إلى التقرب إلى الله هو الآخر، ليغفر له سابق ذنوبه، ويفرج همومه، ثم قالت بحذر:


-وانت كمان يا عاصم حاول..


تفقه ما هي على شفا قوله، وقاطعها مخبرًا إياها:


-انا صليت مع عز اخويا.


لاحت صدمة تمتزج بسرور واضح فوق محياها من ذلك النبأ المفاجئ، في حين تابع هو ببعض الخزي:


-طبعا مش محتاج أقولك اني مكنتش بعرف اصلي.


بعد تنهيدة محملة بمشاعر متضاربة، استرسل:


-دخلني الجامع، وعلمني اتوضا، وساعدني احفظ صور صغيرة من القرآن اللي عمري ما قرأت فيه، صليت بيهم لأول مرة في حياتي، في مكان عمري مادخلته، وسط شيوخ وأئمة متخيلتش في يوم إن ممكن مكان يجمعني بيهم.


عج صوته بالامتنان وهو يعترف:


-عز عمل معايا حاجات لا ابويا علمهاني، ولا امي حتى بحكم دينها فكرت فيها.


من الطبيعي أن تعجز والدته عن حثه على القيام بالفروض الدينية، لاختلاف ديانتهما، فهي كانت مسيحية، بينما انتسب "عاصم" إلى ديانة أبيه، أما والدة "داليا" فقد أسلمت عند الزواج، تنفيذًا لرغبة زوجها، وليس حبًا في الدين في حد ذاته، ولهذا من ناحيتها هي الأخرى لم تزرع بابنتها الأصول الدينية، فكان الجانب الديني في حياة الاثنين مسمًا، وليس أساسًا تُبنى عليه شخصيتهما، ولهذا انحرفا عن الصواب، وارتكبا المحرمات بغير إدراك بسوء العقاب، ولكن أراد الله أن يعطى لهما فرصة ثانية، بوضع "عز الدين" و"زينة" في طريقهما، أخذا بيداهما، ودلهما على الطريق الصحيح، الذي يكمن في مسلكة الهداية، وصلاح الحال. عبرت ملامحها عن نفس الشعور بالعرفان بالجميل، وهتفت:


-عز وزينة دخلوا حياتنا في وقت لو مكانوش موجودين فيه كنا ضيعنا.


اتفق معها في كلامها، فالفضل الأكبر يعود لهما بعد المولى في دعمهما، نفسيًا، ودينيًا، وأسريًا، ظل موجهًا بصره عليها بنظرة مرتخية حتى التصقت بجذعه، وأعقبت جملتها بقولها الرقيق:


-بس الأكيد إن مهما ضيعنا هنلاقي بعض تاني.


زين ثغره بسمة صغيرة، تقطر حبًا، ضمها له بذراعيه وهو يؤكد على ما قالته بصوته الرخيم:


-أكيد يا حبيبتي.


ظل لبرهة من الوقت على نفس الوضع الحميم، حتى طرأ بذهنها أمر بعينيه، أرادت أن تحدثه به، وبعد حمحمة بسيطة، قالت له:


-على فكرة..


رفعت وجهها له، وعندما تراءى لها نظره المرتكز عليها، والمنتظر لتتمة عبارتها، تابعت بصوت جاد:


-مي حكيتلي على كل حاجة.


 الصفحة التالية