-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 62 - 1 الإثنين 25/12/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الثاني والستون

1

تم النشر يوم الإثنين

 25/12/2023



ظل الفضول يأكله، والتفكير طوال الليل لازمه، فالتخمين لم يصل به لشيء، حول تحديد نوع تلك الأمانة، ولهذا لم يؤجل الخطوة التي عزم عليها، وأول ما قام به صباح اليوم التالي، هو ذهابه إلى قصر "هشام الكيلاني". خلال ولوجه من الباب الداخلي للفيلا، طلب من العاملة أن تبلغ رب عملها بنبأ مجيئه، بتلك الزيارة المتفق عليها مع "مجد" منذ أمس، انصاعت لأمره، وقادته –قبل أن تذهب لتنفيذه- حتى غرفة الضيافة. فتح زرار سترته وهو يجلس على أحد الأرائك بالداخل، ولم يتخطَ انتظاره الدقيقتين، حتى انتبه إلى دخول "هشام" من باب الحجرة، على فوره نهض احترامًا لحضوره، وبعد تبادل التحية فيما بينهما، والعبارات الابتدائية، أخرج السيد "هشام" من جيبه علبة قطيفة، استرعت اهتمام الآخر، وآثارت استغرابه في نفس الآن، وما ضاعف من ذلك الشعور هو فتحه لها تحت مرمى بصره، رائيًا محتواها بعدما أخرجه بوضوح، والمتمثل في فردتي حلق صغير، ثم أخبره الأخير وهو يمد يده الممسكه بهما له:


-جدتك والدة باباك، كانت ادتلي ده.


تناولهما من يده، وبينما يتفحصهما بنظراته المستغربة، ردد بتعجب:


-حلق!


أخبره بإيضاح بصوته الوقور:


-وصتني أديه لكمال لما عرفت إن مامتك حامل.


رفع مقلتيه الحائرتين له، وسأله باهتمام:


-وليه جدتي مدتهوش لبابا بنفسها؟


رد عليه بملامح طغى عليها الأسف:


-أبوك كان مقاطعها هي وجدك.


ضم شفتيه بتفهم يمتزج بالبؤس، في حين أضاف "هشام" بإسهاب:


-وانا وقتها جيت اديه لابوك مرضاش، وقالي مش عايز منهم حاجة، ورجعهلهم أو خليهولك وابقى لبسوا للبنت اللي تجيبها..


بقى "عاصم" متنبهًا لِما يفوه به، وهو يكمل برزانة:


-انا خليته معايا ومرضيتش أرجعه لجدتك عشان مكسرش خاطرها، ومرضيتش برضه اديه لوالدتك، قلت بلاش اعملها مشاكل مع ابوك لو شافه معاها، وكمان بعدها عرفت إن نيرة هانم الله يرحمها حامل فيك، فمكنش قدامي حل غير اني أخليه معايا.


حرر زفيرًا متريثًا، ثم عاود الحديث:


-ومن يوميها لحد النهارده وهو كان متعان في خزنتي.


رسم بسمة هادئة على وجهه البشوش، وأخبره باختتام:


-مجد عرفني من يومين انك جبت بنت، فحسيت إن الامانة جه وقت إنها تروح لصحابها.


ظهرت سعادة حقيقية على محياه، فحصوله على قرطين عائدين لجدته، التي لم يرها مسبقًا، لهدية ثمينة، وعظيمة القيمة بالنسبة له، تبسم وجهه وشكره بحبور:


-شكرا يا هشام بيه، انت مش عارف انا مبسوط بيه ازاي.


فرق نظره بين القرطين المنبسطين في راحته، وبين الصديق السابق لوالده، ولم يلبث أن أضاف:


-أنا مشوفتش لا جدي ولا جدتي، كان مجرد صور ليهم، وكنت عرفت انهم اتوفوا وانا صغير، ومتخيلتش إن ممكن ألاقي حاجة من ريحتهم.


عبرت ملامح "هشام" التي حفر عليها الزمن آثاره، عن فرح بسماعه لتلك الكلمات المشبعة بالحنين، وحينئذٍ استطرد بصوته الرزين:


-جدتك وجدك كان نفسهم يشوفوك أوي، ومرة اتججت لابوك وأخدتك معايا مشوار، ووديتك ليهم.


عبر وجهه عن محاولة تذكره لتلك الذكرى المجهولة، ممَ دفع الآخر لإخباره عند ملاحظته لذلك:


-مش هتفتكر انت كان عندك سنتين، بس كنت فتان.


تفوه بعبارته الأخيره بمرح طفيف، حينها ضحك وجه "عاصم" وتساءل بدهشة:


-ليه بس؟


بنفس طريقته الهادئة في الحديث، أجابه بإيضاح:


-لما رجعنا سألك كنت فين يا عاصم، قلتله كنا عند واحدة وواحد.


من معرفته بدهاء والده، ومكره المماثل لمكر الثعالب، أرجح الظن إلى عدم تصديق ادعائه، رفع أحد حاجبيه بترقب، وسأله بتوجس:


-بابا عرف؟


هز رأسه بالسلب، وتشكلت بسمة ضاحكة فوق وجهه، أظهرت نواجذه، ونفى بإطناب:


-لا معرفش، قلتله إني خدتك البيت عندي، وشوفت اخت مراتي وجوزها.


ضيق عينيه بغير تصديق أن يكون مر الموقف دون عراقيل من ناحية والده، أو حتى شك اعتراه نحوه، وسأله بتعجب:


-وهو صدق بسهولة كده؟


رفت بسمة واثقة فوق ثغره، ورد عليه باغترار مرح:


-معرفش يوقعني، انا مكنتش سهل برضه.


تفلتت منه ضحكة صغيرة، خبت أماراتها عندما لاح الشوق فوق وجهه، وردد بحزن جلي:


-ربنا يرحمه.


تراءى له ما طرأ على محياه، من شجن واضح، وسأله باشتفاف لمَ استنبطه:


-وحشك؟


غامت ملامحه خلف بؤسٍ دفين، وأجابه بأسى:


-غصب عني بيوحشني، انا كنت بكره أسلوبه وطريقة معاملته ليا، بس مكنتش بكرهه.


تنهد بعد ذلك مطولًا قبل أن يصارحه، مخرجًا ما بجعبته:


-يمكن فوقت بعد ما مات، وعرفت اشوف الدنيا بعيني، وافكر بدماغي، بس حاسس إني ناقصني حاجة كبيرة، رغم اني عمري ماشوفت منه حنان، بس كان ضهر ليا وحماية.


تعاطف "هشام" مع شعوره، ودعا بهدوء خالٍ من الضغينة:


-ربنا يسامحه ويرحمه.


لفهما صمت دام للحظات قلائل، شرد خلالها ذهن "عاصم" في تفكيره النادم، وتأنيب الضميره الذي يعنفه على الدوام، على سابق ما اقترفه بحق تلك العائلة، ممَ أشعره بالخزي من تلك المعاملة الطيبة التي بات يتلقاها خاصة من الأب وابنه، ولهذا أراد أن يعرب عن ذلك الندم بطلب الغفران، الذي أبداه بتساؤله المباغت والمختلط بالحرج:


-انت مسامحني يا هشام بيه؟


رق قلبه لرؤية الطفل الصغير الذي اُغتيلت براءته، حتى تحول لشيطان متجسدٍ على هيئة بشر، عاد مرة أخرى في جسد رجل كبير، يُظهِر أسفه وهو يتحاشى النظر له. حينها عفاه عن ذلك الحرج بقوله الطيب، والمتسامح:


-انت ابني يا عاصم، قلتلك اني شيلتك قبل مجد، والابن ياما بيغلط والأب بيسامح.


تغلغلت لقلبه سعادة تمتزج براحة لاحت فوق قسماته التي ارتخت، وعلق بلباقة ودودة:


-وانا شرف ليا انك تكون ابويا.


سره رده الطيب، الذي يوحي باندثار الشخصية السابقة، المشابهة لوالده في طباعها، وقال له برضا:


-انت غير ابوك، وانا كنت عارف ان هييجي يوم والغشاوة تتشال من على عينيك.


كان لوقع كلماته على سمعه، بالغ الأثر على قلبه، الذي خفق خفقة هزت كيانه، برعشة قوية طالت كامل وجدانه، فبعد أن عاث، وأساء، وطغى في بأسه لسنوات، بعزيمته، وأصراره تاب واستقام، وأضحى عاصم النفس عن فعل الموبقات، اهتدى واسترشد، وأصبح يُكَن له الاحترام، اختلفت نظرة المحيطين به، فبات يرى فخرًا وتقديرًا بصلاحه، وليس نظرة رعب أو خوف من بطشه وسوء عقابه، تحكم فيمَ انتابه من حالة تأثر عارمة، عندما غير "هشام" مجرى الحديث، بسؤاله المهتم:


-مقولتليش بقى سميت القمورة الصغيرة إيه؟



❈-❈-❈



احترامًا لترتيبه لتلك الزيارة معه، وأخذ موعدها منه، لم يكتفِ بإعلام أبيه بقدومه المنتظر، بل وعمل على الوجود في منزل العائلة قبل مجيئه، كنوع من التقدير له، ولكن صادف خلال الوقت الذي حضر به، إجرائه لاتصالٍ هاتفيٍ مع أحد عملائه، ممَ ضيع عليه استقباله له بنفسه، وعندما انتهى من المكالمة الطارئة علم من العاملة باستضافتها له، التي أعقبها نزول والده، مجتمعًا به في غرفة الصالون. تعامل مع الموقف بحكمة، وترك لهما حيزًا للحديث دون تدخل، فلربما والده لا يرِد الإفصاح عن نوع تلك الأمانة أمامه، أو من المحتمل أن يجرفهما الكلام إلى التطرق لأمور قد تحرج "عاصم" في حضوره، لذلك بقى في البهو، جالسًا على إحدى الأرائك، متصفحًا أحد برامج التواصل الاجتماعي، ريثما ينتهي ذلك الاجتماع المغلق، والمبهم التفاصيل بالنسبة له إلى حين. 


بضعة دقائق مرت على جلوسه، ورفع مقلتيه نحو باب الغرفة –الماكثين بها كل من والده وصديقه السابق- الذي فتح بغتةَ، أعقبه خروج "عاصم" من الداخل، في حين ظل والده في الغرفة. نهض عن جلسته، وزين وجهه ببسمة بسيطة، وما إن صار في مقابلته، حتى سأله بقليل من الفضول:


-ها، طلعت إيه الأمانة؟


 الصفحة التالية