-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 62 - 2 الإثنين 25/12/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الثاني والستون

2

تم النشر يوم الإثنين

 25/12/2023



ضيق عينيه عليه، وسأله باشتفاف:


-يعني مكنتش تعرف؟


هز رأسه هزة صغيرة بالسلب، ثم قال له بنبرة صادقة:


-مرضاش يقولي، عملي جو إثارة وتشويق وقالي كلم عاصم عشان في أمانة معايا ليه وقفل على كده.


عندما تراءى له صدقه غير الزائف، قام بإخراج قطعتي الحلي من جيبه، ورفعهما مقابل بصره، حينها زوى ما بين حاجبين بتعجب، ثم تشدق:


-حلق! انت بتشتغلني ولا إيه؟


انفرج ثغره ببسمة صغيرة، ورد عليه بنبرة عادية:


-والله نفس استغرابي.


تحفزه في وقفته أوحى لـ"مجد" شروعه في المغادره، ولهذا أخبره بعد ربتة رفيقة فوق جانب ذراعه:


-طب تعالى احكيلي الموضوع في الكام خطوة دول.


صاحبه إلى الخارج بخطوات متمهلة، لانشغال واحد منهما في السرد والآخر في الاستماع، وبعدما وضحت الرؤية لـ"مجد"، وانتهى "عاصم" من الاسترسال، الذي أوقفه عند تساؤل "هشام" عن اسم الرضيعة، تساءل هو الآخر عن اسم تلك الصغيرة، التي ستملك أمانة جدة والدها، مستفهمًا بوجه باسم:


-وإيه بقى اسم القمورة الصغيرة صحيح؟


لم يستغرق لحظة قبل أت يجيبه:


-مانيسا.


لاح الاستغراب على وجه "مجد" من وقع الاسم الفريد على سمعه، قرأ "عاصم" ببساطة ما تشكل على قسماته، وقال بانزعاج مصطنع:


-مش معقول كل ماقول لحد الاسم يستغرب كده.


مط شفتيه بحركة تلقائية، قبل أن يخبره بإعجاب لا يخلو من استغرابه:


-هو غريب بس حلو.


ظهر الاعتداد بالنفس على محياه، وعلق بطيف غرور:


-طبعًا مش اسم بنتي.


ارتفع حاجباه من طريقته المتعجرفة، وعقب باستنكار:


-دي كمان فيها غرور!


عاد وجهه إلى طبيعته وقد تشكلت ضحكة خافتة، اختفت بشكل تدريجي حينما جال في ذهنه أمر بعينه، سريعًا ما حدثه فيه، بصوت عج بالحرج:


-وانا جوا سألت هشام بيه إذا كان مسامحني ولا لأ..


حك بأصابعه مؤخرة عنقه بارتباك ملحوظ، مطنبًا ببعض التلبك:


-وجه الدور أسألك، ولو عايز تعاتبني...


حال "مجد" دون إتمام عبارته، قائلًا برفض جاد:


-مالهوش لازمة يا عاصم.


لم يفهم رفضه على أي جزء ممَ قاله، على مسامحته له، أم على العتاب؟ ولهذا قال بندم صادق:


-انا عارف اني عملت حاجات صعبة، ماتسامحش عليها، بس انا..


قاطعه ثانية، حتى يزيل عنه ذلك الخزي الذي دُمغ، والتصق بقسماته، مرددًا برفق:


-خلاص انسى.


ضم فمه بصورة توحي بأسفه، بينما أضاف "مجد" بلهجة جادة:


-انا مبقتش حاطت في دماغي حاجة صدقني، الدنيا مش مستاهلة نتخانق ونتخاصم ونتعاتب، كفاية بقى السنين اللي فاتت.


استبقى "عاصم" نظراته المشبعة بحرج، ضاعفه تسامحه وغفرانه، بينما أكمل الآخر:


-وأهم حاجة إنك اتغيرت وعرفت إنك كنت ماشي في سكة غلط، مجالكش من وراها غير التعب ووجع القلب.


لم يعلق "عاصم" على ما قاله، رغم اتفاقه معه، حينها تعحب "مجد" من صمته، وضيق عينيه عليه وسأله باشتفاف:


-مش عرفت برضه ولا إيه؟


حرر تنهيدة متعبة، من كل ما جابهه الفترة الأخيرة من حياته، والناتجة عن سوء أفعاله السابقة، ثم أجابه بإيجاز مؤكدًا:


-عرفت.


توقفا عن السير حينما وصلا إلى موضع اصطفاف سيارة "عاصم"، وفي نفس اللحظة انتقل بصرهما نحو البوابة الحديدية للفيلا، بسبب الدخول المفاجئ لسيارتي زوجي أختي الآخر، قطب "مجد" جبينه من مجيئهما المباغت، وزاد تفاجؤه عندما وجد زوجته وشقيقته كذلك تترجلن من السيارتين، ورفقتهن الصغيرين، "يزيد" و"يامن"، ممَ جعله يتفوه بدهشة:


-إيه ده في إيه، هما لموا بعض وجم على غفلة كده ليه؟


تقدموا منه وبحوذتهم صناديق مغلفة، متفاوتة الأحجام، ومجهولة المحتوى، وحينما أصبحوا مقابلين له، تحدث "عدي" بصوته المرح:


-والله احنا عارفين إنك ملكش في جو المفاجآت فجينا بالهدايا في إيدينا.


ازداد تعجب "مجد"، وفرق نظره فيما بينهم، منتقلًا نظره على علب الهدايا، وتساءل بحيرة:


-مفاجآت إيه؟ والهدايا دي لمين؟


حينئذٍ هتفت زوجته محدثة أختي زوجها، وزوجيهما:


-مش بقولكوا مش فاكر حاجة، ده تلاقوه ميعرفش النهارده كام في الشهر أصلا.


من لهجتها المتذمر، ذهب شكه نحو عيد زواجهما، ناظرها بنظرة بها بعض التوتر وهو يعلق بتوجس:


-احنا متجوزناش الشهر ده، ده مش عيد مش جوازنا.


تراءى لها خوفه من نسيانه لتلك الذكرى السنوية المهمة، والمميزة بالنسبة لهما، وبينما انشق ثغرها بضحكة متأثرة، وقبل أن ترد عليه عقب "جاسم" بفظاظة:


-جوازكم إيه! ولو عيد جوازكم هنجيبلكم هدايا ليه واحنا مالنا.


توسعت عيناه بنظرة متفاجئة من فجاجته، وعلق بذهول:


-إيه الذوق ده؟ أخلاقك العالية بهراني الحقيقة.


جلجل في المكان صوت ضحكهم المتفاوت في العلو، وعنظما بدأ الصوت يخبو، تقدمت منه "أسيف" وهي لاصقة بسمة ودودة فوق شفتيها، وقالت له برقة:


-كل سنة وانت طيب يا مجد.


تدارك لتوه سبب تجمعهم، والمناسبة المجهولة التي اتضح أنها تخصه، وبنبرة توحي بانتباهه ردد:


-عيد ميلادي! 


دنا منها وضمها بعناقٍ صغير، ورد عليها بمحبة أخوية:


-وانتي طيبة يا حبيبتي.


عندما فرقا العناق، رفعت نظرها لها، وأخبرته ببسمة طيبة:


-انا اللي اقترحت نتجمع ونيجي نقضي اليوم النهارده مع بابا ونحتفل سوا كلنا.


بادلها بسمتها ببسمة مبتهجة، وردد باستحسان:


-حلوة الفكرة، والمفاجأة كمان.


في تلك اللحظة وحول الجميع نظراتهم، نحو الصامت منذ مجيئهم، حينما كلمه "عدي" بنبرة ودودة، مطمئنًا على أحواله الصحية:


-ازيك يا عاصم، عامل إيه دلوقتي؟


رسم بسمة منمقة فوق شفتيه، ثم رد عليه برضا:


-الحمد لله بخير زي مانت شايف.


تدخلت "رفيف" في الحديث بقولها الطيب:


-متجهدش نفسك من أول أسبوع كده..


حول "عاصم" نظره لها بانتباه، في حين تابعت هي تنصحه:


-يستحسن ترتاح في البيت الفترة دي، وبلاش خروج الصبح في الشمس، خلي خروجاتك بالليل لحد ما وضعك يستقر.


ارتسم تعبير ساخر على محياه، فمن تقدم له النصيحة، من سابق تجربتها، كان هو المتسبب فيما أُلحق بها حينها، بعد زفرة مطولة، علق بشيء من الخزي:


-المفروض اسمع كلامك طبعا، مانتي مريتي بالمرحلة دي قبلي.


فطنت من عبارته هزوه، ولكنه لم يكن على أحدٍ سوى نفسه، التزمت الصمت، فلم يكن لديها ردًا تعقب به على ما فاه به، بينما سألها هو بعد تردد لحظي:


-هبقى بجح لو اعتذرت مش كده؟


سعدت لمبادرته في الصلح، وردت عليه بقبول لاعتذاره مسبقًا:


-مش هتبقى بجح ولا حاجة، ولو في نيتك تعتذر فاعرف ان اعتذارك مقبول.


وكأنه شعر بعدم استحقاقه لتلك المسامحة، بالأخص منها، لما ألم بها من أذيٍ جسيم، بالحادثة التي دبرها لها، وحتى يلفت نظرها إلى سوء ما ارتكبه بحقها، قال بخزي:


-انتي كان ممكن تموتي.


قابلت ما قاله بوجه مرتخي، وعلقت بهدوء يقطر منه التسامح:


-وانت كمان كان ممكن تموت، ومحدش فينا مات، ولسه واقفين قصاد بعض أهو، واتعرضنا لنفس الحادثة، ولو انت مسامح اللي خبطك، فانا كمان مسامحك.


نظر بعينيها وقال بإيحاء مقصود:


-سامحتيني بعد ما ذنبك خلص.


لم تعلم أجملته خبرية أم تساؤلية، ولكنها أعجزتها عن التعليق، فبالفعل السبب الأكبر لمسامحته كان راجعًا لما تعرض له من حادث أليم، نجم عنه رقوده في المشفى بين الحياة والموت لشهرٍ ونصف، ولكنه حكم على ذلك من منظور آخر، ألجمها عن الرد، وبقت تطالع ما يطرأ على محياه من ندم واضح، منصتة إلى قوله:


-انا معترف إني أذيتك، وحياتك كان هتنتهي بسببي، بس انا ماكانش في نيتي اموتك.


قبل أن يفهموا ما فاه به من زاية غير الذي يقصدها، أكمل بتوضيح:


-انا مش بحلل، أو ببرر، لإني غلطت إني دخلتك في عداوة ملكيش يد فيها، ولإني بعدها عملت اللي أفظع من كده، ورتبت لجريمة أشنع، لولا ستر ربنا.


أطرق نظره لأسفل وهو يطنب بتأسف شديد:


-بس انا فعلا كان شيطاني عاميني، ومعرفش لحد دلوقتي ازاي تفكيري راح لأذى حد بالشكل ده.


حول نظره نحو "مجد" متابعًا بتحسرٍ:


-والحد ده كان في يوم من الأيام أعز اصحابي.


شعر "مجد" بالأسى عليه، خاصة وأنه يعترف بمساوئه، ويظهر ندمه في حضورهم جميعًا، وهذا ليس بالأمر السهل على شخص لم يكن يتقبل الاعتراف بالخطأ، ومن ناحية أخرى لم يرد أن ينهك نفسه في جلده المستمر لذاته، حتى لا يأتي بنتائج عكسية على نفسيته، خاصة خلال تلك الفترة الحرجة، وضع يده فوق جانب ذراعه، واستوقفه عن قول المزيد بقوله بتريثٍ:


-احنا قلنا إيه بقى يا عاصم، الدنيا متستاهلش، وانت كنت هتروح فيها في غمضة عين..


حرر زفرة سريعة قبل أن يضيف بحكمة:


-ومين عالم الدور ممكن ييجي على مين فينا، مش هنقضيها زعل وخصام لحد ما ييجي يومنا.


بعدما أنهى عباراته لـ"عاصم"، انتقل بنظره نحو "جاسم"، الآثر الصمت منذ مجيئه، وسأله بهدوء موحي:


-مش كده ولا إيه يا جاسم؟


فطن إلى قصده، وبعد حمحمة بسيطة جلى به صوته، تكلم بجدية:


-انا كان كل اللي فارق عندي سلامة رفيف، وطالما هبقى متطمن عليها، وهتبقى بعيدة عن أي أذى، فانا مفيش بيني وبين حد عداوة.


آخر ما قاله، تفوه به وهو ينظر إلى "عاصم"، الذي علق بعدما انتهى بأسف:


-انا اللي عملت العداوة دي معاك، وانت مكانش ليك دخل فيها، من أول موضوع الصور، لحد حادثة مراتك.


نظر كل من "جاسم" و"رفيف" لبعضهما البعض بنظرة تجمع الكثير من المشاعر المتضاربة، في حين أضاف "عاصم":


-بس خلاص العداوة دي لا هتبقى معاك ولا مع غيرك، لإنها مكانش ليها أي سبب منطقي من البداية.


صمت للحظة، يلتقط نفسه، ثم قال ببؤس:


-وزي ما مجد قال الدنيا متستاهلش، وأوعدك إني مش هقرب لحد فيكم تاني.


شرع في التحرك بعد ما قاله، حينئذٍ منعه "مجد"، الذي تعاطف مع ذلك الحزن المنبجس من عينيه، قائلًا بود:


-إيه الكلام ده انت هتدخل تقضي اليوم معانا بما إنه طلع عيد ميلادي، ولو على الهدية اعتبرها يا عم وصلت.


ردد أخر ما قاله بمرح طفيف، حينها رسم "عاصم" بسمة صغيرة وهو يعتذر منه بلباقة:


-معلش بقى اعفيني المرادي، وهديتك محفوظة متقلقش، وكل سنة وانت طيب.


أراد أن يماطل معه في الحديث، حتى لا يغادر بذلك الوجه المنطفئ، النابع من شجن دفين بين ثنايا قلبه، وسأله وهو يأخذ ابنه من بين يدي زوجته:


-طب مش هتشوف يزيد، مش كنت بتسأل عليه؟


حمله منه ووجهه قد عادت له إشراقته، داعب وجنته بإصابعه، التي انتقلت إلى خصلاته السمراء، المماثلة لشعر والده، وبعدما قبله بحنوٍ، أعطاه إلى والدته، وهو يخبرها بخزي ملموس في صوته:


-ربنا يخليهولك.


استطاعت قراءة تعبيراته، التي شاع بها الحرج من الجزء الذي طالها من أذاه المتعمد، حينئذٍ رفعت عنه ذلك الشعور بقولها الممازح، لتخفف من وطأة شعوره:


-مش لازم تعتذرلي على فكرة، انا مبطولش في الزعل، وبسامح الناس بسرعة.


ضحك وجهه من طريقتها الفكاهية، بينما انتقل "مجد" ببصره نحو شقيقها، وسأله بتسلية:


-مش عايز تقول حاجة يا عدي انت كمان؟


رد عليه "عدي" بنفي ضاحك:


-لا انا معنديش مشكلة مع حد الحمد لله، كله تمام.


كاد ينتقل "مجد" بنظره نحو "أسيف"، حينها سحبها زوجها برفق نحو حضنه، وبعدما حاوط كتفها بذراعه، أضاف بنفس النبرة المرحة:


-ومراتي زيي، احنا حزب مسالم.


صدحت أصوات ضحكهم في الأرجاء، وقد نجح ذلك في تلطيف الأجواء. أتت تلك الألفة الغامرة بنتائج إيجابية معه، فقد لهته عن شعور البؤس الذي انتابه، وقبل مغادرته تبادل معهم بعض العبارات المرحة، التي أشعرته بانتهاء العداء، وعززت من شعوره بالانتماء، لتلك العائلة المتماسكة، والغير متكلفة، التي احتضنته من صغره، قبل أن يزرع والده بداخله كرهًا غير مبررًا حيالهم، وها هو أخيرًا اُنتزِع مع زوال الغشاوة.


 الصفحة التالية