رواية جديدة ميراث الندم لأمل نصر الفصل 31 - 1 الأربعاء 20/12/2023
قراءة رواية ميراث الندم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ميراث الندم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الواحد والثلاثون
1
تم النشر يوم الأربعاء
20/12/2023
دلفت اليه داخل الغرفة، وقد كان جالسًا متربع القدمين على الفراش يشاهد بتركيز شديد، بالشاشة العملاقة الملعقة امامه على الحائط، إحدى مباريات المصارعة الحرة، قبل ان تجذب انتابهه بقولها الساخر:
- اخيييييه ع الجرف، ولا الريحة المعفنة، خبر ايه يا ناجي؟ هو انت اتسبحت في الطين بجلبيتك اياك؟ ييييي.
تطلع نحو ما تمسكه بيداها وتشير عليه، جلبابه الذي توسخ بالطين داخل حوض البرسيم والذي وقع بثقله داخله، بدفعة غاشمة لهذا الثور بسيوني، يذكر انه قد خلعها مع جميع ما كان يرتديه، بسلة الملابس ، قبل ان يستحم.
ردد مقلدًا نبرة صوتها بسخرية وحنق يتسائل:
- ييييييي! ولما انتي جرفانة جوي كدة، سحبتيها ليه من سلة الغسيل وجاية ماسكاها بطرف يدك، ايه اللي غاصبك؟
قابلت صيحة انفاعله ببرود ، لتضيف عليه بسماجة:
- يعني دي جزاتي يا واد ابوي، اني عايز اطمن واعرف ايه اللي حصل وخلاك تتبهدل كدة؟ اتكعبلت في حوض مروي جديد من غير ما تاخد بالك يعني؟ ولا اتزحلجت في زيطة في الشارع ؟ ولا ديب طلع عليك ومرضغك.....
- ديب لما ياكلك ويكسر عضمك كسير، ما تغوري يا فتنة، انا دماغي بتاكلني من الصبح، ونفسي الاجي حد افش غلي فيه، غوري بغتاتك دي.
أتت رئيسة على صياحه العالي لترى ما الذي اصابه :
- مالك يا ناجي بتزعج ليه؟ وانتي ايه الجلبية الزوبطة اللي مسكاها في يدك دي يا بت؟
توجهت بالاَخيرة نحو فتنة بالإشارة على الجلباب الذي تمسكه بيداها، ليسبقها ناجي في الرد :
- بتك بستهزأ بيا ياما، جاي تتمسخر على جلبيتي اللي اتربرت في الطين لما كنت بجري على شوية عيال حرامية، نزلوا من الجبل امبارح، وانا لما لمحتهم نزلت فريت وراهم ليسرجوا حد من البلد.
قصة لطيفة اختلقها فجأة، صدقتها رئيسة حتى اشفقت عليه، لتسأله بقلق:
- لا اله الا الله، طب وليه مبلغتش ابوك ولا جماعة من العيلة ، يطلعوا معاك لحد ما تهججوا العيال دي
وتوجفوهم من أولها، انت تجري وراهم لوحدك غلط يا ناجي.
- اهو اللي حصل عاد.
ردد بها متقمصًا دوره، حتى اثار ابتسامة شقيقته، والتي عقبت تدعي الأسف:
- وه يا واد ابوي، كل ده حصلك؟ انا مسكت الجلبية وجيت اهزر معاك، لكن مكنتش اعرف ان كل دا حصلك، دا انت على كدة بطل.
رمقها بسخط، فرائحة السخرية المبطنة في كلماتها، تجعله يود القفز من محله، حتى يهجم عليها ويخرسها بالقبضة القاتلة، كما يرى الاَن أبطاله المفضلين على شاشة التلفاز، ولكنه اضطر للسكوت، معطيًا الدفة لوالدته في توبيخها، والتي وللعجب تقبلته صامتة بأدب القرود مما زاد من دهشته، حتى فاجئته بقولها فور خروج والدته، حاملة معها الجلباب من أجل تنظيفه:
- يعني انت متأكد انهم كانوا حرامية مش حد من رجالة غازي الدهشان ، ولا من الكلاب اللي مكلفهم بحراسة المحروسة هي وولدها؟
- اديكي جولتي كلاب.
اوقعته بلسانه لتضحك مغيظة له بملئ فمها، لتضاعف من إغاظته بقولها:
- وكان عليك من دا كله بإيه بس؟ بتصدر عربيتك جدامها وتوجفها زي العيال التلامزة في نص الطريج، طب بذمتك دي عمايل كبار؟ بتوجف حالك من الجواز وتجيب لنفسك الأذية، عشان واحدة زي دي؟ ايه جيمتها دي؟
قالت الأخيرة بازدراء يثير الدهشة، حتى بزغت ابتسامة متلاعبة على جانب فمه، يقلب الامر عليها، وقد وجد ضالته في استفزازها هو الاخر، بعدما كشفته، وعلمت بما اصابه لتتخذها بابًا للاستهزاء به:
- وهي دي محتاجة سؤال يا فتنة؟ بتسألي على جيمتها، على أساس يعني ان انتي متعرفيش جيمتها، وهي عاملة كيف رغيف الرغفان اللي طالع من الفرن حالا، ملهلهب كدة ويطلب الاكال، العيون الكحيلة الممتوحة لورا بوسعها والرموش الطويلة، ولا البياض ولا خدود التفاح اللي تغري الواحد انه ي.....
ضغط بوقاحته، وذكر مميزات الأخرى عنها حتى اجبرها على الصراخ به كي توقفه:
- اهدى شوية يا حبيبي، وكفياك تريل عليها أحسن تضر نفسك ، لا اخوها هيعتجك لو سمع كلامك ده، ولا الأهطل التاني، اللي عاملي فيها حامي الحمى عشان يتجوزها، فاكر كدة انه ممكن يغيظني، ميعرفش انه بيغيظ نفسه، لما يحط واحدة زيها في مكاني اناا،
برغم حالة الرضى التي تلبسته فور سماعه لنعتها لغريمه بالاهطل، إلا انها لا ينكر ذهوله الدائم من كم الغرور الذي تتمتع به شقيقته، لا تكف ابدًا عن ابهاره في هذا الشأن الذي أضاع منها زوجها، والاَن تتسبب بغبائها في ضياع المرأة الوحيدة التي تعجبه بحق في هذه البلدة:
- يعني انتي شايفاه هو لما يتجوز نادية هيبجى بيغيظ نفسه؟! طب ياريت اتجوزها انا، وتيجي انتي تغيظيني حتى لو كل يوم ، ما تفوجي لتفسك يا فتنة، وخفي شوية من بصك على المراية لا تتلبسي..
نهض عن التخت وقبل أن يصل لباب الغرفة ليخرج توقف يتابع:
- ولا اجولك على فكرة احسن، انتي اسأليها زي اللي في القصة المعروفة دي، وجوليلها يا مرايتي يا مراية، مين أحلى واحدة في الكون، أنا ولا بنت هريدي؟ واجعدي كرري كدة كتير لحد ما يطلعلك اللهم يحفظنا وياخدك معاه.
ختم بضحكات سمجة زادت باشتعالها لتصرخ به ساخطة:
- دمك تجيل يا ناجي، حتى هزار مش عارف تهزر
❈-❈-❈
كان بهبط من طابقه الثاني، واصوات الضحك والمزاح مع صغيراته، تصل لخارج المنزل، وقد باتوا ليلتهم السابقة معه، بعدما بعث اليهم، فور ان حطت قدميه داخل المنزل بعد عودته من القاهرة، يحمل أصغرهم والاثنتان الأخرتان تعلقن بجلبابه كالعادة، كان مندمجًا بمداعباته لهم، حتى أجفلته بعض الاصوات الصادرة في الأسفل، ليفاجأ بها ، جالسة بجوار جدته على الاَريكة:
- يا صباح الجمال.
غمغم بها داخله كم ود ان يتفوه بها امامها، معبرًا عن امتنانه لها، ان يلتقي بوجهها الحسن على بكرة الصباح ، لهو شيء يستحق الاحتفال،
- صباح الخير يا جماعة.
القي بالتحية بصوت عالي، على أسماعها واسماع جدته والتي ردت على الفور بابتسامتها السعيدة بحضوره، وحنانه نحو صغيراته:
- صباح الفل يا عين جدتك، صاحي بدري اكيد بسبب مضاريب الدم التلاتة، طب مش كنت خدت راحتك في النوم يا ولدي؟
- يا ستي انا راحتي بلجاها معاهم، ما هي الراحة مش نوم وبس.
قالها قبل ان يجلس بهم على إحدى الاَرائك القريبة، ثم توجه بخطابه نحو تلك الصامتة بوجوم، تقلم اظافر جدته، تتخذها حجة للإنشغال عن النظر اليه:
- ازيك يا ناادية عاملة ايه؟
خطفت نحوه نظره سريعة من عيون الريم، لتجيبه باقتضاب:
- حمد لله زينة، تشكر.
- تشكر!
غمغم بالكلمة داخله، يتمعن النظر بملامحها الشفافة والتي تحمل غضبًا مستترًا منه، يعلم سببه جيدًا، ليتابع محاولاته في فك جمودها منه:
- انا شايف ان نادية خدت المهمة من روح، حتى جصجيص الضوافر يا فاطنة، مش كفاية المحشي والوكل الزين بتاعها.
وكأنها ليست المقصودة بالكلمات، لم تتأثر او حتى ترفع بصرها نحوه، تتابع ما تفعله بتركيز شديد مع المرأة والتي راقها الوصف لترد ضاحكة:
- طب ما هي صح في مكانة روح يا واد، يعني تعملي اللي عايزاه وتاجي وجت اما اطلبها حتى لو بالأمر، صح ولا يا به؟
توجهت بالاَخيرة نحوها، لتجبرها على الابتسام مرددة بطاعة:
- صح طبعًا يا جدتي، وانا اجدر برضوا ارفضلك أمر.
- لا طبعا متجدريش، ولا حتى امك كمان تجدر.
رددت بها فاطمة بانفعالها المحبب، لتتوسع الابتسامة بفمها حتى اشرقت بوجهها، لتلهب قلب محبوبها، والذي كان يطالعها بوله، حتى انتبه لحاله، يستدرك سائلًا لها:
-