-->

رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 27 - 1 السبت 16/12/2023

 قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة

  تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 

 


رواية روضتني 2

(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)

طمس الهوية

للكاتبة أسماء المصري



الفصل السابع والعشرون

تم النشر يوم السبت

16/12/2023


عاد منزله والشمس تسطع بالسماء وهو لم يذق طعم النوم ولا الراحة منذ ليلة أمس بعد ما مر به وعاصره مع رفيقه الذي أصبح مقربا له كثيرا.


فتحت له زوجته ذراعيها تحتضنه وتسأله باهتمام:

-حبيبي، عملت ايه طمني؟


حرك رأسه وهو يتوجه للداخل بتعب:

-حصل حاجات كتير أوي يا ديچا، فارس ده غلبان أوي هو وعيلته بصراحة.


جلست بجواره تدلك له عنقه عندما وجدته يضغط عليه متألما وتسائلت عما يقصده فقص لها أحداث خطف ياسمين وصغيرتها وإيداعهما للمشفى حتى تلك اللحظة فاتسعت حدقيتها تسأله والحزن قد اعترى وجهها:

-يعني ياسمين في غيبوبة؟


أومأ وعقب على حديثها:

-فوبيتها أخطر من فوبيتك بكتير على الأقل انتي بتقدري تنزلي الميه لكن هي مجرد حبسها في شنطة العربية كان كفيل يوصلها للحالة دي.


تنهدت ومسحت على كتفه:

-أحضرلك تاكل؟ تلاقيك مأكلتش حاجه من ساعة العيد ميلاد أمبارح.


قبلها قبلة رقيقة وابتعد يسند رأسه على مسند الأريكة متعبا:

-أنا جعان نوم وكنت مخطط لسهره امبارح معاكي اشحن فيها شوية بس جه تليفون فارس بوظ كل خططي.


ابتسمت وهي تربت على ظهره:

-أدخل خد شاور على ما اسخنلك الأكل وأنا موجودة مش ههرب يعني.


غمز لها وهو يسحبها معه لداخل غرفتهما:

-ﻷ الأكل بيتقل ويخليني عايز أنام، أشحن الأول.


سحبها بنهاية حديثه فسقطت على جسده وسقط كلاهما على الفراش وهي تضحك فكمم فمها وهو يتوعدها:

-عارفه لو بنتك صحت من صوتك هعمل فيكي وفيها ايه؟


لم تعقب عليه بل بادرت هي بالخطوة الأولى وقبلته ولكنها شعرت بالخجل كعادتها وعادت للوراء قبل أن تتعمق بالقبلة فزفر هو ممتعضا وهو يحكم ذراعيه حولها وهسهس بصوت منخفض ومثار:

-ﻷ متبعديش، كملي.


لحظات واندمجا قلبا وكيانا وارتاح يتنفس بحرارة متأثرا بلحظاتهما معا وقبّل أعلى رأسها ممتنا:

-ربنا يخليكي ليا.


نهض فورا ودلف المرحاض وهو يرجوها:

-سخنيلي الأكل بقى أحسن لو سبت نفسي هروح في النوم وأنا ورايا مشاوير كتير أوي.


زمت شفتيها للامام رفضا على حديثه:

-حرام عليك نفسك، أنا لولا بحب ياسمين ومقدره اللي فارس فيه كنت قولتلك ابعد عن الشغل ده.


تبعته لداخل المرحاض لتترك له منشفة نظيفة وهو لا زال يعدل من حرارة المياة فرد عليها وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا حزينا على ما آلت له أمور صديقه:

-وضعهم صعب أوي ومع كل ده هو بيحاول يتماسك بس أنا لو مكانه كان زماني انهارت من زمان.


أخرجت تنهيدة حارة وخرجت وهي تخبره:

-هروح أسخنلك الأكل على ما تخلص.


خرجت وقف أمام الموقد وبدأت بتجهيز الطعام فاستمعت لغمغمة صغيرتها فتحركت لداخل الغرفة لتحملها وعادت للمطبخ لوضع الأطباق على المائدة المستديرة الموجوده به فخرج هو بعد أن انتهى من اغتساله وارتدى ملابسه وحمل عنها الصغيرة وهو يبتسم:

-شوفتي بقى، كويس أننا خلصنا قبل ما تصحى.


جلس لتناول طعامه والصغيره بحضنه يناولها القليل من الطعام فاستمع لرنين هاتفه فتركت خديجة ما بيدها وهي تشير له:

-خليك كمل أكلك أنا هجيبهولك.


أحضرته بعد أن توقف عن رنينه فسألها:

-مين اللي اتصل؟


رمقته بنظرة متضايقة وهي تخبره:

-مازن الفهد.


حاول الوصول للهاتف ولكنها ابعدته عن متناول يده وهي تصر عليه:

-والله ابدا، كل الأول وبعدين ابقى كلمه.

❈-❈-❈

https://rewaiyawhekaya.blogspot.com/2023/12/Rwadatny2.p27-_01630401049.html

نظر لشاشة الهاتف زاما شفتيه والصراخ من حوله قد صم أذنيه فهدر بالجميع:

-بس، مش عايز أسمع صوت حد فيكم.


التفت يرمق أخيه بنظرات حائرة والأخر يهز رأسه مستنكرا ما يحدث ودينا لا تزل تحاول اسعاف تلك التي سقطت دون إظهار أي مظاهر للحياة.


وقفت دينا أخيرا بعد أن فقدت قدرتها على التحكم بنفسها فبكت بانهيار وهي تخبر نجلها:

-ماتت يا مازن، ماتت.


ترقرقت عينيه بالعبرات والتفت يرمق فريدة بنظرات حادة وهو يصر على أسنانه وتسائل بتلعثم:

-أنتي متأكده يا ماما؟


أومأت تؤكد:

-ايوه يا بني، نبضها كان شغال بس وقف خلاص والنزيف اللي ورا دماغها كمان بيأكد أنه مستحيل تعيش.


شرد لحظة ولم يفق إلا عندما سأله ساجد:

-هنعمل ايه يا مازن؟


لم يجبه وظلت كل من شيرين وچنى تبكيان بحرقة وهو يمسك هاتفه:

-هحاول أكلم عمر يلحقنا، أنا مش عايز ابلغ فارس دلوقتي هو مش ناقص.


هاتفه من جديد ولكنه لم يجب للمرة الثانية فأكد ساجد ظنه:

-أكيد نايم يا مازن لانه منامش من امبارح.


صر مازن على أسنانه وهو يردد:

-محدش فينا نام من امبارح.


عقب عليه أخيه الأصغر:

-بس هو مش من عيلة الفهد ومع ذلك كان موجود من اللحظة الأولى وأكيد روح يرتاح.


التفت بحدة يسأله:

-طيب والعمل؟


وجد والدته وقد أحضرت ملاءة بيضاء وقامت بوضعها على جسد حنان تغطيه فشعر بألم قاسي ينحر بداخله:

-لازم تقول لفارس يا مازن ملهاش حل، من ناحية داده حنان غاليه عليه أوي ومن ناحية اللي عملت كده امه فيمكن يكون له رأي انه مبيلغش مثلا وكده كده داده كبيره وموتها مش هيكون غريب ولا مثير للشبهات.


بنفس اللحظة كانت فريدة جالسة بجوار الدرج على الأرضية الرخامية تحيط جسدها بذراعيها وهى بحالة من الذهول والشرود وترديد الكلمات الخارجة من فمهما مرارا وتكرارا:

-مكانش قصدي كده، مكانش قصدي كده.


يأس مازن من التواصل مع عمر فاتخذ قراره بالنهاية وحرك سبابته على شاشة الهاتف بعد أن قرر اخبار ذلك المسؤول عن تلك العائلة بأكلمها وليكن ما يكون فأجاب الآخر ساخرا:

-ايه يا مازن، داده حنان وفريدة هانم قتلوا بعض ولا لسه؟


أجابه وهو ينظر لجسد تلك التي فارقت الحياة بحزن:

-للأسف حصل.


انتبه فارس لحديثه فتجهم وجهه وهو يترك عمه والطبيب الواقف بجواره ويسأل مازن بحدة:

-هو ايه اللي حصل؟


تلبك كثيرا قبل اخباره وهو متأكد أن خبر كهذا كفيل بانهاءه تماسكه الزائف وجعله ينهار فورا، فنهره عقله لتسرعه باخباره دون احتساب ﻷي عواقب قد تصيب اخيه الروحي ورفيق دربه الذي عاني الأمرين ولم يهنأ بحياته حتى الآن ولكن سبق السيف العزل وتسرب القلق لقب ذلك الذي صرخ به:

-ما تنطق يا بني آدم.


ابتلع ريقه ورد:

-البقاء لله يا فارس.


استقام فارس بوقفته ونظر لانعكاس صورته بنافذة الممر الذي يقف به وتسائل:

-في مين؟


زفر مختنقا وأجابه:

-داده حنان.


هل تعلم ذلك الألم المصاحب ﻷختراق روحك كيف يبدو؟ بالطبع لن يستطع أحد على تلك الأرض التي نتشاركها جميعا بوصف ذلك الشعور سوى من عاصره سابقا، ولكن إن حاول أحد شرحه فقد يشبهه بألم الإصابة بطلق ناري حطم معه كل الأجهزة الداخلية بجسد المرء، أو ذلك الألم المصاحب للتوقف عن الحياة لحظة اختراق القلب بنصل حاد أو بذلك الألم المصاحب للغرق.


وكما يبدو فقد شعر ذلك المارد بتلك الآلام التي هتكت بفؤاده فاختل توازنه واستند على الحائط براحته الحرة ولاحظه عمه الذي لم يبتعد عنه كثيرا وكان لازال بانتظار رده وموافقته على تبرع دعاء لحارسه.


هرع مراد يسنده ونظر لعينيه الدامعتين وتسائل:

-في ايه يا فارس؟


اعتدل بوقفته ونظر لعمه ورسم الجمود ورد:

-داده حنان اتوفت.


تركه وهو لا يزال لم يستعب حديثه وتحرك صوب مدخل المشفى ولكن وقبل أن يغادر التفت يضيف:

-قصدي اتقتلت.


نزل درجات السلم سريعا فلحق به مراد وسحبه من ذراع فالتف وهو يستمع لسؤاله:

-أنت بتقول ايه؟ مين اللي قتلها؟ يكون الزفت شادي بعت حد هناك بس مازن لا يمكن يسمح لحد...


قاطعه فارس بعد أن سحب ذراعه منه:

-فريدة هانم اللي قتلتها.


الصفحة التالية