رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 27 - 3 السبت 16/12/2023
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل السابع والعشرون
3
تم النشر يوم السبت
16/12/2023
بعد مرور يومين
متعجبا من حاله، اعتدل بجلسته بعد أن غفى رغما عنه على ذلك المقعد الغير مريح والملحق بغرفة زوجته؛ فأخرج تنهيدة متعبة وهل يمكن أن يشعر بهكذا تعب بحياته أو أن يمر بما مر به حتى في أحلامه وها هو قد عاصر ما لا يمكن ﻷي بشر كان أن يصدقه.
دفن عزيزة قلبه وغاليته التي قضى معها طفولته وشرب من عذب أمومتها التي لم يجدها ممن حملته بداخلها تسعة أشهر وللآن حقا لا يجد سببا واحدا مقنعا لقلبه المعذب لذلك النبذ والكره الذي تكنه له والدته الذي نُشئ بداخلها.
ترك المقعد وتحرك كعادته ليتفقد قطعة روحه القابعة أمامه دون حراك ببشرتها الباردة وتلك الأسلاك التي تدخل أنفها وفمها وذلك الطنين المزعج والشيئ الوحيد الذي يدل على أنها على قيد الحياة.
قبل جبينها وخرج لتفقد صغيريه فصغيره قد دخل هو الآخر بحالة صدمة وارتعاش مع انخفاض درجة حرارته بشكل أثار قلقه وها هو يقبع بالمشفى بجوار أخته الصغرى كل منهما يمر بحال مغايرة للآخر ولكن يجتمعا على شيئ واحد أنهما ليسا بخير.
نظر لهما من خلف الزجاج الذي يظهرهما داخل تلك الحجرة المعقمة لهما خصيصاً ودمعت عينيه وقد سمح لعبراته أن تنزل غير مهتم لمن يراها من العاملين، فهل يوجد من هو أغلى من نطفة الإنسان ليشعر بتلك الغصة المؤلمة من أجلهم؟
وجد يد تربت على ظهره وما كانت إلا لعمه الذي ابتسم له بسمة مقتضبة وهو يكلمه بهدوء:
-كله هيعدي يا بني، وحد الله.
أومأ وهو يمسح عبراته بظهر يده:
-ونعم بالله.
سحبه ليجلس بجواره وتكلم معه بنفس النبرة الهادئة خوفا من إزعاجه وإثارة غضبه مجددا فقد عانى الجميع وحتى هو نفسه من نوبة غضبة الجحيمية التي طالت الجميع باليومين المنصرمين، ولكنه جاء لتوه من مراسم دفن مربيته ولعله هدأ قليلا فقد كان ثائرا حزينا على تأخير دفنها بسبب إجراءات الشرطة التي وجدها لا داع لها:
-مازن حجز القاعة عشان العزا بالليل وكله تمام.
هز رأسه موافقا على حديثه فربت الأول على كتفه:
-طيب ايه رأيك تروح تاخد شاور وترتاح شويه لحد بالليل!
رفض وهو يعض داخل فمه:
-مش هينفع اسيب عيلتي لوحدها، كفايه هسيبهم بالليل.
حاول إقناعه بالعقل والمنطق ربما، ولكنه يعلم أن ما يمر به ابن أخيه لا يمط لا للعقل ولا للمنطق بصلة:
-ما أنت عشان تاخد بالك منهم لازم ترتاح، أنت مش شايف شكلك عامل ازاي؟
صمت قليلا وأضاف:
-من امتى فارس الفهد بيقع في النوم على كرسي في مستشفى ولا تركيزه زيرو بالشكل ده؟ ده كله من قلة الراحه فلازم ترتاح عشان تقدر تكمل ومن هنا لبليل مفيش حاجه هتتغير.
نظر له وابتسم بمرار علق بحلقه مرددا:
-مفيش حاجه هتتغير، لا مراتي هتفوق ولا ولادي هيرجعوا زي الأول مش كده؟ مفيش حاجه هتتغير عشان لو كان في أمل كان زمان ياسمين فاقت وزمان وولادي بيلعبوا حواليا.
دمعت عينيه وشاطره عمه العبرات رغما عنه ولكنه تماسك قليلا وداعما له:
-أنا هنا مش هحضر العزا وهفضل جنبهم، والدكاتره محدش فيهم روح بيته من يومها ومش هسمح لحد يروح إلا ما عيلتك تبقى أحسن من الأول يا فارس.
احتضنه فارتمى فارس متمسكا به بقوه وأطلق العنان لحزنه وبكائه أن يخرج طواعية منه دون قيد أو احتساب لهيبته ومكانته وبكي، نعم بكى كما بكى والده وهو صغير على نفس الحالة بحضن عمه الذي احتضنه قديما أيضا ولم يجد أحدا غيره يواسيه.
واساه كما فعل دائما منذ أن كان بالثامنة من عمره ومسح على ظهره وتركه يخرج ما بداخله حتى ارتاح قليلا واعتدل بجلسته فتشجع مراد قليلا لمفاتحته بأمر من مائة أمر يود الحديث عنه ولكن ينتظر الوقت المناسب لهذا:
-فارس، أهل ياسمين قلقانيين عليها أوي وعايزين يزوروها.
احتدت نظراته له ولم يرد ولكنه أشاح وجهه عنه فكان رده واضح وضوح الشمس، ولكن لم يمنع الأول من التحدث:
-خليهم يزوروها وبالمره يفضلوا معاها لحد ما تروح ترتاح وتخلص العزا وتيجي أنت تبات معاها زي كل يوم.
رد بكلمتين فقط:
-أنا أهلها.
لم يضف المزيد وتركه عائدا لغرفة زوجته وانحنى يقبل أعلى رأسها وحدثها وكأنها تستمع له:
-سلطانه.
مسح براحته على شعرها وأكمل:
-هسيبك شويه لوحدك انهارده معلش، ومش هتأخر.
قبلها من وجنتها الشاحبة وهو يؤكد لها:
-وعد، ساعه واحده هغير هدومي عشان اجهز للعزا بتاع بالليل وهرجعلك.
استمع لصوت مازن الذي دلف لتوه:
-لأ يا فارس انت هتروح البيت عند بابا تاكل وتستحمى وتنام لحد بالليل وبعد ما تحضر العزا ابقى ارجع لها.
حاول الإعتراض والرفض ولكن أصر مازن عليه:
-زي ما مراتك محتجاك فأخواتك كمان حالهم زي الزفت وماما مش ملاحقه عليهم ولا حد قادر يسد مكانك يا فارس.
اقترب منه واحتضنه يربت على ظهره بقوة:
-حملك تقيل يا حبيبي.
ابتعد عنه وهو لا زال ممسكا بكتفيه:
-بس محدش هيقدر ولا يعرف يشيله مكانك.
❈-❈-❈
دلف والدها متعبا ومنهكا من الذهاب هنا وهناك رفقة أخيه الذي لم يستطع أن يتركه وحده بالرغم مما حدث فوقفت أمامه وﻷول مرة تحدثه بحدة غير مراعية لصفة الأبوة التي يحملها:
-روحت وقفت معاه يا بابا؟ الله يسامحك.
تجهم وجهه وانعقد جبينه وسألها:
-كنتي عيزاني اسيب أخويا الكبير لوحده في المصايب دي يعني؟
صوت صرير أسنانها جعله يحتد هو الآخر عليها ﻷول مرة:
-جرى ايه يا نرمين؟ أنتي نسيتي نفسك وأنتي بتكلمي أبوكي!
بكت وهي تحرك رأسها رافضة:
-لأ يا بابا منستش، حضرتك اللي نسيت عملة شادي وحالة ياسمين اللي لحد دلوقتي لسه مفاقتش ولا عارفين نطمن عليها بسبب عمايل شادي اللي حضرتك رايح تدافع عنه.
زفر باخنتاق وهو يوضح:
-يا بنتي أنا لا دافعت ولا حاجه، بس شادي متوجه له تهم كتير أوي هتوديه في داهيه وكل اللي عملته أني وقفت جنب أخويا عشان ميبقاش لوحده، لكن ولا جيش محامين هيقدر يخرجه من القضايا اللي هو فيها.
خرج السيد على صوتهما العالي فضرب بعصاه الأرض ليعم الصمت ونظرا له وهو يصيح بهما:
-كفايه، أنا قاعد جوه وسامع كلامكم اللي يحرق الدم.
سألته نرمين باكية:
-أنا قولت ايه غلط يا جدي؟
تحرك ليجلس بعد أن خارت قواه:
-ربنا اختبرني زمان في ابني، ودلوقتي بيختبرني في احفادي وولادي ومش عايز منكم غير تقدير للي أنا فيه ومش قادر ابوح بيه لحد.
رنين هاتفها ما جعلها تتركهما وتتحرك داخل غرفتها لتجيب اتصاله بتلهف:
-دكتور مراد! طمني على ياسمين والولاد.
رد متنهدا بعمق:
-حالتهم زي ما هي يا بنتي، أنا بكلمك عشان وعدي ليكي.
لمعت عينيها وقد وجدت بصيص أمل أن يوافق فارس على طلبها لزيارة توأم روحها ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن عندما أضاف:
-فارس رفض مع الأسف يا بنتي، حقك عليا.
بكت وانتحبت فسمعتها هدى التي دلفت غرفتها تربت عليها بحنان:
-ربنا يقومها بالسلامه يارب.
شعر مراد بالضيق فحاول أن يساعدها وهو يخبرها:
-أنا بس مش عايز فارس يشيل منكم أكتر ما هو شايل، هو راح البيت عندي يرتاح لحد العزا بتاع الحاجه حنان الله يرحمها بالليل.
زاد بكاءها فهي تحبها هي الأخرى بالرغم من عدم تقاربهما ولكنها كانت حنون كأسمها:
-حتى الدفن والعزا منعنا نحضره يا دكتور، قولي أعمل ايه؟
زفر زفرة قويه واتخذ قراره:
-بصي، تعالي اطمني عليها قبل ما العزا يخلص وربنا يستر.
همت بالوقوف:
-حالا.
رفض وهو يفكر قليلا:
-ﻷ مش دلوقتي، احسن يعدي ع المستشفى قبل ما يروح العزا، الأكيد أنه هيحضر العزا من أوله آخره وساعتها تقدري تزوري ياسمين واحنا متطمنين انه مش هيطب علينا.
شكرته ممتنة:
-بجد شكرا يا دكتور، مش عارفه من غيرك كنت هعمل ايه.
رفض اطرائها مبتسما:
-أنا معملتش حاجه أنتي زي بنتي، ربنا يشفيها هي وولادها يارب.