رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 27 - 4 السبت 16/12/2023
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل السابع والعشرون
4
تم النشر يوم السبت
16/12/2023
خرج من المرحاض بعد أن حاول يزيل عن جسده الإرهاق البادي عليه وجلس على حافة الفراش مطرقا رأسه يحاول تصفية ذهنه ولو قليلا حتى يستريح من عناء الأيام الماضية وما مر بها.
استمع لصوت طرقات على بابه فأذن لها فابتسمت وجلست بجواره تحتضنه:
-فارس.
مسح على ظهرها ولم يتحدث ببنت شفه فابتلعت ريقها وحاولت أن لا تثير حفيظته ولكنها عزمت على التحدث معه اليوم قبل الغد:
-ممكن تسمعني لحظه.
رد وهو يبتعد عن حضنها ناظرا لها بترقب:
-خير يا چنى!
سعلت لتزيل حشرجة صوتها:
-أنا عارفه انك هتتنرفز عليا بس مينفعش اسيب مامي يتحقق معاها من غير وجود محامي وأنت رفضت توكل لها محامي يا فارس و...
نظراته لها جعلتها تبتلع باقي حديثها بداخلها وأطرقت رأسها رهبة من شكله الذي أخافها وأدخل الرهبة لقلبها وبالرغم من اعتيادها على أسلوبه الجاف والشرس وتوبيخه لها في بعض الأحيان عندما تخطئ وعقابه القاسي الذي مرت به من قبل من صفع وحرمان ظنت أنه أقصي أنواع العقاب، إلا أن تلك المرة مختلفة فنظرته المخيفة تلك تنذر بطوفان قد يحرقها ويحرق أي من يحاول التدخل بقراراته التي ألقاها على الجميع بعدم التدخل بسير القضية أو محاولة مد يد المساعدة لقاتلة مربيته.
هكذا أسماها فلم يعد يطلق عليها اسمها حتى كما اعتاد أن يفعل قديما بعد أن جردها من صفة الأمومة ولكنه أصبح يطلق عليها القاتلة كلما جاءت سيرتها بأي حديث.
بكت وتركته دالفة الشرفة التي تطل على الحديقة وبها مقاعد مريحة فجلست على إحداها فتبعها للخارج وجلس بجوارها وتحدث أخيرا:
-عارف انها أمك ومهما عملت مش هتقدري تكرهيها، بس اللي عايز يشتري عداوتي يتفضل أنا مش همنع حد.
تركت مقعدها وجلست أمامه تستند على فخذيه براحتيها وكأنها تتوسله بنظراتها:
-أنا عارفه إن اللي حصل كبير أوي وإنها...
قاطعها وقد فقد سيطرته على عبراته فبكى بقهر:
-الست دي اللي عمرها ما خدتني في حضنها ولا حسستني أنها أمي قتلت الانسانه الوحيدة اللي كانت بتعوضني حنانها اللي اختارت تحرمني منه بارادتها، وانتي جايه عيزاني أوكل لها محامي يدافع عنها؟
مسحت عبراته بأناملها الرقيقة وهمست من بين بكائها:
-كده كده مامي هتاخد حكم وده كلنا عارفينه بس على الأقل يكون في محامي يخفف عليها الحكم شويه، وعلى فكره أنا بكلمك بالنيابه عن ميار وساهر بس هما خايفين يكلموك وأنا قولت لهم أنا اللي هفتح معاك الموضوع.
قوس فمه يرمقها بنظرات غاضبة:
-آه، أنتي الفهد اللي فيهم يعني وبتكلميني بقلب جامد.
تركت موضعها وعادت تجلس على المقعد المجاور تنفي حديثة بحركة رأسها:
-ولا حد يقدر يقف قصادك ولا يعاديك يا فارس، كل اللي طالبينه منك أنك تسمحلنا نوكل لها محامي مش اكتر.
رد بجمود وتعابير وجهه لا تبشر بخير:
-أنا قولت اللي عندي، عايزين توكلوا لها محامي اتفضلوا بس ساعتها هتشتروا عداوتي من أوسع الأبواب والاختيار ليكم.
غادر جلستها ملتفا من الحديقة المرافقة لغرفته حتى الحديقة الكبرى التي تتقدم منزل عمه فوجد حارسه يقف برفقة زملائه فاقترب منه وسأله:
-حد منكم كلم زين انهاردة؟
أومأ موضحا:
-المفروض هيدخل عمليات كمان ساعتين.
هز رأسه عدة مرات ولكن اضطر حارسه لاخباره بما وصل لمسامعه حتى لا يطاله غضبه الأكيد:
-والد الآنسه دعاء راح الڤيلا وطبعا العسكري اللي ع الباب منعه يدخل بس هو فضل يهلل انه عايز بنته وهدد انه مش هيسكت وعمل غاغه يا باشا لحد ما العساكر والحرس اللي هناك خرجوه بره الكومباوند وأنا بلغت البوابه تمنعه من الدخول مرة تانيه.
ربت فارس بقوة ساعده على كتفه مستحسنا تصرفه:
-عفارم عليك يا أمجد، ولو اي حاجه حصلت بلغني بيها على طول.
ابتلع ريقه وهو يتردد بأخباره فأشار له فارس بيده بمعنى هات ما عندك:
-الاستاذ أحمد مكانش لوحده يا باشا، كان معاه الأستاذ محمود والد شيرين هانم.
نهج فارس بعصبية واصكاك أسنانه أصبح عاليا وتكلم وهو مطبقا على أسنانه:
-الزفته اللي مسافره مع زين ترجع مصر بمجرد ما تخلص مهمتها، مفهوم؟
انحنى له باحترام فأمره بحركة من رأسه:
-استعجل العيله عشان العزا.
لم ينتظر كثيرا وتوجه لسيارته ليقودها بنفسه متوجها لمكان إقامة سرادق العزاء وجلس بالمقدمة لاستقبال الحضور وحوله رجال عائلته وحرسه الخاص، وكان العزاء مزدحما بالصحافة ورجال الأعمال والشخصيات العامة الذين جاءوا لتعزيته ولوضع أيديهم على سبق صحفي أو منفعة قد يخرجوا منها بعد تأديتهم لواجب العزاء.
❈-❈-❈
دلفوا تباعا بلهفة فاستقبلهم مراد وهو متخوفا من ردة فعل ابن اخيه إن ما علم أنه خالف تعليماته وأوامره الصارمة فنظر لنرمين مستنكرا:
-أنا قولتلك أنتي بس يا بنتي بدل ما فارس يوصل له انكم جيتوا.
أضاف بتأكيد وهو ممتعضا:
-وهيوصله.
جمعت راحتيها معا تتوسله:
-معلش يا دكتور والله مش هنتأخر جوه معاها، جدي وبابا بس يطنموا عليها وهيمشوا على طول.
نظر للبقية المتملثين بوالدتها واخيها وزوجته وعمتها وابنائها فحك رأسه وهو يخرج تنهيدة مستسلمة:
-الأمر لله، ادخلو اتنين اتنين ومتطولوش كده كده هي لسه مفاقتش.
بالفعل دخلت عائلتها تباعا حتى لم يتبق سوى نرمين وجدها دخلوا بالأخير وفور أن وقعت عين جدها على شحوب وجهها بكي وخارت قواه ولم تستطع عصاه أن تتحمل ثقل جسده وضعف قدميه فاختل توازنه ولحقت به نرمين تسنده:
-جدو.
لهفتها عليه جعلته يتدارك نفسه ووقف منتصبا يجبر نفسه على تلك الوضعية التي آلمته كثيرا فقط حتى لا تقلق حفيدته عليه ويكهل عاتقها بألم مضاعف لما تشعر به الآن.
مسح على وجه ياسمين بيده المجعدة وتحدث بصوته الحزين:
-حبيبتي يا بنتي، ربنا يشفيكي يارب.
اقتربت نرمين منها وقبلتها من وجنتها ولم تتمالك نفسها من منظرها ونحافتها التي زادت عن الحد واسمرار ما تحت جفنيها فتمتمت باكية:
-كده يا سو؟ أهون عليكي تعملي فيا كده؟ فوقي عشان خاطري.
وجدت جدها يتجه للجلوس على أحد المقاعد فنبهته:
-مش هينفع نفضل هنا يا جدو عشان فارس ممكن يرجع في اي وقت.
أومأ لها هامسا:
-هصلي العشا وادعيلها يا بنتي قبل ما امشي.
وافقته فرفع راحتيه مواجها القِبلة هاتفا:
-الله أكبر.
استندت بجوار توأمها الروحي تمسح وجهها بالمحارم المبللة وتمسح على شعرها المشعث وفعلت بالمثل لراحتها فشعرت بتحرك أناملها ببطئ فانتبهت لها ونظرت لعينيها فلم تجد أي حركة تذكر فظنت أنها تتخيل وعادت تمسح لها يدها الأخرى فضغطت ياسمين على راحتها التي تمسك بها فصرخت فورا بعد أن شعرت بها:
-ياسمين.
انتهى الجد من صلاته ووقف يستند على عصاه متحركا صوبها يسألها باهتمام وقلق:
-في ايه يا نرمين؟
أجابته وهي فرحة:
-حركت ايديها يا جدو، ياسمين اتحركت والله.
هرعت للخارج لتستدع مراد الذي ههرع بسرعة وتبعه عدد لا بأس به من الأطباء وظلت نرمين تقف بجوارها وهم يفحصوها فرمشت ياسمين عدة مرات عندما فتح مراد عينها وسلط ضوء كشافه على بؤبؤتها فأخبر الطاقم الطبي الواقف معه:
-بسرعة شيلو الخراطيم دي وقيسولي مؤشراتها.