-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 60 - 1 الأحد 10/12/2023

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الستون

1

تم النشر يوم الأحد

 10/12/2023



لم يكن هناك مفر من إخبار والدتها بالقرار الذي اتخذته، بشأن المتابعة في زواجها، وذلك بعد أن قررت إعطاء "كرم" فرصةً ثانية، بعد رؤيتها لمحاولاته العديدة في إعادة حبل الود بينهما، مظهرًا تمسكًا حقيقيًا بها، بالرغم من حجز الشرطة على سائر أملاك والدها المتكونة عن طريق عمله الغير قانوني، باقيًا لها فقط إرثها الحلال الذي كان من جدها لوالدها، وكذلك بعض الأموال الناجمة عن مشاريعه المشروعة، وذلك يتمثل في جزءٍ ضئيلٍ للغاية مقارنةً بثروته المهولة، ممَ بدد شكوكها نحو طمعه في ورثها، وجعلها تستشعر صدق نواياه الأخيرة، والاقتناع بعدم رؤيته لتلك الزيجة كالسابق، من الزاوية التي ستدر عليه بالمنافع، بالإضافة إلى أن ما رأته منه من فعلٍ شجاع، عرض حياته للخطر، وأقدم عليه تضحيةً لإنقاذ غيره، جعلها تراه من منظورٍ آخر، ذلك غير أن المتسبب فيمَ أُلحق به، كان أحد رجال والدها، ورغم ذلك لم يربط بينها وبين ما تعرض له، بل فصلها عمَ حدث، وظل على موقفه المتمسك بها.


كما أن الدافع في جعلها تتخذ ذلك القرار المصيري، وتعدل –بدون تردد- عن قرارها السابق، المتمثل في إنهاء الزيجة، هو سفر والدتها، التي قررته بشكل مفاجئ، وأناني، دون وضع ابنتها في الاعتبار، وما إن كانت ترغب في البقاء في بلدها، أم سترافقها في هجرتها، فنرجسيتها أبت تقبل الوضع الحالي، غير قادرة على مواجهة الفضيحة الناجمة عن سجن "توفيق"، في تلك القضية المشينة، والتي جعلت سمعتهم في الحضيض، رائية أن الحل الأسلم لحفظ ما تبقى من كرامتهم، هو الانتقال إلى دولة أجنبية، نائية عن ألسنة الحاقدين، وأنظار الشامتين، دون النظر إلى رغبات ابنتها الكسيرة، ومع ذلك استنكرت حريتها في اختيار ما تريد، وتحديد مصير حياتها، فقط لكونها مخالفة لرأيها المجحف، فما إن أطلعتها "سما" على قرارها، حتى بدت عليها أمارات السخط جلية بشدة، وناظرتها بنظرة من أمسكتها بالجرم المشهود، ثم عقبت باستهجان منفعل:


-هتفضلي معاه وهو السبب في موت باباكي؟


بالرغم من اللهيب المستعر في صدرها من اتهمامه بمَ لم يفعل، إلا أنها حافظت على ملامحها مرتخية وهي تضب باقي أمتعتها في حقيبة كبيرة. لم توجه لها نظرها، بل استبقته على ما تقوم به، وخلال ذلك ردت عليها بهدوء:


-كرم مش السبب في حاجة، بابا هو السبب في اللي وصله ووصلناله كلنا.


اشتطات غضبًا من دفاعها عنه، وهو السبب في الزج به في السجن، الذي قُتل إثرًا له، وهدرت بعصبية مغتاظة:


-لسه بتدافعي عنه؟


أغلقت سحاب الحقيبة بعد إن انتهت من ملئها، ثم أنزلتها بجانب الأخر، واستمرت في عدم النظر إليها وهي تقول بتصميم على مواقفها:


-ايوه لسه بدافع عنه، لإن كرم ملهوش دعوة بإن بابا اتقتل من الناس اللي كان بيشتغل معاهم، كان كرم اللي قاله يشتغل الشغل ده!


استشعرت خطوات والدتها المأخوذة نحوها، بانفعال يوحي بإضافة المزيد من الكلام الذي سيضاعف من حالة النفور التي باتت تكنها نحوها، بالأخص بعد تأكدها من أنها كانت على دراية بأعمال والدها الغير مشروعة، لتكون هي الوحيدة المغفلة بينهما، وعندئذٍ لم تتحمل أن تستمر في رسم نفس الطور الهادئ، متكلمة بجمود حائلة دون إكمال ذلك الحديث المستنزف:


-ماما لو سمحتي انا مش عايزه اسمع كلام في الموضوع ده اكتر من كده، لإن اللي اتضحلي إنك كنتي على دراية بشغل بابا، وده في حد ذاته يخليني أشوفك بنفس الصورة الأخيرة اللي شوفت بابا بيها.


ألجمها ما فاهت به لعدة لحظات، فقط بقت تناظرها بصمت، وكأنما استطاعت ابنتها بتلك الكلمات المؤنبة أن تنبش في الجزء الضئيل والبعيد داخلها، المسمى بالضمير، تنهدت بضيق، وحكت عنقها وهي تحيد بنظرها للحظة عنها، وما إن استجمعت نفسها من حالة التوتر الممزوج بالحرج التي داهمتها، سألتها باشتفاف:


-يعني هتفضلي عايشة في مصر؟


طأطأت رأسها أرضًا ممَ استنتجته من سؤالها، وقلبها اشتد نبضه بوجع تخليها عنها، ابتلعت مرارة الشعور، ثم أخبرتها بثبات زائف:


-انا هفضل موجودة في المكان اللي جوزي موجود فيه.


عندما تيقنت من ثباتها على موقفها الداعم لزوجها، وإصرارها على البقاء معه، رأت أن الجدال لن يجدي، ولن يكون في وسعها أن تثنيها عن قرارها، وحتى تنهي ذلك الحديث العقيم علقت باستسلام:


-اللي يريحك.


وكنوع من إرضاء الضمير، أضافت بفتور:


-لو احتاجتيني في حاجة ابقي كلميني.


أومأت برأسها وهي بالكاد تكبح بكائها حتى غادرت الغرفة، حينها فقط سمحت لدموع القهر بإن تتحدر من طرفيها، جالسةً على طرف الفراش بانكسار، فوالدها لم يفكر في تلك اللحظة، التي انكشفت فيها خفاياه، ودفعت هي ثمن عار وصم بها للأبد، ووالدتها لم تضعها في الحسبان وهي تقرر الرحيل، غير عابئة بتركها دون سند.


تقدمت من السيارة المتوقفة أمام باب الفيلا، بعد أن وضع الخدم حقائبها بداخلها. في تلك الأثناء كان "كرم" متكئًا بردفيه على مقدمة السيارة، وما إن رآها حتى اعتدل في وقفته، مستقبلًا إياها بإمساكه لكفها، تفحصها بنظرات قلقة، فقد تراءى له حزنها، وانطفاء نظراتها، وقبل أن يستفهم عن السبب، عاجلته هي بتساؤلها البائس:


-مش هتخليني اندم اني اختارتك؟


حز في قلبه نظراتها المتوسلة بعدم الخذلان، قبض على يدها بلمسة مطمئنة، ودنا منها أكثر ليبث لها الأمان وهو يردد في رفق:


-عمرك ما هتندمي صدقيني.


رفع يده الطليقة، محتويًا وجنتها، وأضاف بحب صادق:


-احنا هنبدأ مع بعض بداية جديدة، وهنرمي ورا ضهرنا كل حاجة، هننسى وهنعيش لنفسنا بس.


ألصقت خدها أكثر في راحته، واسبلت عينيها التعيسة، معلقة بتمني:


-وده اللي انا عايزاه، ابدأ معاك بداية جديدة، وانسى كل اللي فات.


زين ثغره بسمةً رائقة وهو يؤكد لها:


-هيحصل يا حبيبتي.


بادلته ابتسامته بأخرى ناعمة، وقد نجح بصوته الدافئ، وكلماته الحانية، في تبديد مخاوفها، وبؤسها، ولكن بقاءها في ذلك المكان لوقت إضافي، سيجدد شعورها بمشاعر كارهة، ونافرة، ولهذا طلبت منه باستجداءٍ:


-خدني من هنا، عايزه ابعد عن المكان ده.


أومأ لها بالموافقة، مرددًا بقبول وهو يسحبها من يدها بلين:


-حاضر.


فتح لها باب المقعد المجاور له، وبعدما جلست بالداخل أغلق الباب، وتابعته هي بحدقتيها حتى انضم لها، وفي اللحظة التي انطلق بها بسيارته، عابرًا البوابة الحديدية، ودعت حياتها السابقة بمَ تحمل من ذكريات سيئة، انتهت بنهاية مأساوية.


 الصفحة التالية