رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 60 - 2 الأحد 10/12/2023
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الستون
2
تم النشر يوم الأحد
10/12/2023
في كبد السماء، انتصفت الشمس بأشعتها الشديدة، التي اخترقت الستائر المعلقة أعلى زجاج كل من الشرفة، والنافذة، نافذًا الضوء عبر جفنيه المغلقين، متسببًا في إيقاظه من سباته. في البداية انتفض جفنيه بحركة بسيطة، انتشلت وعيه من غفوته، وحفزت مداركه إلى مجيء الصباح بنوره، الذي أعجزه عن فتح عينيه مباشرةً، بل ظل لعدة لحظات يفرق جفنيه عن طرفيه تدريجيًا، حتى اعتاد على الشعاع الساخن الواقع على عينيه، حرك وجهه للجانب قليلًا عن مرماه، وحتى يتيح لنفسه النظر في الأرجاء.
أول ما وقع بصره عليه كانت زوجته، التي ما تزال نائمة جواره، كان جسدها مواجهًا له في سكون رقيق، ووجهها المرتخي معبرًا عن راحة واضحة، ابتسم رغمًا عنه إثرًا لتلك الهالة الناعمة، فقد مر وقت كبير على آخر مرة مماثلة، استيقظ من نومه على وجهها الجميل، ووجودها الباعث على الدفء في سائر كيانه. لحظات أخريات مرت، خبت بمرورهم بسمته تدريجيًا، فقد خامره نفس الشعور المشتت، من عدم فهمه لما يدور في رأسها، فما بدر منها البارحة، لا يمت بأي صلة للجفاء الذي طغى في عباراتها القاسية، التي فاهت بها آخر مرة جمعتهما قبل حادثة السيارة.
لفظ نفسًا ساخنًا وهو بالكاد يمنع نفسه من التفكير في أمرها، ففي الأخير يراها محقة في قرارها، فعلاقتهما إن استمرت على نفس المنوال، القائم على عدم التفاهم، لن ينجم عنها غير التعب والمشاكل، واجدًا أن الحل الأسلم لإراحة الطرفين، هو وضع حدودٍ في التعامل، ستحمي كل منهما من التنازع مع الآخر. رفع جذعه عن الفراش، تزامنًا مع تهدل ساقيه أرضًا، ورغم أنها لم تكن سوى حركة بسيط، إلا أن الدوار قد داهمه، وجعله يثبت في موضعه لعدة لحظات، ريثما يستعيد ثباته. بعدئذٍ نهض عن السرير، سائرًا بخطواته المتهادية نحو المرحاض.
بعد أن اغتسل، وانتهى كذلك من ارتداء ثيابه، عاد إلى الغرفة ثانية، وتلك المرة تشكلت بسمة غبطة فوق ثغره، فقد انتبه لتوه إلى سرير حوريته الصغيرة، صاحبة أجمل محيا، تقدم من مهدها بخطوات أسرع من سابقتها، وحينما وقعت عيناه عليها، ارتفع حاجباه في دهشة، فقد كانت مستيقظة، ممَ جعله يسحب مقعدًا خشبي، وجلس عليه بجانب السرير الصغير، وهو يردد بتفاجؤ بنبرة خافتة:
-إيه ده انتي صاحية؟
حركت بؤبؤيها ذوي اللون الفريد نحوه، وقتها توسعت بسمته، وازداد وهج عينيه، فقد كان منبهرًا بجمالها، وفي الوقت ذاته كان ما يزال مأخوذًا من وجودها، فهو لم يشهد لحظة ولادتها، بل إنه قد اسيقظ من نومه بغتةً على بكائها، متفاجئًا بها، حرك وجهه بإنكار وهو يقول بصوته الخفيض الممزوج بنوع من المرح:
-انتي جيتي امتى؟ معقولة أنام واصحى الاقيكي اتولدتي.
تثاءبت أمام مرمى بصره، بطريقة تشع براءة لذيذة، انكمشت عضلات وجهه بتأثر، وشعور الاستغراب ما يزال يناوش قلبه، من عدم اعتياده بعد على وجود طفل جديد في أسرته الصغيرة، مع فارق مذهل أن تلك المرة أُنجِبت فتاة رائعة الجمال، خطفت قلبه، وسلبت لُبه منذ أبصر محياها الملائكي، قائلًا ببسمة واسعة:
-شكلي كده هاخد وقت لحد ماتعود على وجود بيبي جديد هيفضل يعيط طول الليل ويصحينا كل شوية.
مع آخر ما فاه به، انتبه إلى عدم بكائها، رغم مكونة مستيقظة، مم جعله يدهش من أمرها، وحدثها بتعجب:
-صحيح تعالي هنا انتي مبتعيطيش ليه؟ أخواتك لما بيصحوا اول حاجة بيعملوها إنهم يعيطوا ويصحونا من أحلاها نومه، انتي مالك ساكته وراسية كده، سرحانة في إيه؟
وهو مضيق نظراته المتسلية عليها، اجتذب انتباهه حركة "داليا" البسيطة فوق الفراش، وبينما ينظر إلى وجهها الساكن، غمغم باشتفاف:
-سايبة مامي تنام، ومش عايزه تصحيها دلوقتي؟
عاد ببصره للصغيرة وهو يضيف بغيظ مصطنع:
-من أولها كده هتاخدي صفها؟
على ذكر ذلك، تذكر استيقاظه المتكرر ليلًا، منتبهًا في كل مرة إلى عدم نومها، وكأنها كانت تخشى ترك نفسها لسلطان النوم، حتى لا تتفاجأ بالصباح بأن استفاقته لم تكن سوى حلم، رق صوته برقة نابعة من قلبه الرهيب بكل ما يتعلق بها، وحدث ابنته:
-بس عندك حق، هي منامتش وفضلت صاحية طول الليل..
لاحت بسمة صغيرة فوق شفتيه وهو يضيف:
-شكلها كانت خايفة تنام لتصحى متلاقنيش.
ضمت الرضيعة شفتيها الورديتين بطريقة جميلة، جعلت عيناه تضيق من بسمته التي صارت ملء شدقيه، وأردف بانبهار:
-انتي حلوة أوي كده ليه؟ أنا مش عارف أصدق لسه أن بقى عندي أميرة صغيرة بالجمال ده.
بعد نضي عدة دقائق، قضاعا متأملًا حركاتها العفوية، تحفز في جلسته، ثم قال لها بحماسٍ:
-هسيبك واروح للعفاريت اخواتك، زمانهم صاحيين ومجننين الناني بتاعتهم.
قبل ان ينهض انحنى بجذعه، مقبلًا برفق مقدمة رأسها اللين، ثم استقام في وقفته، شيعها بنظرة مُحبة، انتقلت إلى والدتها قبل أن يسير إلى الخارج. عند وصوله إلى غرفة التوأم، المجاورة لخاصته، طرق فوق الباب طرقتين، وانتظر ريثنا تفتح المربية له، وشفتاه تعلوهما بسمة، ظهرت عند استماعه لصوتهما بالداخل، لحظات وفتحت الباب، حينها ألقى عليها تحية الصباح:
-صباح الخير.
رسمت بسمة لبقة فوق شفتيها، وردت عليه باحترام:
-صباح النور يا عاصم بيه، حمد الله على سلامتك.
بادل بسمتها بأخرى بسيطة، ثم قال لها:
-الله يسلمك، الولاد صاحيين مش كده؟
أومأت له بهزة مؤكدة، ثم أخبرته بعملية:
-ايوه يا فندم، صحيوا من نص ساعة تقريبا.
تحركت قليلًا مفسحة له المجال بالدخول، فقد استنتجت رغبته في البقاء معهما، وخلال ذلك قال لها بهدوء وهو يدنو منهما:
-طيب انا هقعد معاهم، لو عايزة تنزلي تفطري أو تعملي حاجة، روحي وانا هاخد بالي منهم.
بنفس الطريقة المحترمة شكرته:
-تمام يا عاصم بيه، شكرا لحضرتك.
بعد خروجها انحنى جالسًا بجانبهما على الأرض، مرددًا بصوت رخيم:
-الحلوين بيعملوا إيه؟
رآهما يلهوان بألعابهما، وأصواتهما الطفولية تتردد خلال ذلك، ولكن ما استرعى انتباهه الأصوات المتداخلة الناجمة عن ارتطام الألعاب بالأرض، مما جعله يقول بتعجب:
-انتوا بتلعبوا ولا بتكسروا؟
كان الأكثر عنفًا من بينهما في لعبه كان "رائف"، متسببًا في إضحاك "عاصم"، ووضع يده فوق يده الصغيرة الممسكة باللعبة، ليهدئ من صدمه لها بقوة بالأرض الصلبة، وهو يقول له:
-بالراحة على اللعبة يا رائف مش كده، إيه يا حبيبي الغل ده؟
رفع حينئذٍ الصغير وجهه له، وردد بصوته المميز:
-بـ.بـ.ـا بـ.ا با.
ظهرت نواجذه من اتساع ضحكته، فقد نفذت تلك الحروف عبر شغاف قلبه، محدثة رعشة جميلة هزت كامل وجدانه، وأردف بمحبة أبوية وهو يداعب وجنته:
-روح قلب بابا.
استمر الصغير في غمغمته الرقيقة، في حين انتقل "عاصم" بنظره نحو الصغير "نائل"، كان أقل شقاوةً من توأمه، حتى أنه لم يتفوه بحرف منذ ولوج أبيه، على عكس الآخر، ممَ استرعى اهتمام "عاصم"، الذي هتف بمشاكسة:
-استاذ نائل، مش سامعين صوتك يعني.
رمقه بنظرات متفحصة، فصمته لا يوحي بهدوء، ولا يدل على رزانته، بل لا يصنفه غير مكر مشابه لمكره في الصغر. اقترب منه، منبهًا الصغير له، وحينما نجح في اجتذاب نظره، حدثه بتسلية:
-مش حاسس إن سكوتك ده هدوء، استحالة تكون ابني وتبقى هادي، صارحني، الهدوء ده لؤم مش كده؟
حول الصغير نظره نحو أخيه المنشغل باللعبة الممسك بها، في حين أضاف "عاصم" بشك:
-أكيد بتخطط لمصيبة تعملها في الغلبان التانـ..
قاطع تتمة عبارته تفاجؤه بكسر "رائف" للعبة، إثرًا لصدمها بقوة مضاعفة أرضًا، حينها سحب "عاصم" وصفه قائلًا بغير رضاء وهو يجمع قطع اللعبة المكسورة:
-لا مش غلبان، باللي انت عملته ده مش غلبان.
وضع القطع فوق طاولة جانبية، بعيدة عن أيديهما، حتى لا يضع أحدهما إحداها في فمه، وهو يفرق نظره بينهما، ارتكز بحدقتيه على الصغير الآخر، الذي يعبث في لعبته بتريث، حينها حدثه "عاصم" بتهكم:
-لئيم لئيم، على الأقل مش بتكسر زي الأستاذ التاني، مش هتبقوا انتوا الاتنين يعني.
من تفوهه بكثير من الكلمات الغير مفهومة، تفاعل معه "نائل"، مرددًا:
-مـ.مـا مـ.مـا ما.
ضيق عينيه عليه، وقد عادت بسمته في التشكل فوق ثغره، ولكنه مع ذلك تظاهر بالغيظ وهو يردد بسخرية:
-ممم ابن امك يعني.
مد يده عابثًا بخصلاته الشقراء، المماثلة لوالدته، وأخبره بحب:
-ماما نايمة للأسف، بابا اللي صحى من بدري وجالكم.
قرب الاثنين منه وهو يتنهد مطولًا، مضيفًا باشتياق:
-عشان وحشتوه اوي، ومش عايز يضيع دقيقة واحدة تاني بعيد عنكم.