رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 60 - 3 الأحد 10/12/2023
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الستون
3
تم النشر يوم الأحد
10/12/2023
لم يمر الكثير بعد استيقاظ "عاصم"، وقد بدأت الصغيرة تئن في مهدها بانزعاج، من ترك والدتها لها، ومع علو صوتها، الذي تحول إلى بكاء مع مرور الوقت، استيقظت "داليا" من نومها، وأول ما بحثت عنه قبل أن تتوجه إلى الرضيعة، هو وجود "عاصم"، خفقة قابضة عصفت بقلبها، وآلمت صدرها حينما لما تجده جوارها، وبينما هي تسرع في النهوض لتحمل رضيعتها، جابت بعينيها أنحاء الغرفة، وقد تهدجت أنفاسها، من هاجس مريب للتو هاجم رأسها، وهو أن أحداث أمس ما هي إلا محض وهم.
هدهدت ابنتها بيدين ترتجفان، وهي تتحرك في الغرفة، متوجهة إلى المرحاض، لتتفقد ما إن كان بداخله، انتقلت ببؤبؤين متوترين بكل أنحائه، وعندما تأكدت من خلوه خرجت منه، وخلال سيرها المتلهوج، وقعت عيناها على سلة الثياب المتسخة الموضوعة في غرفة الثياب، وبداخلها نفس قطعتي الملابس الذي ارتداهما زوجها البارحة قبيل نومه، تنفست الصعداء، وتلألأت لمعة رطبة لطرفيها، وعلى الفور توجهت نحو باب الغرفة، ما إن خرجت حتى انتبهت لوجود المربية في الرواق، على بُعد عدة خطوات منها، غير حاملة الطفلين، سارت نحوها ووجهها يعلوه التعجب، وحينما صارت قبالتها ألقت عليها المربية تحية الصباح:
-صباح الخير يا مدام داليا.
ردت عليه التحية بوجوم:
-صباح النور يا هنا.
وما لبثت أن سألتها بقلق:
-الولاد مش معاكي ليه؟
أجابتها بهدوء وهي تعبث بوجنة الرضيعة بإصبعيها برفق:
-عاصم بيه معاهم جوا، قالي انزل افطر وهو هيفضل معاهم، وانا خلاص خلصت فطار ورجعالهم أهو.
زفرت نفسًا مطمئنًا، تشكلت معه بسمة فوق شفتيها، وفي تلك اللحظة قررت الدخول لهم، تحفزت في وقفتها، ومدت لها الرضيعة وهي تقول بعجلة:
-انا هدخلهم، خدي انتي مانيسا، واعمليلها الرضعة عشان جعانة.
أخذتها منها، حاملة إياها بحنوّ، ثم ردت بانصياع:
-أمرك يا مدام.
غيرت "داليا" وجهتها بعد ذلك صوب غرفة التوأم، التي لم تنتبه –حينما خرجت من غرفتها- إلى بابها المفتوح، تفاجأت فور دخولها بذلك المشهد المليء بالحنان والرفق، وبخطوات هادئة سارت نحو زوجها، الجالس أرضًا رفقة ابنيهما، احتضانه لهما غمرها بشعور جميل، بعث السرور لقلبها، وعلى الرغم من كونها باتت على مقربة منهم، إلا أن زوجها لا يزال غير شاعرٍ بوجودها، فانتباهه بالكامل منصب على الطفلين، واصلًا لها صوته الخفيض وهو يسألهما:
-انتوا عارفين بابا بيحبكوا قد إيه؟
هز رأسه بتهكم وهو يتابع في أسف:
-تخيلوا إن بابا نفسه مكانش يعرف..
لاح الأسى على وجهه وهو يكمل بتأثر:
-معرفش قيمتكم غير لما بعدتوا عن عينه، وقلبه كان بيتقطع وهو مش عارف مكانكم ولا قادر يعرف حتى اخباركم.
أزاد في ضم الطفلين له، متعهدًا لهما:
-بس خلاص استحالة اسمح انكم تبعدوا عني تاني، ولا هعمل حاجة تخليني في يوم اخسركم.
مسح فوق جانب رأسيهما، وهو يقطع وعدًا على نفسه:
-اوعدكم إني مش هبعد عنكم، هفضل احبكم، وهحضنكم، وعمري ماهحرمكم من حضن أمكم.
ترقرقت عبراتها وهي تستمع إلى تلك الوعود، التي تثبت لها تغيره الشاسع عن السابق، وعبئه الواضح بأطفاله، وبينما تنصت باهتمام شديد له، تابع هو بنفس النبرة الحنون:
-هربيكم وسطنا ووسط ولاد عمكم، عشان تعرفوا قيمة العيلة، وتحسوا بالدفا اللي عمري ما حسيته.
اختنق صوته مع الأخير من قوله، شاعرًا بلسعة الدموع تحرق عينيه، متحسرًا على تركه لحضن والدته، سيرًا خلف توجيهات والده المضللة، التي أضاعت عليه دفء الشعور ألى أن فقدها، تحامل على نفسه تلك الغصة التي تقطع حلقه، وأكمل وعوده:
-مش هخليكو تعيشوا الحياة اللي عيشتها، وهفضل اتعالج لحد ما ابقى كويس عشانكم، وعشان استحقكم.
تكومت الدموع بعينيه، حتى علقت على طرفيه، ازداد حملها حتى انزلقت دمعة من أحدهما وهو يقوي من عزم نفسه، مرددًا:
-لازم أبقى أحسن أب ليكم.
فرق نظره عليهما وهو يلزمهما بلهجة جادة كأنهما بالغان وليس طفلين:
-وانتوا كمان لازم تبقوا احسن مني.
في تلك اللحظة انضمت "داليا" لهم، جالسة بجوار زوجها، ممَ جعله يحول نظره لها، رائيًا بسمتها الواسعة، مدت يدها محاوطة وجنته، وقالت له بحب:
-انا متأكدة إنهم هيبقوا احسن ولاد في الدنيا عشان انت باباهم يا عاصم.
ارتسمت بسمة محبة فوق محياه الهادئ، وعلق بنبرة لينة:
-وعشان عندهم أم جميلة زيك.
توهجت نظراتها بلمعة حبه، ودنت منه، مريحة رأسها فوق كتفه، وتمتمت:
-ربنا يخلينا ليهم يا حبيبي.