رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 64 - 3 الخميس 25/1/2024
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الرابع والستون
3
تم النشر يوم الخميس
25/1/2024
رده ضاعف من حيرته، ولم يفهم ما يحاول أن يرمي إليه بتلميحه المبطن، وحينما رأى "مجد" ذلك، لم يجد بدا من إخفائه للأمر عنه، وهو ذهابه لتحذير أخيه، أثناء انتقاله للمشفى، بعد ما تعرض له على إيدي رجال "عاصم". ومع سرد بدأ يظهر علامات الحرج المخالط للخزي على وجه "عاصم"، وحتى لا يزيد الآخر من حرجه، أردف بعدما انتهى ببعض المرح:
-روحت احذره، عشان ميعندش معاك تقوم قاتله ولا حاجة.
فرك بإصبعه مقدمة أنفه، وعلق ببعض الحرج:
-مكنتش هتوصل للدرجادي يعني.
حرك وجهه بحركة تفاعليه وهو يمازحه بقوله:
-مكنتش هتوصل إيه، انت حالتك كانت صعبة، كل ما حد يضايقك تدبرله حادثة.
كاد "عاصم" يرد على ما قاله، إلا أن الآخر سارع في التكلم باستنكار:
-نهارك مش فايت لو كنت ناوي تعتمد الأسلوب ده مع عيالك.
صدحت ضحكة "عاصم" في الغرفة، وقال له بصوت يحمل آثار الضحك:
-بصراحة مش قادر اتخيل انا كنت هتعامل معاهم ازاي، ده انا دلوقتي رحمة عن أول ماتولدوا.
تنحنح جاليًا صوته وضبط أنفاسه قبل أن يضيف:
-يعني بقيت اشيلهم والاعبهم، وساعات بنيم مانيسا، لكن الأول كنت بروح ابص عليهم وادور وشي وامشي، ويبقى من عند ربنا لو بوست واحد من دماغه.
ضحك "مجد" خلال استرساله، وما إن انتهى حتى تشدق بمرح:
-كده انت حنين أوي وأب مفيش منك.
حرك "عاصم" وجهه باستنكار لشخصه القديم، ثم ما لبث أن تكلم بجدية:
-حقيقي انا كنت محتاج اخد خطوة الدكتور النفسي دي من زمان، ويمكن في الأول كنت..
قاطع "مجد" تتمة كلماته، مستوقفًا إياه:
-استنى لحظة!
حدق به باستغراب، وسأله بتأكدٍ ممَ سمعه:
-انت بتروح لدكتور نفسي؟
انفرج جانب شفته ببسمة تهكمية، وعقب:
-امال اتغيرت كده اجتهاد ذاتي!
ظهرت أمارات التفاجؤ على محياه، وأخبره:
-انا مكنتش اعرف.
تلقائيته في الحديث جعلته يغفل عن عدم معرفة الآخر بذلك الأمر الحرج، ولكن سرده لتفاصيل بداية اتخاذه لذلك القرار، حتى تلك اللحظة، سيتطلب منه وقتًا طويلًا، وهو لا يريد أن يضيع مزيدًا من الوقت في التحدث هنا، ويعطي له فرصة لرفض دعوته، ولهذا قال له وهو يشرع في النهوض:
-لا ده الموضوع كده هيطول شرحه، نكمل كلام في البيت بقى.
بعدما نهض ألحق قوله وهو يغلق زرار سترته، مرددًا:
-هستناك على الساعة سبعة، سبعة بالدقيقة يا مجد.
لم يعطِ لـ"مجد" بتلك الطريقة مجالًا لاختلاق عذر، ورد عليه بمَ يوحي بقبول الدعوة:
-مانت عارف ان مواعيدي مظبوطة.
ارتسمت بسمة على شفتيه، وعقب بكلمات موحية:
-آه بس انت مش جاي لواحدك.
تفقه المقصود من عبارته، وهو مجيء زوجته بصحبته، والتأخير في التجهز وارتداء الثياب من السمات المتعارف عليها بين النساء، خاصة إذا كُن تتجهزن لموعدٍ أو مناسبة ما. زم فمه ببؤس مصطنع، ثم قال له بطريقة درامية:
-معاناة بجد.
نهض بعد تفوهه بتلك العبارة من موضعه، وتابع وهو يدور حول مكتبه متوجهًا نحوه:
-بس خلي بالك كده معايا عذري لو اتأخرت.
قابل ما قاله ببسمة بسيطة، وحينما صار جواره مد يده له بالحقائب التي تحوي على هدايا الصغير، وقال له بلطافة:
-اديهاله بقى انت وبوسهولي لحد ماشوفه بالليل.
مد يده آخذًا منه الحقائب، وقال بقبول مستسلم:
-حاضر يا سيدي.
اصطحبه حتى باب المكتب، وبعدما باتا على أعتاب الغرفة، قال "مجد" له ببعض المرح:
-سوق بالراحة يا عاصم، مش ناقصين خساير.
ضيق نظره عليه، وعلق باشتفاف:
-حاسس ان قصدك على العربية اللي اتغدغت.
صحح "مجد" قوله بنبرة متهكمة:
- قصدك اتفحمت.
ثم ما لبث أن أضاف باشتخفاف مرح:
-وطبعا قصدي على العربية، انت بيلاقولك قطع غيار عادي.
ضحك على ما فاه به، ثم أخبره وهو متحفز في وقفته:
-متقلقش مبقتش بروح في حتة من غير السواق، دي قوانين عليا.
صافحه بعد ذلك، متبادلين بعد العبارات الاختتامية قبل مغادرته، والابتسامة التي تزين وجهيهما، تدل على انتهاء عداء غليظ، وبداية عهد صداقة جديد.
❈-❈-❈
بدا وكأن الحياة تعطي له فرصة جديدة، لنيل ما يحتاج، وأكثر ما يستحق، ولكن بطريقة أخرى تضمن له السعادة، وليست الأموال والسلطة غير دائمي الإفادة، فبعدما تذوق طعم الهناء، وتمتع بلذة اللقاء، أيقن أن حياته كانت تفتقد لروح امرأة، مشاعر صادقة، قلب محب حنون، وحضن دافئ وسكون، وكل ما ينتقصه، ويفتقر إليه وجد أنه قد وُضع بها، فبغير أن يبحث، أو ينتظر عطايا القدر، نالها، ونال معها كل ما هو بحاجة إليه في لمح البصر.
بعدما وضعا معًا أسس حياتهما القادمة، ورتبا أفكارهما، بدأ في تنفيذ أولى خطوات بناء مستقبله، وهو إعادة فتح مكتب والده، وتجديده، واعتمد في اختيار الأثاث والديكورات اللازمة على زوجته، لذوقها الرفيع والرقيق. واصطحبها معه حتى يأخذ رأيها بعد الانتهاء من تجهيزه، وما إذا كان قد تم بطريقة غير ما توده، وما اتففا عليه. لاح الإعجاب على وجهها بتجهيزات المكان منذ دخولها، وبخطوات متمهلة انتقلت إلى جواره من صالة الاستقبال التي تشمل الركن المخصص للسكرتيرة حتى باب مكتبه، وما إن وطأت بقدمها بداخل الغرفة خاصته، حتى توسعت عيناها بانبهار، وبينما تمسح بنظراتها المكان، سألها كرم باهتمام:
-إيه رأيك؟
وشفتاها تعلوها بسمة واسعة، قالت بلهجة تعج بالإعجاب:
-واو، الـInterior decoration (الديكور الداخلي) يجنن..
وهي تتنقل بنظراتها اللامعة على كل قطعة في الغرفة، تابعت بنفس النبرة:
-الـcolors والـFurniture والـAntiques (الألوان والأثاث والتحف)..
عادت بعينيها إليها وهي تطنب بسرور بالغ:
-كل حاجة perfect (رائع) يا كرم بجد وorganized (منظمة) اوي ولايقة مع بعضها.
دنا منها وعلى شفتيه ابتسامة والهة، وقال لها بثقة:
-لازم تكون كل حاجة منظمة ولايقة مع بعضها، مانا واخد رأي أجمل وأرق واحدة في الدنيا.
زين وجهها تعبير مغتر من اطرائه، فهو دائما ما ينجح في تعزيز ثقتها بنفسها كأنثى، وفي تلك اللحظة طرأ بفكرها أمر مساعدته التي ستعمل معه بنفس المكان، لا يفصل بينهما سوى جدار، وحينئذٍ اتقدت بداخلها شرارة الغيرة، والتصقت به عابثةً بزرار قميصه، وهو تنبهه بنعومة مغرية:
-اعمل حسابك هجيلك علطول، وهنطلك كل شوية، ولو لقيت حاجة مش عجباني هتتغير من غير نقاش.
تحولت بسمته لأخرى مستمتعة بدلعها المُستساغ، والذي لم تظهره إلا بعد زواجهما الفعلي، وذلك ما جعل فتيلة الرغبة تستعر به، راغبًا في التقام شفتيها المتحركة بإغواء، ودنا بوجهه منها مرددًا بخنوع قبل أن تُدمغ الشفاه:
-أمرك يا مدام سما.
منحها قبلة عميقة، وشديدة في التأثير على الحواس، والأنفاس، تراجع عنها بعد مدة أعطت له خلالها دلالات ذوبانها، ليعطي لها الفرصة لالتقاط أنفاسها، تابع تضرج بشرتها بدمويتها المغرية بعينين تتآكلها أكلًا، والبسمة في تلك اللحظة لم تفتر من فوق ثغريهما، وبعدما انتظمت وتيرة أنفسها إلى حدٍ ما، هتفت بسعادة جلية:
-انا فرحانة اوي يا كرم، مكنتش متخيلة إنك هتعمل اللي انا عايزاه وتخلص كمان تجهيز المكتب بالسرعة دي.
داعب وجنتها بلمسات رقيقة، ورهيفة، وخلال ذلك رد عليها باستنكار هادئ:
-وليه اضيع وقت؟
ثم أتبع جملته بقوله المليء بعاطفة صادقة:
-زي ماقلتلك انا عايز نبدأ مع بعض بداية جديدة، ونرتب كل حاجة من الاول بالطريقة اللي تريحك وتطمنك لحياتنا سوا.
طالعته بنظرات محبة، متأثرة، ومطمئنة، وقبل أن تدفع بجسدها لحضنه، جددت اعترافها بحبه:
-بحبك.
تلقاها باشتياق بالغ، كأنما يتعانقان بعد مضي سنوات، وبينما يحاوطها بذراعين مشتدين عليها بإحكام كأنه يخشى ابتعادها، رد عليها بحرارة مشاعره الثائرة:
-وانا كمان يا سما، بحبك أوي.
بقى على قربهما المشتعل بالأشواق لعدة لحظات، حتى ابتعد عنها "كرم" بمسافة ضئيلة، عارضًا عليها بنزق:
-ماتيجي نريح شوية.
حدجته بنظرة تجمع ما بين التوتر والاستنكار لطلبه الوقح، بينما هو لم يتدارك ما فاه به بتلقائية منه في بادئ الأمر، متعجبًا من نظراتها الغريبة، وصمتها المبهم، حتى تنبه إلى ما قال، وسريعًا ما وضح لها قصده بضحكة مكتومة:
-رجلينا، نريح رجلينا مالك في إيه؟
حركت وجهها بإنكار وهي تبتسم بخجل تعمل على وأده بقصارى جهدها، حتى تستطيع مجاراته في ممارسة طقوس العشق وتأدية شعائر الحب الخاصة، ثم استجابت إلى اقتراحه الثاني، وتحركت وهو يتبعها بنظراته العاشقة نحو أريكة جلدية وثيرة مقابلة للمكتب الكبير خاصته، جلسا عليها متجاورين، أو الأصح متلاصقين، مخلفين صورة توحي باشتداد أواصر العشق بينهما عما قريب، بتبادل الثقة، والمشاعر الصادقة.