-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 64 - 2 الخميس 25/1/2024

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الرابع والستون

2

تم النشر يوم الخميس

 25/1/2024

❈-❈-❈

ظهوره في صرح شركة "الكيلاني" بعد كل ما مر من خلافات وصراعات بينه وبين مالك الشركة، شهد معظمها الموظفين، وتناقلت البقية عبر افواههم أجمعين، بعث في نفوسهم شعور مهيب ومستريب، مترقبين لحدوث شجار ملحمي آخر، ومتهيئين لفض نزاع سيرج أرجاء المكان في أي لحظة. بخطوات ثابتة، وجسد سامق، شامخ كان يسير في الطرقة التي تفضي بغرفة صغيرة، لصيقة بأخرى أكبر في الحجم، وأعظم في التصميم. حينما انتبهت المساعدة الخاصة بـ"مجد" لدلوف "عاصم" المفاجئ، هبت واقفة، بذعر انبثق بشدة من عينيها، وملامحها التي تحولت في لمح البصر للريبة من القادم، وعلى فورها هرعت نحوه، لتمنعه من الدخول لرب عملها، إلا أنها أخفقت في اللحاق به، واقتحم غرفة مديرها دون سابق إنذار أو استئذان، وولج إلى الداخل بثقة منقطعة النظير، ممَ جعلها تسارع في الاعتذار بنبرة تعج بالهلع:


-حاولت امنعه والله يا مجد بيه..


قاطع تبريرها لذلك التقصير الغير مقصود، نهوض "مجد" بهيئة مرتخية، مع قوله المرحب:


-أهلا يا عاصم بيه، ده الشركة نورت.


أتبع ذلك بإشارة من وجهه نحو مساعدته، آمرًا إياها بهدوء:


-روحي انتي.


صدمها رد فعله، وألجمها في موضعها فاغرة الشفتين، ورافعة الحاجبين في ذهول بالغ، حينما لاحظ "مجد" حالتها العجيبة، سألها –بعدما صار مجاورًا لها- بتحير:


-مالك متنحة كده ليه؟


انتبهت لحالها من سؤاله المتعجب، وحركت وجهها في توتر، ثم قالت له بتلبك ملحوظ وهي تفرق النظرات فيمَ بينهما:


-لا ابدا يا فندم، عن إذنك.


غادرت على الفور تحت نظرات كليهما المتفقهة لسبب دهشتها، وكان "عاصم" الاول في التعليق، مرددًا بوجه ضاحك:


-معذورة، آخر مرة كنت مبهدلها عشان دخلتني.


ضحك بخفة على ما قاله، متفهمًا سبب صدمتها الجلية، ولكن سريعًا ما اختفت ضحكته حينما انتبه إلى الحقائب التي يحملها "عاصم" بيديه، وسأله مستفسرًا:


-إيه ده؟


مد يده له بإحداهم، وأخبره بود يحمل بعض المرح:


-هدية عيد ميلادك، قلت لازم اجيبلهالك عشان متفتكرش اني بخيل ولا حاجة.


تبسم وجهه ومد يده ملتقطًا الحقيبة، نظر إلى داخلها بنظرة سريعة، لم تساعده لمعرفة ما تحويه، فقد شغل فضوله أمر الحقائب الملونة الأخرى، وسأله باهتمام:


-طب وإيه اللي في الإيد التانية؟


اتسعت بسمة "عاصم" وقال له وهو يعطيه إياهم، قائلًا بلطافة:


-لا دي للكتكوت الصغير.


تظاهر بالجدية وهو يمتنع عن أخذها، وقال وهو يعود أدراجه نحو مكتبه:


-دي تيجي تديهاله بنفسك.


تفاجأ "عاصم" من رده، ولم يحبذ أن يزوره ببيته دون ترتيب مسبق حتى لا يثير ضيق زوحته، ولهذا حاول اختلاق عذر يعفيه عن الذهاب، مرددًا:


-بس..


تمسك "مجد" بكلمته، وبعدما جلس على مقعده أوقفه عن إبداء رفضه الظاهر، قائلًا بحزم مصطنع:


-مفيش بس، انا كلها ربع ساعة واكون مخلص، تعالى اقعد الحبة دول.


تقدم منه بخطوات متمهلة وهو يخبره ببعض الحرج:


-مش عايز اعطلك بس.


عاجله في الرد حتى يشجعه على الاستجابه لدعوته:


-تعطل إيه؟ انا مبعملش حاجة أصلا، بس بقالي فترة بمشي مع الموظفين عشان الانتظام بس مش اكتر.


جلس على أحد الكرسيين الجانبيين للمكتب، وقد وقع نظره حينذاك على صورة موضوعة داخل إطار خشبي فوق المكتب، تجمع "مجد" بصغيره، ومن الواضح أنها التقطت بشكل عشوائي وهو حامل إياه بين ذراعيه، من ضحكهم الحقيقي ونظراتهم الغير موجهة نحو عدسة الكاميرا. بغير تدقيق استطاع ملاحظة شبه الطفل الكبير لأبيه، وما إن لاحظ ذلك حتى قرر العبث معه وأخبره بأسف مصطنع:


-شبهك للأسف.


ضم "مجد" ما بين حاحبيه باستغراب، وسأله بنبرة متعجبة:


-ليه للأسف؟ هو انا وحش؟


عمل على أن تظهر تعبيراته طبيعية حتى يزيد من غيظه، ورد عليه بإيحاء مقصود:


-مش مسألة وحاشة بس انت عارف رأي فيك من زمان.


لم يستغرق سوى لحظات معدودة وتوصل إلى قصده، وهو ذلك اللقب الذي كان يطلقه عليه في السابق. اعترى وجهه أمارات انزعاج زائف وهو يغمغم به بغيظ واضح:


-تنح.


منع "عاصم" بسمة متأثرة من التشكل على وجهه، وهتف مضيفًا باستفزاز متزايد:


-وتناحة مش طبيعية بصراحة.


اصطنع "مجد" الصرامة وهو يحدثة بطريقة جادة:


-طب اعمل حسابك بقى اننا عدينا التلاتين، يعني مينفعش تتعامل معايا بنفس معاملة زمان، ولسانك يقصر شوية ياريت.


انفرجت شفتاه بابتسامة متسلية، وتشدق بسماجة:


-لا متخافش مش هقولك كده قدام مراتك.


 رفع أحد حاجبيه وهو يعقب بثقة:


-مراتي تاكلك أصلا لو قلتها قدامها، دي مبترحمش لعلمك.


لامة بنظرات غير مصدقة لوصفه لها، وقال له بهدوء:


-حرام عليك دي شكلها طيبة، ده انا مش عارف عايشة ازاي مع لوح تلج زيك.


قال عبارته الأخيرة بلمحة من التهكم، حينها علق "مجد" ببرود مغيظ:


-بتعرف تتعامل، اخرج انت منها.


اتسعت بسمته المتسلية، ممَ استفز "مجد"، ولكنه قرأ تصميمه على إخراجه عن طور هدوئه، حينئذٍ أراد أن يرد لها الصاع، وقال له:


-وبعدين اللي المفروض يستغرب هو انا، مراتك دي الله يكون في عونها، ليها الجنة.


هز رأسه بحركة مؤكدة، ولكن يشوبها السخرية مع قوله المتهكم:


-حصل، مسكينة.


ناظره بنظرة مستشفة، وسأله بتأكدٍ ممَ فطنه:


-تريقة دي؟


اعترى وجهه تعبير مغتاظ ورد عليه بنفس النبرة المتهكمة:


-انت عندك شك، دي ربتني تربية ابويا نفسه مربهانيش.


حدجه بنظرة موحية، وأخبره:


-بس متنكرش انها استحملت منك كتير.


امتزج مع الغيظ المعتري قسماته، تعبير معترف بحقيقة ما تحملته خلال سنواتها معه، وقال:


-هي من ناحية استحملت فاستحملت، بس جيت على الآخر وخلصت.


ضحك "مجد" بخفوت، قم ما لبث أن دعا لهما:


-ربنا يهديكوا لبعض.


ردد من بعده بصوت جاد:


-يا رب.


ساد بينهما الصمت للحظات، كسره "مجد" بقوله المباغت:


-ماتبقى تيجوا في يوم، تتعشوا معانا ونقضي سهرة سوا.


تفاجأ "عاصم" للحظة من دعوته، فهو لم يتوقع تلك البادرة منه، وبعدما تدارك صمته الذي طاله، لم يستطع منع نفسه عن سؤاله:


-مجد انت عايز ترجع صحوبيتنا؟


رأى "مجد" في عينيه نظرة منكسرة، نادمة، وحزينة على هدمه لصداقتهما البريئة، وحتى يزيل تلك المشاعر البائسة عنه، سأله بطيف مرح:


-انت مش جايبلي هدية؟


زوى ما بين حاجبيه باستغراب، وأجابه مؤكدًا:


-ايوه.


تشكلت بسمة ودودة على ثغره، وقال له:


-طيب خلاص، طالما قبلتها يبقى رجعنا صحاب، انت ناسي انها بدأت كده؟


رغم عدم استحسانه لذلك الرد الخالي من العتاب المتوقع، إلا أنه بادله بسمته بأخرى صغيرة وهو يومئ له، وأخبره:


-وكان عيد ميلادك برضه.


بعد جملته أطرق بنظره لأسفل، مستشعرًا منه تهربًا من الرد على سؤاله، وكان من السهل على "مجد" تفقه ما يدور بخلده، فلم يجد غير مصارحته بشعوره حيال كل ما سبق، وبعد لحظات من الصمت الذي لفهما تكلم بجدية:


-بص يا عاصم، عشان ابقى صريح معاك، المشاكل اللي كانت بينا متخطتهاش، وابقى كداب لو قلت نسيتها..


ضم شفتيه في تفهم، وظن أن ذلك هو رده المتتظر، إلا أن "مجد" فاجأه بإطنابه ببسمة طيبة:


-بس مش معنى كده إننا خلاص مبقاش ينفع نرجع صحاب.


رفع "عاصم" حدقتيه إليه، رائيًا وجهًا تعلوه محبة كانت قد اندثرت بسبب سوء أفعاله، وبشاعة خصاله، تآكل بصدره الندم الذي لا يفارقه، كأنما أصبح شعورًا يلازمه، بينما أضاف "مجد" بودادة:


-وبعدين مش جايز لو الود رجع بينا تاني، ننسى ونعمل صحوبية اجمد من الاول.


افترت شفتاه عن بسمة ممتنة لإعطاءه صداقتهما فرصة أخرى، وبدوره أستغل ذلك ودعاه بغير تمهيد:


-خلاص يبقى تيجي انت ومراتك والواد اللي طلع شبهك ده، وتتعشوا معانا النهارده.


قبل أن يبدي أي نوع من الرفض، عاجله بقوله:


-وبالمرة كمان اعرفك على عز اخويا.


رد عليه بنبرة عادية:


-مانا اتعرفت عليه.


زوى ما بين حاحبيه وهو يستفسر منه:


-لما كنت في المستشفى؟


حك "مجد" مؤخرة عنقه، ورد عليه بغموض:


-هو آه في المستشفى، بس مش لما كنت انت اللي فيها.


آثار آخر ما قاله تعجبه، وسأله باستغراب:


-امال مين اللي كان فيها؟


انشق ثغره بشبح بسمة وهو يجيبه:


-عز.

الصفحة التالية