رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 31 - 1 الأحد 28/1/2024
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الواحد والثلاثون
1
تم النشر يوم الأحد
28/1/2024
كيف يمكن للإنسان أن يمر بكم هائل من المشاكل ومصاعب الحياة ولا ينهار أو حتى يشعر بالضعف اللحظي؟ ولكن أحيانا تجبرك الظروف المحيطة بك لتأجيل انهيارك حتى تتخطى الأزمات وبعدها قد تتركك لتسقط ببئر الإنهزام الذي وددت السقوط به من اللحظة الأولى.
حياتها لم تكن بالهينة أبداً بعد ما مرت به وهي لا تزال بعقدها الثاني، وغالبية أصدقائها ومن عمرها ربما لم يجدوا صعوبة بحياتهن سوى باختيار لون طلاء الأظفار أو حتى اختيار ماركة جديدة من أحمر الشفاة.
ظلت تذهب يومياً لعملها حتى وهي لا تجد الحافز للاستمرار ولكنها حقا قد اكتفت بعد أن عاصرت ما عاصرته وقد حان وقت الإنهيار، ولا يمكن أن يثنيها أحد عنه فقد سأمت ممن يخبرونها بأن تظل قوية وها هي أخيراً قررت التخلي عن قوتها المزعومة وترك العنان لضعفها للظهور هكذا للعلن.
استيقظت اليوم وقد مر أسبوعاً كاملاً على حادثتها الأخيرة مع مازن وقد اتخذت قرارها بترك العمل نهائياً مهما حاول الجميع إثناءها أو حتى رفض طلبها، وذهبت عازمة على إنهاء هذا الأمر اليوم قبل غداً.
نزلت من منزل والدها قاصدة مقر عملها ودلفت مكتب زوج أختها والمسؤول عن الشركة بغياب المدير التنفيذي الغائب بسبب مرضه:
-ازيك يا ساجد؟
ابتسم وهز رأسه مشيرا للمقعد أمامه:
-تعالي يا نرمين.
سألته وهي تجلس أمامه:
-أومال فين شيري؟
أجابها وهو يرفع سماعة الهاتف:
-مع ياسمين بتنقل معاها حاجتهم من الڤيلا القديمه، تشربي ايه؟
رفضت وهي تخرج من الملف أمامها تلك الورقة:
-ﻷ مش عايزه حاجه.
نظر لاستقالتها فتجهم وجهه وهتف معارضاً:
-تاني يا نرمين؟ هو ايه الموضوع بالظبط؟
ترك الورقه من يده وتحرك حول مكتبه وجلس أمامها متابعا:
-أنا عارف وشايف قدامي حاجات كتير بتحصل بس مش عايز اتدخل بحياتك وبقول سيبها هي اعقل من أنك توجهها، بس ساعات بحس أنك بتخلطي الامور ببعض ودايما حاطه الاستقاله الهدف الوحيد قدامك.
لم تعقب عليه فتابع:
-طيب اول مره وفهمت من يزن سبب الاستقالة، دلوقتي بقى ايه السبب؟
لمعت عينها فهل تجرأ وأخبر زوج أختها بسبب طلبها للاستقالة بالمرة الماضية:
-مفيش أكتر من أني مش مرتاحه في الشغل وخلاص.
زفر بضيق وسألها بشكل مباشر:
-ممكن تقوليلي ايه اللي حصل في المستشفى يوم عملية يزن؟
لم تجب وظلت مطرقة رأسها فأصر على استجوابها:
-طيب ليه ضربتي مازن بالقلم بالشكل المهين ده؟
تنفست عاليا وظلت صامتة ولكنها رفعت وجهها ناحيته متفاجئة عندما قال:
-انتو لسه في بينكم حاجه؟
صرخت به معترضة بعد أن وقفت من مكانها:
-ايه التهريج ده؟ لو سمحت يا ساجد لآخر مره هطلب منك توافق ع الاستقالة عشان...
قاطعها وهو يناولها الورقة:
-أنا مليش صلاحية في الموضوع ده بالذات ﻷنك المساعدة الخاصة لرئيس مجلس الإدارة فاستنيه يرجع من الاجازة وبعدها قدميله استقالتك.
صرت على أسنانها وزفرت بضيق وتركته عائدة لمكتبها.
❈-❈-❈
دلفت والدته تحمل إفطاره فتفاجئت به يرتدي كامل ملابسه ويستعد للخروج فصاحت به:
-أوعى تقولي انك رايح الشغل؟
التفت وقبلها وطلب منها بحب:
-اربطيلي الكرڤات يا ماما من فضلك .
فعلت ما طلبه منها فجلس على حافة الفراش ينحني ليرتدي حذائه فصرخت به:
-انا كلامي ملوش قيمه عندك خالص يا يزن؟
وقف ناظرا لها بتفاجئ:
-مين اللي قال كده بس؟ انا عندي اجتماع مهم وبقالي اسبوع بحاله مروحتش و...
قاطعته موبخة:
-مش كنت تعبان وعامل عملية، أنت عايز تتعبني يا ابني حرام عليك.
قبلها من أعلى رأسها وتحرك للخارج مؤكدا:
-انا بقيت كويس الحمد لله وزي الفل، مش هفضل قاعد في البيت زي الستات وأنتي عارفه الشغل كله متعطل بسببي.
خرج فوجد أخيه ينتظره بالخارج فوبخه محتدا:
-يا بارد مش قولتلك تستناني عشان ماما هتقف تمنعني.
ضحك آسر وهو يرد:
-منا هربت بدل ما تتخانق معايا أنا كمان، كفايه عليا خناقة كل يوم بسبب لاميتا.
وصلا للشركة وصعد للطابق المتواجد به مكتبه فسأله آسر قبل أن ينغلق باب المصعد أمامه:
-عايز مني حاجه ولا أطلع أنا مكتبي؟
أشار له والتفت وكله لهفة حتى يراها؛ فهو لم يعلم كيف مر عليه الوقت دون أن يراها أو يسمع صوتها.
وجدها تركز بالأوراق التي أمامها فتنحنح حتى تنتبه له فتفاجئت به ووقفت سريعا:
-يزن بيه! حضرتك جيت؟
ضحك ضحكة جاذبية وهو يرد:
-ﻷ لسه مجتش.
ضحكت رغماً عنها ولكنها وفور أن لمحت تحديقه بها أطرقت رأسها ﻷسفل فتشجع أكثر ليقترب منها ويهمس لها:
-وحشتيني أوي.
لم ترفع وجهها به وردت وهي على تلك الحالة:
-احنا اتفقنا تبقى بروفيشنال وبلاش ندخل الشغل في الاعتبارات الشخصية.
انتظرت سماع رده، ولكن لم يرد فرفعت وجهها له فوجدته يبتسم ناظرا لها وأجابها أخيراً:
-وأنا قررت اسحب كل الإتفاقات اللي بينا وأحاول وأعمل المستحيل عشان تجاوبيني.
ردت بعصبية:
-اجاوبك على ايه؟
قال وهو يملي عينيه من جمالها الذي أسقطه في بئر عشقها:
-يا تقوليلي انك بتحبيني زي ما بحبك بس كنتي بتكابري او مكسوفه، يا تقوليلي هحاول أحبك عشان تحل عن دماغي يااا...
صمت مبتلعا ريقه وهو لا يود أن يلقي تلك الكلمات من فمه:
-يا تأكديلي إنك مستحيل توافقي عليا مهما عملت وساعتها هيكون مفيش حاجه تتعمل.
تنهدت تنهيدة عميقة جعلته يقترب منها أكثر، ولكنها ابتعدت عن ذلك القرب وسحبت تلك الورقة من جارور مكتبها وناولته إياه وهي تخبره:
-ده ردي يا يزن بيه.
نظر لاستقالتها بعين حزينة وعاد يرمقها بأخرى مستسلمة:
-معقول محستيش ناحيتي بأي مشاعر حتى لو كره!
نفت برأسها وهي تؤكد:
-حضرتك بالنسبة لي مديري اللي بيضايقني كل ما بيتجاوز معايا بالكلام ده و...
قاطعها رافعا راحته أمام وجهها وانحنى ممسكا بقلمها من على المكتب واستند يوقع استقالتها واستقام بجسده يناولها أياها:
-انزلي الـ HR اديهم الاستقاله وهاتي منهم إخلاء الطرف عشان امضيه وتقدري تسلمي عهدتك لسكرتارية ساجد.
هزت رأسها موافقة فأخرج زفرة حزن ودلف مكتبه فارتمت هي على مكتبها تبكي؛ فأخيرا قد حان وقت الإنهيار.
خرج مجددا ليخبرها بأمر الإجتماع، ولكنه توقف عندما وجدها تبكي بهذا الشكل الذي آلمه فتكلم بصوت حاد ومتضايق:
-طيب ايه اللي مزعلك دلوقتي؟ قوليلي اللي أنتي عيزاه وأنا أعمله يا نرمين بس مش عايز اشوفك كده لو سمحتي.