-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 63 - 1 الخميس 4/1/2024

 

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الثالث والستون

1

تم النشر يوم الخميس

 4/1/2024




رغم ضيقه السابق منه، والناجم عن تحالفه مع عدوه ضده، بنصب الفخاخ ورسم المؤامرات له، ولخسته كذلك في اشتهاء جسد زوجته، واستحلاله لشرفه، إلا أنه قد غلب عليه شعوره بالامتنان لما علمه، من دفاعه المستميت عنه، وإنقاذ حياته. استجمع ثباته حتى لا يظهر عليه أي نوع من عدم الترحيب، أو النقم من استرجاعه لسابق ما بدر منه، واختزل رؤيته له على موقفه الشهم. بعد بضعة لحظات رآه مارقًا من باب الغرفة، بخطوات يظهر عليها بعض التوتر، وكأنما لم يكن مستعدًا للقائه، الذي طالب هو به، وخلال تقدمه منه، نهض "عاصم" عن كرسيه، وسار في اتجاهه، وما إن صار قبالته، لا يفرق بينهما غير بضعة سنتيمترات، هتف "كرم" بطريقة تعبر عن بعض التوتر الحرج:


-انا كنت جاي آخد ورق ليا من مكتبي، ولما عرفت انك هنا قلت اطلع اسلم عليك قبل مامشي.


قابل ما قاله ببسمة صغيرة، وبينما يضع يديه في جيبي بنطاله، استطرد بهدوء:


-سمعت إنك فتحت مكتب والدك تاني.


هز رأسه بإيماءة بسيطة، ثم رد عليه بشبح بسمة تشكلت على ثغره:


-قلت اشتغل لنفسي أحسن، واعمل اسم ليا، جايز في يوم أوصل لاسم سيادة المستشار.


أظهرت قسمات "عاصم" شيئًا من الود وهو يخبره بإيجاز:


-إن شاء الله، ربنا يوفقك.


حرك رأسه بخفة كرد صامت، ثم ما لبث أن قال له:


-لو احتاجتني في أي حاجة انا موجود، ولو إني أشك إنك هتعرفني بعد..


تفوه بالأخير من قوله بهزل بائس، حينها قاطعه "عاصم" قبل أن يتم عبارته، حتى لا ينبش فيمَ مضى، الذي عفا عنه في اللحظة التي علم بها بندمه الحقيقي، وإقباله على إنقاذه حياته، وهو بين يدي المولى، لا حول له ولا قوة، متابعًا بدلًا منه بطريقة موحية:


-بعد ما أنقذت حياتي وعرضت نفسك للخطر.


دلت عبارته على عفوه، وما أكد ذلك متابعته بامتنان:


-أنا مدين ليك بكتير أوي، وفي أي يوم لو انت اللي احتاجت مساعدة في أي محنة تواجهك هكون أول واحد يساعدك ويقف جنبك.


لاح فوق وجهه تعبير ممتن، امتزج بالأسف وهو يخبره:


-أهم حاجة تكون النفوس صافية بعد كل اللي حصل.


أيقن علام يرمي بجملته، وبدون أب تردد، علق بتسامح:


-النفوس صافية يا كرم.


ظهرت أمارات الراحة على قسماته، وحينئذٍ ودعه بود:


-أشوف وشك بخير.


هز له رأسه كحركة متفاعلة مع رده اللين:


-مع السلامة.


تابعه بنظرات متراخية حتى خرج من الغرفة، زفر نفسًا مطولًا، أعقبه بالتفاته نحو أخيه الذي علق على ما دار أمامه، ممازحًا:


-الصلح خير برضه.


التصقت بسمة متأثرة بقوله على وجهه، وبينما يدور خول المكتب، ليعاود الجلوس على مقعده، عقب بشيء من التهكم:


-اتعديت منك باين.


زوى ما بين حاجبيه بطريقة متعجبة، وسأله بهزوٍ:


-هو التسامح بقى مرض ولا إيه؟


عاد التحمس في الانبجاس داخله، لذا تجاهل تساؤله، وقال له:


-سيبك من كل ده وتعالي نرجع لموضوعنا.


توسعت بسمة "عز الدين"، وقال له باستسلام:


-مش هتسيبني انت النهارده.


بنفس الصوت المتلهف، والمصر أخبره "عاصم":


-كنسل العيادة خلاص، احنا هنبدأ تخطيط للمشروع من دلوقتي.


❈-❈-❈



مما لا شك فيه أن الحياة لا تمنح كل شيء، ولكن عندما تكون القلوب راضية، تشعر كأنما ملكت الكون بأسره، بجميع ملذاته، ولذاته. وقف في شرفة غرفته، مستندًا بإحدى يديه على حافة السور، وباليد الأخرى ممسكًا بسيجارةٍ، ينفث دخانها بشرود، يفكر، ويحلل، ويسترجع كل ما مر عليه الفترة الأخيرة، ومع ذلك كان عقله صافيًا، فنهاية الصعاب أنسته كل مُر، وطريق الصلاح محى أي ضُر، حتى بات يشعر لأول مرة بكم النعم المحاوطة به من كل حدب وصوب، وأولاهن، وأهمهن تلك التي أحاطت بظهره، وأراحت رأسها فوق كتفه، حينها تسلل شعور بالسكينة لداخله، وارتسمت بسمة غبطة فوق وجهه، ألقى السيجارة من يده، حتى لا يؤذها دخانها، ثم بعد برهة سألها بصوت هادئ، مهتم:


-نامت؟


قصد بسؤاله طفلته الصغيرة، همهمت حينها بتأكيد وهي ما تزال متكأة عليه، وبعد هنيهة من الصمت، لم تتخطَ البضعة ثواني، قالت له بسرور:


-شكلها حلوة أوي بالحلق.


توسعت بسمته التي علاها حب أبوي صادق، وقال مادحًا في جمال حوريته الصغيرة، وكنزه الثمين:


-هي كلها جميلة..


ثم ما لبث أن حول وجهه، بنظراته الوالهة نحو زوجته، وأطنب بعاطفة:


-طالعة لمامتها.


رفعت رأسها قليلًا عن كتفه وهي تنظر إليه بنظرات عاشقة، حينها رفع ذراعه وقام بمحاوطتها، من شدة ضمه أغمضت عينيها، حتى تتنعم بذلك الشعور الباعث على الدفء، وفي خضم ذلك التناغم اللذيذ، هتفت "داليا" بحبور:


-انا فرحانة أوي يا عاصم.


تنهدت بعد ذلك وتابعت بطريقة حالمة:


-لدرجة إني حاسة إني في حلم جميل ومش عايزه أصحى منه.


مسح بيده الطليقة فوق شعرها، وتلوح فوق شفتيه بسمة متيمة، ولكن ما لبث أن اختفت بالتدريج مع قولها:


-وساعات بخاف..


لفظت نفسًا يعج بالخوف، ثم ألحقته بغمغمة بائسة:


-بخاف الحلم الجميل ده يتحول لكابوس، وكل حاجة ترجع تبوظ في ثانية و..


أبعدها عنه بتؤدة ومنعها من إتمام جملتها، مرددًا بثقة باعثة على الراحة:


-مفيش حاجة هتبوظ طول ماحنا مع بعض، احنا بنقدر نتخطى أي حاجة بتقابلنا.


ارتكزت بنظراتها المهتمة على عينيه، اللتين كانتا تبعثان الطمأنينة لقلبها الملتاع، وهو يتابع بنفس النبرة الرخيمة:


-احنا عدينا صعوبات كتير مع بعض، أصعب حاجة مقدرناش نتخطاها هي فراقنا.


حاوط وجهها براحتيه، ونفى لها بعزم عارم:


-وده انا مش هسمح إنه يحصل تاني.


تشكلت بسمة صغيرة على شفتيه، انتقلت إلى شفتيها مع قوله:


-مش بعد ما لقيت راحتي معاكي، ومعرفتش يعني إيه حب غير بين إيديكي.


اتسعت بسمتها، وسريعًا ما ألصقت نفسها به، في عناق مليء بالمشاعر، وبعد لحظات جعلت الدفء يغمر جسديهما، والراحة تتخل قلبيهما، طلبت منه بوجد ثائر:


-قولي بحبك، عايزه اسمعها منك.


انفرج ثغره ببسمة متأثرة بمطلبها المفاجئ، وأراد أن يناغشها بغمغمته المشاكسة:


-هتزهقي كده.


ابتعدت عنه مسافة صغيرة، فقط تتيح لها النظر لعينيه، وهي مستبقية جسدها في حضنه، وعلقت بلهفة:


-دي الكلمة الوحيدة اللي عمري ماهزهق منها، انت عارف انا كان نفسي اسمعها منك قد إيه.


رغم سعادته بحبها الذي لم ينضب في قلبها، وتصريحها بما كانت ترغب طول سابق سنواتها، إلا أنه استمر على طوره العابث، وقال بتسلية وهو يمرر مقدمة أنفها بخاصتها:


-مانتي مصدقتهاش لما سمعتيها.


تبسم وجهها إثرًا لحركتها اللطيفة، ولكنها سريعًا ما قالت:


-دلوقتي مصدقاها، ومصدقاك، واستحالة اصدق بعد كده حاجة عليك، أو أي حاجة غير اللي اسمعه منك.


أراحه بشدة قولها، فقد أمات آخر ذرات قلق داخله نحوها، وبتعابير مرتخية، وعينين ينبجس منهما حبه، أخبرها:


-وده اللي انا عايزه يا داليا، تصدقيني وتتأكدي إني مفيش في حياتي ولا في قلبي غيرك.


لمعت عيناه بوميض العشق، الذي اختلط بدموع الفرح، وقبل أن تدفع نفسها في حضنه، قالت لها بوله وتيم:


-وانا طول عمري مليش غيرك، ومش عايزه غيرك.


أطبق بذراعيه فوق ظهرها، وبينما يمررها فوقه برفق ولين، قال لها:


-انا كمان عمري ما حد حبني غيرك، ولا حبيت في حياتي حد قدك.


اشتد من ضمه لها، وأحنى رأسه نحو كتفها، ثم دفن وجهه بتجويف عنقها وهو يتمتم بحب بالغ:


-بحبك بجد يا داليا..


ابتسمت بشفاهٍ مهزوزةٍ من سعادة تمتزج بدموعٍ عادة ما تصاحبها، بينما تابع هو بنفس النبرة التي تعج بمشاعر مثارة:


-مش مجرد كلمة، انا بحبك أوي فعلا.


أغمضت عينيها وهي تستشعر تأثير عبارته يذلذل كامل كيانها، تاركة نفسها لحلاوة الشعور وهي بين أحضانه مستسلمة استسلامًا محببًا، في حين تنهد هو بارتياح لم يشعر بمثله في حياته، فأخيرًا بعد كل ما تحمله من عناء، تذوق طعم الهناء، فقد انتهت مرحلة الشقاء، وملأت نفسه السكينة والنقاء.

الصفحة التالية