-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 63 - 2 الخميس 4/1/2024

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الثالث والستون

2

تم النشر يوم الخميس

 4/1/2024

أحيانًا تكون الفرصة الثانية، بابًا لحل الخلافات، وتعويضًا عمَ فات، وأحيانًا أخرى ترمي بالشخص في علاقة سامة، تقحمه في خيبات متتالية وكثير من العقبات. كان ذلك أكثر ما يشغل بالها منذ أن قررت العودة إليه، مكملة في زواجها منه. فهي ما زالت خائفة، ومتخبطة، تخشى أن يتسبب قرارها في إيلامها، ومفاقمة جروحها، ولكن العودة . لفهما الصمت خلال تناولهما لوجبة الغذاء، كل منهما يفكر في علاقته بالآخر، ومع ذلك كان كل واحد فيهما يفكر في أمرٍ مخالف لما يدور في رأس الآخر، ورغم عدم تفوه أي منهما بحرف، إلا أنهما كانا كالكتاب المفتوح لبعضهما، فقد كان واضحًا لـ"سما" توتره من عدولها عن قرارها، خاصة مع المسافات التي ما تزال بينهما، بمبيتها في غرفة منفصلة عنه إلى الحين، بينما كان يظهر لـ"كرم" قلقها من نواياه، فهي لم تطمئن له بشكل كامل بعد، وهذا بالتحديد ما يجعلها تضع حدودًا بينهما، رغم مكوثهما في نفس البيت. انتابها حالة من التوتر من نظره المركتز عليها منذ جلسا لتناول الطعام، وحتى تغطي على ذلك الارتباك، قررت أن تحدثه في أي شيء، وليكن أمر إرثها، وبعدما ابتلعت ما بفهما، حمحمت بخفة لتجلي صوتها، وقالت له بهدوء ما يزال حاملًا لآثار تلبكها الدفين:


-انت عرفت أكيد إن إجراءات الورث خلصت.


تحفز في جلسته بانتباه لما قالته، وبعد لحظة من استيعاب أنها أخيرًا تتحدث معه، هز رأسه مؤكدًا، ثم ما لبث أن أخبرها بتفكير سريع:


-لو حابة تعملي مشروع بورثك، تستثمري فيه وقتك بدل قاعدة البيت مفيش..


استغربت طريقته المبسطة في تلقي ذلك الخبر، بالرغم من علمه بأن ورثها لا يتمثل في واحدٍ من عشرة من أملاك والدها، التي حجزت عليها الشرطة، وهذا وحده كفيلًا بجعله ينقم على تلك الزيجة، التي لم ينَل منها غيرها، عكس ما كان يسعى، وبصوت متعجب، وعينين مترصدة، سألته باشتفاف:


-انت مش متضايق؟


ضم ما بين حاجبيه، وأنزل الملعقة –قبل أن تصل إلى فمه- ثانية في الصحن، وسألها بغير فهم غير مصطنع:


-متضايق من ايه؟


لاحظت عدم تفقهه لما ترمي، ولذلك وضحت مقصدها بقولها الذي امتزج بحزن لم يخبُ بشكل كامل بعد:


-انا وانت عارفين انت خطبتني ليه من الاول.


لاح الضيق على وجهه، ولكنه كان ضيقًا من نفسه قبل اي شيء، وسألها:


-انتي مش مصدقة لسه اني شيلت كل ده من دماغي!


تجاهلت الرد بتأكيدٍ أو نفي، واستفسرت منه بشيء من عدم التصديق:


-يعني مبقتش عايز المكانة والسلطة و..


قاطع تساؤلها الذي ام يستسغه، كونه يذكره بسوء سجيته، واستغلاله المشين لها، مرددًا على الفور بصدق:


-انا عايزك انتي، ليه مش مصدقة؟


أطرقت بنظرها عن عينيه المنتظرة كلمة منها، في حين تابع هو عندما صنف صمتها على أنه انتظار لتتمة حديثٍ، يؤكد له عن طريقه صدق نواياه، وهذا ما فعله بقوله المطئن:


-هنبدأ احنا الاتنين مع بعض، وهنوصل لكل اللي عايزينه وبنحلم بيه سوا.


قطبت جبينها باستغراب مضاعف من تغير أهدافه في فترة وجيزة، وسألته بتعجب:


-ايه اللي غيرك تفكيرك كده؟


قبل أن يفوه بإجابته، لاحقته بنهيها وكأنما توقعت رده مسبقًا:


-ومتقولش عشان حبتني.


ضم شفتيه للحظة، فذلك الرد الذي كان على طرف لسانه، تنهد مطولًا، ثم أخبرها بجدية:


-انا فوقت يا سما..


ثبتت ببصرها عليه وهو يضيف بندم حقيقي:


-الطريق ده كان أخرته ايه! يا هموت يا هتسجن، يا هخسر حد غالي على قلبي.


تذكر ما قاله له "صلاح" بشأن ذلك الطريق الوعر، والتوغل بين تلك الجماعة الإجرامية، فما سيجنيه، لن يكون بعظم ما سيخسره، تضاعف الندم، وانبجس من نظراته، وصوته القائل:


-فهمت انه كل حاجة حرام بييجي وقت وبندفع تمنها، وانا مش عايز ييجي وقت ويبقى التمن انتي أو طفل مننا.


تراءى له في تلك اللحظة تكوم العبرات في عينيها، دنا منها وهي جالسة في مقعدها المجاور، وما إن وضع يده على كفها حتى ارتمت في حضنه، وتلقاها هو بصدر رحب، محاوطًا جسدها باحتواءٍ تفتقر له في حياتها البائسة، دموعها ظلت تتهاوى في صمتٍ، يتخلله بعض الشهقات التي يستشعر انتفاضتها فوق صدره، وبعد لحظات أخرجت بها طاقتها السلبية، وأحزانها اللا متناهية، طلبت منه برجاء يفيض بالانكسار:


-متجرحنيش تاني، أوعدني يا كرم.


وهي بين ذراعيه، تناشد طمأنته، رد عليها على فوره:


-أوعدك، أوعدك والله.


ظل لبعض الوقت يبث إليها الأمان، بلمساته الدافئة، وربتاته المهدئة، حتى أبعدت هي نفسها بتؤدة عنه، ولكنها ما تزال بين حصار نظراته العاشقة، وقربه المُهلِك، ارتعشت شفتيها بتؤثر من أنفاسه القريبة، وعلى تنفسها من رؤيتها لعينيه الخاملتين، المعبرتين عن نيته الحالية، وما هي إلى لحظة وانحنى ملتقطًا شفتيها، في قبلة متروية، مذيبة جبل الجليد بينهما، ومحركة الراقد في علاقتهما، وبعد لحظات كان لها تأثير بالغ على كليهما، ابتعدت لتأخذ أنفاسها، حينها استند هو بجبينه على مقدمة رأسها، وقبل أن تعود إلى حالتها الطبيعية، طرق على الحديد وهو ساخن، وسألها ببسمة ساحرة، مستميلة:


-هتنامي برضه في أوضة لواحدك؟


تفقهت إلى تلميحه، وكان لاختياره الوقت الملائم، بالغ الأثر في تذبذبها، وتراجعها عن انفصالها عنه، بانغلاقها على نفسها في غرفة منفردة، وبخجل شديد، وعلى استحياء هزت رأسها نافية، ممَ جعل ابتسامته تصبح ملء شدقيه، وبحركة سريعة جذبها وأجلسها فوق قدميه، مكملًا فيمَ قد بدأه، أخذًا أولى خطواته في تغير مسار حياتهما، بالتدريج المطمئن والتمهيد المسيطر.



❈-❈-❈



في الصباح بعدما اقتحمت أشعة الشمس فضاء السماء، منتشرًا نورها الساطع في الأنحاء، تيقظت حواسه بالتدريج، بالأخص مع اعتياده على النهوض في ساعة مبكرة من اليوم، ولكن مع فارق واحد، أن استيقاظه صاحبه انتهاء حلم كان يود أن يطول، فقد زارت والدته أحلامه ثانية، بابتسامات طيبة، ونظرات راضية، وكأنها سعيدة بمَ أصبح عليه، بتركه لطريق الضلال، وسعيه نحو صلاح الحال. ومع اقتناعه بذلك ارتسمت بسمة مشتاقة على ثغره، وقد جال في ذهنه ذكرى قديمة تجمعهما وهو ما يزال طفلًا صغيرًا، عندما تدارك طباع والده القاسية، وبدأ يتأثر نفسيًا بها، وعلى حين غرة حينها، سألها بطفولية تمتزج ببؤس مؤسف:


-انتي بتحبي بابا يا ماما؟


ظهرت وقتئذٍ تعبيرات متعجبة على محياها، وردت عليه باستغراب:


-اكيد يا عاصم، ليه بتسأل السؤال ده؟


ضم فمه للحظة بعبوس، ثم قال لها بحزن:


-أنا حاسس إنه مش بيحبنا.


وخز الوجع قلبها من جملته، وسريعًا ما نفت شكه:


-لا طبعا بابا بيحبنا.


لم يزيل ردها معالم الحزن التي مأنما حفرت فوق وجهه، وعلق عليها بغير تصديق، مبديًا أسبابه في ظنه:


-بس هو مش بيقعد معانا خالص، وعلطول بيزعقلنا.


مسحت فوق شعره الناعم، وقالت له بتبرير واهٍ:


-هو بيبقى متعصب من الشغل، مبيبقاش قصده.


استنتج وعيه شيء آخر من ردها، وسألها بتخبطٍ:


-يعني انا لما اكبر واشتغل هتعصب زيه؟


أومأت له بالسلب، وردت عليه بلين بعدما جذبته لحضنها:


-لأ انت هتكون حنين زي ماما، ومش هتتعصب لا على مراتك ولا ولادك.


وما لبثت أن ألحقت قولها بتساؤل لطيف:


-مش انت بتحب ماما؟


رفع وجهه الحامل لتعبيرات توحي بحبه الشديد، وتعلقه الكبير بها، ورد عليها مؤكدًا من دون تفكير:


-ايوه يا ماما انا بحبك اوي.


منحته بسمة تملك من الحنان قدرًا كافيًا لجعله يتناسى أسلوب والده معه، وتعوضه عن معاملته المتجافية، وأخبرته برفق:


-يبقى انت هتطلع زي ماما.

الصفحة التالية