رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 63 - 3 الخميس 4/1/2024
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الثالث والستون
3
تم النشر يوم الخميس
4/1/2024
شعر بوجيبه يخفق بالحنين، والسعادة في ذات الإن، فها هو قد بدأ في تحقيق حلمها، بأن يصبح مثلها. أحس بلسعة الدموع وهو ما يزال متمددًا على ظهره، حول عينيه الغائمتين من الدموع العالقة بطرفيه، والخاملتين من تأثير النوم، نحو زوجته النائمة، المحاوطة لصغيرتها الغافية، التي انتقلت للنوم بينهما منذ ثلاث أو أربع ساعات، حينما اشتد بكائها مجهول السبب، بالرغم من حصولها على كامل احتياجاتها التي تؤهلها للنوم بارتياح، فكأنما وجدت راحتها بين كلا أبويها، واستطاعت حينها فقط الخلود للنوم بهناء.
ارتسمت بسمة أخذت في الاتساع وهو ينظر إلى ملامحها الناعمة، ومحياها الرقيق، أثناء نومها، فهي كانت تشبه الملائكة كما شبهها، تمتلك جمالًا فريدًا، ومتفردًا، مختلفًا تمامًا في نظره عن أخويها، لا يدري ألكونها فتاة وهما ولدين، أم لأنها الصغيرة التي ستصيح مدللة أبيها، أم لأنها يراها البداية الجديدة لحياتهم. دنا منها مقبلًا جبهتها برقة، حتى لا يوقظها، ثم انتقل ببصره نحو زوجته، وشيعها بنظرة محبة، تحمل أسمى معاني الحب قبل أن ينهض عن السرير، متوجهًا نحو المرحاض بخطوات غير متعجلة، فاليوم عطلته الأسبوعية، وليس لديه أي أعمال على عاتقه.
بعدما انتهى من روتينه الصباحية، قرر الخروج من الغرفة، حتى لا تحدث حركته أي ضوضاء تيقظهما، كانت وجهته هي الحديقة، أراد أن يجلس بالهواء الطلق ريثما ينهض الجميع من نومهم، ويتناولوت طعام الفطور معًا، وأثناء سيره لمح والدة أخيه جالسةً على أخد المقاعد الخشبية في الحديقة، ابتسم وجهه حينما التقطت عيناه نظراتها نحوه، وجلس على مقعد جوارها، ألقى عليها تحية الصباح، وبعدما ردت عليه بطريقتها اللينة، بدآ في تبادل أطراف أحاديث متفرقة، حول العديد من الأمور، والكثير من المواقف والذكريات العابرة.
حتى أتى "عاصم" على ذكر والدته، ساردًا على "أمل" الكثير من الخلافات التي كانت قائمة في الماضي بينها وبين والده، وما تحملته، وعانت منه، فقط لإرضائه، وحتى يتربى "عاصم" بين كلا أبويه، وبعد انتهائه من الاسترسال، سحب نفسًا مطولًا، زفره على مهلٍ قبل أن يقول لها بابتئاس:
-ماما اتظلمت كتير مع بابا، وأول ظلم اتعرضتله إنه اتجوزها وهو بيحب واحدة تانية.
بعد انتهائه سألته بهدوء مستشف:
-نجوى؟
زوى ما بين حاجبيه بتعجبٍ من علمها، حينها ابتسمت له وقد فهمت معنى نظراته المحتارة، وقالت له في استيضاح:
-لما كان بيبقى شارب وبيجيلي، كان بيفضل يردد اسمها وهو نايم.
هز رأسه بتفهمٍ، ولكنه ما لبث أن سألها بجدية:
-كنتي بتضايقي؟
أومأت له بعدما حررت زفرة عميقة، وردت عليه بصراحةٍ:
-في الأول آه كنت بتضايق وبغير أوي إنه معايا وبيقول اسم واحدة تانية، ومش مامتك كمان، يعني كنت هبقى متفهمة إنها مراته زيها زيي..
لاح الأسى فوق قسماتها وهي تضيف:
-لكن مع الوقت، ولما بدأت اشوف طباعه وأسلوبه الصعب، معادش بيأثر فيا..
انفرج ثغرها ببسمة متهكمة وهي تطنب:
-زي ماتقول خدت مناعة من القسوة، فمبقاش فارق معايا يحبني ولا يحب غيري.
ضم فمه وقد انتابه شعور بالأسف على كل على الزوجتين، فوالدته خانها، وأوجعها، وكانت معاشرته لها غير لائقة، وتلك المرأة خدعها، وأوهمها بإهمال والدته له، حتى يرق قلبها وينجح في الإيقاع بها، وبعدما تملكها، ظهرت لها حقيقته المتوارية، وعاملها معاملة سيئة، تلك المرأتين متشابهتين في الكثير من الصفات، وأهمها الطيبة والتسامح. انشق ثغره ببسمة ودودة، ثم قال لها:
-تعرفي انك بتفكريني بماما، نفس طيبتها وحنانها.
ابتسمت له بسرور لذلك التشبيه، فهي تعلم مكانة والدته عنده، بينما هو قد غام وجهه خلف حزنٍ واضح، واستطرد بشجن:
-جاتلي النهارده في الحلم.
تراءى لها انطفاء وجهه، ولهذا سارعت في الاستفسار بحنانٍ أمومي:
-زعلان من إيه؟ احكيلي.
بعدما حرر نفسًا مختنقًا، أخبرها بأسى:
-انا ملحقتش اعيش معاها حاجات كتير اوي، رغم انها ماتت وانا كبير ومعدي التلاتين.
اننقل ندمه الداخلي –الذي لا ينفك يعتصر صدره- إلى وجهه وهو يضيف:
-بس انا اتضح اني عيشت عمري كله في تضييع وقت، لا عملت ذكريات احب افتكرها، ولا كونت صداقات، ولا قربت من الناس.
اختنق صوته وهو يكمل:
-حتى امي كنت بصدها وببعدها، كنت بشوف في عينيها نظرات لوم ليا، وكنت اغمض عيني وادور وشي عشان محسش بجرحي ليها.
لمعت عيناه بدموع حبيسة وهو يطنب:
-هي عمرها ما طلبت مني حاجة، غير اني ابعد عن طريق بابا، وماسمعش كلامه، عمرها حتى ما طلبت مني ابقى حنين عليها زي ماهي كانت حنينة.
ازداد تكوم الدموع فوق طرفيه، وأضاف بتمني فات أوانه:
-كان نفسي تبقى موجودة، في حاجات كتير اوي فاتت عايز احكيهالها، وحاجات كتير حصلت بعد ماتت كان نفسي تعيش لحد ما تشوفها.
انزلقت دمعة من إحدى عينيها، أتبعها أخرى من العين الثانية، واهتز صوته وهو يتابع:
-كان نفسي تعيش لحد ما تشوفني بقيت زيها، رحيم باللي حواليا، وقلبي بيحس، مش مؤذي وبعادي في الكل زي ما كانت شايفة.
تعاطفت مع كل ما قاله، وأشفقت على تربيته التي تأثرت بوالده، حتى تأذى نفسيًا، وحياتيًا، مدت يده رابتةً على كتفه، ثم قالت له:
-روحلها يا عاصم.
جفف دموعه وهو ينظر لها بتفاجؤ من جملتها الغير متوقعة، في حين أخبرته هي برفق:
-زورها وكلمها، طلع اللي جواك، واللي معرفتش تقوله وهي عايشة، وعرفها إنك بقيت زي ماهي عايزه، أكيد هترتاح.
زيارة قبرها! لم يفكر من قبل في فعلها، ولكنه لن يخسر شيء إذا عمل بنصيحتها، لربما يرتاح، والثقل الجاسم على صدره ينزاح.
❈-❈-❈
أمعن النظر في الاسم المحفور على الرخامة المستطيلة الملتصقة فوق القبر أمامه، ولسانه يردده بقلب ينزف وجعًا، رغمًا عنه لم يستطع كبح ما اعتراه من شعور قاسم، وفجأة جرفته موجة حارة من بكاء مرير، انهارت كافة حصونه إثرًا لها، وخر جالسًا فوق البقعة الراقدة والدته أسفلها، وبصوت منتحب، ومبحوح هتف:
-ماما.