رواية جديدة خبايا الهوى لهاجر التركي - الفصل 3 - 1 - الجمعة 9/2/2024
قراءة رواية خبايا الهوى كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية خبايا الهوى
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثالث
1
تم النشر الجمعة
9/2/2024
حالة شديدة من التوتر والقلق سيطرت علي الأجواء في المشفي بأكملها، الأطباء يهرولون بسرعة إلي غرفة العمليات، أتت المُمرضات سريعًا بعد أن أصبحوا جاهزين لدخول غرفة العمليات، لمسعادة الأطباء، بعد أن قاموا بتعقيم كل شئ، الحاج "حلمي" جالسًا في زواية علي إحدي المقاعد القريبة من غرفة العمليات، واضعًا رأسه بين يديه يدعو الله كثيرًا أن يُنجيه، فاذا حدث له أي شئ لن يُسامح نفسه مهما حيا، فـ إبنته السبب في الذي حدث له، وهو الآن بين الحياة والموت، بينما كان "وليد" واقفًا بجانب خاله يستند بظهره إلي الحائط، وبجانبه "إسماعيل" زوج عمتها التي أتي مهرولاً ما أن علم بالذي حدث....
بينما جلست هي في زاوية في نهاية الممر، دموعها أبت أن تتوقف، تستند برأسها إلي الحائط الرخامي من خلفها، تنظر أمامها بوهن وحزن، ملابسها بالكامل مُمتلئ بالدماء، دمائه، ذاد نحيبها وأرتفعت شهقاتها تُأنب نفسها علي ما حدث بسبب تهورها وإندفاعها، كان يجب عليه التفكير ولو قليلاً قبل أن تُقدم علي خطوة غبية كتلك، وها هي النتيجة، فبسبب غبائها هناك من كان سيفقد حياته بفضلها، "عُمر" الذي دافع عنها بكل ما أوتي من قوة، وشجاعة وكأنها أحدي أفراد عائلته، يليتها لم تخرج من غرفتها في تلك الليلة، أخذت تمسح وجهها بأكمام عبائتها الغارقة في الدماء، كُلما تتذكر ما حدث تلقئيًا يتشنجُ جسدها، ويذداد بُكائها.
❈-❈-❈
هدوء شديد يُسيطر علي المكان باكلمه، صوت نباح الكلاب هو الصوت الوحيد الذي يكسر هذا الهدوء الطاغي، الجو شديد البرودة، الجميع نيام فالساعة قد تخطت الحادية عشر مساءًا، وفي مثل هذا الوقت يكون الجميع في منازلهم يحتمون من برودة شهر ديسمبر، كعادة المناطق الشعبية تحديدًا في الشتاء، ما أن تكون الساعة العاشرة مساءًا تجد جميع الشوارع فارغة من المارة، والمحلات أيضًا مُغلقة، نادرًا ما تجد القليل من السيارات،كانت تسير هي في إحدي الشوار التي تبعد عن منزلهم بعدة سنتيمترات، تلتفت حولها كل ثانية والاُخري، مُرتدية شالاً داكن اللون فوق كتفها تحتمي فيه من برودة الطقس، تسيرُ بخطوات بطيئة خائفة، ينتفضُ قلبها بفزع كُلما استمعت إلي صوت نباح إحدي الكلاب....
الهواء يلفح بشرتها من كل ناحية، فالحظها العثر أن اليوم كان يوم بارد للغاية، أخذت تُسرعُ قليلاً في خطواتها لعلها تصل بسرعة، فالمخزن الذي أخبرها أن تُقابله فيه يكمن في نهاية منتقتهم في منتقة مُتطرفة، تنظر كل دقيقة إلي الهاتف تتفقد الساعة فالساعة أصبحت الحادية عشر ونصف أي أن قد مر نصف ساعة علي الموعد المُتفق عليه، بسبب أنها جدت صعوبة كبيرة في الخروج من المنزل بدون علم أحد في مثل تلك الساعة المُتأخرة بالنسبة لكونهم فالشتاء، فعندما قرأت رسالته ليلة أمس عندما كانت تجلس عند "سمر"، وهي منذ تلك اللحظة عقلها مُنشغل، حتي أنها هرولت تخرج من منزل عمتها حتي دون أن تُخبر" سمر" أنها سترحل، كانت تود أن تحتمي بغرفتها وتُفكر جيدًا وبتمعن، فبعد أن أنتظرت أكثر من سنة أن يُحادثها، أو تسمع عنه أي شئ، أو حتي يُخبرها أحد عن سبب تركه لها في ليلة زفافهم، ها هي جائت لها الفُرصة أن تعرف كل شئ، ومنه هو شخصيًا، لكنها لم تكن جاهزة بالمرة.......
ظلت اليوم بأكمله تُفكر وتُفكر في الأمر، ظلت في حيرة بين أن تذهب وتعلم منه مل شئ وتنطفء النار الناشبة بداخلها مُنذ أن رحل، وبين ان تتركه ولا تُبالي له فهي بالفعل قد تخطته كُليًا ولم تعد تحمل له أي مشاعر، ولا حتي مشاعر كره، كل ما كان يضيق به صدرها هو أنها تُرد أن تعلم لماذا! ماذا فعلت لهُ كي يفعل بها هكذا، فهي لم تبخل عليه بأي شيء سواء حُبها له، أو أهتمامها به، وإخلاصها له وحده، كانت تنزوي كل ليلة في غرفتها تسأل نفسها بماذا قصرت معه، ما الذي كان يتوجب عليه فعله ولم تفعله، فالنهاية قررت أن تذهب وتُقابله وتُشبع رغباتها في معرفة السبب وراء هروبه، وفي المساء بعد أن تأكدت أن وولدها ووالدتها قد خلدو إلي النوم، وهم الآن في سبات عميق، إرتدت ملابسها المكونة من دريس يجمع بين اللون الأزرق والأبيض، وأرتدت حجاب باللون الأزرق، وأخدت هاتفها، ثم خرجت من المنزل علي أطراف أصابعها، وها هي الآن تقف أمام المحزن المهجور.
تقدمت ببطئ ناحية الداخل، وجدت بوابة حديدية كبيرة يليها المخزن من الداخل، أزاحت البوابة التي تأكلها الصدا، أفتعلت صوت مُزعج قليلاً، تطلعت من حولها بخوف فالمكان مُرعب حقًا، حيث أن من قبل عدة سنوات نشبت نيران كثيرة تسببت في حرق المخزن بأكمله ومنذ تلك الحادث وهو هكذا مهجور لم يهتم صاحبه بتجديده مره ثانية، شعرت بحركة ما خلفها، للحظة تجمدت الدماء بعروقها، دقات قلبها تقرع كالطبول، بلعت ما بجوفها برعب وذعر، والتفتت إلي الخلف، ثم صرخت بهلع ما أن وجدته في وجههًا مباشرةً ينظر إلي بنظرات مُتفحصة.
_إهدي إهدي، ده أنا....
وضعت يدها أعلي صدرها مكان قلبها تحديدًا، أنفساها أرتفعت وكأنها قد خرجت من سباق للتو، أنتظمت أنفاسها قليلاً، من ثم أخذت تتفحص وجهه، قد تغير كثيراً عن آخر مرة رأته منذ عام وأكثر، ملامحه أصبحت باهتة مكفهرة، عينيه التي كانت تشع تفاؤل من قبل، أصبحت منطفئة، جسده أصبح هزيل، لا تدري لماذا شعرت بالإشمزاز والنفور منه،والخوف أيضًا، تُريد العودة إلي غرفتها تحتمي بها... طال الصمت بينهم، بينما حمحم هو قائلاً بإبتسامة وقد ظهرت أسنانه صفراء تُثير التقزز:
_وحشتيني، شكلك متغيرش عن آخر مرة شوفتك فيها، لسة ملامحك بريئة وصافية زي ما هي.
لا تدري لماذا كلماته أثارت الرعب بداخلها أكثر وأكثر، خرجت كملتها متوترة قليلاً:
_أنتَ عايز أي يا خالد؟ رجعت لي؟
_علشان لسة بحبك يا غالية، أيو لسة بحبك، عارف أنك مستغربة بس صدقيني اللي حصل كله كان خارج إرداتي.
إبتسمت إبتسامة ساخرة:
_وأنا خلاص بطلت أحبك من اللحظة اللي كسرت قلبي فيها وسبتني عروسة بفستان فرحها وهربت، اللي أنتَ بتعمله ده مش هيفيدك بحاجة.
_أنتِ كدابة، أنتِ لسة بتحبيني، أنا خالد، خالد اللي كنتي بتتمني منه كلمة ولا نظرة، بسرعة كده نسيتي كل اللي كان بينا.
أغمضت عينيها بحزن وتعب، بعد أن ذكرها بما عانت كثيرًا حتي تنساه، ذكرها بخيانتها لثقة والدها بها، ذكرها بكم كانت طائشة ومُندفعة تجاه عواطفها، ذكرها بكم عصت ربها بسببه، قررت أن توجع قلبه كما فعل بقلبها ولو حتي بعدة كلمات، فهتفت قائلة بنبرة قوية مُشمئزة منه:
_كُنت، كُنت فاكرة نفسي بحبك، بس طلعت إني كنت واهمة نفسي والحمدلله فوقت، بس فوقت متأخر شوية، بس مش مهم المهم إني فوقت، أنتَ أكتر بني أدم أناني أنا شوفته في حياتي، مش قادرة أقولك قد أي أنا بكرهك، ده أنا بقيت بكره أي حد اسمه علي اسمك من غير معرفه، أنا بجد بشكرك من كل قلبي أنك سبتني وهربت، أنا مش متخيلة اي اللي كان ممكن يحصل لي لو كنت كملت حياتي مع واحد زيك...
كلماتها أثارت دهشته وغضبه في آنٍ واحد، فـ لم يكن يتوق أبدًا أن تخرج من هذه الكلمات، فكان يتوقع أنها ما إن تراه ترتمي في أحضانه باكية، كما إعتاد عليها"غالية"الساذجة، الطيبة، الوديعة، لكنها خالفت جميع تواقعته، هي نفسها لم تكن تتوقع أن تقول كلمات كهذه دون حتي أن تُعطيه فرصة لكي يشرح لها السبب وراء هروبه، السبب التي جائت من أجله، لكنها للحظة ما إن وقعت عينيها عليه شعرت أنها لا تريد أن تعرف أي شيء ولا الإستماع إلي أي تبرير، ووجدت نفسها تُلقي كلماتها السّامة في وجهه دفعة واحدة، ولكنه لم يرضي بالهزيمة في تلك المعركة الكلامية، فألقي بأكثر الكلمات سمومًا بوجهها:
_دلوقتي بتكرهيني، أنتِ نسيتِ نفسك ولا أي، نسيتِ لما كنتي بتحفي ورايا زي الكلبة علشان أعبرك أو أبص في وشك، ده أنتِ كنت ماشية معايا سنتين بحالهم يابت ودايبة في دباديبي....
لم تدري بنفسها إلا وهي تهوي بكفها علي وجهه، صفعت صفعة تأخرت جداً، صفعة جعلته يضع يديه مكان ضربتها بألم، من ثم إنحني بثانية يجذبها مز حجابها بعنف قابضًا علي شعرها أسفل الحجاب، أخذتت تتأوه بألم ووضعت يديها اعلي يديه الممسكة بشعرها تضربه بقبضتها علي يديه لعله يُفلتها، لكنها كان مُمسكًا بها جيدًا ثم أخذ يصفعها علي وجهها عدة صفعت، بينما مازال يمسك بشعرها أسفل الحجاب، إرتفع صوتها تصرخ في محاولة يائسة منها أن ينجدها أحد من قبضته، لكن لا حياة لمن تُنادي فالمكان مهجور تمامًا، حاولت دفعه بقدميها في قدمه، تأوه بوجع، حاولت الإفلات من قبضته، لكن خارت قواها ووقعت في الأرض، بينما أنحني عليها نزع عنها حجابها، ثم حاول الإعتداء عليها بعد أن حاول قطع ملابسها من الأمام، في تلك اللحظة شعرت بالحياة تنتهي هنا، فقدت الأمان تمامًا في أن يُنقذها أحد....
بحركات عشوائية، أخذت تحرك قدميها بعجز، والدماء أنسحبت تمامًا من جسدها، أنفاسه القذرة تلفح جلد بشرتها، شعرت بالتقزز وأنها أوشكت علي التقيئ، كادت تفقد وعيها لكنها حاولت جاهدة أن تبقي بوعيها لعلها تقدر عليه، صرخاتها ارتفعت، ولكن بلحظة وجدت "خالد" مُرتمي بجانبها لا حول له ولا قوة، وظهر أمامها "عُمر" لا تعلم من أين ظهر، وكأنه ظهر، من العدم يحمل بين يديه، قطعة خشبية والتي ضرب بها "خالد" للتو، وكأن الحياة عادت لها مرة آخري، وأنفاسها هدأت قليلاً والطمئنينة أنبعثت بقلبها، أنهمرت دموعها بشدة، بوهن وضعف، بينما إنحني "عُمر إليها" يلتقط حجابها من جانبها ووضعه علي شعرها والجزء الأمامي المكشوف من جسدها، محاولاً عدم النظر إلي حتي، بينما أخذت هي الحجاب بسرعة تستر به نفسها....
_أنتٌ كويسة، في أي حاجة بتوجعك....
هزت رأسها بالسب بضعف وجسدها بالكامل يرتعش، نظر ناحية "خالد" المُرتمي علي الأرض ثم سألها، وهو يساعدها في النهوض:
_مين ده، وأنتِ بتعملي أي هنا فالوقت ده.....
لم تقدر علي التفوه بكلمة واحدة حتي، وكأن لسانها أنعقد، لم يصدر منها أي إجابة سوي أرتفع نحيبها فقط لا غير، أخذت تسير بجانبه بخطوات بطيئة للغاية، وهي تقاوم أن لا تقع مُغشيةً عليها،إنتفضت علي صوت صراخ "عُمر" الذي أخذ يأن بألم، من ثم وقع في مكانها، صرخت بهلع شديد ما إن رأت الدماء الكثيرة المُتدفقة من كتفه الايسر من الخلف، وجدت "خالد" يركض بعيدًا عنهم فر هاربًا بعد أن ضرب "عُمر" في كتفه بـ سلام أبيض "مطوة"، أخذت تصرخ وتصرخ بصوت مُرتفع للغاية كادت أحبالها الصوتية تنقطع، أغلق" عُمر"عينيه مُغشيًا عليه، بيدين مُرتعشة أخذت تهزهه قائلة ببكاء:
_لا والنبي أبوس أيدك أصحي، أوعي تموت، ياربي أنا السبب أنا السبب، قوم أبوس إيدك أنتَ لو جرالك حاجة أنا مش هسامح نفسي.....
لا حياة لمن تناندي، فكان كالجثة الهامدة لا يُحرك ساكنًا، أخذت تبكي بحُرقة، الدماء ملئت ملابسها بأكملها، اللون الأبيض في في ثوبها أصبح أحمرًا بفعل الدماء...