-->

رواية جديدة الحصان والبيدق الجزء الثاني من رواية بك أحيا لناهد خالد - الفصل 3 - 1 - الجمعة 16/2/2023

 قراءة رواية الحصان والبيدق

الجزء الثاني من رواية بك أحيا كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية الصان والبيدق

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ناهد خالد


الفصل الثالث

1

تم النشر يوم الجمعة

16/2/2024 

 "ترتيب القطع!"
"قبل البدء في اللعبة يجب عليك ترتيب القطع اولاً، فتضع كل قطعة في مربعها المخصص لها"

توترت الاجواء واحتدت ملامح البعض بعد جملة "ابراهيم" وحديثه الذي خرج منهُ ليفاجئهم برغبته، أأنتهز فرصة موت "منصور" بهذه السرعة؟ لم يمر على دفنه سوى القليل، فقط بضع ساعات، وهذا ما نطقت بهِ فريال بعجز ودموعها تغرق وجنتيها:
_ أنت ما صدجت خالي مات عشان تعمل ما بدالك! كان الموضوع مكانش على هواك من الاول وخالي هو الي جبرك؟

_ أنا محدش يجدر يجبرني، لكن ابوي كان رايد الموضوع ومحبش يمنعك عن علامك فمحبتش ازعله، لكن إن كان عليّ شايفه كلام فارغ ملوش عازه.
قالها ابراهيم ببرود ونبرة مستهزأه زينت اخر حديثه.

نهض "باهر" معربًا عن رفضه:
_ابراهيم! ايه الكلام الي بتجوله ده، أنتَ واعي لحديتك! كيف يعني بعد سنتين في الجامعه رايدها تهمل دراستها!؟

_ كل الحديت ده مفارجش معاي، انا جولت الي عندي. 

استفز حديثه "خديجة" فقطبت حاجبيها بغضب وهي تهتف:
_ هو ايه يعني فرض سيطرة وخلاص! بعدين حرام تسيب دراستها بعد ما قضت فيها سنتين، ولو التعليم مش فارق معاك فهو فارق معاها هي ومن حقها ت... 

قاطعها "ابراهيم" بحنق وهو ينظر لها نظرات كادت تحرقها:
_ لما الرجاله تتحدت الحريم ميدخلوش واصل، ولا أنتِ متعلمتيش الأصول؟ هتجوليلي حج ومحجش، انا الي اجول تكمل ولا له، انا جوزها يعني متخطتيش خطوة من غير اذني. 

_ ايه اصله ده هو استعباد يا جدع أنتَ، ولا أنتَ متعلمتش غير انك تدوس على الست وتقلل منها؟ 
كان قد انتابتها موجة غضب مبررة هي الاخرى، السبب الأول لخوفها على مصير فريال، والسبب الثاني حديثه المستفز، والسبب الثالث نطراته التي كانت تحدقها باشمئزاز وكأنها.. وكأنها قطعة قماش بالية! 

اقترب خطوتان وقد تشنج جسده بغضب لصوتها المرتفع وحديثها الذي اشعل غضبه، وهتف بهياج:
_ اجفلي خشمك يا حرمة، وشوفي أنتِ هتتحدتي مع مين! 

ورغم شجاعتها التي كانت منذ قليل، إلا أنها تبخرت أمام غضبه فارتدت خطوة للوراء برهبة تلقائية، ورفرفت باهدابها بقلق، لكن هدأت حين وجدت "مراد" قد وقف أمامها وهو يقول ل"ابراهيم" بجمود وصوت ينذر بالشر:
_ شوف أنتَ بتتكلم مع مين ومتنساش ان جوزها واقف. 

_ وهيعمل ايه جوزها عاد؟ 

_ ابراهيم! بكفايك الي بتعمله ده، مالك طايح في الكل اكده ليه! 

رفع "مراد" كفه بهدوء موقفًا "باهر" عن الحديث  وهو يردف:
_ استنى أنتَ ياباهر، اما اعلم الأخ ازاي يتكلم مع مراتي في حضوري. 

برقت عين "ابراهيم" وهو يهتف باذدراء:
_ وه! منجاصش غيرك تعلمني كيف اتحدت، وويا مين؟ دي؟ متنساش انها بت عمي ولو عاوز اجطم رجبتها هعملها ومحدش يجدر... 

_تقطم رقبة مين يالا! أنتَ شارب حاجة على المسا؟ ده انا كنت اكسر ايدك قبل ما تفكر تعملها. 
قاطعه "مراد" بعنفوان كبير، وقد علَ صوته لأقصى حد حتى زلزل ارجاء البيت، وانتفض جميع الواقفين بما فيهم "ابراهيم" الذي لم ينكر انه قد خشى جموح الذي أمامه، فقد كانت عيناه كبركة من الدماء من شدة الغضب، وقوة بنيانه مع اشتداد جسده اعطى له مظهر خطِر، فرفع رأسه بشجاعة زائفة ولكن التزامه الصمت أكد على توتره. 

لم يعجب الوضع "سُرية" التي نهضت بضيق وهي تشيح بيدها:
_ الزم حدودك ياجدع أنتَ، أنتَ بتعلي صوتك علينا في بيتنا؟ 

_ بس يا ولية أنتِ...

أردف بها "مراد" بعنف وهو يزجرها بنطراته، فشهقت بتفاجئ وهي لا تصدق وقاحته، في حين كتمت كلا الفتاتين شهقاتهما، واتسعت اعيناهما بصدمة، فلم يجرء أحد على الحديث مع "سُرية" هكذا من قبل، بينما لم يهتم "باهر" بالحديث الدائر وقد يأس تهدئة الطرفين فجلس مكانه يتابع بصمت كما فعل" مصطفى"، و"ابراهيم" ازداد غضبه من تطاوله على عمته لكنه لم يعقب وهو يسمعه يكمل:
_  أنتوا شكلكوا عيلة متعرفش الأصول ولا الأدب، واحده مش فارق معاها موت اخوها وعمالة تلقح بكلام زي السم على بنت اخوها، والتاني واقف يتمطع اوي ويتخانق ويعلي صوته، احترموا حتى الراجل الي لسه قبره مبردش. 

_ ويحترموه كيف؟ هم دولا يعرفوا احترام من اساسه، ولا بيحزنوا على ميت؟ 
التف الجميع على الصوت الذي ظهر فجأة ليصدح في المكان، فرأوا امرأة ربما في اواخر عقدها الرابع، تقف على باب احد الغرف بوهن رغم قوة صوتها، بجلباب اسود وعصبة رأس من نفس اللون، ودموعها تركت أثرًا واضحًا على وجنتيها. 

_ ماما رباح! 
ردها "باهر" وقد نهض متجهًا لها ليمسك كفها طابعًا قبلة فوقه بحنو، فقبلته هي قمة رأسه تباعًا، واسندها حتى وصلت لمحل وقوف الجميع ورددت بصوت ضعيف:
_ كيفك يا خديجة أنتِ وفريال؟ وه، كبرت يا مصطفى وبجيت راجل زين. 
انهت جملتها بحنو وهي تفتح ذراعيها ل"مصطفى" الذي نهض متجهًا لها بتردد، لكنها استشعر حنان هذه المرأة، فوقف أمامها بهدوء حتى جذبته لاحضانها تقبله بترحيب، وما إن ابتعد حتى نظرت للجميع وبالاخير لابراهيم تردد:
_ خليت الغريب يعيب عليك في بيتك، ويتهمك بجلة الأصل، ومعه حج، واجف تناطح الكل ومحدش هامك، ولا هامك موت بوك الي مفاتش عليه كام ساعة؟

_ اماه، اخرجي أنتِ من الحكاية دي، ملكيش صالح. 
رددها بقلة ذوق بالغة، وهو يشيح بوجهه عنها، ليبتسم "مراد" ساخرًا فإن كان لا يحترم والدته سيحترم أحد! 

_ نسيت تجول انه جليل الرباية كمان. 
رددتها "رباح" وهي تنظر ل"مراد" الذي عقب بوقاحة:

_ لا مانا قولت في سري. 

نكزته "خديجة" في ذراعه واقتربت خطوتان حتى أصبحت جواره فهمست له:
_ لِم نفسك ومتسوقش فيها بقى. 

وهل تعنفه الآن! لقد فقد الكثير من شموخه وكبريائه في السويعات القليلة التي قضاها معها! لِمَ لا تراعي مركزه وهيبته؟  اشاح بوجهه نازقًا والتزم الصمت كالعادة أمامها. 

_ معاوزش فريال تكمل تعليم ليه يا ابرهيم؟ 

_ ملوش عازة. 

_ مين جال؟ 

_ اني جولت، مسيرها هتتجوز، ومهتحتاجش العلام. 

_ وليه؟ ليه متفتحش لها عيادة اهنة تساعد الناس وتشفيهم. 

_ فاضي إني اياك؟ بعدين هتكسبني ايه العيادة؟ 
رددها بسخرية واضحة، فعقبت "رباح" بدهشة:
_ هتكسبك ايه؟ هتكسبك ثواب انك فاتح مكان يعالج الناس وانت شايف بلدنا عاملة ازاي ومحتاجه حاجات كتير. 

_ لا انا اروح اصليلي ركعتين ولا اصوملي يومين واخد بيهم ثواب احسن ما اضيع فلوسي على الأرض. 

هزت "رباح" رأسها بيأس، وايقنت من فشل المجادلة معه، فقالت بأمر:
_ فريال هتكمل علامها يا ابراهيم وده آخر كلام عندي. 

_وأنا جولت مهتكملش، وده بردك اخر كلام عندي. 
رددها بوقاحة كأنه يخبر "رباح" من خلال كلماته بأن حديثها لا يعنيه، ولن يشكل فارق، معه وللحقيقة أن "رباح" طوال حياتها معه لم تكسب معركه واحده، في كل مره تناطحه في شيء لا يستمع لها، ولأنه لم يعتاد على الرضوخ لرغبتها كما يفعل مع والده، لذا ادركت أنها هذه المره أيضًا لن تستطيع الانتصار. 

فصمتت، وابتسم "ابراهيم" بانتصار، وملَ "مراد" من الوضع، وانهارت "فريال " باكية وهي تدرك ان مستقبلها قد انتهى، تابعتها "خديجة" بشفقة، وادمعت عيناها تأثرًا بها، وهمست ل"باهر" :
_ باهر اتصرف! 

نظر لها "باهر" بقلة حيلة، وهز رأسه مردفًا:
_ مقدرش اعمل حاجه، ده جوزها، وابراهيم مبيكبرش لحد. 

_ نورتوا يابهوات، يدوب تلحجوا طريجكوا. 
هتف بها "ابراهيم" بنزق وهو يطردهم بالمعنى الواضح، ليتحرك "باهر" على الفور غير قادرًا على رؤية "فريال" بهذا الانهيار ولا يستطيع التصرف، وانسحب خلفه "مصطفى"، واتجهت "خديجة" ل"فريال" تحتضنها بتوديع، وانهار الاثنان في البكاء، والذي طال لدقائق حتى ابتعدت "خديجة" وهي تردف:
_ انا.. انا آسفة، مش في ايدي حاجة اعملهالك. 

اومأت "فريال" برأسها تفهمًا، ولم تتحدث، فقط. استمرت في البكاء. 

فانسحبت "خديجة" من أمامها سريعًا للخارج، وخلفها "مراد" الذي القاهم بنظرة أخيرة مشمئزة...

❈-❈-❈

الثانية عشر ليلاً.. في أحد الفيلل الموجوده بالقاهرة والتي تخص "دياب الحلاوني" 

كان قد عاد للتو من عمله، صعد درجات السلم وهو يفك ازرر قميصه بارهاق، وحين مرَ بغرفتها هي وصغيره سمع صوته يعلو بالبكاء دون توقف، قطب حاجبيهِ مستغربًا فلم يسمعه يبكي باستمرار هكذا من قبل، هل هي ليست بالداخل؟! وقف لثواني قليلة عله يسمع صوتها او ينقطع بكاء الصغير لكن لم يحدث شيء، ففتح الباب ودلف للداخل يبحث في الغرفة بعيناه عنها ولم يجدها، اتجه لفراش الصغير يلتقطه بحنو يهدهده ويمسد على خصلات شعره بحنو، وهو يهمس له:
_ بس يا عُمر، بس يا حبيبي اهدى خلاص.

بدى "دياب" مختلفًا تمامًا عن المعروف أمام الجميع، بدى حنونًا على غير العادة، مختلفًا مع طفله!

ولأن الصغير كان قد فاق من نومه ولم يكمل نومته بعد فسرعان ما عاد للنوم مرة أخرى، قبل رأسه بحنان بالغ وهو يستنشق رائحته الطفولية.
دلفت من باب الغرفة وبيدها كوب عصير، ليتهجم وجهها وهي تهتف بضيق:
_ أنتَ ايه الي دخلك اوضتي؟

نظر لها بجانب عيناه باستنكار:
_ ابنك كان بيعيط، كنت اسيبه يتفلق من العياط؟

وضعت كوب العصير على طاولة قريبة، واقتربت منه بعصبية جاذبة "عُمر" من بين احضا'نه وهي تردف:
_ ابعد عن ابني، وقولتلك متدخلش الاوضه دي ابدًا.

_ على فكرة دي اوضة ابني، يعني يحقلي ادخل مادام فيها، وبعدين هو عشان مشيت على هواكِ ومدخلتش هنا قبل كده هتسوقي فيها؟

_ مش الاوضة بس الي متدخلهاش، ابني متحاولش تقرب منه اصلاً سامع؟ أنا عمري ما هسمح لابني يطلع زيك.

ابتسم ثغره ابتسامة واثقة وهو يعقب:
_ ابني مش هيطلع شبهي بس يارنا، ابني هيكون امتداد ليّ وهتشوفي..

غامت عيناها بنظرة حارقة وهي تهتف بعصبية بعد ان وضعت الطفل في الفراش:
_ ده بعينك، انا مهربتش زمان بيه عشان في الآخر يطلع شبهك، ولو حكمت ههرب بيه تاني.

وعيناه اختلفت نظراتها وهو يجذبها من ذراعها بقوة غاشمة حتى كتمت تأوهها بصعوبة، وهو يهمس لها بفحيح مخيف:
_ بتفكريني بعملتك السودة، بلاش يارنا عشان أنتِ الي هتندمي، خليني ساكت ومتغاضي، وحياة ابني ده لولاه لكنت وريتك جحيم ربنا على الأرض، لولاه كان زمانك بتشربي المُر في كاسات، بس هو الي خلاني اتنازل عن عقابي.