رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 65 - 2 الجمعة 9/2/2024
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الخامس والستون
والأخير
2
تم النشر يوم الجمعة
9/2/2024
❈-❈-❈
بأعصاب متوترة من شدة الحماس الممزوج بالشوق، وقفت "مي" في المطار، بانتظار موعد وصول الطائرة، التي يوجد على متنها "صلاح"، تفرك بيديها تارة، وتعبث بخصلاتها تارة أخرى، وعندما أُعلن عن هبوط الطائرة في أرض المطار، بدأت عيناها بلهفة تمسح كافة الأرجاء، باحثة عن وجهه بين عشرات الزوار، وفي لحظة فارقة ظهر لها بين حشد كبير من القادمين معه على نفس الطائرة، دق قلبها بنبضة لم تجرب الشعور بها قبل الآن، وهي خفقة اللقاء، توسعت بسمتها، ولمعت عيناها بوهج السرور، وبدون أن تشعر وجدت قدميها تهرول نحوه، متعلقة في عنقه بعناقٍ قوي، واضعة به كل اشتياقها له، ومشاعرها نحوه، قائلة بصبابة عارمة:
-وحشتني يا صلاح، وحشتني أوي.
ارتد جسده للخلف من اندفاعها، وتجمدت أطرافه من عناقها، فجرأتها كل مرة تبهره أكثر من السابقة لها، وتجعله عاجزًا عن مجاراتها، ولكنه الحين لم يستطع أن يمنع نفسه من محاوطتها، فقد اتضح له أن شوقه لها يفوق ما توقعه، وشوقها البالغ حثه على التعبير عن شوقه، رفع ذراعيه بعدما فاق من صدمة فعلتها، وحاوطها بقوة مماثلة لخاصتها، ورد عليها بصوت يقطر بالعاطفة:
-وانتي كمان وحشتيني يا مي
بقيا لعدة لحظات على حالتهما، إلى أن أبعدت "مي" نفسها عنه بمسافة لا تذكر، حتى تتيح لحدقتيها النظر إلى وجهه، وفي تلك اللحظة أخبرها "صلاح" مستطردًا:
-انا جاي ومش ناوي على رجوع تاني، مفيش حد ليا في مصر.
رفرف قلبها بسعادة حقيقية من سماعها لذلك الخبر، وانفرجت شفتاها ببسمة تشي بشعورها، ولكن ذلك لم يهدئ بعد من لهفتها لسماع تصريحه بحقيقة مشاعره نحوها، وحتى تحثه على البوح بمكنونات قلبه، سألته بمكر أنثوي:
-وليك حد هنا؟
قبض بإحدى يديه على يدها المقابلة لها، وأجابها بتوله بكلمات موحية:
-حد بقى غالي عليا أوي، لدرجة إني سيبت كل حاجة ورايا وجيتله.
ازداد وجيبها وهي تناظره بنظرات هائمة، وسألته باشتفاف متلهف:
-يعني هتفضل معايا علطلول؟
رد عليها بصوته الرجولي الثقيل، مفصحًا:
-ده اللي عايزه، بس خايف تكوني..
وضعت يدها فوق فمه، تمنعه من المتابعة، وطمأنته بقولها بوجد ثائر:
-انا كمان عايزه كده، مش عايزاك ترجع يا صلاح.
رفع يده ممسكًا بكفها الموضوع فوق شفتيه حتى يثبته، وقبل راحتها بحبٍ يضوي من عينيه، ظل التواصل البصري المليء بالمشاعر المتبادلة، والثائرة قائمًا بينهما، حتى هتفت هي بحماس:
-وبعدين احنا مش اتفقنا هنفتح مشروع؟
لاح عدم الاقتناع على وجهه، ورد عليها بعدم استساغة:
-ايوه اتفقنا، بس مش مقتنع بحوار مطعم ده بصراحة.
تمسكت بفكرتها وقالت له في محاولة لإقناعه:
-عشان انت متعرفش النظام والحياة هنا عاملة ازاي، المطاعم في البلد دي اكتر مشروع ناجح.
بقى صامتًا وهو يرصد كل إيماءاتها، منصتًا إلى إطنابها بحماس متضاعف:
-ومع الوقت لما مطعمنا يتعرف هتلاقينا بنعمل التاني والتالت، لحد مايبقى لينا سلسلة مطاعم باسمنا.
رؤيتها على ذلك الطور المتحمس ممتعًا للغاية بالنسبة له، افترت بسمة جذابة فوق فمه، وعلق على ما قالته مازحًا:
-انتي الأكل واكل دماغك.
هزت رأسها بحركة مؤكدة، وأخبرته بعفوية:
-جدا، انا دخلت كل المطاعم اللي هنا، وكلت أكل بلاد مختلفة، ده غير إني مهووسة بالطبخ، وقرأت كتب كتير فيه، خبرتي هتنفعك.
امتزج آخر قولها باغترار أنثوي لا يتجزأ من شخصيتها، كما أن لديها قدرة رهيبة على الإقناع في إبداء الأسباب والدوافع، فقد شعر أنه شبه اقتنع بفكرتها، وتحفز أيضًا لدراسة جدوى المشروع معها، ولكن في لحظة تطرق لفكره ما محى بسمته، وجعل وجهه تعلوه بعض الريبة، فهما لم يضعا أمر والدها في الحسبان، وبين سائر مخططاتهما المستقبلية لهما معًا كشريكين في العمل، وكذلك في الحياة العاطفية، وبعد لحظتين من الصمت، وانطفاء وجهه المفاجئ، والتي تعجبت له، سألها بقلقٍ:
-طب وشاهين بيه؟
ازدادت تعجبها من سؤاله، وسألته بعدم فهم لما يخص به والدها في استفساره:
-ماله؟
أوضح لها قصده بإسهابه المستفهم:
-مش هيعترض على علاقتنا؟
لاحت تعبيرات جادة فوق قسماتها، وردت عليها بحزم، وعزم:
-بابي سبق ووقف قدام اختياري قبل كده، واختارلي هو حياتي، اللي مع أول اختبار حقيقي باظت، من حقي المرادي اختار..
أثلج ردها صدره، وطمس مخاوفه الدفينة نحو عدم قبوله به، مثلما فعل في علاقتها السابقة، بينما هي لم تلبث أن أضافت بثقة ينبعث منها محبتها له:
-وانا واثقة في اختياري.
عبارتها الأخيرة كانت بمثابة دفعة محفزة، ومنعشة له، فاستقام في وقفته وازداد نشاطًا وحماسًا وهو يسألها بغتةً:
-هو في مأذون في البلد دي؟
ضمت ما بين حاجبيها باستغراب، وسألته بتعجبٍ:
-في السفارة، بتسأل ليه؟
حملت نظراته شقاوة رجولية ثقيلة كشخصيته، وأجابها ببسمة جذابة:
-انتي مش قلتي واثقة في اختيارك، عايزين نبقى قد الثقة.
اعتلى وجهها دهشةً واضحة من تفقهها لقصده، وسألته باشتفاف وهي فاغرة العينين:
-انت عايز نتجوز دلوقتي؟
بنظرات مليئة بعبث مغرٍ رد عليها باستمالة:
-هو فيه أحسن من دلوقتي، انا واحشك وانتي وحشاني، وانا واخد أوضة في فندق هنا على البحر مش فاكر اسمه، ناقصها حاجة واحدة بس.
قطبت جبينها وسألته باهتمام:
-إيه هي؟
رد عليها على فوره:
-العروسة.
ظلت صامتة لعدة لحظات، تحاول تدارك طلبه الزواج بها، وأن يتم عقد القران في الوقت الحالي، رمشت بأهدابها، وأخبرته بربكة ظاهرة:
-انت فاجأتني يا صلاح انا..
قبل أن تكمل جملتها، علق بتهكم مرح:
-بعد الحضن ده انا اللي المفروض اتفاجئ مش انتي.
ضحكت ببعض الخجل الأنثوي، الذي دائمًا ما ينجح في استخراجه من مكامن شخصيتها الجريئة، وبعد لحظات أخرى، فكرت خلالها بشكل سريع في عرضه، أعطته ردها بقبول مفاجئ:
-أوكي، أنا موافقة على فكرة.
رغم يقينه من مشاعرها نحوه، ورغبتها في الاقتران به كزوجة له، إلا إنه لم يتوقع تلك الموافقة السريعة، وبنبرة غير مصدقة، طلب منها:
-قوليها كمان مرة.
ابتسمت بخجل فطري وهي تكرر موافقتها برنة صوتها مميزة الإيقاع على مسامعه:
-موافقة.
غمرته موجة من السعادة، وسألها بلطافة زائدة:
-يعني أقول بحبك دلوقتي بقلب جامد؟
عبست تعبيراتها بطريقة توحي بأنها كانت قد فقدت الأمل في سماع ذلك التصريح المُنتظَر، ودفعته للتكلم بقولها المتلهف:
-قول يا صلاح.
دنا منها أكثر ناظرًا بداخل حدقتيها بنظرة آسرة، مع ابتسامة ساحرة، اعترف لها بنبرته الرجولية الرخيمة:
-بحبك يا ميوي.
لمعت عيناها بدموع متأثرة، وعادت في دفع جسدها لحضنه، وهي تقول له بعاطفة ثائرة:
-وانا كمان بحبك.
أطبق بذراعيه عليها، وشعوره في تلك اللحظة لا يوصف، فبعد ما عاناه من شعور قاسم لفقده زوجته، الذي تلاه بعد عدة سنواتٍ ابنته، أتت هي لتكون تعويضًا، وبدايةً جديدة سيستغلها تلك المرة استغلالًا صحيحًا، مبتعدًا عن الدروب العِوَجة، والطرق الملتوية، الذي لم يجنِ منها غير الحرمان والخسارة، بينما هي وجدت به الحب الحقيقي، الذي حدثها سابقًا عنه، حب صادق، غير مشروط بدوافع، أو غنائم، فالغنيمة الوحيدة التي ستجنيها من تلك العلاقة، هي السكنى، وهذا ما كانت تفتقد له في أي علاقة سابقة، كانت متزعزعة من البداية، لافتقادها لأهم عامل يُقام عليه الزواج الناجح، وهو الحب.