-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 65 - 3 والأخير الجمعة 9/2/2024

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الخامس والستون

والأخير

3

تم النشر يوم الجمعة

 9/2/2024

الجو الأسرة يعد أحد أهم العوامل التي تُبنى عليه شخصية الطفل، وتحدد تكوينها، ولهذا عمل "عاصم" على أن يكون هادئًا، ومغمورًا بالألف والود، حتى ينشأ أطفاله في بيئة سوية، تساعدهم على اكتشاف ذاتهم بصورة صحيحة، وضبط سلوكياتهم بالطريقة المطلوبة، حتى تصبح نشأتهم نشأة سليمة. بالطبع كان "عز الدين" داعمًا له، ويأخذ برأيه في كثير من الشئون المتعلقة بأطفاله، وكيفية التعامل مع المواقف المختلفة، التي تتطلب ردود أفعالٍ يجب الانتباه لها. استمر علي ذلك خلال السنوات الخمس السابقة، حتى بات يرى في ولديه صورة ود لو كان عليها في طفولته، فرغم تفاعل والدته الإيجابي معه، إلا إنه لم يكن كافيًا لحمايته من سلبيات والده، وقساوته. 


بعد أن ظل لعدة دقائق، يفض شجارًا كان قائمًا بين ولديه، وابن أخيه الأصغر المُسمى على اسمه، عاد أدراجه إلى أخيه، الجالس على المقعد الخشبي، في منتصف حديقة بيتهم، يعلو وجهه بسمة ضاحكة، على ما تكبده "عاصم" من معاناة واضحة مع الصغار، حتى استطاع جعلهم يكفوا عن العراك. تابع تقدمه نحوه بعينين متشفيتين، فقد اقترح عليه أن يتولى هو تلك المهمة، كونه يعلم كيفية جعلهم يرضخوا لكلمته بطرقه الخاصة، ولكنه رفض، وذلك حتى يختبر صبره معهم، في حل شجارهم، وكذلك قدرته على معالجة المشكلة التي قام عليها الشجار. ما إن بات على مقربة منه، صاح بلهجة مستهجنة:


-هو ابنك ده مستقوي نفسه ومتفتون على العيال كده ليه؟ ده حتى اصغر منهم يعني والمفروض يحترمهم.


تحكم في بسمته حتى لا يثير غيظه، ورد عليه بنبرة خالية الوفاض:


-اسمه على اسمك وطالعلك، الجينات المتشردة دي مش جيناتي.


جلس على المقعد المجاور له، وقام بإجلاس صغيرته "مانيسا" –التي تركها فوق المقعد حين نهوضه- فوق ساقه، ورد عليه باستنكار يشوبه الاستغراب:


-ولا جيناتي، ده بيحط الاتنين فوق بعض لحد مايفرفروا، انا كنت غلبان والله وبتضرب، انما ده مفتري.


تدخلت "مانيسا" صاحبة الخمسة أعوام في الحديث، متسائلة بطفولية:


-يعني إيه مفتري يا بابي؟


خفض بصره نحوها، ورد عليها بتوضيح بسيط يسهل استيعابه:


-يعني وحش يا حبيبتي.


كاد يحول نظره نحو أخيه، ليكمل مع الحديث، إلا أنها منعته بتعليقها المعترض:


-بس عاصم مش وحش، نائل ورائف بيعصبوه.


ضم ما بين حاجبيه بغير استساغة، وعقب:


-وهو اللي يعصبه يضربه، ماييجي يشتكيلي ولا يشتكي لابوه، لكن أسلوب اندر تيكر ده مينفعش بين الاخوات.


عقلها الصغير لم يستطع ترجمة قوله، ولكنه أبقت عينيها اللامعة بلمعة طفولية عليه، رآية تحول ملامحه حينما انتبه إلى دفاعها عن "عاصم" الصغير، ووضع مبررات له، مطنبًا:


-وبعدين تعالي هنا يا بتاعة عاصم انتي، هما مش اخواتك دول اللي اتضربوا ولا مش اخواتك.


ظلت ملامحها مرتخية، وهادئة، فقط اكتفت بهزة بسيطة بكتفيها وهي ترد عليه بدفاع متزايد:


-عاصم كمان اخويا، وهما اللي مستفسين (مستفزين) يبقى يتساهلوا (يستاهلوا).


لفت انتباهه قبل أن يرد عليها، تصالح ابنيه مع ابن عمهما، وعودتهم جميعًا للعب ثانية كأنما لم يحدث شيئًا، حينها فاه "عاصم" بتهكم على سذاجة طفليه:


-هما بيتساهلوا فعلا بصراحة.


انتقل بعينيه نحو أخيه المتابع لما يحدث، مرددًا بلهجة ساخرة وهو يشير نحو ولديه:


-أهي الجينات الهطلة دي اللي مش تبعي فعلا، انا كنت بتضرب آه بس بعرف اخد حقي.


لكزه "عز الدين" في ذراعه، وقال له:


-ما تسيب العيال يتصافوا مع بعض يا شعلة واخرج منها انت.


قبل أن يرد عليه تساءلت "مانيسا" باهتمام:


-يعني إيه شعلة يا بابي.


لم يجد غير الرد السابق الذي يسهل على عقلها الصغير فهمه، وكرره:


-يعني وحش يا حبيبتي.


صمتت الصغيرة بعد إجابته، ممَ لفت انتباه "عاصم" عدم دفاعها عنه، مثلما دافعت عن "عاصم" الصغير، رفع أحد حاجبيه مناظرها بدهشة غير حقيقية، وسألها بلوم يشوبه ضيق مصطنع:


-مدافعتيش يعني عني، مش زي عاصم بيه انا ولا إيه؟


هزت رأسها بإيماءة صغيرة وقالت له نافية:


-لأ مش زيه؟


ارتفع حاجباه بدهشة حقيقية تلك المرة من ردها الغير متوقع، وقال لها بتفاجؤ:


-خبط لزق كده، طب مهدي، هاتيها واحدة واحدة.


ضحك "عز الدين" على نقاشهما الممتع، ودنا من ابنة أخيه، مملسًا فوق خصلاتها، وأخبرها بلطافة لدفاعها المستميت عن صغيره:


-روح قلب عمو يا منوسا.


ناظره "عاصم" بانزعاج زائف وهو يخبره:


-استنى كده انت.


عاد بنظره إلى صغيرته، وسألها بغيظ:


-مش زيه ليه بقى يا مانيسا هانم؟ مشبهش الشبر ونص ده؟


رفعت رأسها له ولاح الضيق بعينيها الخضراوتين، وأجابته بعبوس:


-مش بتلعب معايا، لكن هو بيلعب معايا.


علق على قولها مرددًا:


-مانا شايلك أهو، يعني هو بيشيلك؟


ردت عليه بتبرير آخر:


-هو صغير مش يقدر يشيلني، لكن انت كبير وعندك ايدين كبيرة.


اعتلى وجهه الذهول من رده المقنع، ووجه نظره لأخيه الذي هتف بجدية:


-انا اقتنعت بكلامها على فكرة.


انفرج وجه "عاصم" ببسمة متفاجئة من ردودها الرزينة، وقال لأخيه:


-لا مش بعرف اخلص معاها..


ثم ما لبث أن أضاف ببسمة متسعة:


-أهي الجينات اللمضة دي تبعي.


ضمها له بعناق أبويٍ دافئ، ثم نهض عن جلسته ورفعها للأعلى، لتسقط بعد لحظات في يديه، وراح يكرر الفعلة أكثر من مرة، بين ضحكاتها المجلجلة، وأصوات الصغار المثرثرة، مخلفًا مشهدًا جميلًا سيبقى أثره في نفوسهم جميعًا، تحت شعور الحنين لذكرى قديمة سعيدة.



❈-❈-❈



بنظرات فخر وسرور، بقى "كرم" يطالع زوجته، خلال مدة مناقشتها للبحث للعلمي لرسالة الدكتوراه، وهي كذلك كانت تبادله نظراته، بأخرى تشع بالحماس، والشجاعة، فبسمته الواسعة، وعيناه المعلقة عليها بارتخاء، كانا بمثابة دفعة محفزة لمضيها قدمًا، وداعمة لمحو التوتر الدفين من رهبة الحدث، وبالتالي مساعدتها على الثبات والاتزان وهي تطرح الموضوع، الذي ناقشته بسلاسة ويسر. بعدما انتهت من إلقائها، صفق لها جميع الحضور، وكان أولهم وأكثرهم لهفةً هو زوجها، الذي نهض لاستقبالها، بعدما تلقت العبارات المهنئة من أساتذتها، وزملائها، وقبل أن يبدي إعجابه، بذكائها، وطلتها الواثقة، سألته بتلهفٍ:


-كنت عاملة ازاي وانا بناقش الرسالة؟


أمسك يديها باحتواءٍ ودعم متزايد، وأجابها بإطراء حقيقي يخلو من التملق:


-كنتي زي القمر خطفتي عيون كل الموجودين.


اتسعت بسمتها، وسألته بتأكدٍ يشوبه السرور:


-بجد يا كرم؟


أكد لها بهزة من رأسه وهو يقول بفخر:


-بجد يا حبيبتي، أنا فخور بيكي أوي، انتي اشطر وأنجح دكتورة في الدنيا.


لمعت عيناها بدموع الفرح، لاجتيازها تلك المرحلة، التي عملت بجهد جهيد لتخطيها، في حين رفع هو يده محاوطًا وجنتها، وبارك لها بحب:


-مبروك يا حبيبة قلبي.


تهاوت دمعة من أحد طرفيها تأثرًا بحديثن، وردت عليه بنبرة مهزوزة بعض الشيء:


-الله يبارك فيك يا كرم.


مسح بإبهامه عبرتها المنسابة فوق وجنتها، وقال لها بسرورٍ واضح:


-سعادتي بيكي النهارده متتوصفش يا سما.


سعد قلبها من سماعها لوصلة كلماته الطيبة، المليئة بحب حقيقي، وفرح مرئي، وفي تلك اللحظة أرادت أن تبعث داخله سعادة مماثلة للتي تحتل شغاف قلبها، والراجعة له في المقام الأول، لذا وجدت أن ذلك هو الوقت الملائم للتصريح عن الخبر الذي طال انتظاره، والتي علمته مساء البارحة، وأخفته عنه بشكلٍ مؤقت، كونها كانت تنوي أن تفصح عنه في يوم عيد ميلاده، كماجأة له، ولكنها رأت أن الأفضل عدم إرجاء إخباره لوقت آخر، كما أنها على كلٍ لا تطيق انتظار رؤية تعابيره عند علمه بذلك النبأ الجلل. قضمت شفتيها ببعض الخجل قبل أن تقول له بغموض:


-طب إيه رأيك إن أنا عندي ليك خبر هيزود سعادتك دي وهيخليها بجد متتوصفش.


استرعى انتباهه الخجل الذي لاح فوق قسماتها، ضم ما بين حاجبيه بحيرة، وسألها باهتمام:


-خبر إيه؟


لم ترِد أن تتلاعب بأعصابه وتثير حيرته، لذلك استجمعت نفسها، وبعد صمت دام لعدة لحظات، أخبرته مباشرة دون تمهيد:


-أنا حامل.

الصفحة التالية