-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 65 - 4 والأخير الجمعة 9/2/2024

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الخامس والستون

والأخير

4

تم النشر يوم الجمعة

 9/2/2024

تجمدت ملامحه وعيناه عليها للحظتين، ثم سألها بغير تصديق يحمل معالم الصدمة:


-بجد؟


هزت رأسها مؤكدة والتصقت بشفتيها بسمة سعيدة، حينها تدارك صدق قولها، وبدأت البسمة في الارتسام على ثغره، ولكن المفاجأة مع ذلك ألجمت لسانه، وبلعثمة واضحة بدأ يردد:


-انا.. مش عارف.. يعني..


عجز عن وصف شعوره بطريقة تعبر عن مدى فرحته، ولكن بسمته أصبحت ملء شدقيه، واقترب منها محضتنًا إياها، تحت أنظار الجميع، غير مكترثٍ بشيء سواها، وأردف بجوار أذنها بسعادة حقيقية، وجلية:


-أنا بقيت أسعد واحد في الدنيا بالخبر ده.


فصل العناق ولكنه بقى أمامها يطالعها بنظراته المحبة، والوالهة، وأخبرها بعاطفة عارمة:


-مبروك يا حبيبتي، ربنا يكمل الحمل على خير ويفرحنا بالبيبي وهو بين ايدينا احنا الاتنين.


تسللت الدموع مجددًا لطرفيها، وردت عليها بنبرة تعج بمشاعر مختلطة:


-يا رب يا حبيبي.


ارتعش قلبها وهو ما يزال واقفًا، يحتويها بدفء نظراته، ويأسرها بطيب كلماته، ولم يصدر منها في ذلك الوقت غير نظرات الامتنان، فلقد نجح طوال السنوات السابقة في جعلها امرأة مفعمة بالحياة، وكان لها من كل عثرات الماضي بر النجاة، لم يخُن عهده معها، ولم يستغل غياب اقربائها في كسرها، حتى إنه لم يشكُ من مشاكل الإنجاب التي كانت تعاني منها، وصبر واصطبر خلال فترة علاجها، إلى أن أتى تعويض المولى، بتحقيق دعوة لم يكفا عن التضرع بها في كل  يوم وليلة، وفي تلك اللحظة فقط تيقنا أن لكل شيء أوان، ولكل أمر تحت السماء زمان.



❈-❈-❈



السعادة الحقيقية هي أكثر غاية يسعى لها الإنسان، ربما يرى البعض اختلافًا في دروبها، وربما يعجز البعض عن الوصول لها، ورغم اختلاف الطبقات، وتفاوت الأعمار، إلا أنها في الأخير ومم لا شك فيه تنشأ من الرضا. مرت الأيام، والشهور بينهما على نحوٍ سلس وهادئ، بالطبع لم تخلُ علاقتهما من بعض الشجارات العابرة، والاختلافات الشائعة، إلا أنها لم تصل بهما يومًا إلى حدٍ فاصل، أو فكرا للحظة في الانفصال كالسابق، فحياتهما رغم المسئوليات، والتغيرات التي أحدثها وجود الأبناء، إلا أنها كانت تغمرها في كل وقت نوع من السعادة، كأنما المودة والرحمة بينهما خلقت حالة من التفاهم، ثبتت جذور الحب في علاقتهما، فبات الرضا يملأ قلبيهما، ذلك الرضا الذي جعل للفرح طريقًا في حياتهما. 


بنظرات مترقبة، تابع كل من "عاصم" و"داليا" ظهور نتيجة اختبار الحمل المنزلي، التي أجرته "داليا" منذ بضعة لحظات، وذلك بعدما لاحظت غياب الدورة الشهرية، وتأخر موعدها. ضمت شفتيها بربكة وهي ترى تلون الشرطة الأولى، وخلال لحظة وأخرى جحظت عيناها في غير تصديق، عندما تلونت شرطة أخرى، تدل على وجود حمل غير متوقع، ولم يكن في الحسبان. جمدتها الصدمة على حالتها، فلم يصدر منها صوت ولا حركة، حتى تناول "عاصم" شريط الاختبار من يدها، ليتأكد ممَ لاحظه، حينها رفعت نظرها له، وقالت بنفيٍ يشوبه الذهول:


-إيه ده لأ استحالة اكون حامل.


قابل ذلك النبأ المفاجئ بوجه مرتخٍ، وصوت هادئ وهو يعلق ببساطة:


-لأ مش استحالة، دول شرطتين وظاهرين كمان أهو.


رفعت حاجبيها في صدمة مضاعفة، وسألته ببلاهة:


-يعني إيه؟


وضع يده فوق جانب ذراعها، مجيبًا ببسمة صغيرة:


-يعني مبروك يا حبيبتي.


أبعدت كتفها عن كفه في انتفاضة متسارعة، كأنما أصابها مس من الجنون من عبارته المؤكدة، وقالت بتجهم:


-لأ مبروك إيه، أنا مكنتش عايزه اطفال تاني يا عاصم.


حاول التريث في رده الذي بدا مستخفًا وهو يقول:


-بس انتي حامل، يعني في طفل جاي إن شاء الله.


استفزتها ردوده المستهينة بالحدث الراهن، وهدرت بانزعاج:


-انت بتستفزني يا عاصم! 


ثم ما لبثت أن هاجمته بقولها المشبع بالضيق:


-على فكرة انت السبب.


تفهم ما تعاني منه من مشاعر متخبطة، وتغيرات هرمونية واضحة، لذلك لم يأخذ عصبيتها على محمل الجد، ورد عليها بأسفٍ مرح:


-معلش أنا آسف يا حبيبتي كان غصب عني.


اشتاطت غضبًا من سماجة ردوده، وبرود أعصابه، تأففت بضيق واضح، ودمدمت بغيظ:


-انت واخد الموضوع بهزار وانا متضايقة أصلا.


تعجب من عصبيتها الغريبة، بالرغم من هدوئه الغير معتاد في تلقي مثل ذلك الخبر، ارتفع حاجباه في حيرة من أمرها، وعقب بشيء من الاستنكار:


-انتي مفيش حاجة عجباكي.


أشعرتها جملته بمبالغتها في رد فعلها، ولكنها نابعة من مشاعرها المختلطة داخلها، حررت نفسًا مطولًا، يعبر عن اختناق داهمها بغتةً، وأخبرته بوجه معقود:


-يا عاصم افهمني، انا كنت استكفيت بالتوأم ومانيسا.


تراءى له توترها من خوضها لتجربة حمل آخر، بعد مرور ما يقرب من الثماني سنوات على إنجابها لطفلتها الأخيرة "مانيسا"، وبعد قرارها بالاكتفاء بالثلاث أطفال، حملها في جنين الحين مؤكدًا سيقلب الموازين بالنسبة لها، ومن الطبيعي أن يربكها، ويشوش أفكارها، وكان "عاصم" متفهمًا لذلك جيدًا، ولذلك أراد أن يشعرها بتقبل ذلك الحمل، ويجعلها تنظر له من زاوية أخرى مبهجة، انفرج ثغره ببسمة لطيفة، وقال لها:


-طب وإيه رأيك بقى إني مستكفتش.


لان وجهها قليلًا وناظرته بنظرة مستشفة وهي تعلق:


-يا سلام؟


حرك كتفيه بحركة تلقائية مع قوله المستضيج:


-في مرتين حملك، معشتش معاكي كل حاجة، وتفاصيل كتير أوي فاتتني، وبصراحة عايز اعوض في البيبي ده.


عاد العبوس لوجهها ثانية، وعقبت بقليل من الحدة:


-مانت مش خسران حاجة، انا اللي بتعب في الحمل والولادة والرضاعة وانت بتبقى أب على الجاهز.


تفاجأ من اندفاعها مجددًا بعد أن هدأ صياحها، ومع ذلك قال لها بدعم:


-وانا يعني هسيبك؟


تساءلت داخلها ما نوع العون الذي سيقدمه خلال فترة حملها للجنين في رحمها، وعلقت بنزق:


-إيه هشيله في بطني شهر وانت شهر ولا إيه؟


عبس وجهه من تعليقها الساخر، وقال بوجوم:


-احنا هنهزر؟


افترت شفتاها عن بسمة ضاحكة عند تداركها لما فاهت به، وازداد ضحكها تدريجيًا من تعليقه ورنة صوته، بينما كان هو في بادئ الأمر يحاول كتم ضحكته، ليحافظ على جدية تعبيراته، ولكنه فشل في الأخير مع ضحكها الصاخب. مع الوقت هدأت أصوات الضحك شيئًا فشيء، وبعد أن عم بينهما الصمت، سحبت "داليا" نفسًا عميقًا، ثم سألته بجدية:


-انت بجد عايز البيبي ده؟


رد عليها مؤكدًا بغير تفكير:


-أكيد عايزه، دي نعمة من ربنا، المفروض نحمده عليها مش نتضايق ونكشر كده يا حبيبتي.


رغم تأثرها برده، والمغاير لأي مرة سابقة، واتفاقها معه في كلامه، إلا أنها لم تمنع نفسها عن التعقيب باستنكار:


-انت معاكسني في كل حاجة دايما كده، أهو ده الحمل الوحيد اللي مكنتش عايزاه ولا عاملة حسابه وانت اللي تبقى عايزه.


ضيق عينيه عليها، وعلق بشيء بتهكمٍ:


-وانتي يعني كنتي عاملة حساب الحملين اللي فاتوا، اسكتي وخليني ساكت.


صدحت منها ضحكة خافتة، جعلت وجهه يلين بأخرى للحظتين، ثم ما لبث أن استطرد ببسمة بسيطة:


-وبعدين مانا جربت الخلفة خلاص وطلعت حلوة والدنيا طلعت ابسط من التخلف اللي كان في دماغي، وعرفت إن انا اللي كنت معقدها حبتين.


ضيقت عينيها بنظرة مشككة، وسألته بإيحاء مقصود:


-حبتين؟


حك بإصبعه في أنفه، وصحح ببعض المرح:


-كتير صح؟


أومأت له بالإيجاب وهي تناظره بنظرات ذات مغزى، زاغ بعينيه عنها في تهرب مصطنع، ثم تشاركا الضحك ثانيةً، وبعد لحظات لف ذراعه حول خصرها، ودفعها برفق وهو يقول:


-يلا عشان نعرفهم.

الصفحة التالية