-->

رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 65 - 5 والأخير الجمعة 9/2/2024

  

قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني 
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات 
الكاتبة شيماء مجدي 

الفصل الخامس والستون

والأخير

5

تم النشر يوم الجمعة

 9/2/2024

أوقفته عن السير بثباتها في موضعها، وقولها بنبرة تعج بالحرج:


-انا محرجة أوي.


تعجب من عبارتها، وسألها بنبرة مستغربة:


-هو انتي عجزتي والعيال بقت طولك خلاص ولا إيه؟


تحولت تعبيراتها في لحظة للاستنكار، وعلقت في غرور وثقة:


-إيه عجزتي دي أنا لسه صغيرة وحلوة، ده اللي قدي لسه متجوزوش أساسًا.


هز رأسه بحركة متفاعلة مع حديثه القائل باتفاق مع ما فاهت به:


-انتي بتتكلمي فيها، ما صاحبتك لسه متجوزة الشهر اللي فات، وحاضرين فرحها.


ترددت ثانية في التحرك، وضمت شفتيها للحظة، ثم سألته باشتفافٍ:


-ايوه، يعني عادي احمل دلوقتي مش كده؟


هز رأسه بحركة مستنكرة، ثم دفعها ثانية من ظهرها للسير معه وهو يقول لها:


-يلا يا داليا ربنا يهديكي.


سارت معه عدة خطوات تُعد، ثم توقفت مرة أخرى عن الحركة، وقبل أن يسألها عن السبب  عاجلته بسؤالها:


-تفتكر هيتفاجئوا؟


مط شفتيه للحظة ثم هز رأسه بالسلب، وأجابها نافيًا:


-لا ماعتقدش، حاجة زي دي كانت متوقعة متقلقيش.


زوت ما بين حاجبيه في غير فهمٍ، واستفهمت باستغرابٍ:


-متوقعة ازاي؟


رد عليها مستيضيحًا بنبرة هازئة بعض الشيء:


-انتي كل مرة بتحملي غصب عنك وهما عارفين كده.


ملأت التكشيرة وجهها، وضربته فوق صدره، مرددة بغيظٍ:


-انت رخم على فكرة.


قابل ضربتها المتدللة برحابة صدر، وبسمة واسعة، وقال لها بمناغشة:


-وانتي قمر على فكرة، كان لازم اعرف برضه إن الحلاوة دي وراها حمل.


بدلًا من أن تسعد لاطرائه، انزعجت لتحديد فترة لانبثاق جمالها، وكأن أنوثتها لا تنضج سوى في تلك المدة، رفعت أحد حاجبيها وسألته بعبوس:


-هو انا مش ببقى حلوة إلا في الحمل بقى ولا إيه؟


على الفور نفى لها فهمها الخاطئ:


-لا طبعا إنتي حلوة علطول، بس اللي بيظهر فعلا في الحمل هي هرمونات النكد دي.


رفعت حاجبيها تلك المرة بتفاجؤ، وعلقت ببعض الصدمة:


-كمان نكدية!


لم ينفِ تلك المرة تفسيرها، وأردف بنبرة موحية:


-انكري بقى.


انفرجت شفتاها بدلال وهي ترد عليه معترفةً بقليل من العنجهية:


-مش هعرف انكر بصراحة، ده انا مرمطتك معايا الحمل اللي فات.


شاع الاغتياظ في وجهه بعد عبارتها، ناظرها من علياه بنظرة من طرف عينيه، وحثها على التحرك بقوله الفاتر:


-يلا يا نكدية.


امتنعت عن الانصياع له بعد جملته المستفزة، وكتفت ساعديها بطريقة توحي بانزعاجها من وصفه، وعندما تراءى له جدية ضيقها، أعاد جملته منتزعًا الوصف المغيظ، بآخر محبب، مرددًا بلطافة:


-يلا يا روح قلبي، حلو كده؟


افتر ثغرها عن بسمة راضية، وهزت رأسها بإيماءة مؤكدة، حينها ابتسم وجهه، ودنا منها محاوطًا كتفيها، ومقبلًا جانب رأسها بمحبة زائدة، ثم بدآ في السير معًا بخطوات يغمرها النشاط والحيوية، وقلب ينبض بالسرور وروح هنية.



❈-❈-❈



أحيانًا يكون في الفقد تعويضًا، وأحيانًا يصبح التعويض للفرح تمهيدًا. لقد سلبته الحياة في طفولته براءته، وقضت في أول شبابه على ما تبقى من راحته، وفي خضم ضياعه، وزهده، منحته ما يعيد إليه الأمل، وينتشله من تيهه. القساوة، الحقد، والغل كل ذلك وأكثر كانوا عنوانًا لرسم شخصيته، العنف، الصلابة، والبأس كانت كلها صفات تندرج تحتها أسلوب معاملته. خسر، كُسِر، وحُطِم، وبينما كان على شفير الهلاك والانتهاء، اهتدى، واسترشد، حتى استقام وأصلح ما أُفسِد، فعوضه المولى بعد عناء، بأكثر ممَ كان يشاء.


في جو عائلي يملأه الألفة والتآلف، أُقيم حفل عيد ميلاد كل من "مانيسا" وابن عمها، وأخيها من الرِضاع "عاصم"، في حضور أفراد عائلتهما، وأصدقائهما، وكذلك أفراد عائلة "الكيلاني". اليوم قد أتما عامهما السادس والعشرون، وبالرغم من اختلاف صفاتهما، وتفاوت شخصيتيهما، إلا أنهما يجمعهما منذ الصغر نوعًا من الارتباط الأخوي القوي، وقد امتد واشتدت أواصره مع مرور السنين. استقاما الاثنان بعدما أطفآ الشموع، وصفق حينها سائر الحضور، تبادل الجميع الحديث الضاحك، والمرح العارم، وخلال ذلك تشارك البعض في تأدية رقصات فردية، وكذلك ثنائية في أجواء احتفالية صاخبة. 


في ركن بعيد عن أصوات الأغاني العالية، والضوضاء المجاورة، وقف "مجد" وبصحبته كل من "عاصم" وابنه "رائف" صاحب السبعة وعشرون عامًا، بشخصيته القوية المماثلة لشخصية جده، والرزينة رزانة اكتسبها من تفانيه في عمله. تأهب في وقفته حينما وجه له "مجد" سؤاله المهتم والمترقب:


-خير يا رائف؟ إيه الموضوع المهم أوي اللي خدتوني على جنب عشان نتكلم فيه؟


ابتسم "رائف" على سرعة بديهة ذلك الرجل، وملاحظته الصائبة، فبالطبع الأمر هامٍ وشخصيٍ كذلك، واحترامًا لوجود والده، تركه هو يتولى الرد بالنيابة عنه، انتقل بنظره نحوه ففهم "عاصم" على الفور معنى نظراته، وتحدث هو إلى "مجد" مفصحًا بوقار:


-الحقيقة يا مجد أنا عايز اطلب منك ايد بنتك لرائف ابني.


لم يظهر أي أمارات تعجبٍ أو تفاجؤ على وجه "مجد"، كأنما كان متوقعًا ذلك الطلب، وبوجه باسم، وهادئ علق:


-إيه الطلب المفاجئ ده؟ مهدلي طيب مش مرة واحدة كده.


ارتسمت بسمة بسيطة على محياه الرزين، وبقى صامتًا، ومنصتًا إلى تساؤل "مجد" المستفسر:


-طب يا ترى انهي واحدة فيهم؟


انتبه "رائف" إلى تغافله عن تحديد من وقع عليه اختياره من بين ابنتيه، وأجابه بنبرة صوته المتزنة: 


-الكبيرة يا عمي، لمار.


ضيق عليه "مجد" عينيه بنظرة لئيمة، وعلق بنبرة موحية:


-محدد هدفك انت.


انتقل بنظرة خاطفة نحو ابنتيه "لمار" و"لور" المجاورتين لفتاة عيد الميلاد، ثم عاد ببصره إلى "رائف" المنتظر رده، وحدثه بتعقلٍ:


-بصراحة انتوا لو مستنين ردي فده لا مكانه ولا وقته، وانت أكيد عارف كمان إن حاجة زي دي مش هقدر اتكلم فيها واديلك كلمة غير لما اخد رأي لمار.


رد عليه "عاصم" بتفهمٍ:


-احنا عارفين يا مجد، دي الأصول طبعًا.


تكلم "رائف" بعد والده قائلًا بحصافة:


-احنا كنا حابين نعرف رأيك المبدئي بس يا مجد بيه، وإن شاء الله بعدها الموضوع يمشي حسب الأصول.


رأى أنه من غير العدل ألا يشيد به، ويعطي له رده الأولي، رسم بسمة لبقه على محياه، ووضع يده فوق كتفه بطريقة أبوية، وقال له بمحبة:


-رائف انت ابني ومتربي على إيدي، ومش محتاج تعرف رأيي فيك، وأكيد مش هتتوقع مني رفض.


طرق "رائف" بنظره باحترامٍ، في حين تابع "مجد" ببعض المرح:


-عارف لو كنت قلتلي نائل، كنت رفضت من غير تفكير.


جاءهم صوت "نائل" من خلفهم، قائلًا بمشاكسة:


-ليه كده بس يا مجد بيه ده أنا بحبك.


التف "مجد" بنظره نحوه، وعلى وجهه بسمة صغيرة، ورد عليه بإيحاء مقصود:


-طب مانا كمان بحبك يا نائل، وعشان كده بصارحك برأيي، ولا انت عايزني اغشك.


انضم لهم في وقفتهم، وقال له بلومٍ مصطنع:


-مش كده يا باشا، اعمل حساب لشكلي. 


ثم ما لبث أن أضاف بغرور واثق:


-وبعدين ده انا حتى راجل قانون ومنضبط.


ضحك ثلاثتهم على قوله، لعلمهم بكونه لعوبًا، متعدد العلاقات النسائية، وبصوت يظهر به آثار الضحك، علق "مجد":


-من ناحية راجل قانون فدي منقدرش نقول حاجة فيها يا سيادة وكيل النيابة، لكن منضبط دي مش معاك فيها الحقيقة.


هز "نائل" رأسه بإيماءة بسيطة وهو يقول له بمرح:


-ماشي يا باشا لينا كلام سوا مش قدامهم.


تبادل الأربعة بعد ذلم أطراف أحاديث متفرقة، حتى صدح هاتف "مجد" معلنًا عن تلقيه لمكالمة هاتفية، حينئذٍ استأذن منهم بلباقة:


-أستأذنكم بس دقيقة هطلع ارد على سيلين، عشان شكلها وصلت.


قبل أن يتركهم، عقب "عاصم" ببسمة خفيفة:


-دايما متأخرة، مش زي مامتها خالص.


حرك "مجد" ذراعيه بقلة حيلة، وقال له وهو متحفز:


-محدش يقدر يقولها حاجة يا سيدي، دي وحيدة جاسم باشا.


ما إن بدأ "مجد" في السير حتى لحق به "نائل" بشكل مفاجئ، قائلًا:


-مجد بيه كان في موضوع كده..


ابتعدا الاثنان نحو الخارج، وفي نفس اللحظة تحولت أنظار جميع الحضور نحو صوت ابنة "عاصم" الصغيرة، ومدللة العائلة، صاحبة السبعة عشرة عامًا، "أثير"، وهي تردد بنبرة متفاجئة:


-يونس!

الصفحة التالية