رواية جديدة مشاعر مهشمة 2 لشيماء مجدي - الفصل 65 - 6 والأخير الجمعة 9/2/2024
قراءة رواية مشاعر مهشمة الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الخامس والستون
والأخير
6
تم النشر يوم الجمعة
9/2/2024
❈-❈-❈
تقدمت منه في خطوات سريعة، فقد عاد لتوه من سفر دام لعدة سنوات بالخارج، كان يدير خلالها فرع شركة جده بإحدى الدول الأجنببة، وبنظرات ينبثق منها الاشتياق، قالت له برقة صوتها:
-وحشتني.
لاح التعجب فوق وجهه عند رؤيته لها، شابة يافعة، مكتملة الأنوثة، بهيئة مغايرة تمامًا لآخر مرة تركها بها، كانت طفلة صغيرة، قامتها لا تتخطى نصف طوله، ارتسمت بسمة منبهرة فوق ثغره، وردد بغير تصديق:
-أثير، مش معقولة.
في تلك اللحظة، وقبل أن يتسنى له التوجه نحوها، اندفعت والدتها معانقة إياه، وهي تردد بعاطفة أمومية وقد ترقرق الدمع بعينيها:
-ابني حبيبي، حمد الله على سلامتك يا روح قلب ماما.
رد عليها وهو يبادلها العناق باشتياق مماثل:
-الله يسلمك يا زنزون.
بعد لحظات فصل العناق، وناظرها بنظرة متسلية، وغازلها بقوله المرح:
-ايه الحلاوة دي، انتي بتكبري ولا بتصغري؟
جاء من خلفه صوت أبيه الزاجر:
-انت عايز تتهان قدام الناس يعني؟
غمز لوالدته التي ضحكت على ما فاه به زوجها، فما زال كما هو يغتاظ من مغازلة ابنها لها. التفت له "يونس"، ورد عليه ببراءة مصطنعة:
-وأهون عليك يا دكتور عز.
توجه نحوه "عز الدين" متظاهرًا بالانزعاج، وما إن صار مقابلًا له، اجتذبه في احضانه، وقال له بحنوٍ وهو يربت فوق ظهره:
-حمد الله على السلامة يا يونس.
رد عليه "يونس" بنبرة تعج باشتياق مضاعف:
-الله يسلمك يا بابا، وحشتني أوي.
أبعده "عز الدين" عنه بتؤدة، وسأله بوجه عابس:
-انت خلاص كنت نويت تفضل عايش هناك علطول ولا إيه؟
ثم ما لبث أن لامه بعينين لامعتين بسحابة من الدموع العالقة بطرفيه:
-خمس سنين يا يونس.
تراءى له العبرات الحبيسة في عيني والده، لذلك علق على كلماته بمرح حتى يلطف الأجواء:
-يااه، ده أنا واضح اني طولت فعلا..
وقعت عيناه في تلك اللحظة على ابنة عمه الصغيرة، وتابع بإطراء:
-لدرجة إن الليدي الصغننة بتاعتنا كبرت وبقت زي القمر.
بدلًا من أن تسعد لمدحه في جمالها، عبس وجهها وعقبت بفتور:
-أنا مش صغيرة، أنا عندي سبعتاشر سنة على فكرة.
أعقبت قولها بالتفاتتها وابتعادها عنهم، وقتئذٍ لاح التعجب على وجه "يونس" وسأل والده باستغراب:
-هي زعلت ولا إيه؟
انتبه إلى صوت عمه قادمًا من جواره وهو يقول:
-لبخت انت كده.
انتقل "يونس" ببصره نحوه، وزوى ما بين حاجبيه واستفهم منه:
-ليه بس؟ أنا قلت إيه غلط؟
وقف جوار أخيه، ومقابلًا لابنه البكري، وأجابه موضحًا:
-صغيرة اللي قلتها هي الغلط بعينه.
ازدادت معالم الاستغراب على وجه "يونس"، وقبل أن يتساءل عن السبب، قال "عز الدين" بتوضيح زائد:
-بتضايق منها يا سيدي.
تراءى لـ"عاصم" انقلاب سحنتها، وتكشيرتها الواضحة من على بُعد، حينئذٍ قال:
-أهي قلبت وشها وهتفضل مبوزة طول اليوم.
انتقل بنظره نحو ابن أخيه، وخصه بمهمة إرضائها بقوله:
-شوف بقى هتتصرف ازاي يا بطل.
تيقن من مضمون عبارته أن إعادة البسمة لوجهها سيتطلب مجهودًا منه، ولكنه مع ذلك قال له بنبرة واثقة:
-متقلقش، هخليها تفك وتضحك دلوقتي.
ربت "عاصم" فوق جانب ذراعه، وشجعه بقوله:
-ورينا شطارتك.
بقى الأخان يتابعان باهتمام نتائج ما سيقوم به، وخلال ذلك لاحظا معاناته في طلب رضائها، وعلق "عاصم" بتيقن:
-هتطلع عينه، بنتي وانا عارفها.
لم يكد يتم جملته حتى انتبها إلى بسمة واسعة زينت محياها الرقيق، ممزوجة بدلال أنثوي ناعم، حينها قال "عز الدين" باغترار:
-ابن ابوه.
لحظات وعاد إليهما "يونس" بوجه معتد، وما إن انضم لهما حتى سأله "عاصم" باهتمام:
-قلتلها إيه خليتها مبسوطة كده؟
رد عليه بتوضيح مسهب:
-هخرجها بكره معايا المكان اللي هي هتقول عليه، مرضيتش بأقل من كده.
انفرج ثغره "عاصم" ببسمة ضاحكة، وعلق بمرح:
-بتاعة مصلحتها زي ابوها.
انتبهت "داليا" إلى ما دار من البداية، ومن وقفتها بالقرب من زوجها، عقبت بغمغمة غير مسموعة:
-ربنا يستر ومتطلعش زي امها.
انتبه "عاصم" إلى صوت هسهستها القريب، إلا أنه لم يفسر ما قالته، ووقتئذٍ حول بصره إليها، وسألها:
-بتقولي إيه؟
هزت كتفيها ببعض الغنج، وردت عليه نافية:
-مبقولش.
لم يكترث إلى معرفة ما قالته، فقد لفت نظره طلتها البهية، وهيئتها الخاطفة للتو، وبإعجاب شديد أردف:
-إيه ده إيه ده إيه ده إيه الجمال ده؟
كتفت ساعديها، وبعبوس متدلل علقت بتبرم:
-لسه واخد بالك؟
ضيق عيناه عليها بعد أن رأى تشكيرتها، وقال بتهكمٍ يحمل إيحاء مقصود:
-وانا برضه بقول البوز بتاع أثير ده وخداه من مين.
رفعت أحد حاجبيها وسألته:
-مش عاجبك ولا إيه؟
بنبرة محبة وبلطافة زائدة رد عليها:
-يا خبر ده عاجبني جدا، ده البوز وصاحبة البوز جوا قلبي وروحي وعقلي.
ابتسم وجهها من حلاوة كلامه، وسألته بذهول:
-انت بقيت بكاش كده امتى؟
ابتسم بمكرٍ لطالما اتسم به، وسألها بمرحٍ:
-ثبتك مش كده؟
بصوت خافت حتى لا يستمع إليه المحيطين بهما، ردت عليها بكلمات ذات مغزى:
-انت مثبتني طول عمرك.
اتسعت بسمته حتى شمل وجهه الرجولي، الذي حفر الزمن عليه آثاره، إلا إنه رغم ذلك ما يزال يحتفد بوسامته، وسحره الخاص، وبعد لحظة صمت، استرعى انتباهها بقوله المباغت:
-بقولك إيه.
ارتكزت ببصرها عليه منصتة إلى متابعته:
-ما إيه رأيك نفكنا من وجع الدماغ اللي هنا ونروح في أي مكان بعيد أنا وانتي..
ابتسم محياها من عرضه السخي، والمغري، وتوسعت شيئًا في شيء من إكماله بمكرٍ مرح:
-يومين تلاتة، اسبوعين تلاتة نروق علي نفسنا ونبقى نرجع تاني أو منرجعش يعني نبقى نشوف الحوار ده بعدين.
ضمت شفتيها تكتم ضحكتها، حتى لا ينتبه أحد إلى انفرادهما بحديثٍ جانبي، ثم سألته باشتفاف:
-عايز تستفرد بيا؟
رد على فوره بنبرة متلهفة:
-الحقيقة نفسي، ومش واخد راحتي خالص وسط التتار اللي هنا.
أعادت كلماته المفعمة بالأشواق الشعور بدفقة متجددة من مشاعر لا تنضب بينهما، وبدلال يروق له قالت:
-هقولك رأيي بعد عيد ميلاد الولاد.
دنا منها وبهمسٍ رخيم قال في حزم:
-مش هقبل برفض، أنا خلاص قررت، اعتبريه أمر.
حركت رأسه بإنكار وبسمتها باتت ملء شدقيها، بينما هو أطال النظر لها ومشاعره تجاهها التي تزايدت، وتعاظمت مع مرور السنين تنبجس بقوة من عينيه الناظرة بداخل خاصتها، حتى تعجبت من نظراته المرتكزة عليها، وسألته بحيرة:
-بتبصلي كده ليه؟
تجاهل الرد عليها، واستطرد متسائلًا:
-انتي عارفة إني بحبك أوي صح؟
كأنما يتعمد جعلها اليوم تزداد دلالًا وغنجًا، وبدلع مغتر ردت عليه:
-دي حاجة واثقة منها، عارف ليه؟
بعينين ترصدان كل حركة تصدر منها بحب بالغ، سألها في اهتمام:
-ليه؟
بغرور أنثوي محبب، ومستساغ لديه، أجابته:
-عشان انا اتحب.
تلذذ بثقتها المغرية، ولاحت بسمة متأثرة فوق ثغره وهو يقول لها:
-حقك تتغري، ما عاصم الصباحي مفيش واحدة عرفت توقعه غيرك.
امتقع وجهها باصطناع وهي تعلق بوجه لم تُمحَ من عليه بسمته:
-مغرور.
شرعت في التحرك بعد وصفها الأخير له، إلا أنها حا دون ايتعادها بإمساكه لرسغها، رفعت عينيها له تناظره بنظرة مستسفرة، حينها أخبرها بصوت خطفت قلبها:
-انتي فعلا تتحبي يا داليا، تتحبي حب مش عادي.
وجدت شفتيها تلقائيًا تبتسم في سرور، وزاد خفقان قلبها مع أكماله بصوت العذب:
-حبك ده هو اللي غيرني وغير كل دنيتي.
اهتز وجدانها بقشعريرة ناتجة عن تجديد اعترافه، واستبقت نظراتها الهائمة به عليه، وهو يضيف:
-على قد مانا ندمان على كل حاجة وحشة عملتها زمان معاكي، على قد مانا فرحان بكل اللي مرينا بيها سوا، واتغلبنا عليه لحد ماقدرنا نثبت إن حبنا أقوى من كل الصعاب اللي واجهتنا.
اسبلت عينيها الرقراقتين بدمعاتها المتأثرة، وقالت له بمحبة صادقة، ورضا تام:
-الأيام الحلوة اللي عشناها بعد كده، وولادنا اللي كبروا قدام عينينا وملوا علينا حياتنا، كانوا يستاهلوا إننا نتعب عشانهم.
صمتت للحظة تنفست خلالها بعمق، ثم أضافت:
-كانوا يستاهلوا إننا نعافر مع نفسنا، ونغير الوحش اللي فينا، ونندم ونتوب لحد ما ربنا سامحنا وعوضنا بأجمل حياة عشناها سوا رغم كل اللي مرينا بيه، والمشاكل اللي عديناها بحبنا واحترامنا لمشاعر بعض.
على ما يبدو أنها ستظل آسرة، ومستحوذة على كل كيانه، لا مفر، شملها بنظرة دافئة، محبة، وعاشقة، ثم قال لها ببعض المرح:
-عيلة صغيرة زيك عملت اللي امي نفسها مقدرتش عليه.
لاح الاستنكار على محياها، ورددت بغير استساغة:
-إيه صغيرة دي؟ مبقتش صغيرة خلاص.
خفض منه صوته وهو يقول لها بهُيام:
-مهما تكبري هتفضلي في عيني داليا الصغيرة اللي شيلتها على إيدي وهي مولوده، وكبرت قدام عيني، واتعلقت بيا من صغرها وشافتني كل حاجة في حياتها، لحد ما بقت هي كل حياتي ودنيتي.
وكأن المكان خلى من تواجد الجميع، فلم ينظر إلى غيرها، أمسك بكفها وقال لها بحب ثائرة:
-انتي كنتي بنتي قبل ما تكوني في يوم مراتي.
تأثر قلبها النابض بعشقه بكلامه العذب، وردت عليه بعاطفة تعاظمت:
-وانت كنت كل عيلتي وما زلت يا عاصم.
رفع يدها عند مستوى فمه، وقبلها برقة وحنوٍ، ثم أخبرها بنبرة تسكن حنايا قلبها:
-عاصم اتولد من جديد على إيدك وفي حضنك.
منحها بحنانه شعورًا بالاحتواء، وأعطته بأمانها أحساسًا بالانتماء، وفي تلك اللحظة الاستثنائية، والخصوصية، شريط حياتهما راح يمر أمام أعينهما، بحلوه ومره، وسهله وصعبه، ذكريات بعضها عابرة، وأخرى مصيرية، بعضها شهد صراعات، وأخرى حلًا لخلافات، وممَ لا شك فيه أنها لن تنتهي عند تلك النقطة، فما زالت للحكاية بقية، طالما القلب ينبض بالأمل، والروح تهفو إلى الشعور بالأجمل.
_تمت_