-->

رواية جديدة نسائم الروح الجزء الثاني من ميراث الندم لأمل نصر الفصل 9 - 1 - الخميس 8/2/2024

 

 قراءة رواية نسائم الروح الجزء الثاني من رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى







رواية نسائم الروح الجزء الثاني من رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل التاسع

1

تم النشر يوم الخميس

8/2/2024



بخطواته السريعة كان يخترق الرواق الطويل،  ثم يصعد الدرجات الرخامية للسلم اللولبي على اقدامه، فلم يأتيه صبر لانتظار المصعد الكهربائي، 

واصل ركضه حتى وصل الى القسم المقصود، وقعت ابصاره عليها قبل الجميع، منزوية بأحد الاركان وكأنها طفلة ضائعة ، تنتظر والدها ان يعثر عليها، رغم امتلاء الردهة بعدد الأفراد من البلدة، ومؤازرة شقيقة غازي لها، وهي واقفة الان جوارها،  إلا انها كانت وحيدة.


هي وحيدة دون شقيقها، وحيدة دون معلمها، وحيدة وسط  الجميع، كم يؤلمه الأمر هو يراها هكذا ؟ ولا يملك المقدرة على احتوئها، ان يراها ضعيفة، وردته البرية الجميلة.


تحمحم يجلي حلقه،  ليملك زمام امره متوجهًا نحو غاازي اولا، وقد كان هو الاقرب اليه، حيث كان جالسًا على احد مقاعد الانتظار، وبجواره عدد من الاشخاص لا يعلمهم من أهل البلدة. 


- ايه الاخبار؟

كان هذا هو السؤال الاول منه، فور ان صافحه على عجالة، يتخذ مقعده بجواره ، فجاء رد الاخر بقنوط زافرًا دفعة كبيرة من الهواء من انفه:


- لا جديد، الدكتور بيقول كله بأمر ربنا، وشكلها كدة مطولة، والله اعلم بجى ان كان فيها نجاة ولا.....


- ولا ايه؟ لا طبعا فيها نجاة. 

قالها بلهفة يتابع بأمل:

- المستشفى دي من احسن المستشفيات في الجمهورية، والمنطقة كلها، انا بحثت عنها رغم ان سامع من زمان عن سمعتها ، كل التقارير عنها بتأكد كلامي، وانت ربنا يجازيك خير، مستنتش عليه وجيبته فورًا ع القاهرة في طيارة خاصة ومجهزة


- ويعني كنت لحجته؟

قالها بما يشبه السخرية بمرارة، ضاربًا بكف يده على عصاه يسند رأسه المتعب عليه ، وقد بلغ منه الاجهاد مبلغه، بعد قضاءه ثلاث ليال في المشفى،  في انتظار ولو بشرى صغيرة تريح قلبه عن رجله الاول والاخير، بسيوني .


عقب يوسف على قوله بانفعال:

- يا غازي بلاش يأس، وانا شايف اننا لحد دلوقتي ماشين صح، انت متأخرتش عنه وكله بإيد ربنا، لا تقنطوا من رحمة الله.


- ونعم بالله 

تمتم بها غازي، ممسكا بطرفي اصبعه أعلى انفه، في تعبيرا لا ارادي عن الأرهاق الشديد الذي كان يعصف به في هذه اللحظة، 

ربت يوسف بكف يده على ركبة الاَخر يحادثه:

- قوم يا غازي ريح نفسك شوية واحلق دقنك،  مش كدة يا حبيبي، كفاية علينا واحد، مش ناقصنا انت كمان توقع..


اومأ له بكف يده ، بحركة يفعلها كي يوقف اي حديث معه في هذا الشأن، رأسه اليابس لا يقبل النصح ولا الأرشاد في شيء يراه لابد من فعله. 


حينما يأس منه يوسف، تركه ليتقدم بخطوات مترددة نحوها، يحافظ بصعوبة على رزانة القول في مخاطبتها، بعدما القى التحية عليها وعلى روح الواقفة بجوارها:

- عاملة ايه النهاردة يا وردة يا رب تكوني احسن من امبارح. 


اومأت بهز رأسها يخرج صوتها بصعوبة:

- الحمد لله،  الحمد لله ، كل اللي يجيبه ربنا كويس، هو أكيد هيجوم ومش هيسبني، هو عمره ما سابني أصلا،  انا متأكدة منها دي.


قالت الاَخيرة بصوت بح من فرط التأثر، حتى جعل الأخرى لتزيد من ضمها اليها، تقبل رأسها بدعم، امام قلب يتلوى بلوعة الحزن عليها، لا يملك الحيلة في التخفيف عنها والتهوين. 


انتبه لتصلبها المفاجئ،  وراسها الذي ارتفع بنظرة متجهمة، مسلطة على أحد ما من خلفه ، حتى جعلته ينظر هو الاخر في نفس الإتجاه ، نحو احد الرجال، يبدوا انه من أهل البلدة من ملابسه والعمامة التي تعلوا رأسه، ظن انه ربما يكون قريب لها، قبل ان يصدم بما وصل الى اسماعه بعد ذلك .


- ودا ايه اللي جابه ده؟ تو ما افتكر؟!

- معلش يا ورد، يمكن سمع متأخر.

- والله. 

- هو مين يا جماعة اللي سمع متأخر؟

كان هذا سؤاله الموجه لهما ، فجاء الرد من روح:


- دا ابوها، والد بسيوني وورد .

- نعم! ابوها! 

قالها بعدم تصديق، يتابع بعفوية لم يقصدها:

- انا كنت فاكر........ انهم يعنى..... 


- يُتمى وملهمش غير بعض،  انت مكدبتش، احنا فعلا ملناش غير بعض

قالتها ورد ليلتف اليها مصعوقًا لوقع الجملة التي خرجت منها،  لا يستوعب صحتها


  ❈-❈-❈


توقف بسيارته في ساحة واسعة قريبة الى حد ما، 

ليترجل منها يغلق بابها بإحكام امام النظرات الفضولية من المارة، يسير بتخايل، حاملا على يده علبة مغلفة للحلوى، يعلم انها سوف تثير الأنبهار لدى هذه الصغيرة ، علُه يستعيد لهفتها القديمة نحوه قبل زواجه بها، لتنعش داخله هذا الاحساس الذي افتقده منها، في ألفترة الأخيرة، لقد فترت لهفتها لدرجة تجعلها تردف بالحجج من أجل أن تطيل من فترة بقاءها عند اسرتها، بذاك المنزل الطيني، الذي اصبح امامه الاَن، بعدما دخل الشارع الضيق، الذي كان يوجد بها منزل شقيقته ، قبل ان تتركه وتسكن في شقة جديدة قام ببناءها زوجها،  بفضل عمله معه.


تأفف بازدراء وهو يتجنب بخطواته بركة مياه فعلتها احدى النساء بغسيل فراش المنزل في الشارع،  والتي انتبهت لتخاطبه بما يشبه الاعتذار:


- معلش يا بيه،  ما انت عارف بجى الشتا وعمايله ، لازم عنينا تطلع في كل مرة نغسل فيها على ما تنشف الارض.


اومأ لها بملامح ممتعضة، ليكمل السير نحو المنزل الذي وصله اخيرًا،  ليطرق على الخشب مغمغمًا بقرف:

- لا والهانم عاجبها الحال في القرف دا وعايزة تطول الجعدة ومش مكفيها اسبوع!


فتحت له احدى شقيقاتها الصغار مهللة:

- عمو عمر ، اختي هدير جاعدة عندينا. 

- امال انا عارفها جاعدة عند مين؟

تمتم بها ضاحكًا، يحمل الصغيرة ويقبلها ، قبل ان يسألها:

- امك ولا وابوك ولا هدير فين جاعدين. 


اجابته الطفلة بلهفة :

- امي جاعدة جوا في الحوش بتنضف الشرشارة، وابويا راح شغله في المصنع، وهدير جاعدة في اوضتها مع اصحابها هند وزينب  


تبسم لعفوية الصغيرة فقام بتقبيلها مرة أخرى قبل ان ينزلها امرًا:

- طب ياللا بجى روحي اندهي امك، وخدي العلبة دي معاكي .

شهقت بفرحة للتناول العلبة وتطير بها نحو والدتها، فتبعها بنظراته ضاحكا قبل ان يتقدم بخطواته داخل المنزل، وما هم ان يجلس على احد الارائك حتى وصله صوت الضحكات العالية لزوجته العزيزة ومعها الفتيات صديقاتها   


كانت القهقات عالية لدرجة جعلته يقترب بفضول ليعرف سر المرح الذي ينتابها هنا، عكس ما يراه منها في منزله.


- شوفتي كان هيجن عليكي ازاي لما عديتي امبارح جدامه.

- خدت بالي يا حبيبتي، دا حتى ساب الجعدة مع أصحابه، وجه دخل ورايا وانا بسلم على خالتي،  جال بطلتي ليه ما تاجي بيتنا يا بت خالتي. 


انطلقت ضحكات صاخبة ثم تبعها صوت للفتاة الاخرى:

- يا عيني عليه صعبان عليا جوي ، بصراحة  بجى ، هو اللي كان مناسب لك يا هدير كدك في السن و........


قطعت الفتاة لتنتفض واقفة مع صديقتها هي الأخرى حينما باغتهم بدفع الباب يطل بجسده الضخم عليهن، بعدما فاض به، ولم تعد به طاقة على التحمل .


- مساء الخير 

قالها ببرود يناقض تماما فعله الأرعن بعدم تقدير لخصوصية الفتاتان داخل الغرفة ، والاَتي لاح الضيق على وجههما، قبل ان يجيبنه على عجالة ثم يستأذن في الذهاب :


- اهلا مساء النور، عن اذنك طب يا هدير

- استنوا يا بنات .

- لا معلش مرة تانية نبجى نجيلك.


انسحبنا ليخرجن من جواره بهدوء، امام صدمتها، والتي  عبرت عنها فور اطمأنانها بمغادرتهن من المنزل:

- مش كنت تستأذن ولا تخبط الباب جبل ما تدخل .


- افندم......  ناوية تعلميني اداب الدخول يا ست هدير،؟

قالها واقدامه تقترب منها بهدوء خطر،  ف استطردت هي بعفويتها غير منتبهة:

- انا بتكلم على حرمة البنات معايا في الأوضة المجفولة علينا، يعني مثلا هند كانت جاعدة بشعرها، شدت التحجيبة بسرعة لما دخلت، وهند كانت متكية على جنبها انتفضت منبوطة اول ما شافتك 


رد ببساطة :

- يستاهلوا عشان يحرموا ياخدوا راحتهم في بيوت الناس، دا غير ان انا راجل مأدب، عمري ما هبص لحريم غيري، وافرحهم بكلامي ليهم....


صمتت تطالعه بازبهلال وتوجس لقوله، حتى فاجئها بالقبض على ذراعها، يهدر بصوت خفيض يخيفها بأعين تشتعل من الجحيم:

- مين في عيال خالتك اللي كان هيتجن عليكي يا بت؟  ولقاء الأحبة كان اخره ايه بالظبط في بيت خالتك؟


- اااه.

خرجت منها بألم شديد، بفضل ازدياد ضغطه على عظام ساعدها، لترد بدفاعية:

- والله كان اخره سلام وانا مشيت على طول مجعدتش، واد خالتي معتبرني زي اخته من ساعة ما اتجوزت،  


زاد بضغطه ليقارعها بعدم تصديق:

- وعايزانى اصدق! بجالك سبوع بتلفي على كيفك وانا مديكي الامان واتاريكي ماشية على كيفك،  اخلصي لما هدومك وجهزي نفسك، مش عايز امك تحس بحاجة بدل ما اجلبها هي كمان عليكي والموضوع يكبر


قال الأخيرة ودفعها عنه سريعًا، بعدما شعر باقتراب قدوم المرأة ، والتي دلفت اليه بعد ذلك ترحب به:


- يا مساء الهنا،  عمر بيه منور عندينا .

وكأنه شخص اخر، تحولت ملامحه لمصافحة المرأة والحديث معها بتباسط، يصرفها بمكر عن الانتباه لابنتها الجالسة فوق التخت ، تمسك على ذراعها المتألم، والدموع تغشى مقلتيها.



الصفحة التالية