-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 4 - 2 - الأربعاء 21/2/2024

  

  قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل الرابع

2

تم النشر يوم الأربعاء

21/2/2024   



وقفت زهراء في الشُرفة بعيدًا عن التجمع العائلي تضعُ الهاتف على أُذنيها وتُنصِت للذي يُحدِّثُها من الناحية الأُخرى، ثُم ردت هي قائلة..: 


_عظيم بجد يازيكا..المعلومات دي هتسندنا أوي بُكرا في المحكمة.


صمتت تستمِعُ لرد المُتكِّلم، وبعدها هزَّت رأسِها بتعب مُنهية المكالمة، واستدارت لتتحرك للخارِج لكنها توقفت في مكانها ترسِم إبتسامة مُستفزة على وجهها وهي تنظُر للواقف أمامها مُتسائِلة بنبرة ساخِرة..: 


_هو خالد بيه غير تخصصه من ظابط لمُتجسس ولا إيه..؟ 


_واللهِ كنت داخل أشم هوا في أمان الله بس للأسف طلع الهوا هنا عكر.


عضت زهراء على شفتيها بغيظٍ فشلت في إخفائِه، وإستمعت لهُ وهو يُكمل حديثهُ مُتسائِلًا..: 


_ومين زيكا دا بقى إن شاء الله..؟ 


زوت زهراء مابين حاجبيها تُجيبه ببراءة..: 


_مايخصكش يابن خالي.. ثُم أعتقد إنك لسا قايل إنك كنت جاي تشم هوا فـ ليه بتحشر نفسك في اللي مالكش فيه، كده عيب على فكرة، واللي بيدخل في اللي مالا يعنيه، سمع مالا يرضيه. 


تحرَّك خالد قليلًا حتى وقف قبالتِها تمامًا، وقد ضرب الحائِط المجاور له بقبضتهِ قائِلًا بغضب..: 


_لسانك اللي مقويكي دا هقطعهولك قريب إن شاء الله، ولما أسألك سُؤال تجاوبيني عليه من غير ملاوعة في الكلام. 


_قولتلك مالكش دعوة بيا، انت مش أخويا عشان تسألني وتاخد وتدي معايا، وبعدين طالما انت سمعت إسم زيكا فأكيد سمعت برضوا الكلام اللي بعده، أنا رايحة أنام تصبح على خير. 


انفرج ثُغرها على وسعيهما، فوضعت كفِّها عليه مُتظاهرة بإنَّها تتثاءب، وانسلت من أمامهِ بعد أن إختتمت حديثها بقولها..: 


_والخير هيجي منين أصلًا طول مالحياة فيها وشَّك.


❈-❈-❈


ولج جلال داخل شقَّتهِ برفقةِ زوجتهِ، فوقعت عيناهُ على ذِكرىٰ الَّتي تجلسُ على أحد الأرائِك، وعيناها مُثبَّتة على شاشة التلِفاز، وكان هذا حالها منذُ صعودِها للشقة، فقط مسحت دموعها الَّتي ذرفتها وهي تخرُج من الشقة، وجلست تُتابع أحد الأفلام المصرية القديمة دون أن تفعل أي شيئٍ آخر..


شعرت بخطواتِ والدِها تتجه نحوها، فتنهدت بقوة وكادت أن تنهض وتتجه نحو غُرفتها بعد جلوسهِ بجوارها، فاستوقفها بقوله..: 


_إستني ياذِكرىٰ.


_خير..! 


_عاوز أتكلَّم معاكِ شوية. 


_مُتأسِّفة، دماغي مصدعة وعاوزة أنام. 


وقف جلال قبالتِها قائِلًا بغضب شديد إعتراهُ بسبب برودها..: 


_مش هتمشي غير لما نحط حد للمهزلة اللي انتِ عايشة فيها دي.. انتِ بقالك سنين على الحال دا، عايشة وكإنك في كوكب تاني لوحدك، والكلام معانا بقى بالعافية، إحنا عملنا إيه لكُل دا يادكتورة..؟ 


أجابتهُ ذِكرىٰ ببسمة مُتهكمة، ودموعها الَّتي أقسمت ألا تتركها وشأنها هبطت في خطوطٍ مُنتظمة على طول وجنتيها..: 


_عملتوا إيه لكُل دا؟..انتو وقعتوني وانتوا مش واخدين بالكُم.. جيتوا عليا ودهستوا على قرراتي ومشيتوني على مزاجكُم ولغيتوا شخصيتي لدرجة إني بقيت بخاف أتعامل مع الناس، ولسا جاي تقولي عملتي إيه..؟،

طب نسيب كُل الكلام التافه بالنسبالك دا، فاكر لما إتحايلت عليك ماتدخلنيش طب وفضلت أبوس رجلك وإيدك واتحايل عليك تسيبني أدخل الكلية اللي أنا عاوزاها بس انت رميت حلمي ومشيت ورا الست والدتي اللي كانت بتقولك الطب أفضل من الهندسة وهيخليها أحسن من ولاد عمها وانتوا كنتوا عارفين كويس إني بخاف من الدم  وكُل دا عشان تتفاخروا وتتباهوا وماهمكُمش أنا بحلم بإيه ...دا أنا أول مرة شوفت شوفت فيها جُثة في الكلية أُغم عليا وفضلت 3 أيام بنزف دم من مناخيري من كُتر الخوف وبرضوا ولا همكُم...عرفت ليه بقى عايشة في كوكب لوحدي..؟ 


أدخلت ذِكرىٰ كمية كبيرة من الهواء داخِل رئتيها بعد نفاذ الأُكسجين بهما بسبب إنفعالها في الحديث، بينما نكس جلال رأسهِ أرضًا لشعورهِ بالذنب الكبير لما فعلهُ بإبنتهِ دون أن يُدرك، وكانت حديثها قد أيقظه، فحاول إنتقاء بعض الكلِمات الَّتي سيرُد بها عليها، وكاد أن يفتح فمهُ كي يتحدَّث، فقاطعتهُ الآخيرة قائِلة وهي تجذب الوشاح تلفُّهُ على رأسها..: 


_بابا من فضلك مش هقدر أسمع لأي حاجة وكفاية كده.. 

أنا نازلة تحت شوية. 


واتجهت خارج الشقة دون أن تنتظر منهُ ردًا، وعندما هبطت للأسفل وخرجت للحديقة، جلست على العشب الأخضر بعدما خارت قوَّاها ، وقد أُزِيل قناع الجمود والبرود الَّذين غلفت بهِ نفسها وأخذت تبكي بقوة واضعة كفها فوق قلبها الَّذي يُؤلمها بشدة لأنّّه تخيَّل أحلامًا وردية ولم يضع حُسبان أن الكثيرُ من الأحلام لا تتحقق، وفي النهاية زالت السعادة الَّتي خططت لها وإختفت كالسراب، وبقيى الألمُ ملتصِقًا بها يأبى تركها، ومن بين شهقاتِها رفعت بصرها للسماء تُناشدُ ربها بقولها..: 


_يارب والله تعبت.. أنا عاوزة قلبي يرتاح ولو لساعة.. أنا ضعيفة أوي ومش هقدر أعافر في الدنيا وماعنديش طاقة أكمل بعد ما الحاجة الوحيدة اللي كنت يعتبر مستمرة عشانها راحت. 


أنهت حديثها تتنفس بقوة تُحاول إدخال الهواء لرئتيها اللتانِ نفذ الأُكسچين منهُما، وقد انتفضت من مكانها واقفة بعد ثوانٍ عندما إستمعت لصوت أحدهُم من خلفِها يحدثها مُتسائِلًا..: 


_انتِ كويسة؟.


إستدارت لهُ ذِكرىٰ سريعًا تنظُر لملامحِ ذلك الواقف أمامها المألوفة لها بغرابةٍ شعر الأخير بها، فابتسم مُعرِّفًا عن نفسهِ قائِلًا..: 


_أنا يوسف إبن عمك محمود.


مسحت ذِكرىٰ دموعها سريعًا ترسم على ثُغرها الَّذي يرتجف إبتسامة مُصطنعة قبل أن تقول..: 


_إزيك يايوسف.. معلش ما أخدتش بالي منك لما سلِّمت على عمي ،فلمَّا شوفتك إستغربتك. 


_الحمدلله أنا بخير...انتِ ذِكرىٰ صح.؟ 


أكدت ذِكرىٰ لهُ بإماءة من رأسها، فابتسم يوسف قائِلًا بنبرة تملئُها الحنين..: 


_ياه ياذِكرىٰ ...فاكرة زمان وإحنا صغيرين لما كنت بسرق منك أي حاجة بتبقى معاكي، وكنتي بتروحي تشتكي لهارون وكان بيضربني عشانك.! 


قال يوسف كلماتهِ بهدف إضحاكِها وتذكيرها بالماضي، ولكنها شعرت بألمٍ مُضاعف يفتكُّ بداخلها فور تذكرها لحاميها، أو الَّذي كان دِرعًا حاميًا لها في صُغرهِم..وبصعوبة إستطاعت كبت دموعها وأظهرت إبتسامة ضعيفة قائِلة..: 


_كانت أيام بقى.


_مالك ياذِكرىٰ، كُنتي بتعيطي ليه؟، انتِ كويسة..! 


باغتها يوسُف بسؤالِه الَّذي كانت تتوقعه من الأساس، ولكنها توترت، وأجابت كاذبة..: 


_شوية ضغوطات بس ماتشغلش بالك. 


هز يُوسف رأسهُ بعدم إقتناع لما قالته، فعدلت ذِكرىٰ حجابها بإرتباك، ثم إستأذنت مُنصرِفة للداخِل، قبل أن تفضحها دموعها أمامه، فيكفي أنه شاهد إنهيارها، وحقًا تشكرهُ لأنَّهُ تركها دون أن يضغطَ عليها كي يعرِف سببِ بُكائها. 


ولجت داخل غُرفتِها بإنهاك نفسي أثَّر على جسدها الَّذي يُحرِّكه قدميها بوهن، واتجهت للمرحاض تُبدِّل ملابسها بِأُخرى مريحة، ووقفت أمام المرآة تُلقي نظرة عِبرها على قسماتِ وجهها الشاحبة وكأنَّ عُمرها إزداد للضعف، وكُل هذا بفضل الحُزن، ورغم أنها مُنهكة تمامًا، إلا أنها لا تشعر بالنُعاس نهائِيًا، فاتجهت نحو الفراش كي تسلتقي عليهِ لعلَّ النوم يُشفق عليها ويزورها، وبعد أن صعدت على الفراش، وقعت عيناها على ورقة موضعة على الوسادة لم تذكُر أنها وضعتها هُنا، فالتقطتها وهي عاقدة حاجبيها بإستغراب، لتجد أنها رسالةٍ ما، فأخذت تقرأُ ماكُتِب بداخلها بفضول


"وتظُنُّ أنها نُسِيَت، وللحقِّ أتسائل..: 


_كيفَ ينسى الإنسانُ ذِكرىٰ حياتهُ الجميلة الَّتي سكنت داخِلَ أعماق القلب والعقل الَّلذانِ لا يتَّفقانِ في شيئٍ أبدًا سوىٰ الوقوع حُبِّها والإخلاصِ لها حتَّى آخرِ يومٍ في حياتِه." 


سبعٌ وعِشرون كلمة فقط، كانت كفيلة بأن تجعل دقَّاتِ قلبها تقرع وكأنها طبول، وأنفاسِها تتعالى من التوتر والخوف حتى أصبح حلقها جافًا، فابتلعت ريقها بصعوبة، وأعادت قِراءة الكلمات مرارًا وتِكرارًا دُونَ توقُّف، وقد أصابتها الحيرة حول هويَّةِ صاحب هذهِ الرسالة المُريبة، وما أقلقها هو أنَّهُ لا يوجد أي إسمٍ لهُ على الورقة يجعلها تعرِفُه، بل والأدهى كيف وصلَ داخِلَ الغُرفة ووضعها على فِراشِها.! 


❈-❈-❈


إستحال لون السماء للأبيض الوهَّاج، وإختفت العتمة من الأرجاء ليحل صباح يومٍ جديد، وصوت العصافيرُ يصدُح في تناسُقٍ وكأنَّها تُرحِّب ببداية يوم الجُمعة الَّذي يُعتبرُ عيدًا للملائِكة في السماء، وراحةِ البشر في الأرض، أمَّا بالنسبةِ لتلك الجالسة في الشُرفة الَّتي بداخِل غُرفتها، تستنِدُ برأسِها على حافَّتِها وبجوارِها المذياع الصغير الَّذي ينبعِث من خلاله صوت الشيخ "محمود الحُصري" رحمهُ الله، يتلو القُرآن بصوتٍ مُحبب للنفس، والَّذي تتَّخُذ منهُ أنيسًا لها كُكل يوم جُمعة بعد صلاة الفجر، وتجلس هكذا تُراقِب الشرُوق، لكنَّ الفارِقُ بين أي جُمعة سابقة، وهذهِ الجُمعة، هو قلبها المُحطم، وظلَّت على وضعيتها هذِه لقرابة الساعة والنصف تشعُر بسكينة تغلغلُ في أوصالِها وهي تسمعُ القُرآن، حتى صدح صوت المُنبه من داخل الغُرفة يُذكِّرها بأن الساعة الآن أصبحت السابِعة والنصف، فأغلقت المذياع، ونهضت بعد أن حملتهُ وسارت للداخل مُتجهة نحو خِزانةِ ملابسها بعد أن أغلقت المُنبه، وانتقت ملابسها الَّتي سترتديها كي تذهب للمشفى، لِأنَّ اليوم هو يومها الأول في العملِ هُناك، وميعاد الدوام يبدأُ من الثامنة، أي بعد نصف ساعة، وبعد أن ارتدت ملابسها الَّتي تكوَّنت كالعادة من سِروالٍ أسود فضفاض، وكنزة سوداء بنصف أكمام تعلوها قميص نسائي واسع ذو تصميم كاروهات باللون الرصاصي والأسود ، وقفت أمام المرآة تغُطي خُصلاتها بوشاحِ رأس أسود، وأخذت حقيبتها وخرجت من غُرفتها لتقع عيناها على والدِها الجالس، على الأريكة يواليها ظهره ويُمسكُ بين يديهِ جريدة، فاتجهت صوبهُ تُحمحم كي ينتبِه لوجودها، وبالفعل رفع بصر عن الجريدة ناظِرًا لها لتتحدَّث هي سريعًا قبل أن يسألها عن سبب تجهُّزها ذاك..: 


_النهاردة أول يوم تدريب ليا في المُستشفي، أنا همشي. 


_تمام معَ السلامة بس ماتتأخريش عشان النهاردة العيلة كلها متجمَّعة، وكمان لسا في كلام بينا ماخلصش. 


هزت رأسها موافقة دون أن تُعقب على حديثه، بينما ستفعل العكس، وستُحاوِل أن تأتي مُتأخرة كي لا تجتمع معهُ في مكانٍ واحد ويزادَ وجعها للضعف، وبعد خرجت من الشقة وأغلقت الباب خلفها، وسارت نحو المِصعد كي تهبِط للأسفل، فانفرج باب  الشقة المُقابل للمصعد، وظهر منهُ آخِر ماكانت تتوقَّعُ أن تراه، والَّذي تُحاوِل بشتى الطُرق أن لا تتلتقي به، ولكن تبًا للصدف الَّتي تسيرُ عكسها.. 


فتحت هاتفها سريعًا تُحدِّقُ بشاشتهِ مُتظاهِرة بأنَّها لم تنتبِه لوجودِه، وامتدت يدها نحو مقبض المِصعد كي تفتحهُ وتختفي بداخِله، فاستوقفها قائِلًا بصوتٍ هادئ جعل القشعريرة تدُب في أوصالها ..: 


_إستني ياذِكرىٰ.


أغمضت ذِكريٰ عينيها تُحاوِل إلتقاط انفاسِها التي تتثاقل بسُرعة، والتفتت لهُ ببسمة استطاعت رسمها على وجهها بصعوبة مُجيبة..: 


_أهلًا يابشمُهندس..خير في حاجة..؟  


_لا مافيش..أنا بس قولت أسلم عليكي بما إني ماشوفتكيش إمبارح بين اللي موجودين.


أنهى حديثهُ يُمد كفِّهِ نحوها يدعوها لمُصافحتِه، ولكنَّ الأخيرة قبضت على كفِّها بقوة قائِلة ببعضٍ من التوتر..: 


_اسفة مابسلمش.


ونظرت لذراعهِ الَّتي أرجعها وعقدها بالأُخرى أمام صدره، وأكملت مُتسائِلة..: 


_بس انت عرفت ازاي إني ذِكرىٰ؟، مع إني أعتقد إنك أصلًا ماشوفتنيش من اخر مرة مشيت فيها لما كنا صُغيرين.! 


_عشان مافيش غير شقتنا وشقتكُم في نفس الدور فأكيد سهلة يعني أعرف إنك ذِكرىٰ، وبعدين أنا كنت في حياتك من يوم ولادتك يوم بيوم لحد ماكان عندك 10 سنين، ودول كانوا سنين كفيلة بإني أعرفك بعد ماكبرتي من وسط مليون شخص، حتى ولو قعدت 100 سنة من غير ما أشوفك.


أجابتهُ حقًا لم تكُن مُتوقعة بالنسبةِ لها، وجلعت من ضرباتِ قلبها تتسارع أكثر، فهزَّت رأسها مُتفهمة بهدوء، وكادت أن تذهب فاستوقفها يصدُمها بقولِه..: 


_إتغيرتي أوي يا ذِكرىٰ. 


إبتسمت لهُ ذِكرىٰ ساخِرة ترُد عليهِ قائِلة..: 


_مش عارفة قصدك إتغيرت من أنهي ناحية..بس أكيد الواحد مش بيفضل على حالُه وانت عارف كده كويس يابشمُهندس، ولا إيه..! 


أنهت حديثها تُلقي لهُ سؤالًا غامِضًا، واستأذنت مُنصرِفة من أمامهِ تستعمل الدرج بدلًا من المِصعد كي لا تجتمع معهُ بمكانٍ واحدٍ مرة ثانية، بينما وقف الأخير ينظُر لأثرِها بملامح مُستغترِبة، وكلِماتها تتردد في أُذنيه يُحاوِلُ فهمها..! 


الصفحة التالية