رواية جديدة خبايا الهوى لهاجر التركي - الفصل 12 - 2 - الإثنين 11/3/2024
قراءة رواية خبايا الهوى كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية خبايا الهوى
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثاني عشر
2
تم النشر الإثنين
11/3/2024
. "قبل ذالك بعدة ساعات".
نصف ساعة قد مرت وهو بالخارج، قضاهم يسيرُ في الشارع بتشويش وتخبط، وبعد أن فكر كثيرًا في القرار الذي أتخذهُ، وقد أخذ عهدًا علي نفسهِ أن يُنفذه ما أن تتعافي زوجتهِ، ذهب إلي أقرب مطعم وأبتاع عدة وجبات خفيفة، لوالدة زوجتهِ التي كانت مُتعبة علي تعب إبنتها، عاد إلي المتشفي، فـ لم يجد "وليد" أمام الغرفة مثلما تركهُ قبل قليل، فظن أنه قد ذهب للإطمئنان علي "سُعاد"، وجد المُمرضة تخرجُ من غُرفة العمليات بعد أكثر من أربعة ساعات قضوها بها، فتقدم منها بتلهف يسألها عن زوجتهِ:
_طمنيني غالية عاملة أي....
نكست رأسها أرضًا بخذي، ثم رفعت أنظارها لهُ تنظرُ بِنظرات شفقة نوعًا ما، ثم هتفت بعدة كلمات وكأنهم آخر كلمات يسمعها وتوقف الزمن هُنا لبرهة:
_شد حيلك....... البقاء لله!...
وكأنه لم يسمع شئ أو بمعني أصح عقلهِ رفض أستيعاب ما سمع للتو، هز رأسهِ بنفي، قائلاً بنبرة مُهتزة:
_أنتِ قولتي أي؟
تأثرت المُمرضة بهِ، مُتفهمة حالتهِ، فـ عاودت قول كلماتها:
_شد حيلك يا أستاذ، دي أعمار، والأعمار بيدي الله.....
نعم لقد سمع جيدًا، نعم قالت أن" غالية"قد فارقت الحياة ولم تعد موجودة، للحظة شعر أن الهواء قد أنسحب من رئتيه، وفقد القُدرة علي التنفس، لا يُصدق، لقد رحلت، رحلت قبل أن تُعطيهِ الفُرصة في تصليح ما فعلهُ بحقها، رحلت قبل أن يعتذر لها عن كل دقيقة بكت فيها بسببهِ، كل ليلة كان يمرُ بجانب غُرفتها يتفقدها، ويجدها تبكي بقهرة، وهو السبب، جبان رفض الأعتراف لها وتبريد نار قلبها المُشتعلة بسببهِ......
لم يكن يُصدق نفسهُ حينما وجدها خرجت من السجن التي أحتجزت نفسها بنفسها فيهِ، وأخيرًا قررت عدم الأستسلام للأمر الواقع، عندما جاء في ذالك اليوم ووجدها قد أعدت لهُ الطعام، وأستقبلتهُ وكأن شئ لم يكن، علمَ حينها أنها تملك أطيب قلب بالعالم، وأنه حتمًا يجبُ عليهِ اعطاء علاقتهم فرصة ثانية، وقد قرر ذالكَ في نفسهِ، لكنها لم تُمهلهُ الفُرصة، وتركتهُ ورحلت، وكأنها تُريدهُ أن يعيش الباقي من حياتهِ في تأنيب ضمير.........
صُداع قوي قد داهمهُ في أقل من ثانية، شعر أن رأسهِ سينخلع، لكنه قاوم ذالك هاتفًا بضعف:
_عايز أشوفها....
تفهمت موقفهِ، فأومأت بهدوء، تقودهُ إلي الداخل، بخطوات ثقيلة كان يتبعها إلي الداخل، وعينيهِ قد إمتلئت بالدموع، خرجت المُمرضة وتركتهُ، لتُعطي لهُ بعض المساحة، ظل هو واقفًا لم يتزحزح قيد أنملة، يتأمل جسدها الذي يفترش السرير الصغير، وقد وضعَ الغطاء الأبيض عليها حتى وجهها، لم تسعفهُ قدميهِ إلي التقدم ناحيتها بل ظل مُحدقًا بها عن بُعد، حتي وجد الباب يُفتح علي حينِ غُرة، تزامنًا مع دلوف سيدة كبيرة بالسن ومعها أطفال صغيرة، يهرولون إلي الجُثة المُفترشة للسرير، والتي هي من المُفترضِ جُثة زوجتهِ، كانوا يبكون بهسترية، بينما السيدة أندفعت إليها تبكي هي أيضًا مُتمتمة بحُرقة:
_يا حبيبتي يا بنتي.....لي سبتيني، وسبتي عيالك، ده أنتِ لسة في عز شبابك...
لم يفهم ما يحدث، ومن هؤلاء، تابعت السيدة بنحيب:
_حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عطوة أنتَ السبب، أنتَ السبب...
دخلت المُمرضة علي آثر الصوت العالي، قائلة:
_يا مدام مينفعش اللي بتعمليه ده أحنا في مستشفى...... بعد أذنك اخرجي بره...
أكملت موجهة حديثها إلي "عُمر" الذي مازل مُتصنمًا بمكانهِ:
_لو سمحت يا أستاذ فهمها أنه مينفعش اللي هي بتعمله ده، وأتفضل خد أولادك دول مينفعش كده....
_ولادي مين؟
عقدت حاجبيها بشك قائلة:
_مش حضرتك زوج مدام أحلام الله يرحمها...؟؟
_أحلام مين أنا مراتي أسمها غالية.... هو أنا دخلت أوضة غلط ولا أي؟
دقيقة وأستوعبت اللبس الذي حدث بالموضوع، فهتفت مُصححة:
_حضرتك تُقصد المريضة اللي كانت في العمليات وخرجت من ساعة..... دي أتنقلت أوضة عادية لأن حالتها أتحسنت، أنا آسفة جدًا لسوء التفاهم اللي حصل دلوقتي.... المدام غالية في الدور الرابع، وحمدلله علي سلامتها...
بنبرة عصبية مُنفعلة، صرخ بها:
_آسفة أي..... ده أنا كنت هروح فيها، أي التهريج ده...
_أنا أسفة حضرتك الموضوع حصل في لخبطة بس..
❈-❈-❈
هرول بخُطي سريعة إلي الطابق الرابع، وكأن الحياة عادت له مرة آخري، وما أن وصل إلي الغرفة المُتواجدة بها، دلف سريعًا، وعلي وجههِ أبتسامة بلهاء تصل إلي عينيهِ، وجد "سُعاد" جالسة بجانب الفراش، والتي كانت جالسة عليهِ"غالية"مُستندة برأسها إلي حافة الفِراش مُرتدية ملابس المستشفي، وقد وضعت وشاح صغير تُغطي بهِ خُصلات شعرها، نظرًا لوجود "وليد" الذي، ما أن رآهُ نهض من مكانهِ هاتفًا:
_عُمر اتأخرت لي كده....؟؟
لم يرد عليهِ، بل تقدم من زوجتهِ وعينيهِ تحتضها بدلاً عن ذراعيهِ، وقفَ أمامها، ثم مال يلتقطُ كفها بين راحتهِ قائلاً:
_حمدالله على سلامتك يا غالية.....
نكست رأسها أرضًا بتوتر وخجل من والداتها وأبن عمتها الواقفين يُراقبون الأحداث بترقب ونظرات ثاقبة سعيدة،قالت بهدوء:
_الله يسلمك!.
_ألف حمدالله على سلامتك يا نور عيني، ده أنا كان هيجرالي حاجة..
قاطعتها قائلاً:
_بعد الشر عليكِ، يا ماما متقوليش كده، أنا الحمدلله كويسة قدامك أهو....
_آه لو أطوله اللي عمل كده لأشرب من دمه وأكله بسناني أكل كده....
_الحمدلله أنها بقت كويسه يا حماتي، ومتقلقيش الواد ده هجيبه هجيبه وهربية من أول وجديد....
قال كلماتهِ بغضب وغيظ، واضحين علي قسمات وجههِ، فشل هو في أخفاء غضبهِ ما أن تذكر ذالك الحقير الذي فعل تلك الفعلة الشنعاء في حق زوجتهِ....
تقدمت منهم نفس المُمرضة التي أخبرتهُ أن زوجتهِ قد توفيت، حاملة بين يديها عدة أدوية، علي ما يبدو أنه حان موعد الدواء، أقترب من "غالية"، ثم نبست بأبتسامة هادئة:
_ألف حمدالله على سلامتك يا مدام غالية..... جوز حضرتك كان هيموت من القلق عليكِ...
ثم أمالت علي أُذنيها تقول بمُشاكسة:
_شكله بيحبك أوي.... يبختك بيه...
❈-❈-❈
. "في مساء اليوم التالي".
أقترب من الغُرفة يحملُ بين يديهِ صنية صغيرة مُستديرة، بيها طعام صحي، قد قام هو بإعدادهِ بنفسهِ، بعد أن مكث بالمطبخ لساعة ونصف فقط لعمل بعض الشُوربة والخضروات، وقد قام بجلب الوصفات من منصة اليوتيوب، نظرًا لأنه ولأول مرة في حياتهِ يدخل إلي المطبخ، أو حتى يُفكر في صنع طعام لنفسهِ، حتي حينما كان يسكنُ بمفردهِ، كانت" سُعاد"تقوم معهُ بالواجب ومن حينٍ إلي آخر تبعث لهو الطعام جاهز ومطهي، وفي أحينًا آخري كان يطلبهُ جاهزًا لجهلهِ التام في أمور الطبيخ......
وضع الصنية علي المِنضدة الصغيرة، ثم أقترب من "غالية" المُسطحة أعلي الفراش، وعلي وجهها يظهرُ علامات التعب والأرهاق، ما أن شعرت بوجودهُ نهضت تعتدلُ في جلستها مُتجنبة أي حركة عنيفة تُصيب مكان جرحها الذي مازال يُؤلمها...
_زي ما أنتِ متتعبيش نفسك أرتاحي خالص....
نبس بكلماتهِ بحنو كبير، من ثم أقترب منها يعدل الوسادة خلف ظهرها كي تستريح أكثر، ثم تحدث بنبرة رخيمة حنونة لأول مرة تعهدها منهُ:
_أنا عملتلك أكل علشان تاخدي الدواء...
حك عُنقهِ بأحراج مُكملاً حديثهُ:
_بصي تغاضي عن طعم الأكل.... لو حسيتي أنه طعمه وحشِ مش مهم المهم إنك تاكلي علشان العلاج....
ضحكة صغيرة فلتت من ثُغرها، مُتسائلة:
_مين إللي عمل الأكل ده؟
_ما بلاش تعرفي أحسن.
ذادت إبتسامتها، وقد فهمت أنه هو من قام بتحضير الطعام، لم تتحدث كي لا يُحرج منها، بل التقطت منهُ الصنية، وبتروي بدأت في، تناول الحساء، أخذت ملعقة واحدة فقط، ووجدت شيء ما مالح بشدة أو حامي لم تستطع التمييز، يحرقها بشدة في حلقها، جحظت عينيها بتألم، من ثم صرخت بهِ قائلة من بين سُعالها:
_أنتَ حاطط فيها أي؟
ما أن لاحظ هو شحوب وجهها وجحوظ عينيها أسرع بجلب كوبًا من الماء، ثم ناولها إياه:
_مش عارف أنا عملت زي ما قالت في الڤيديو...
ظلت تسعل بقوة، تشعرُ أن حُمم بُركانية قد أنسكبت في حلقها، بدأ وجهها بالإحمرار، وكأنها قد أكلت ملعقة كبيرة من الشطة دُفعة واحدة، أخذت تتناول المياه لعلها تُطفي تلك الحُمم، شربت كم كبير من المياه حتي بدأت تعود إلي حالتها الطبيعية...
_بذمتك دي شُوربة..... أنتَ حاطط فيها كيلو شطة حرام عليك...
_ أنا أش عرفني طيب؟ بصي سيبك خالص من الشُوربة أنا قولت من الأول أنها مشروع فاشل خليكِ في الخضار المسلوق ده، أنا مش حاطط فيه أي حاجة هو سلقت الخطار وبس....
نظرت بتقزز إلي وعاء الخُضروات، فكان شكلهِ مزري بحق، ولكن رُغمًا عنها تناولت لُقمتين، ثم شعرت أن الخُضار لا يُمضغ من الأساس، زفرت بيأس تنظر إلي ذالك الواقف ينتظر رأيها يأمل أن يكون جيدًا عوضًا عن الشُوربة والتي كانت عبارة عن شقطة فقط لا غير، لكن أصابتهُ الخيبة حين هتفت هي:
_أنتَ متأكد إنك سلقت الخضار أصلا....
فتح فمهِ ببلاهة، يقول بجهل وغباء:
_هو بيتسلق....
_ياربي..... أصوت طيب، يعني هو بيتسلق، أومال بيتعمل أي بيتفرم، أسمه خضار مسلوق هيكون بيتعمل أي بيتقلي....
كانت نبرتها عالية تحمل كثيرًا من الغيظ، شعرت أن جانبها مكان الجرح يؤلمها بسبب حركتها الغاضبة، فوضعت يديها علي مكان الجرح بحركة تلقائية، بينما عقد هو حاجبيه يسطرد ببساطة:
_ما أنا جبت مياه سُخنة وحطيت فيها الخضار وسبته شوية..
صكت علي أسنانها بغيظ قائلاً من بين فكيها:
_وبعدين حطيتهم علي النار؟.
_لا.... هما بيتحطوا علي النار أصلاً.
_أصلاً، أطلع بره يا عُمر أنا هيجيلي شلل، أطلع بره وناديلي أمي علشان لو أعتمدت عليك هموت من الجوع يا هموت من الأكل بتاعك.....
صرخت بأخر كلماتها بأنفعل وغيظ كبير، لا تعلم متى أصبحت عصبية إلي هذا، أو لأنها تزوجت من مولد عصبية وأسنفزاز......