-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 7 - 1 - الإثنين 11/3/2024

   قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل السابع

1

تم النشر يوم الإثنين

11/3/2024



_يعني إيه يادكتور اللي حضرتك بتقوله دا!.. أنا حاسة إني دماغي وقفت ومش قادرة أصدق.. دا كان صُداع عادي بيحصل لأي حد، إزاي كانسر.. دا..دا أكيد الأشعة دي غلط.!! 


_دي مشيئة ربنا ومافيش إعتراض على قضاءُه يابنتي.. وزي ما واضح قُدامي في الأشعة إن الورم بيكبر في دماغك بسرعة معَ الأسف، ويادوب نلحق نبدأ رِحلة العلاج الكيماوي قبل ما الأمور تُخرج عن السيطرة. 


مرَّت هذهِ المُحادثة السريعة الَّتي كانت بينها وبين الطبيبُ يوم أمس أمامَ عينيها وهي تقفُ أمام المِرآة المُتواجِدة في المِرحاض تنظُر لوجهها الشاحب الَّذي بدا وكأن الدِماء إختفت منه تمامًا، وهذا كان حالهِ منذُ أن علِمت بمرضِها الخبيث، وهُناك أسئلة كثيرة تدورُ في جُمجمتِها حول طبيعة العلاج الَّذي ستتلقاه، من شدة صدمتِها خرجت من العيادة دون أن تسأل الطبيب وتستفسر، ومازالت للآن لا تُصدق الأمر، سرطان وأشياء لم تتخيلها يومًا، وبالطبع ستتساقطُ خُصلاتِها الَّتي تُحبها كما ترى في شاشة التِلفاز وسيكونُ شكلها قبيحًا ولن يُحبها أحد، أغمضت عينيها لثوانٍ تتخيلُ شكلها الَّذي ستكونُ عليهِ بعد مُدة، فامتعضت ملامِحها وتكونت الدمُوعُ في مقلتيها لتسقُط على طول وجنتيها، وسقط جسدها معها أرضًا وهي تبكي بحُرقة مُتمتمة..: 


_لــــــيـه يارب.. لـــيـه أنا.! 


أنهت قولها تُمسك رأسها بقُوة من الوجع الَّذي إشتد فجأةً بها تُطلق صرخة كبيرة مُتألِّمة، ونهضت من على الأرضية بصعوبة وهرولت خارِج المرحاض، واتجهت نحو الدرج المُلتصق بفراشها، وأخذت تبحثُ داخُلهُ بهمجية عن شيئٍ يُخدر الوجع، وفورما وقعت عيناها على كيسٍ صغير أبيض شفاف بداخلهِ مادة بيضاء تُشبه الدقيق، إلتقطتهُ بسرعة وفرغتهُ على سطح الدرج بلهفة، وإنحنت برأسها وأخذت تستنشق المادة بشراهة، وبعد دقيقة إعتدلت جالسة بإنهاك، وأغمضت عيناها تُحك أنفها بإصبعها وشعور الراحة التامة يتسلل لأوصالِها شيئًا فشيئًا.


❈-❈-❈


خرج يُونس من المنزل، وسار مُتجهًا نحو المحل وهو يلقي السلام على كُل من يقابلهُ في الطريق ببسمة واسعة لا يعلمُ سببها إلا سواه، وأخذ يتأمَّلُ الزينة الَّتي ملئت الشارع بأعينٍ ظهرت فيها بهجتهِ برؤيتها تتطايرُ بفعل الهواء وتعطي للمكان أجواء رمضانية دافئِة، وقد وقف في منتصف الطريق مُلتفِتًا خلفهُ عندما سمِع صوت إمرأة تهتِفُ بإسمه وتطُل من نافِذة منزل قديم أوشك على الهلاك، فعاد بعد خطواتٍ للوراء ووقف أمام النافِذة يستندُ بذراعهِ عليها مُتحدثًا بنبرة عابثة..: 


_يعني وهو ينفع تُقفي كده في الشباك تفتني اللي رايح واللي جاي بعيونك دول على الصبح كده!. 


ضحكت الأخيرة مُظهرة أسنانها التي سقطت مُعظمها وردت قائِلة..: 


_طب بطل بكش وماتوهنيش في الكلام وتنسيني عتابي ليك عشان بقالك فترة بتعدي ومابتسلمش عليا. 


_بتكلم جد والله على فكرة.. دا انتِ بجوز عيونك الزُرق دول أكيد كُنتي بتجيبي الشباب الأرض في زمنك زي مابتعملي فيا ياصباح قلبي. 


هكذا رد عليها يُونس وهو يغمز بإحدى عينيه، ورغم كِبر سنها وعلمها التام بمُزاحه، لكنها أغمضت عينيها بخجل حاولت مُدارتهِ بقولها..: 


_ياواد بطَّل بقى.. قولي لو هتفرَّقوا كراتين رمضان السنادي ماتنسانيش. 


_ياست الكُل كارتونتك محفوظة.. وهيبقوا عشرة لو وافقتي تطلقي من عم شاذلي وتتجوزيني ياجميل انت. 


_وعم شاذلي بنفسه بيقولك إختشي ياولد على دمك بدل ما يجيبلك عصاية وينزل بيها عليك. 


هتف بها ذلك الرجُل العجوز الذي ظهر من خلف صباح، فتجعدت ملامحُ يُونس وهو يقولُ بخوفٍ أجاد صُنعه..:


_لا وعلى إيه..هسيبهالك ياعم تشبع بيها وهمشي أنا.


وتحرَّك ذاهبًا بعد أن أنهى حديثه، وقد إبتسم عندما سمِع صباح وهي تدعوا له، وللحق هو يُحب الحديث معها ومُداعبتها من أجل أن ينال دعواتها، وعندما وصل للمحل، وجد أبيهِ يجلسُ على كرسي خارج المحل، ويُجاوره وائل يُشاهدِونَ بعض العُمال الشباب وهُم يُعلقون الزينة، فاقترب منهم قائِلًا بصوتٍ عالٍ كي يسمعوه..: 


_كُل سنة وانتوا طيبين يارجــالة. 


واتجه صوب أبيهِ ووائل يُلقي عليهم السلام، وبعد أن جذب كُرسي وجاورهُم في جلستهِم، سألهُ مُصطفى..: 


_إيه يايُونس..ماشي بدماغك يعني.! 


_مالها دماغي؟، ماهي في مكانها أهي وانت شايفني وأنا ماشي برجلي عادي. 


هكذا أجابهُ يُونس وهو ينظُر لهُ ببراءة تامة، فضحك وائل على ماقاله، بينما تحدَّث مُصطفى ببعضٍ من الحدة..: 


_الزفت اللي إسمه حلمي جه إتخانق هنا من شوية وبيقول إنك أخدت البضاعة بتاعتُه إمبارح.. 


كاد يُونس أن يتحدَّث بعدما صمت مُصطفى، فقاطعهُ يرفع سبابتهِ أمام وجههِ يُكمل حديثه..: 


_وقبل ما تلاوع معايا في الكلام، أنا عارف إنك انت اللي أخدتها.. وقولي انت حاططها فين.؟ 


رد يُونس عليهِ ببساطة..: 


__حرقتها. 


نظر مُصطفى ووائِل لهّ بصدمة، فضحك وهو يتأملهُم قبل أن يُكملَ قائِلًا..: 


_إنت عارف يابابا إني ماكُنتش هعدي موضوع سرقة البضاعة بتاعتنا بالساهل، وخصوصًا إن هو وإبنه عمالين يغلطوا معايا.. والبضاعة بتاعتُه نصها كان مغشوش فحرقتها، والنُص التاني أخدته لكراتين رمضان اللي هنوزعها على الغلابة، وأهو بكسبه ثواب عشان مايزعلش.


_مش سهل انت يايُونس. 


هتف وائل بها وهو يضحك بإعجاب على مُخططه، بينما غمز الآخر بإحدى عينيهِ قائِلًا..: 


_عشان أنا يُونس الأصلي. 


تنهد مُصطفى يُحرِّكُ رأسهُ للجانبين يائِسًا من أفعالِ ولدِه مُتحدِّثًا..: 


_طب خلي بالك بقى منه عشــ.. 


توقف مُصطفى عن التحدث بعدما قاطعهُ يُونس بقوله الحاسم..: 


_ماهو طول ما إنت بتعمل إعتبار للي مايسواش، هيفكر نفسُه غالي وهو أصلًا زيه زي التراب بيتداس عليه.. فسيبك بقى منه، وبلاش تديله أهمية أكبر من حجمه وخلينا في شُغلنا. 


❈-❈-❈


جلست تُقلب بين محطات شاشة التلفاز على فيلم أو مُسلسل يملئُ فراغها الشديد الَّذي صنعتهُ بنفسها بإبتعادِها عن الجميع، وقد تجعدت ملامِحها بإستغراب بعد أن سمعت صوت الجرس الخاص بشقتها يصدُح، فنهضت مُتجهة نحو الباب وفتحتهُ لتنصدم بوجود تلك الَّتي تقِفُ أمامها بثُغرها الَّذي يكشف عن إبتسامة حنونة قائِلة..: 


_هنفضل واقفين نبص لبعض لحد إمتى!.. مش هتدخليني؟. 


تحركت الأخيرة قليلًا بهدوء تُفسِح لها المكان لتدخُل، فولجت واتجهت نحو أقرب أريكة رأتها تجلسُ عليها وتبعتها الأُخرىٰ قبل أن تقول بهدوءٍ تام..: 


_خير ياحنان؟.  


_جاية أشوف أسماء صاحبتي اللي شايفاها بعدت وأخدتلها جانب مني ومن الكُل هنا، وشايفاها من ساعة مارجعت إنها إتغيرت أوي عن زمان. 


هكذا ردت حنان عليها بتلك الكلِمات اللينة آملة أن تجعلها تحن وتعود لذاتِها الآخيرة، لكنَّ الأخيرة قلبت عيناها بملل، وتحدَّثت بنبرة فاترة..: 


_إتغيرت أو ما إتغيرتش دي مش شُغلانتك.. وياريت تخليكي في حالك أحسن وتبعدي عني، مش على آخر الزمن مرات الحرامي هتيجي تعدل عليا. 


توسَّعت أعيُن حنان صدمةً مما قالته، وقد هبت سريعًا واقفة وهي تقولُ بغضبٍ شديد..: 


_أنا مش مصدقة إنك وصلتي للوقاحة دي بجد.. وجوزي اللي بتقولي عنه حرامي أحسن واحد في الدنيا دي كُلها، وحقيقي أسفي على الغباء والقرف اللي وصلتيلُه يا أسماء.


وتحرَّكت تخرُج من الشقة فعادوت أسماء الجلوس مُتمتة ببرود..: 


_الباب يفوِّت جمل. 


❈-❈-❈


جلست زهراء في حديقة منزل جدِّها تعبثُ بهاتفِها، وبين دقيقة والثانية تنظُر للباب الخارِجي وكأنَّها تنتظرُ أحدهم، وقد إبتسمت عندما ظهر الشخص المنشود وهو يدلف عبر الباب، فلوحت لهُ تُنبئه بوجودها هُنا، وعندما رآها إقترب منها، فنهضت تقفُ قبالتهِ وهي تُمسك بين يديها ظرف أبيض مُتحدثة..: 


_إيه ياعم.. ساعة عشان تيجي.؟ 


_معلش واللهِ كنت في مشوار كده والطريق كان زحمة وأخرَّني. 


هزت زهراء رأسها بتفهم ومدت كفها الَّتي تُمسك بالظرف نحوهُ قائِلة..: 


_عمومًا إتفضل دا حق تعبك معايا في القضية الأخيرة اللي كسبتها  ياعم زيكا. 


_لا خليهُم دلوقتي يازهراء.. إحنا إخوات متربين معَ بعض، يعني ماينفعش آخد منك حاجة. 


وأمام رفضهِ بأخذ الأموال، قابلتهُ هي بإصرار قاطع في ردها عليه..: 


_لا طبعًا واللهِ الفلوس دي ما هترجع.. وزي مارضيت إنك تساعدني يبقى تاخد حقك، والحق مافيهوش قرابة ولا أي كلام من اللي بتقوله ياعم كريم. 


تنهد كريم بيأس من عِندها، وأخذ منها المال بحرج رغم إحتياجهِ الشديد لهُم، وقد خلع الحقيبة الَّتي يرتديها خلف ظهرهِ ووضع الظرف بداخِلها، ثُم أخرج ملفٍ صغير وهو يقول..: 


_إمبارح كُنت قاعد فاضي فقومت جايب شوية معلومات تبع القضية الجديدة اللي إنتِ شغالة عليها وطلبتيها مني ويارب تنفعك. 


أنهى حديثهُ وأمد الملف نحوها، فأخذتهُ منه ونظرت لهُ بإمتنانٍ كبير قائِلة..: 


_أنا بجد مش عارفة أقولك إيه والله.. حقيقي من ساعة ما إشتغلت معايا وانت مسهلها معايا أوي، شُكرًا ليك بجد. 


أعطاها كريم بسمة صغيرة ولم يعلم بماذا يُجيب من خجله، وقد عاد خالد من عمله، وعندما أبصر صديقهُ كريم مع زهراء إستغرب من وجودهِم سويًا، فاتجه صوبهم، وبعد أن إقترب منهم صافح كريم وسألهُ بعدها مُتعمدًا أن يتجاهل وجود زهراء..: 


_إيه اللي راميك علينا بدري كده.؟ 


_مافيش ياعم.. كُنت جاي أدي لزهراء حاجة تبع الشُغل. 


_شُغل.؟؟ 


رددها خالد مُستغرِبًا مما قاله، بينما نظرت زهراء لـ كريم وقالت مُبتسِمة..: 


_طب سلام أنا بقى يازيكا.. وشُكرًا ليك مرة تانية. 


أنهت زهراء حديثها وتحرَّكت مُتجهة نحو الداخل لتصعد لشقتهم كي تأخُذ قسطًا من الراحة، بينما جذب خالد كريم من ذراعهِ واتجها نحو المقعد ليجلسا عليهِ قبل أن يسألهُ مستفسِرًا..: 


_إنت بقى تقولي إيه زيكا دا وإيه حوار الشُغل اللي بينكُم.


_مافيش ياعم.. أنا في شُغلانتي بينادولي زيكا عشان إسم زكريا أبويا، وبقالي فترة قُصيرة شغال معَ زهراء بخترقلها أنظمة وبجمعلها معلومات مثلًا تبع قضية ليها وكده.


الصفحة التالية