-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 10 - 1 - السبت 30/3/2024

  

 قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل العاشر

1

تم النشر يوم السبت

30/3/2024



تطايرات الرياحُ وتدافعت بحماس تدخلُ عِبر النافذة الَّتي إستطاعت بقوتها أن تفتحها، وأخذت تُداعب وجه تلك النائمة بعُمق تدعوها للإستيقاظ، فلبَّت الأخيرة طلبِها وفرَّقت جفونِها عن بعضيهِما وتجولت عيناها في أنحاء الغُرفة تستكشِفُ المكان الجديد الَّذي نامت فيهِ بسكون لأول مرة منذُ فترة طويلة، وقد هبطت من على الفراش وسارت نحو النافذة تنظُر عِبرها للحديقة الكبيرة الَّتي حاوطت المنزل من كُل جانب بإطلالة رائِعة أبعثت بعض الراحة في نفسها المُشوهة، ورغم أن لديهم في الڤيلا حديقة أيضًا وواسعة جدًا، إلا أنها تقبضُ نفس كُل من يراها بسبب عدم إهتمامها هي وشقيقها بها، أصلًا شقيقها أوشك على نسيانِها شخصيًا، فكيف سيهتمُّ بحديقة! 


مكوثها يومًا واحدًا في منزل عائِلة هارون أشعرتها حقًا بالأُلفة السريعة نحوهُم وبحنان عائلي قد إفتقدتهُ منذُ وفاةِ والديها، ورغم ذلك شعرت بالقهر لإنها تعيشُ وحيدة ولا يوجد من يهتم لأمرها ولا لصحتها؛ ولذلك طلبت من حنان أن تجلِسَ معهُم بضعة أيام كي تُطفئ شعورها بالحرمان العائلي، وثُم ستعودُ لكوابيسها الواقعية الَّتي تتعايشُها بمُفردِها.. 


صُداعٌ حاد أتاها فجأةً مما جعلها تخرُج من بؤرة أفكارها وتعودُ للواقع، واتجهت نحو حقيبتها بترنُّح من قوة الوجع وأخرجت الدواء الَّذي يُسكِنهُ وتناولته سريعًا، وبعد عدة دقائق خمد الألم فأخذت ملابسًا من الحقيبة كي ترتديها، وربطت خُصلاتها الَّتي تجعلها مُجعده دومًا، ثُم خرجت من الغُرفة وسارت عبر الرواق تبحثُ عن يعقوب الَّذي تجلسُ في شقتهِ لأنهُ لا يجوز أن تمكُثَ عند هارون كما قالت لها حنان، وقد أبصرتهُ وهو يجلس على كُرسيِّهِ داخل الشُرفة المفتوحة على مصرعيها ويواليها ظهره، فسارت بإتجاههِ وطرقت باب الشُرفة بخفة كي يستشعِر وجودها، ثُم ولجت للداخل وهي تقول..: 


_صباح الخير. 


أغلق يعقُوب المُصحف الَّذي كان يقرأُ فيه، ونقل بصرهِ نحوها يُرد عليها مُبتسِمًا..: 


_صباح النور يابنتي.. تعالي أُقعدي. 


جذبت نُوران كُرسيًا وجلست عليهِ مُقابلًا له، فبادر يعقُوب بالحديث بسؤاله..: 


_عرفتي تنامي هنا كويس؟. 


_ماكنتش متوقعة إني هنام في مكان غريب بسهولة للدراجاتي ياعمو والله.


أجابتهُ نُوران بصدقٍ شديد ظاهر في نبرتها، ولكن يعقُوب عبست ملامحهُ وزجرها برفقٍ قائِلًا..: 


_زي ما كُل العيال اللي هنا بيقولولي جدو فا إنتِ كمان تقولي زيهُم، انتِ خطيبة حفيدي يعني زيك زيه بالنسبالي بالظبط. 


هزت نُوران رأسها موافِقة بإبتسامة تتسعُ شيئًا فشيئًا، بينما تابع يعقُوب يسألُها..: 


_قوليلي بقى تعرفي الواد هارون منين وإتخطبتوا إمتى وهو كويس معاكي ولا لا؟. 


_بابايا الله يرحمُه كان صديق عمو محمود وشريكه، ولما إتوفى من أربع سنين عمي محمود فض الشراكة وكده، بس هارون من سنتين شارك نبيل أخويا وبعد نص سنة من الشراكة أخويا حب يقرَّب هارون منه فخطبني ليه.


_طب وبتحبيه ولا لا؟. 


سؤاله المُباشر الَّذي لم تتوقعهُ أربكها بشدة، ففركت كفيها ببعضيهما وهي تتنهَّدُ مُجيبة إياه بصدق..: 


_واللهِ هو من ساعة ما إتخطبنا وأنا ماشوفتش منه حاجة وحشة وأنا بحترمُه جدًا وممكن يبقى فيه شوية إعجاب بس ماوصلتش لسا لدرجة الحُب معاه. 


❈-❈-❈


بعد يومٍ كامل تركت فيه عملها ووضعت كامل تركيزها في الصور الَّتي جاءتها، قررت زهراء أخيرًا أن تفتح ملف معلومات القضية الَّتي تم توكيلها بها قبل إسبوعين من قِبل صاحب مكتب المُحاماه الَّذي تعملُ به؛ وتركت أمر الصور لحين أن يأتيها إشعارٌ آخر من الشخص الَّذي أرسلهُم، وأخذت تقرأُ المعلومات الَّتي قد جلبها كريم لها قبل عدة أيام بأعيُن تُدقق في كُل كلمة تقعُ عليها، وكان المُتهم يُدعى عزيز صابر، والتهمة المنسوبة إليهِ قتل زوجته مُتعمِّدًا بدونِ أي أسباب، والسكين الَّتي قتلها بها عليها بصماته، وقد توفَّى والدهِ قبل شهران وكتب جميع أملاكهُ للمدعوا عزيز ولديه شقيقين ولا يُوجد لديه أي أبناء"


كانت هذهِ الكلمات الَّتي كُتِبت في الملف وبعض أشياءٍ أُخرىٰ عادية لم تكُن ذات أهمية كبيرة، وبعد أن إنتهت من القراءة نزعت نظارتِها ووضعتها على المكتب، ثُم إعتدلت في جلستِها تسمحُ لمن يطرُق باب غُرفة مكتبها بالدخول، فولج الطارق والَّذي كان صاحب المكتب الَّذي تعملُ به، وعندما رأتهُ زهراء نهضت مكانها وهي تقولُ ببسمة مُفتعلة..: 


_أهلًا يا أُستاذ جواد. 


_أهلًا بيكي يازهراء، أتمنى وجودي المُفاجئ مايكونش قطع عنك حاجة مُهمة بتعمليها. 


_لا طبعًا مافيش حاجة من اللي حضرتك بتقولها، وكمان أصلًا أنا كُنت جاية مكتب حضرتك عشان كُنت محتاجة حاجة. 


جلس جواد وتبعتهُ زهراء قبل أن يسألها بإهتمام..: 


_كُنتِ عاوزة تجيلي ليه!.. خير إن شاء الله؟. 


_بخصوص القضية اللي حضرتك مسِّكتهالي، كُنت عاوزة معاد أروح فيه أقعد مع المُتهم عشان أشوفه وأقدر آخد منه معلومات تسندني في القضية. 


_أنا برضوا كُنت جاي أسألك برضوا وصلتي لفين في القضية بس واضح إنك لسا بادئة فيها.. وعاوز أقولك يازهراء إن القضية مُهمة ومش سهلة وهتكسبي من وراها سُمعة كبيرة لو نجحت، وأنا على فكرة مسكتهالك انتِ دونًا عن كُل المحاميين زمايلك اللي في المكتب عشان بثق فيكي، فبأكِّد عليكي تسيبي كُل حاجة وتركزي فيها كويس. 


هزَّت زهراء رأسها بتفهُّم وهدوءٍ خارجي، بينما في الداخل كانت ترقُص سعادةً من إطرائه وثقتهِ بها، وقد إستمعت لحمحمتهِ الَّتي تدُل على تردده، ثُم أتبع يقول..: 


_وفي حاجة تانية كمان كُنت عاوز أقولهالك. 


_إتفضل سامعة حضرتك يا أُستاذ جواد. 


تنهد جواد وهو يمسحُ على خصلاته بشيئٍ من التوتر الظاهر لزهراء والَّذي جعلها تتحمسُ أكثر لسماعِ ماسيقوله لأنه على ما يبدوا لها أنه شيئٌ غير عادي، وتابعتهُ بعيناها وهو يعتدل جالِسًا، ثُم تحدَّث يصرُح لها عن مابجبعته..:


_أنا عارف إن اللي هقوله دا مش أوانُه ولا وقته، بس أنا مش عارف أصبر أكتر من كده.. أنا مُعجب بيكي يازهراء وعاوز رقم بباكي عشان أتقدملك. 


❈-❈-❈


الإنهاك.. سيطر هذا الشعور عليها نفسيًا وجسديًا من كُثرةِ الصدمات الَّتي تتعرَّضُ لها في الآوانة الأخيرة، وكُلما حاولت أن تتخطى زاد وجعها أكثر مما جعلها تهرُب من الواقع وتسقُط غارقة في النوم منذُ أن دخلت غُرفة الإستراحة، وبينما كانت تمللُ في نومِها إنزلق ذراعيها المُستند على الطاولة الكبيرة، فاستيقظت من نومها سريعًا، وإعتدلت جالسة وهي تأن من ألم رأسها ورقبتها الَّلذين أصابوها بسبب نومتِها الَّتي كانت غيرُ مريحة، وقد رفعت مِعصمها الأيسر المُلتف حولهُ ساعة تنظُر فيها كم من الوقت تبقى على إنتهاءِ وقت الإستراحة الَّتي كانت مُدتها خمسٌ وثلاثُون دقيقة، ووجدت أن مازال هُناك وقتٌ كبير وأنها لم تنم سوىٰ عشرُ دقائِق فقط،‌‌‌ فنهضت واقفة تُعدل حجابها وملابسها الزرقاء الرسمية الخاصة بالمشفى، وحرَّكت رأسها عدة مرات يمينًا ويسارًا لعل ألم رقبتِها يزُول ولو قليلًا، ثُم خرجت من الغُرفة والمشفى بأكملها وأخذت تتمشى في الشوارع المُجاورة لها لكي تكتشِفُ المكان الَّذي لا تعلمُ عنهُ سِوى القليل، وأيضًا لِتُحاول أن تتناسى مافعلهُ من أحبتهُ وخذلها يوم أمس.. 


إبتسمت بسُخرية على فكرها الغبي الَّذي يتفوَّهُ بتراهات، وكانت الحقيقة أنها لن تنسى أبدًا، لأن ماسمعتهُ منه ومعصمها الَّذي إستحال للون الأزرق بسبب قبضتهِ شيئان كفيلان بأن يُذكرُّوها كُلما غفلت ذكرياتها، ومازالت للآن تصيبها صدمةً كبيرة منه ومن نظراتهِ الَّتي تحولت من دافِئة لأُخرى مُشتعلة كأن الجحيم يرقُد بهما عندما رآها سمعت مُكالمته، وقد إقترب منها تحت إرتجافها الَّذي كان سببه ماسمعته يسأُلها بهدوء..: 


_انتِ بتعملي إيه هنا؟. 


لم تستطع وقتها أن تخرُج الكلمات من فمها وتُجيبه، ولكنها شهقت عندما جذبها من كفِّها في حركةٍ غيرُ متوقعة منه؛ وحرَّكت ذراعيها عدة مرات تُحاول أن تتملص من قبضتهِ لكنهُ أحكم عليها بشدة ألمتها، واقترب من أذنيها يُتابع هامسًا بنفس ذات الهدوء ولكن بنبرة أكثر خشونة زادتها رُعبًا..: 


_أنا عارف إنك سمعتي المُكالمة واللي قولته وعرفتي أنا إيه ومش هنكر وهبررلك، بس اللي ماتعرفهوش بقى إن لو لسانك دا إتفتح وقولتي اللي سمعتيه لأي مخلوق أنا هدمرك يا ذِكرىٰ أكتر ما انتِ متدمرة، وأنا مبقولش أي كلام وخلاص، فأتمنى ماتخلينيش أقلب عليكي. 


حديثٌ صغير دار بينهما، ولكنه وِضع بين قائِمة الأشياء الَّتي لن تنساها أبدًا، ورغبة عارمة في البُكاءِ قد إحتبستها أمس وقبله وقبله وأيامٍ عديدة مضت وهي بمُفردها إنتابتها الآن وهي تسيرُ بين الناس، وحاولت أن تكبُتها كما فعلت معَ الأحداث الَّتي تتوالى على رأسِها وتتصنع الثبات الخارجي، ولكن في الداخل هُناك عواصف وإنهيارت وأحلامٌ أبرزُها أن تتخلص مما يوجعُها ويُتعب قلبها وتبتعد عن ما يؤذيها، ولكن كيف وكُل مافي حياتها مُؤذي، والديها، دراستها، المشفى، والحبيب، والرسائل المجهولة الَّتي تجدها على فراشها.. 


مسحت ذِكرىٰ قطرات الدموع الَّتي لم تستطع أن تتحكم بها وهبطت تحجبُ عنها الرؤية، ولم يدوم سيرها الَّذي كان بلا أي هدف لوقتٍ طويل، حيثُ أنها وجدت على بُعد مسافة صغيرة منها مكتبة كبيرة ولكن بدى عليها القِدم، فاتجهت سريعًا نحوها بحماس، ووقفت أمامها تتأملُ عنوانها لبعضٍ من الثواني، ثُم أمسكت المقبض وأدارتهُ لينفتِح البابُ مصدرًا صريرًا مُزعِجًا نتج عن مدى قدمه، وولجت للداخل وهي تتأمل كُل مايُقابلها بُأعينٍ ترمُش عدة مرات في الثانية الواحدة من توترها الَّذي إستحال لإنبهارٍ كبير من كم الكُتب الهائلة المُرتصة أمامها على الأرفُف، وقد أجفلت من تأمُلها بعد سماعها لصوتٍ من خلفها يقول..: 


_أهلًا.


إستدارت ذِكرىٰ سريعًا بجسدِها تبحثُ عن مصدر الصوت ببعضٍ الخوف، فوقعت عيناها على رجلٌ يلوِّح لها كي يُريها نفسُه وهو يجلس خلف مكتبٍ وبين يديهِ يُمسك كتاب، فسارت نحوهُ تُقدم قدمًا وتُؤخر الأُخرى، وبعد أن إقتربت منهُ قالت بنبرة مُرتبكة..: 


_السلامُ عليكُم..أنا ذِكرىٰ 


خلع الرجُل نظَّارته يمسحُها بالمنديل بعد أن إتسخت وشوشت الرؤية لديه، ثُم أعادها لعينيهِ ورد عليها التحية وهو يضع كتابه على المكتب، ونهض بعدها واقفًا فتبين طوله القصير لذِكرىٰ، واقترب منها الرجُل وهو يتَّكئ على عُكازهِ يُدقق في ملامحها قبل يسألُها قائلًا..: 


_أهلًا بيكي ياِذكرىٰ.. عِرفتي بقى المكتبة منين؟. 


عقدت ذِكرىٰ حاجبيها بغرابة مما قاله، ولكنها أجابتهُ مُتحدثة..: 


_عادي.. أنا كُنت بتمشى فلقيتها قُدامي ودخلتها، وبعدين حضرتك بتسألني أعرفها منين!، مايمكن جيت هنا قبل كده. 


_المكتبة دي بقالها أكتر من 80 سنة مفتوحة من أيام جدي الله يرحمه، وكُل اللي دخلوها من وقت ما بدأت أقعُد فيها من يجي 60 سنة لحد اللحظة دي وأنا حافظظ وشوشهم. 


_ماشاءالله.. 


قالتها ذِكرىٰ بإنبهار من مدىٰ قِدم المكتبة ومن ميزتهِ الجميلة، ثُم أردفت مُتابعة وهي تنظُر حولها..: 


_دي قديمة أوي بس لسا جميلة وفيها ريحة من أيام زمان تحسسك براحة غريبة. 


هز الرجُل رأسهُ مُؤيِّدًا حديثها، واستمع لها وهي تقولُ بنبرة مُستغربة..: 


_بس أنا أول مرة في حياتي أشوف حد حافظ ملامح أي حد شافُه حتى ولو من 60 سنة. 


إبتسم الرجُل ورد عليها ببساطة..: 


_كُل واحد ربنا مديله حاجة حلوة مميزاه عن التاني، ويمكن حفظي للوشوش ميزة حلوة عندي بس نفس الوقت برضوا وحشة.. 


وقبل أن تفتح فمها كي تسألهُ عن سبب سوء ميزته تابع مُقترِحًا عليها وهو يتخطاها..: 


_لو عاوزة تتفرجي على المكتبة تعالي ورايا. 


رحبت ذِكرىٰ بعرضهِ بإيماءة من رأسها وتبعتهُ وهو يسيرُ ببُطئٍ سببهُ كِبر سنه، ورغم أنها تراهُ لأول مرة ولا تعلمُ ما إسمهِ ولا نواياه، ولكنها شعرت براحة تغزوها منذُ أن رأته. 

الصفحة التالية