-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 8 - 1 - الجمعة 15/3/2024

  

  قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل الثامن

1

تم النشر يوم الجمعة

15/3/2024


_هو نُوح فين.؟ 


لم يكُف والده عن سؤال كُل من يراهُ في المنزل بتلك الكلِمات عن ولدهِ الَّذي إختفى فجأةً عن الإنظار منذّ الصباح الباكِر، وقد هتف بعدها موجِّهًا حديثهُ لشقيقهِ محمود الَّذي حضر يقفُ جوارهِ في حديقة المنزل بنبرة مُغتاظة..: 


_الواد العاق أكيد هِرب من البيت عشان مايعلَّقش الزينة. 


_ماخلاص ياعم.. سيبُه وأنا هصحي هارون يجي يركبها أو هنركِّبها إحنا عادي. 


حاول محمود أن يُقنِعهُ بتلك الكلِمات لعلهُ يلينُ ويتركُ نُوح وشأنه، إلا إنَّ حسن رفضَ رفضًا قاطِعًا بقوله..: 


_لا سيبهُ نايم براحته، ومافيش حد غير نُوح هو اللي هيعلقها زي كُل سنة عشان يبقى يعرف يهرب. 


بينما في مطعم نُوح.. 


كان يتمدَّدُ على الأريكة المُتواجِدة داخِل غُرفة مكتبهِ بإسترخاءٍ تام، وعيناهُ تنظُر للسقف وهو يُتمتم ضاحِكًا..: 


_زمانهُم دلوقتي محتاسين في تعليق الزينة..والمرادي مش هعلقها يعني مش هعلقها. 


وبعد أن أنهى حديثهُ الَّذي كان بينهُ وبين نفسه دق باب الغُرفة، فاعتدل جالِسًا وسمِح للطارق بالدخُول، فولج شابٌ في مُنتصف عقدهِ الثالث، والذي يكُون الدرع الأيمن لنُوح في المطعم، واقترب نحوهُ قائِلًا..: 


_أول ماجيت قالولي إنك عاوزني يامعلم.. خير إن شاء الله.. مش عوايدك تيجي الصُبحية كده.؟ 


_تعالى أُقعد الأول ياسُرور. 


إمتثل سُرور لأمرهِ وجلس جواره، فأخذ نُوح يُملي عليهِ التغييرات الَّتي يُحدثها في المطعم كعادة كُل عام..: 


_طبعًا بُكرا رمضان كُل سنة وانت طيب.. فعاوزين بقى أول حاجة نعملها نمنع الأغاني طُول الشهر في المطعم ونبدِّلها ببرامِج دينية شبابية، والمشاريب هتبقى سوبيا وتمر هندي جمب القهوة والشاي وباقية المشاريب الإعتيادية.. والحلويات هتبقى كُنافة وقطايف وبسبوسة وبلح الشام، أما بقى الأكل فـ.. 


قاطعهُ سُرور عن إكمال باقية الحديث بقوله الَّذي أظهر مدى ملله..: 


_خلاص ياعم ماتكملش.. والله أنا عارف كُل دا. 


_طب طالما إنت عارف ياحيوان بتخليني أتكلم ليه من الأول. 


هتف نُوح بها بحنق شديد وهو يدفعهُ بكلتى يديه من جواره، فنهض سُرور من مكانهِ وقبل أن يذهب قال..: 


_ أنا هيسبهالك مخدرة وماشي. 


تنهد نُوح وهو يُشاهد خُروجه، ونهض هو الآخر وخرجَ ليُقابل أمامهُ أحد العُمال الَّذي كان في طريقهِ إليهِ حامِلًا كوبًا من القهوة، فاقترب منهُ وأخذ الكوب قائِلًا بإمتنان..: 


_حبيبي ياربيع.. ألف شُكر. 


أعطاهُ ربيع إبتسامة وتحرك ذاهِبًا من أمامه، بينما تأمَّل نُوح الكوب وهو يقول..: 


_آخر كوباية قهوة هتتشرب الصُبحية. 


وقرَّبه نحو فمه ليرتشِف منه، إلا أنَّهُ توقف عندما جاءت ذِكرى مضت عليها أربعُ أشهر لهُ هو وتسنيم عندما كانا يجلِسان في المطعم ويتناولانِ القهوة، وقالت هي له..: 


_بص عشان نبقى على نور.. أنا بعمل قهوة مُرة ومحروقة وبتلزق في الكوباية، ومبعرفش حتى أعمل شاي، بص من الآخر أنا ماليش في أي حاجة، وبما إنك إختارتني فا إتحمل نتيجة إختيارك بقى. 


تنهد نُوح بضيق عِندما تسلل شُعور الإشتياق لها داخِل قلبهِ رغم أنهُ مضى يومانِ فقط على خِصامهُما، وكُلما تذكر أن ذلك الخنزير كان سيضربُها يشتعل وتتأجحُ نيران الإنتقام داخله، ولكن مايمنعهُ هو أن يُونس أخبرهُ يوم أمس بأنه رد عليهِ هو وأبيهِ ردًا يليقُ بإثنيهِما، فارتاح قليلًا ولكنه مازال غاضبًا من تسنيم، وقد أقسم أنه لو رأى ولدُ حلمي الناكر للجميل أمامهُ سيُوسعهُ ضربًا مُبرِحًا حتى يرتاحَ داخلهُ كُليًا. 


❈-❈-❈


الأصوات العالية من حولهِ والصُراعات الَّتي تُحدثها النِّسوة من أمامهِ جعلتهُ يصعد فوق السيارة ذات الصندوق الخلفي المفتوح والمُمتلِئ بالكراتين، والَّتي يقفُ عليها إبن عمه يُوسف الَّذي تتطوع في مساعدتهم وهو بضحكُ على حالتهِ، بينما أخذ الأخير يصيحُ في الناس بعصبية شديدة.: 


_ما بُراحة ياست انتِ وهي الاه!.. الكراتين كتيرة وكُل واحد وواحدة فيكُم هتاخد بس إهدوا شوية ماينفعش الهمجية اللي بتحصل دي.. دا إنتوا تخلوا الواحد يضيع الثواب اللي بيعملُه والله. 


وأطلق تنهيدة عميقة وهو يحُك جبينهُ الَّذي أصابهُ الصُداع، وبعد أن هبط من على السيارة عاد يقفُ جوار العُمال الَّذين يُساعِدونهُ على توزيع الكراتين، فاقتربت منهُ إمرأة وسط الحشد الكثيف قائِلة..: 


_بالله عليك يابني ناولني الكارتونة بقى عشان سايبة واد صغير بيعيط في البيت وواقفة من بدري لحد مارجلي وجعتني. 


تأمل يُونس وجهها المألوفِ لديه لبعضٍ من الثواني، وسألها بشك..: 


_هو مش انتِ لسا واخدة كارتونة مني من شوية ياست؟.


إبتلعت المرأة ريقها بتوتر لاحظهُ يُونس، وجز على أسنانهِ بغضب عندما تأكد من شكوكه، وما زاد الطين بلة، تدخُل أحد العُمال الَّذي يقفُ جوارهِ في حديثهم قائِلًا وهو ينظُر لها..: 


_دي كمان واخدة مني برضوا كارتونة يا أُستاذ يُونس. 


_كمان.!!


صاح يُونس بتلك الكلِمة غيرُ مُصدقًا لفعلتها، وأردف يُحادثها بغضب..: 


_يعني واخدة واحدة مني وقولنا ماشي، وجيتي بعدها بشوية تاخدي التانية ومفكرة إني مش هعرفك من الزحمة وكُنت هديكي على فكرة، بس إنك تيجي تاخدي تلاتة يبقى كده طمع وعدم إحساس بالغير. 


رمقتهُ المرأة بنظره توحي بقرفِها وكأنهُ هو من فعل هذا وليس هي جعلتهُ ينظُر لها بذهول، وبعد أن ذهبت من أمامهِ ضرب كفِّيهِ ببعضيهِما، والتفت للعامِل يحذرهُ بقوله..: 


_نبه على باقي الشباب ياصبري ياخدوا بالهُم كويس من الناس عشان الموضوع دا مايتكررش. 


وبعدها إتجه مرة أُخرى نحو السيارة، وأخذ يتناولُ مع العُمال الكراتين من يُوسف، وبعد فترة أصابهُ هو ويُوسف الإرهاق، والناسُ يتزايدون أكثر عن ذي قبل، فتحرك الإثنين نحو المحل، وتوقف يُونس في مكانِهِ فجأةً عندما أبصرها تقفُ جوارِ والدِها ووالدِهُ تُساعدهُما في تغليف الكراتين، وثُغرها مُزيَّنٌ ببسمة جميلة سلبت لُبه للمرة الَّتي لا يعلمُ عددها للمرة الَّتي لا يعلمُ عددها كُلما رآها، بينما نظر يُوسف له يسألهُ مُستغِربًا..: 


_إيه ياعم.. وقفت فجأة ليه.؟ 


وعندما لم يجد منهُ ردًا، حول بصرهِ نحو المكان الَّذي ينظُر يُونس لهُ شارِدًا، فارتسِمت إبتسامة خبيثة على محياهُ  ونكزهُ من ذراعهِ قائِلًا..: 


_إيه ياحج روميو..البحلقة حرام في وقفة رمضان. 


_إسكُت يا يُوسف عشان ما أطلعش المطوه وأرسم بيها خريطة في وشك. 


رد يُونس بضيقٍ شديد أخفى خلفهُ توترهِ من كشف يُوسف لهُ، وتحدث الأخيرُ مُراوِغًا..: 


_مهما إتهربت مفضوح برضوا. 


وبعد أن إقتربا مِنهُم ألقيا السلام، فارتبكت رَامَ الله من وجُوده وأشاحت ببصرِها عنه، ولاحظَ يُونس ذلك فجذب مقعد وجلس عليهِ بإرهاق، وفعل يُوسف مثلهُ قبل أن يسألهُما مُصطفى قائِلًا..: 


_عملتوا إيه.. والتوزيعات كانت ماشي إزاي.؟ 


تنهد يُونس يُجِيبهُ بحنقٍ يتصاعدُ في كلِماتهِ عندما تذكر مافعلتهُ المرأة..: 


_كُل حاجة تمام.. بس واحدة الله يصلح حالها مفكرة إننا مُغفلين وكُل شوية تيجي تاخُد كارتونة لحد ماكشفتها، وكون إنها طِمعت ومابتحسش إن في غيرها محتاج زيها وأكتر خلاني أتخانِق معاها، والله أكبر كان في كمية ناس رهيبة في الساحة عاوزة كراتين كإن البلد كُلها مِحتاجة. 


حرك مُصطفى رأسهُ بأسى من الحال الَّذي وصل إليه الناس، ورد على ولدهِ برزانة..: 


_هو فِعلًا الناس مُعظمها مِحتاجة بسبب الغلاء الرهيب اللي إحنا فيه ومابقوش عارفين هياكلوا إيه وهيعشوا إزاي.. وأهو إحنا عملنا اللي ربنا قدرنا عليه زي كُل سنة وربنا يتقبل. 


وثم ضحِك بعد أن أنهى حديثهُ وأكمل قائِلًا بتعجب..: 


_وبعدين دا أنا جايبك إنت اللي توزع الكراتين عشان إنت أعقل واحد في العيال.. تقُوم تتخانق معاهُم.!! 


_ياحج دول ناس يخلوا العاقل يُخرج عن شعوره والله. 


كانت رَامَ الله تُنصتُ لِحوارِهما بإهتمامٍ خفي، ولكن على حين غفلةٍ وقع الشريطُ اللاصِق منها، فانحنى يُونس يلتقِطهُ سريعًا رغم أنهُ استقر بعيدًا عنه قليلا، ومده نحوها فأخذتهُ منه بتوتر، وعادت بعدها لما كانت تفعلهُ مُتجاهلة وجع قدمِها اليُسرى الَّذي إشتد عليها فجأةً تُطالبُها بالراحة لأنَّها وقفت عليها لوقتٍ ليس بالقصير، لكنها لم تشئ أن تجلِس خجلًا من أن تواجِهَ يُونس، وقد تبسمت بحنان، ونسيت ألمِها وهي تستمِع لِما يقولهُ والدُها بصوتٍ خافِض، ولكنها كانت تقِفُ بالقُرب منهُ فسمِعته..: 


_اللهُم إجعل هذا العمل خالِصًا لوجهِك الكريم، وأسألُك بأن تجمعُني بحبيبتي شام تحت ظل عرشِك يوم القِيامة، وأن تبعث الأمن والآمان والسلامَ لبلدِنا الحبيبة فلسطين. 


وعلى الفور رددت خلفه بمحبة بعدما أنهى حديثه..:


_آمين آمين. 


نهض يُونس الَّذي كان يُتابعُ كل حركةٍ تُصدر منها من مكانهِ فجأةً عندما شعر بضيقٍ شديد يعتليه، واتجه ليقفَ في الخارِج قليلًا تحت نظراتِ رَامَ الله الخفية الَّتي كانت تُتابعُ خُروجهُ ولم تغفل عن عين يُوسف، فنهض هو الآخر وذهب خلف يُونس، وعندما وجدهُ يقفُ مواليًا ظهرهُ له ويضعُ كفَّيهِ داخل جيوبِ سروالهِ القُطني، إقترب منهُ ووقف جوارهِ قائِلًا..: 


_مش عارف ليه الموضوع أكبر من حُب مُتبادل من تحت

لـ تحت. 


_ومين قالك إنها بتحبني أصلًا.؟ 


سألهُ يُونس وهو يبتسُمُ ساخِرًا، فرد عليهِ يُوسف مُتعجِّبًا..: 


_وإيه اللي يخليك تُقول كده؟، وإزاي أصلًا مش واخد بالك.!! 


_يمكن عشان مثلًا إتقدمتلها ورفضتني.


نظر لهُ يُوسف بغير تصدقٍ مما سمِعهُ منه، وقد تحدث يسألهُ بصدمة..: 


_إمتى دا؟..وإزاي وليه رفضتك؟،  


_طلبت إيديها من عمي وائِل أبوها من شهر وبلغها وردها كان رفض، وبعدها إتكلمت معاها على أمل إنها توافِق لقيت منها إصرار رهيب على الرفض.. يمكن بقى ربنا رايد إننا مانكونش مكتوبين لبعض. 


_طب إنت ترضىٰ إنها ترُوح لحد تاني.؟ 


نهش سؤال يُوسف عقله، وعندما تخيل فكرة أنها من المُمكن أن تكون عروسًا لآخر جعلتهُ يهُز رأسهُ برفضٍ شديد، ونطق بكلِمة واحدة حملت معناها الكثير ..:


_مقدرش. 


تعجَّب يُوسف أكثر من هذا الجانب المُتواجد في شخصية يُونس الَّذي يراهُ لأول مرة، والَّذي لم يكُن يتخيل أنهُ سيراهُ أبدًا، وذلك لأن شخصيتهُ الثقيلة جعلتهُ يظُن أنهُ لن يقعَ في الحُب بسهُولة، ولو أحب سيخفي حُبَّهُ كي لا يرى أحدًا نُقطة ضعفِه، لكنَّهُ لم يتوقَّع أنَّهُ سيكونُ مفضوحًا لهذا الحد، فربَّت على كتفهِ قائلًا..:


_نصيحة دهب من إبن خالتك، لو بتحبها بجد متسكُتش وحاول تتكلم تاني معاها ومتسيبهاش غير لما تعرف منها أسباب رفضها، وخليك مُحب لحوح على من يُحبهُ ياعم عشان الحبيبة متضيعش منك وتُقعد تندب في الآخر زيي.


_إيه يايُوسف.. إنت حولت تخُصصك من ظابط مُخدرات وقلبت على شريف مُنير كده ليه. 


هزَّ يُوسف رأسهُ للجانبين بيأسٍ منه، فلن يكُون يُونس الَّذي يعرفهُ لو توقَّف عن سُخريته حتى ولو في أشد حالتهِ بأسًا، فدفعهُ من جوراهِ هاتفًا بنبرة حانقة..: 


_ياعم واللهِ أنا أستاهِل الضرب بأعفن 60 جزمة قديمة عشان إتنازلت ونصحتك. 


الصفحة التالية