رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 8 - 2 - الجمعة 15/3/2024
قراءة رواية ليتها تعلم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ليتها تعلم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم جمعة
الفصل الثامن
2
تم النشر يوم الجمعة
للمرة الثانية على التوالي قُلِبَ كيانُها ولم يزور النوم عينيها طوال الليل، والسببُ هو أن الأمر تكرر ثانِيةً ووجدت ورقة مرة أُخرىٰ يوم أمس عندما صعدت لِغُرفتِها كُتِب فيها..
"فاصبري صبرًا جميلًا ياذِكرىٰ القلب والروح، عسى اللهُ أن يجعل نهايتهُ الفوز مثلما فاز يعقُوب بلِقاءِهِ بـ يُوسف بعد غيابٍ جعل عيناهُ تبيضُّ حُزنًا ووجعًا لفِراقِه، واللقاءُ بيننا لا أعلمُ بوقتهِ ولكِنَّهُ يغدوا قريبا، وإلى أن يحين الوقت أود أن أُخبركِ من خلال رسائلي أنني واقِعٌ بكِ وبشِدة، وكُلما حاولت النهوض تُهزمني عيناكِ رغم الحُزن البادي فيهِما ، وحقًا ما أجمُلها من هزيمة."
من الَّذي تجرَّأ واستطاع الدخُول للمنزل دون أن يراهُ أحد؟، وكيف ومتى إستطاع الدخُول لشقَّتِهم ووالدِتها لا تُتركها إلَّا نادِرًا..!
ظلت تلك الإسئلة تتكررُ داخِل عقلِها منذُ الأمس للآن، واللهُ وحدهُ يعلمُ أنَّها ظلت تنتظِر طلوع الصباح كي تتحدث مع نُوح، والآن هي تنظُر في ساعةِ هاتِفها كُل ثانية مُنتظِرة موعد إستيقاظِ نُوح من نومِه على أحرٍ من الجمر، وعندما وجدت أنهُ تبقَّى نصف ساعة أطلقت تنهيدة تنُم عن إختناقِها ولم تعُد تطيق الإنتظار أكثر، فنهضت من على فِراشها وأخذت ترتدي عِبائتِها وحجابِها على عجل، وخرجت من الشقة مُتجهة للطابِق الثالث بسُرعة، وعندما وصلت للشقة، ضغطت على زر الجرس عدة مرَّات، وتوقفت عندما سمِعت صوتٌ من الداخِل يصيحُ عاليًا..:
_حاضغ ياللي بتخبط.. أصبغ إحنا قاعدين مش هنطيغ.
وفُتح الباب بعد ثوانٍ لتظهر رُؤىٰ أمامها بملابِسها المُتسخة ووجهها الَّذي إستحال للون الأسود من التُراب الَّذي إلتصق به وتُمسك في يدها اليُمنى مقشه، وعندما رأتها إبتسمت تُرحب بِها قائِلة..:
_زوزو تعالي إدخُلي.
_يبدوا إني جيت في وقت مش مُناسب.
قالتها ذِكرىٰ ضاحِكة وهي تتأملُ الشقة الَّتي قُلِبت رأسًا على عقب بعد أن دلفت للداخِل، فردت عليها رُؤىٰ بحماس..:
_تنضيف غمضان " رمضان" وكده بقى، كُل سنة وانتِ طيبة.
لِأول مرة تشكُر ذِكرىٰ والدِتها في داخِلها على هوسِها بالتنظِيف الدائم مما جعلها لا تحتاجُ لإن تقلب شقتهم مثلما هُم يفعلون، وقد تابعت رُؤىٰ تسألُها بإستغراب..:
_هو مش انتِ مش المفغوض عندك مُستشفى دلوقت؟.
_عندي أجازة إنهاردة وبكُرا.. أنا هدخُل جوا لنُوح بقى عشان عاوزاه.
_لا هو مشي غاح المطعم من بدغي.
ضيَّقت ذِكرىٰ عينيها تسألُها بإستغراب..:
_إزاي؟.. مش هو المفروض بيروح بعد العصر؟.
وتلك المرة أجابتها مودَّة بنبرة شامِتة بعد أن إستمعت وهي تعبُر من جوارِهم لآخرِ حديثهِم..:
_أصله هربان عشان مايعلقش الزينة في الجنينة وبابا هينفخُه لما يشوفُه.
ضحكت ذِكرىٰ بيأس من عادتهُ الَّتي لا تتغير، وبعد كُل هذهِ الحوارات الَّتي يفعلها كي يتهرب هو من يُعلقها في النهاية، وقبل أن تفتح هاتِفها وتأتي برقمهِ تحدَّثت بمكر..:
_يبقى لازم نكلمُه يجي بسُرعة عشان الزينة محتاجاه يعلقها.
وأنهت حديثها تضعُ الهاتف على أُذنِها مُنتظِرة إجابتهُ، وعندما رد عليها قالت..:
_نُوح تعالى أنا محتاجاك ضروري.
وبعد عِشرون دقيقة كان نُوح قد وصل إلىٰ المنزل وهو يدعوا بشدة ألا يُقابل والده ، وعندما دلف للداخِل وجد أن دُعائهِ قد تحقق بسُرعة ولكن بالعكس، وأول شخصٍ قابلهُ هو والدهُ الواقِف في الحديقة، فتجعدت ملامحهُ وضرب بقدمهِ على الأرض بغيظٍ شديد، وبعد أن إقترب حسن منه تحدَّث ضاحِكًا..:
_شوف سُبحان الله، أهو جه برجلُه بعد ماكان هربان..
يلا بقى ياحبيبي شهِّل وشمِّر أكمامك عشان تعلَّق الزينة.
_ياحج هو إشمعنى أنا يعني اللي بفضل كُل سنة متشعلق على الشجر طول النهار؟.. ما عندك هارون وخالد ويُونس ويُوسف.. أطُلب من حد تاني غيري يعلقها.
وعندما صمت قابلتهُ إبتسامة والدهِ البارِدة جعلتهُ يعلمُ أنه لا مفر، فتابع بإصرارٍ قاطِع..:
_أنا مش هعلق زينة يعني مش هعلَّقها ياحج مهما عملت فيا وشوف حد غيري معلش.
خرجت مودَّة للحديقة وهي تُدندن لحن أغنية رمضانية سمعتها تصدُح من شقَّةِ عمها مُصطفى وهي تهبط للأسفل، وعندما أبصرت شقيقها مُعلقٌ على شجرة طويل ويربُط حبل الزينة حول أحد فروع الشجرة وهو يتأفف بين الثانية والأُخرىٰ إقتربت من الشجرة ووقفت أسفلها تهتِفُ بشماتة..:
_تستاهِل عشان إنت اللي خليت بابا يمنع عني المصروف.
_موَّدة غــوري من وشي عشان ما أنزلكيش وأعلقك من قفاكِ على الشجرة لحد مايبان لك صاحب.
صرخ نُوح بتلك الكلِمات بغضبٍ شديد، فأخرجت لهُ لسانها تغيظهُ واتجهت نحو صندوق السُلحفاء الزُجاجي لتلعب بها مُستغلة إنشغال شقيقتها بالتنظيف، وبعد عِدة دقائق جاء هارون كالنجدة لـ نُوح وأخذ يُساعده في تعليق الزينة، واستغرق الأمرُ نصف ساعة، وبعد أن إنتهوا إتجه نُوح نحو هارون وعانقهُ بقوة مُتحدِّثًا..:
_والله يابني إنت ربنا بعتك ليا عشان تنجدني ومش عارف أقولك إيه بجد.
_ في الخدمة دايمًا ياغالي.
أعطاهُ نُوح بسمة مُمتنة، ولكنها إنمحت على الفور عندما وقعت عيناهُ على ذِكرىٰ وهي تُخرج من المنزل، فضغط على شفتيهِ بقُوة ومد ذراعهِ نحو هارون قائِلًا..:
_إمسك دراعي ياهارون وتبِّت فيا جامد عشان ما أروحش أجيبها من الطرحة وأقتلها.
فعل هارون مثلما طلب منه وهو يرمقهُ بعدم فهم لطلبه، وبعد أن إقتربت ذِكرىٰ منهُ وهي تتأملُ بعينيها الزينة المُعلقة في أرجاء الحديقة بضحِكاتٍ تتصاعدُ شيئًا فـ شيئًا هتف نُوح بصوتٍ غاضِب..:
_بقى تكلميني وتخليني أجيلك على ملى وشي عشان تسلِّميني لأبويا يابنت جلال!..دا انتِ ليلتك مش فايتة معايا إنهاردة.
أنهى نُوح حديثهُ وحاول أن يقترب منها ولكن شدد هارون من إمساكه، وتحركت هي خطوتين للوراء وهي تتحدثُ بصعوبة من بين ضحكاتِها..:
_واللهِ ياعم أنا فِعلًا كُنت محتاجاك بس حظَّك إن عمي يشوفك.
_خلاص ياهارون سيب دراعي..
قالها نُوح بعد أن تنهَّد يلتقِطُ أنفاسهِ الَّتي تباطئت إثر إنفعاله، ثُم أردف يسألها..:
_ها.. خير؟.
_طب بُص خليها كمان شوية لما تبقى لوحدك.
رفع هارون إحدى حاجبيهِ وهو ينظُر لها مُستنكِرًا مما قالتهُ، ثُم قال بسُخرية..:
_لا وعلى إيه تستني شوية.. أنا ماشي وسايبهولك.
وتحرَّك ذاهبًا من أمامها تاركًا إياهُما يقِفانِ بمُفردهما، فضم نُوح ذراعيهِما ينتظُر منها أن تتحدث، فحمحمت هي بتوتر قائِلة دون أي مُقدمات..:
_من كام يوم كده لقيت رسالة محطوطة على سريري، فقولت مُمكن تكون إنت اللي حطيتها ومعرفش إزاي أصلًا، وكُنت هكلِّمك وأسألك بس إنشغلت في المُستشفى.. وإنهاردة لقيت رسالة تانية برضوا بنفس الخط ومش عارفة هعمل إيه بجد.
أنهت ذِكرىٰ حديثها ووضعت كفِّها الأيمن داخِل جيب عِبائتِها تُخرج الورقتين ومدتهُما نحوهُ بخجل، فالتقطهُما وشرع في قرائتهِما بفضولٍ في البداية، ولكنهُ تحول لتوتُّرٍ بدى على قسماتِ وجههِ لثوانٍ، وقد إستطاع تداركهُ وإخفائهِ بسُرعة كي لا تُلاحظهُ ذِكرىٰ، وبعد أن إنتهى قال..:
_أنا كمان مش عارف الصراحة.. وإستني كده كام يوم، ولو في رسالة جتلك تاني أنا هتصرف.