-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 9 - 2 - الجمعة 22/3/2024

  

  قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل التاسع

2

تم النشر يوم الجمعة

22/3/2024


يومٌ طويلٌ وشاق مرَّ عليها وهي تنتقِلُ هُنا وهُناك بين غُرف المرضى برفقةِ الطبيبُ إسلام يطمئنُّون على أحوالهِم، وتكتبُ ذِكرىٰ ورائهُ المُلاحظات الَّتي يُمليها عليها، وبعد أن فحصوا آخر حالة اليوم وخرجوا من الغُرفة حدَّثها الطبيبُ إسلام بنبرة مُجهدة..: 


_تعبتي معايا يادكتورة ذِكرىٰ إنهاردة.. بس أنا الحال دا مش عاجبني. 


عقدت ذِكرىٰ حاجبيها بإستغراب من آخرِ كلماتهِ وسألتهُ ببعضٍ من الإرتباك..: 


_خير يادكتور.. هو أنا عملت حاجة غلط؟. 


_لا ماعملتيش، بس انتِ كده يُعتبر شُغلك مُمرضة مش دكتورة.. 


كلماتهِ زادت من عدم فهمها وتوترها، فتابع إسلام حديثهُ مُوضِّحًا لها قصده..: 


_بصي إنتِ بتستقبلي حالات وتشخصيهُم وبتابعيهُم ورايا، هو كده تمام بس دا أي مُمرضة مُمكن تعمل كده.. فا أنا عاوزك تبتدي في الجد عشان تبقي دكتورة فعلًا وتدخُلي سنة ستَّة بعد ٣ شهور وانتِ فاهمة أساسيتها كويس.


_يعني إيه يادكتور؟.. أنا لسا برضو مش فاهمة قصد حضرتك!. 


_أنا عاوز إنك تجهزي نفسك عشان هتدخُلي معايا وتُقفي جمبي كـ مُساعدة وأنا بعمل عمليات. 


تفاجئت ذِكرىٰ مما قالهُ، ورجفة خوفٍ قد إجتاحتها بقُوة لأنَّها ليست مُستعدة لتلك المرحلة إطلاقًا ولم تحسب لها، لكنها ردَّت عليهِ بهدوءٍ خارجي..: 


_تمام يادكتور، أنا تحت إنتظار حضرتك وقت ماتحتاجني في أوضة العمليات.


إبتسم إسلام لها، وتركها وذهب لغُرفته، بينما إتجهت ذِكرىٰ سريعًا نحو غُرفة الإستراحة، وما إن وصلت إليها ولجت للداخِل، وكان حظها في السماء لأنَّها لم تجِد أي شخصٍ في الغُرفة، فأغلقت الباب بالمُفتاح وارتمت على أقربِ مقعدٍ لها تتنفَّسُ بقوة، وصداعٌٍ قوي في رأسها قد داهمها فجأةً من الخوف وقلة النوم، فحاوطت رأسها بكفَّيها وأخذت تُدلكها لعل الألمّ ينخفض قليلا، وأخذت تُفكر في الأمر الَّذي أرق نومها أيَّامٌ وليالي منذُ أن خطت بقدميها داخل المشفى ولكنَّها تجاهلتهُ ولم تحسب حُسبان مجيئ يومه، ولا تعلم ماذا ستفعل وكيف ستأتيها الجُرأة وتدخُل غُرفة العمليات وتُشاهد جسدًا يتم فتحهُ والدماء تتفجرُ منه..


أغمضت ذِكرىٰ عينيها بقُوة وإرتجافها يزدادُ عندما تخيلت المشهد الَّذي كانت تُفكِّرُ فيه، وحاولت نفضه من عقلها بتذكُّرها لِمُواجهتها معَ والديها قبل ثلاثةِ أيَّامٍ مضوا، والَّتي كانت ليلة لن تُنساها أبدًا من قُسوةِ ما سمعتهُ.. 


وقتها تصنَّمت بمكانهِا مذهولة مما سمعتهُ من والدتها وكأن صاعقة قد أصابتها، ولم يكُن والدها أقل حالًا منها، لكنَّهُ صاح في والِدتها بعدم تصديق..: 


_انتِ إتجننتي يا أسماء!!.. دا قضاء ربنا وقدره، إزاي تجيلك الجُرأة تقولي كده؟. 


ردَّت أسماء عليهِ مُتحجِّجة بنبرة حادة..: 


_مش هي اللي رمِت شنطتها في نُص الطريق، وخلِّت أخوها يرجع يجيبها والعربية خبطته وردته قتيل وحرمتني منه؟.. يبقى هي السبب ولا مش السبب؟، ياريتها كانت هي. 


وهُنا تدخَّلت ذِكرىٰ تُرد عليها بجمود رغم أن نبضات قلبها تتباطئُ شيئًا فـ شيئًا من شدة قهرها..: 


_انتِ صح فعلًا، أنا السبب في مُوته.. ونصيبك بقى إني أفضل عايشة ليل نهار قُدامك وكُل ما تشوفيني تفتكري، وياريت لو عاوزة تخلصي مني عجِّلي بالدُعا عليا في رمضان، دعوة الأُم بتبقى مُستجابة. 


وبعد أن أنهت حديثها معها إستطاعت الخروج بعد رُؤيتها للمُفتاح متواجد على الطاولة الزُجاجية، وإنتهى الحديث ولم تذرُف دمعة حتى بعد أن إختلت بنفسها لليوم، فقط ظلَّت جامدة رغم أن كلمات والدتها تُطاردها ولا تترُكها لثانية في صحوتها ونومِها. 


❈-❈-❈


طاولة كبيرة جدًا تتسعُ لأكثر من عشرون فردًا وموقعها كان في الحديقة، وكُل دقيقة والأُخرىٰ تأتي إحدى نساء العائلة الكِبار تضعُ عليها أطباقًا لأصنافًا مُختلِفة من الأطعمة ذات الروائِح الَّتي تجعلُ لعاب من يشتمُّها يسيل، بينما إنقسم الفتياتُ لفريقين، الأول يُساعِدُ في تجهيز الإفطار، أما الآخرُ يرتِّبون الأطباق على الطاولة بهمة وسعادة إنتشرت كالعدوة بين الجميع بسبب إجتماع العائلة بأكملها كي يتناولون طعام الإفطار معًا في الحديقة في اليوم الرابِع من رمضان، وقد شارفت الشمسُ على الزوال ولم يتبقى الكثيرُ على موعد آذان المغرب، وأخذ كبار العائِلة يتجمَّعون واحدًا تلو الآخر في الإستراحة عدا حسن ومُصطفى ومحمود الَّذي ظل جالسًا في الشقة عندما وجد والدهُ مُتواجد في الحديقة، ولم يُرِد أن يحضُر إلا مُتأخِّرًا، وكان وائِل من بين المتواجدين الَّذي أصرَّ يعقُوب على مجيئهِ هو إبنتهِ يتبادلُ مع باقي الرجال عدة أحاديث في مواضيعٍ شتى إلى حين بلوغ موعد الآذان، أما بالنسبةِ للشباب فقد تم توكيلهِم جميعهم بمُهمة تقبَّلوها  بصدرٍ رحِب منذُ أول يومٍ في رمضان بجوار المحل القريب من المنزل، حيثُ هُناك تم إنشاء مائدة رحمـٰن كبيرة بأمرٍ من يعقُوب كعادةِ كُل عام، ومُصطفى وحسن هُم من يُشرِفون عليها، وكان يُونس يقفُ في أول الشارِع يجذبُ كل من يعبُر أمامهُ نحو المائِدة حتى إمتلئت بأكملِها، بينما داخل مخزنٍ فارغ مُلتصِقٌ بالمحل تم تحويلهِ لمطبخٍ يتم صُنع الطعام الَّذي يوضع على المائِدة من قِبل بعض الطباخين الماهرين ومن بينهِم نُوح، ويُوسف كان يُساعد عُمال المحل الَّذين شاركوا في هذا العمل هُم الآخرون في  حمل الأطباق ورصِّها على المائدة، وهارون وخالد يضعون زجاجات المياه المعدنية والعصائِر والتمور أمام الجالسين بسُرعة فلم يتبقى سوى دقيقة فقط على انطلاق الآذن، وبعدها بدأ الشبابُ يجتمعون معًا ووقفوا قبالة المائِدة بعد أن أتموا مُهمتهِم بنجاح، وكُل واحدٍ منهُم يحملُ في يدهِ كوب مياه وبعضٍ من التمرات حتى صدحت الجُملة الشهيرة من المسجد المُجاوِر لهُم

" مـدفع الإفطـــــار.. إضرب"، وتلاها الآذان فبدأ الجميعُ يتناولُ حبَّات التمر ويشربون من المياه عدا يُونس الَّذي هتف يُونس بصوتٍ عالٍ كي يسمعهُ جميع من يتواجد على المائِدة دون خجل..: 


_بالله عليكُم ياجماعة وانتوا بتفطروا كده إدعولي اللي بحبها تبقى من نصيبي وأتجوزها. 


_إوعا ياجامد بقى. 


صاح هارون بتلك الكلمات وهو يغمز لهُ ضاربًا كتفهِ بخاصته، وبالفعل بدأ الجميعُ يدعوا لهُ وهُم يضحكون عليه، وبعدما إطمئن الشبابُ أن كُل شيئٍ يسيرُ على مايُرام وخرج مُصطفى وحسن من المخزن، تحرَّكوا جميعًا عائدين للمنزل، وقد تحدَّث خالد لتوأمهِ الَّذي كان يسيرُ بجواره..: 


_إحمد ربنا إن أبوك وعمك كانوا جوا المخزن مسمعوش اللي قولته ياروميو لإن زمانك دلوقتي كُنت هتبقى مسلوخ. 


وضع يُونس كفَّيهِ داخل جيوب سروالهِ وهو يرُد عليهِ 

بلا مُبالاة شديدة..: 


_وفيها إيه يعني لو سمعوا؟.. دعوة أربعين غريب مُستجابة، فما بالك بقى بمتين وكمان وقت الفطار؟. 


_طيب ياعم الحبِّيب، بس أحب أفكرك إنها رفضتك لما إتقدمتلها يمكن تكون نسيت. 


_وأنا مش ناسي ياخالد على فكرة.. 


قالها يُونس بنبرة هادئِة وهو ينظُر للطريق، وتنهد يُتابع حديثهُ بإصرارٍ قد تجدد بعد حديثهِ معَ يُوسف..:   


_بس دي رَامَ الَّله.. يعني الواحد عشان يوصلها لازم يسعى جامد لحد مايفُوز بيها. 


_مش مصدَّق إنك بتحبها للدرجاتي بجد.! 


مسح يُونس على رأسهِ يُجيبهُ ببسمة إرتسمت على ثُغرهِ وهو يُحاولُ وصف مشاعرهِ الَّتي يكنُّها لها لشقيقه..: 


_ إنت عارف.. هي بالنسبالي عاملة زي الشفشق اللي مليان مية ساقعة ومحطوط قُدام واحد صايم في عز الحر  وهيموت ويشربه بس مش قادر عشان عارف إنه حرام، وقدِر يمسك نفسُه بالعافية لحد ماجه وقت الفطار. 


أنهى يُونس حديثهُ موجِّهًا بصره لخالد الَّذي كان يتطلَّعُ لهُ بإستغرابٍ كبير من حديثه، فأردف يقُول بنبرة مُغتاظة..: 


_وبعدين هو أنا أصلًا إيه اللي يخليني أقول الكلام دا قُدامك!.. دا انت واحد مابتعرفش تموڤ أون من شخصية الظابط الشرير لما بتطلع من القسم وبتتعامل مع أي أُنثى بتشوفها قُدامك كإنها ممسوكة في أداب. 


_نُوران.!! 


أجفل الجميعُ على صوت هارون الَّذي هتف بذلك الإسم، ونظروا جميعًا نحو مايتطلَّع له، فوجدوا فتاةً وقفت بسيارتِها الفاخرة أمام منزلهِم، وقد تقدَّم هارون صوبها سريعًا، بينما مال نُوح نحو أُذن يُوسف يسأله..: 


_مين المدام ولا الآنسة اللي أخوك بيجري بلهفة عليها كده؟. 


_دي نُوران خطيبتُه ياعم. 


خرجت نُوران من السيارة وإقتربت من هارون تمُد كفِّها نحوهُ ببسمة باهتة، فصافحها الأخيرُ قبل أن يُحادثها مُتسائِلًا..: 


_أنا قولت إني هرجع من المائِدة هلاقيكي في البيت، جاية متأخر يعني؟. 


_الطريق كان زحمة أوي عشان الناس كلها مروَّحة بيوتها وكده. 


هزَّ هارون رأسهُ بتفهّّم، ولم يخفى عليهِ شحُوب وجهها الَّذي يزدادُ في الفترة الأخيرة، والحُزن الواضح في عيناها الَّتي كانت تشعُّ بهجة سابقًا، وقد أجَّل سؤالهِ عن سبب حالتها لحين إتاحة وقتٍ يجلسون فيهِ بمُفردهم، وبعد إقتراب الشبابُ نحوهُما، أخذ يعُرِّفها عليهم قائِلًا..: 


_دول ولاد إعمامي. 


ثُم حوَّل بصرهِ نحو عمهِ مُصطفى وحسن وأشار لهُما مُتابعًا..: 


_ودول إعمامي.. عمي مُصطفى وعمي حسن. 


_أهلًا بيكي يابنتي. 


قالها مُصطفى وهو ينظُر لها بود، بينما حرَّك نُوح أصابعهُ يُشير لهُم بالإستعجال قائِلًا..: 


_أنا بقول نأجل التعارُف لحين بس ماندخُل جوا عشان زمانهُم دلوقتي بيدعوا علينا وأنا هموت وآكل. 


كانت هذهِ آخر الكلمات الَّتي قيلت في الخارج بعد أن تذكَّروا أن باقية العائلة تنتظِرهُم، فولجوا للداخل مُلقين السلام على الجالسين، وعندما رأت حنان الَّتي كانت على علم بمجيئ نُوران من ولدِها نهضت من مقعدها على الفور وإتجهت نحوها تجذبُها مُعانقة إيَّاها قائلة ببسمة حنونة تحت نظرات الجميع المُتسائِلة حول هويةِ تلك الغريبة..: 


_وحشاني ياحبيبتي. 


لم تعلم نُوران لماذا إجتاحتها رغبة في البُكاء وهي داخِل أحضانها الَّتي جعلتها تشعُر بدفئٍ يُغمرها، فابتلعت غصة ريقها بصعوبة ورسمت إبتسامة باهتة على ثُغرها مُجيبة بصدق..: 


_وانتِ كمان أوي ياطنط. 


وبعدها شبَّكت حنان ذراعيها بخاصَّتها وتحدَّثت تُعرِّف الجميع عليها بقولها..: 


_أقدملكُم ياجماعة.. نُوران خطيبة هارون إبني. 


إتَّسعت عينا ذِكرىٰ صدمةً مما وقع على مسامِعها، ووقفت حبات السلطة الَّتي كانت تتناولها في مُنتصف حلقها فأخذت تسعلُ بقوة، وقد ناولتها تسنيم كوبًا من المياه وهي تُربِّت على ظهرها وملامح الحُزن لأجلها سيطرت عليها، وأخذ الجميعُ يُرحِّب بها عداهُما، وبعدها نهض حسن من على المقعد بعد أن تناول كوبًا من المياهِ والعصير قائِلًا..:


_ يلا ياجماعة نصلي المغرب جماعة الأوَّل عشان منتأخرش عنها، وبعدها نرجع نكمِّل أكل. 


وبعد أن أنهى حديثهُ اتجه نحو السجادة الكبيرة الَّتي إفترشوها على العُشب من أجل أن يصلوا عليها، ورفع كفَّيهِ وشرع في تأدية الصلاة، بينما تحدَّث نُوح بنبرة مُتحسِّرة..:


_طب كُنت إستنى بس آكُل طبق الشوربة والسلطة بتوعي. 


واتجه نحو والدهِ برفقةِ باقية الرجال ووقفوا خلفهُ في صفٍ مُنتظِم، ولحِق النساءُ بهِم ووقفوا خلفهُم على بُعد مسافةٍ قليلة منهُم عدا تسنيم الَّتي سألت نُوران قبل أن تلتحق إليهِم..: 


_تحبي أجيبلك إسدال صلاة وتصلي معانا؟. 


نفت نُوران برأسها بتوتر وأجابتها قائِلة..: 


_لا ميرسي.. أنا لسا ماتوضتش وهاخد وقت. 


وبعد أن هزَّت تسنيم رأسها بتفهُّم وتركتها وذهبت للنساء جلست نُوران على أحد مقاعد الطاولة تتأمَّلهُم وهُم يصلُّون خلف حسن الَّذي كان يتلوا القرآن بصوتٍ جميل أعجبها، وقد أغمضت عينيها وهي تلومُ نفسها داخليًا على كذبها على تسنيم، هي بالفعل لم تكُن مُتوضِّئة، ولكنها لا تعلم كيفية الصلاة والوضوء من الأساس وذلك لأنَّ بيئتها الَّتي نشأت بها لم تُساعدها على ذلك، ورغم أنَّها مُتوتِّرة للغاية من العائلة الَّتي تراها لأول مرة، إلا إن شيئًا بداخلها أحبَّ هذا التجمُّع الأُسري الَّذي تفتقِده بشدة..


الصفحة التالية