رواية جديدة خبايا الهوى لهاجر التركي - الفصل 22 - 1 - الأحد 7/4/2024
قراءة رواية خبايا الهوى كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية خبايا الهوى
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثاني والعشرون
1
تم النشر الأحد
7/4/2024
كانت الفرحة علي مشارف أن تدقُ بابهم، وتتغلغل السعادة إلي قلوبهم تُنير عتمة قلوبهم بالنور الذي أختفي بعد مغادرة "عُمر" للمنزل، وهو أصبحَ كئيب وكأن الروح التي تملئ المكان بهجة أختفت بمُغادرتهُ، لكنهُ ها هو قد عاد، وجلب معهُ السعادة مرة آخري، وإمتلئ المنزل بالفرح، تبعهُ ترتيبات حفل زواج الإبنة الصُغري للعائلة، لكنهم لم يفرحوا لمُدة طويلة وكأن الحياة تأبي أن تجعلهم سُعداء لمدة طويلة، فقد جاء كل شيء علي رأسهم وأنقلب الفرح إلي حُزن مؤلم للغاية، وأنقلبت الأنوار إلي الإنطفاء، تحطم كل شيء......
المكان يُغلفهُ الصمت عادا من بُكاء النساء الجالسون في صالون المنزل الكبير، مُلتفين بالسواد الحالك، ترتفع بينهم أصوات القرآن الكريم تختلطُ مع بُكائهم، الجميع يرتدي الملابس السوداء،صالون المنزل والذي كان ليلة أمس يمتلئ بالفرحة والترتيبات لتهيئة العروس والتي كانت من المُفترض أن تكون هي ملكة الليلة وتُطل بثوبها الأبيض، تحول فجأة إلي ميتم وخيمَت الكآبة بهِ، كانت "نادية"، مُحتضنة لأبنتها الكُبري والتي كانت مُنهارة بشدة لم تكفُ عن البُكاء، وبكت معها والداتها، بالرغم من قسوتهِ معها ألا أنهُ زوجها ووالد أبنائها، ويوجد عشرة طويلة بينهم........
بينما علي بُعد مسافة تتعدي الكُرسيين، كانت تجلسُ" غالية"، بملابسها السوداء ملامحها باهتة،ما حدث قلبَ كُل شيء بدون سابق أنذار، وكيف سيكون هُناك سابق إنذار أنه الموت حقُ علينا ولا يأتي بمواعيد، لكن كُل ما يشغلُ تفكيرها الآن "عُمر" زوجها، قلبها يُؤلمها بشدة عليهِ الخبر وقعَ عليهِ كـ الصاعقة، وكأنها كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، فـ زوجها كان يشعر بحدوث شيئًا علي متوقع، بداية من شعوره المُفاجئ بالإختناق، وأيضًا أستيقاظه من النوم مفزوعًا، وبعدها وقع عليه خبر وفاة والدهُ
عندما علمت هي بالخبر أولاً من أبيها الذي أتصلَ بها فور أن جائه الخبر والذي كان قد أنتشر في كُل المواقع والصُحف، أنخلعَ قلبها هلعًا كيف سيكون رد فعل زوجها بالتأكيد سيصبهُ شيئًا ما أن يعلم، كانت تخشي عليهِ من الصدمة، لكنها عندما أخبرتهُ ظل لعدة ثواني صامتًا لا يتحدث، علمت أنهُ يحاول إستيعاب الأمر، لم يبكي لم يثور لم يتحدث بأي شيء، فقط هرولاَ إلي بيت أبيهِ، تبعتهُ هي و والداتها، وقد سبقهم أبيها مع "عُمر"......
لم ترآهُ إلي الآن فقد أتت ودخلت إلي هُنا ولم تخرج من وقتها، وهو أيضًا لم يأتي، بين كل ساعة والآخري تُهاتف والدها، تطمئن عليهِ، يُخبرها أنه بخير ولكنهُ صامتًا صمتًا غريب ومُرعب في نفس الوقت......
بينما بجانب" غالية "من الناحية اليُمني، جلست شقيقة زوجها الصُغري" سيرين"، والتي كانت بعالم آخر غير الذي هُم بهِ، كانت صامتة هي الآخري تبكي بصمت دموعها تنهمر بغزارة، تبكي بمرارة وألم، لا تُصدق تشعرُ أنها في حُلم، لا بل كابوس، وتتمني أن تستيقظ منهُ سريعًا، لأنه صعب جدًا عليها.....
❈-❈-❈
قاعة كبيرة للغاية وواسعة أمتلئت بالرجال من جميع المناصب، وزراء رجال أعمال، البعضُ منهم جاءو لتقضيه الواجب والبعض الآخر مجرد رسميات لاغير ، حشد كبير من الأناس يتوافدون عليهم، كان هو واقفًا بين الرجال، يُلقي عليه العزاء كُل من يدخل، أصوات القرآن مُرتفعة تُغطي علي أصوات همهمات الرجال حول موضوع موتهِ، يومين كاملين لم يغمض لهُ جفن بل ظل مع الشُرطة يُتابع التحقيقات، رفض "عُمر"، رفضًا قاطعًا أن تدخل جُثة أبيهِ إلي المشرحة، أو يوضع بها موسًا،وأتمَ مراسم دفنهِ،بقلب مُنفطر وعقل مُغيب تمامًا عن الواقع،عندما هبط إلي المدفن ووضع جُثة أبيهِ،غصة مريرة للغاية تكونت في حلقهِ من قوه الغصة شعر أن قلبهِ يبكي قبل عوضًا عن عيونهُ، وحده الله يعلم حجم الفزع الذي يطرق صدرهِ من الداخل و يبدو وجههُ هادئًا رغم ذلك........
ما أن تم إغلاق باب مدفن أبيهِ، داهمهُ شعور أنه ترك روحهِ بجانبهُ وخرج، شعر أن العالم أصبح غير قابل للعيشِ بدونهِ، كما قالت زوجتهُ سابقًا كانت مُحقة لا نعلم قيمة الأشياء إلا بعد رحيلها الأبدي، هو الآن يعيش هذا الشعور، يَشعر قَلبهُ بالكثير من الثُقل و كأن حَجر وُضع عليهِ، إلي الآن لم تهبط دمعة كانت قدرتهُ الهائلة على الصبر والصمت تجعل الناس أحيانًا يظنون أنهُ لا تشعر، وأن قلبهِ أصبح قاسيًا، لكن لا يدرون أن ليس من الضرورة هبوط عدة دمعات لكي يُظهر الأنسان حُزنه أحيانًا يبكي القلب قهرًا في صمت......
لم يتركهُ الحاج" حلمي"، ولو للحظة، بل ظل بجانبهِ يُساندهُ ويّعاونهُ علي أجتياز تلك المحنّة العصيبة، كان كُل حينٍ وآخر يُلقي عليه بظراتهِ المُتفحصه، يقلق من ثباتهِ الذي يتأكد أنهِ مزيف، وإن بالداخل هشاشة مُفرطة، ربت علي كتفه بحنان، يبعث لهُ بنظرات تُطمئنهُ يخبرهُ من خلالها أنه بجانبهِ ومعه حتي يجتاز كل شيء....... بادلهُ بنظرة مُمتنة.
❈-❈-❈
بعد أن أنفضَ العزاء، وكانت الساعة قد تخطت مُنتصف الليل، عاد "عُمر"، مع والد زوجتهِ إلي منزل والدهِ رحمهُ الله، كان اليوم طويلاً ومُهلك للغاية علي الجميع، تقدمو إلي الداخل بعد أن رحلت النساء مُنذ عدة ساعات، وبقيا والداتهُ وشقيقاتهِ وزوجتهِ، وإبنة عمهِ، هم فقط اللذين يجلسون، والحُزن يُغلف وجوههم......
ما أن رآتهُ" أمل"، حتي نهضت من مكانها تقتربُ منهُ في لهفة، قائلة بخوف:
_عُمر شد حيلك......الخبر كان صعب علينا كلنا، أنا جنبك...
حمحمت مُصححة حديثها:
_قصدي كُلنا جنبك!
لم يهتم لها أو لِمَ قالت، هو لا يوجد لهُ طاقة للحديث أو التركيز بأي شئ، لذا هز رأسهِ بهدوء، أنتفضت "غالية"، من مكانها سريعًا، تقتربُ من زوجها بلهفة كبيرة، ثم أبعدت" أمل"، بعيدًا عن زوجها قليلاً، مُحتضنة وجههِ بين يديها قائلة بعيون دامعة:
_أنتَ كويس يا حبيبي؟
أومأ لها برأسهِ بتعب، بينما هتف بهدوء:
_الحمدلله الحمدلله!.
أستمعوا إلي صوت طرقات علي الباب، تقدمت الخادمة سريعًا، تفتح الباب، تبعهُ دخول أحدي ضُباط الشُرطة، وقد كان الضابط المسؤل عن التحقيقات في تلك القضية، تقدم منهم يُلقي عليهم السلام، ثم أخذ يُعزي الواقفين، حمحم قائلاً برسمية:
_آسف جدًا علي الأزعاج في الوقت ده، بس كان لازم إني أتكلم معاك يا عُمر، في القضية، علشان التحقيقات، وأنا فضلت يكون المقابلة هنا أفضل من القسم
_أتفضل حضرتك!.
تقدمو يجلسون علي إحدي المقاعد، بدأ الضابط في الدخول في صُلب الحديث مُباشرةً قائلاً سؤالهِ البديهي:
_يوسُف بيه كان ليه أي أعداء ؟
_حضرتك بابا كان راجل أعمال ناجح يعني أكيد ليه أعداء في كل حتة بحكم شغله ومنصبه!.
_طيب حاول تفتكر لي أي صلة عداوة بين يوسُف بيه الله يرحمه وأي حد تاني، يعني كان معروف أن بينهم عداوة؟
تنهد "عُمر"، قائلاً:
_للأسف معتقدش إني أعرف حد....
ذمَ الضابط شفتيهِ قائلاً:
_القاتل دخل البيت وكأنه كان عايش فيه عارف كل مداخله ومخارجه، ومسبش اي اثر ورآه، وده بيقول أن القاتل حد محترف ومُتمرس!، تفتكر ممكن يكون حد من معارفكم؟؟
جعد الآخر حاجبيهِ، كاد يتحدث لكن سبقهُ" حلمي"، قائلاً يوجه حديثه إلي الضابط:
_يا حضرت الظابط أنتَ كده بتدخل الشك بين الأهل....
_ولا شك ولا حاجة، ده أحتمال وارد جدًا، لأن القاتل دخل البيت من غير ما حد يحس بيه أصلا، وكأنه عايش فالبيت!.
زفر "عُمر"، بإنزعاج واضح:
_بعد أذن حضرتك كمل لأني تعبان ومحتاج أرتاح!
جلس الضابط بأرياحية أكبر، ينظر لـ" عُمر"بمكر، قائلاً بخُبث:
_سمعت أن كان فيه مشاكل بينك وبين والدك ودامت لفترة طويلة، ومشيت من البيت، أقدر أعرف أي حجم المُشكلة إللي تخليك تسيب بيتك وتروح مكان تاني؟؟
إلي هُنا وكفى، فهمَ فوراً أنهُ يُرمي إلي شئ مُبطن بكلماتهِ تلك،:
_حضرتك تقصد أي؟ وأي علاقة ده بـ إللي أحنا فيه؟
_بالعكس ده لي علاقة جدًا، كونك إنك ترفض دخول جثة المرحوم المشرحة، وكمان في بينكم مشاكل علي ما أظن أنها كبيرة، يبقي لي علاقة؟
_لا ده كده كتير بقا، حضرتك بتتهمني أن أنا إللي قتلت أبويا؟
قال كلماتهِ بإنفعال وصوتٍ عالي، تدخل زوج شقيقتهِ، قائلاً:
_أهدي يا عُمر مش كده، أكيد الباشا ميقصدش؟
_أنا فعلاً مقصدش كده يا أستاذ عُمر، أحنا بس بنحاول نلاقي خيط يوصلنا للقاتل بأسرع وقت، لأن زي ما القاتل ده دخل البيت وعمل عملته ومحدش، حس بيه وطلع منها زي الشعرة من العجين، ممكن يكرر ده تاني ويقتل حد تاني!.
❈-❈-❈
. "بعد مرور أسبوع".
أسبوعًا كاملاً قد مر عليهم مُنذ ما حدث، مر عليهم هذا الأسبوع كأنه عام كامل أو أكثر، لشدة كآبتهُ، كانت الأيام فيهِ تمضي ببُطئ شديد، والحُزنُ مُخيم علي الأجواء،وها هو يومُ جديد بكآبة أكبر........
جلست" غالية"، إلي جوار شقيقة زوجها، في حديقة المنزل، كانت "سلوي"، تجلس بملامح مهمومة حزينة للغاية، شاردة تنظر أمامها، قطعت الصمت" غالية"، تسألها:
_آدم عامل أي دلوقتي يا سلوي؟
أنتبهت لها، قائلة:
_الحمدلله سبته نايم فوق.... أنا مش عارفة بس أي اللي حصل له، الولد مش مبطل عياط يا غالية، وكل شوية يقوم من النوم مفزوع ويصوت ويقول أبعدي عني متموتنيش؟
_يا حبيبي، طيب متعرضيه علي دكتور؟
_أحنا في أي ولا في أي بس يا غالية.....ده هو بقا كده فجأة، ده حتي لما شاف مرات عمي أمبارح فضل يتشنج ويعيط ويصوت ولا كأنه شاف عفريت قدامه
قاطع حديثهم، مجيئ "نادية"، والتي تقدمت منهم مُتحدثة توجه حديثها إلي" غالية ":
_غالية حبيبتى أطلعي لـ عُمر بأكل مش راضي يأكل يا بنتي يمكن منك أنتِ يرضي؟
نهضت سريعًا، قائلة:
_حاضر يا ماما، هطلع له أحاول معاه تاني! أنا طلعت له الصبح بس قال مليش نفس
❈-❈-❈
يتذكر ذلك اليوم جيدًا،لم ينم ، وبالرغم من ألمهِ لم يذرف الدمع حتى، ولكنهُ بقيىٰ هادئًا وصامدًا في مكانهِ ،لم يصرخ،لم يثور، لم يقل كلمةً واحدة، منذ ذلك الحين وهو لا يشعر أن الذي بجوفهِ قلب،بل حُطام، أسبوع كاملاً وهو علي نفس الحال، مُمتلئ بالبكاء، فارغ من الدُّموع، لا يخرج من الغُرفة، حالة إكتئاب كُل يوم تتجدّد بِلا نهاية.....
العديد والعديد من الأحاسيس المُتضاربة والمُتناقضة يشعر بها في آنٍ واحد، كُلما تذكر أن والدهُ أتي لهُ ضعيفًا يُريدهُ بجانبهِ، وكأنه كان يشعر بما سيحدثُ له، وكيف رد عليهِ هو بكُل برود ولم يتقبل إعتذاره، يحترق جوفهِ لمجرد أن يتذكر فقط.....
طرقت خفيفة علي باب الغُرفة المُوارب أنتشلتهُ من شرودهِ الذي أصبح مُصاحبًا لهُ تلك الفترة، تبعهُ دخول" غالية"، تسير ناحيتهُ ببُطء تحملُ بين يديها صنية كبيرة قد خرجت بها والداتهُ مُنذ قليل، وأتت هي لتأدية ما لم تقّدر عليهِ والداتهِ، تركت الصنية مُتقدمة ناحيتهُ تنظر لهُ بحُزن وألم علي ما آلَ إليهِ، تتأمل ملامحهِ الشاحبة كشحوب الأموات، وجسدهِ الذي أصبح هذيل في أسبوع فقط.....
_عُمر أنا جبت لك الأكل، يلا علشان تأكل يا حبيبى، أنك تمنع الأكل ده مش حل، أنتَ بتعاقب نفسك لي يا عُمر، ده قضاء وقدر....
طالعها بنظرات مُتألمة، هو بالفعل يُمارس العقاب علي نفسهِ وبنفسهِ، لأنه يستحق ذالك وأكثر، لم يتفوه بأي كلمة فقط يُطالعها بنظرات صامتة تحمل بين طياها ما تحمل من الألم، أقتربت منهُ حتي جلست بجانبهِ قائلة بنبرة مُترجية أوشكت علي البُكاء:
_علشان خاطري يا عُمر، علشان خاطري هون علي نفسك، أنتَ ملكش ذنب....
_عايزة أي يا غالية، أنا مش قُولت مش عايز أتكلم مع حد
لم تقّدر علي أن تُمسك بنفسها أكثر من ذالك، فتسابقت دموعها علي خديها، تبكي بحُرقة وقلب مُتألم من أجلهِ:
_علشان خاطري...... متعملش في نفسك كده، أنتَ مش شايف أنتَ بقيت عامل أزاي، بُص لنفسك كده في المرايا أسبوع بس عمل فيك كده...
دموعها المُنهمرة حُزنًا عليهِ، آلمت قلبهِ أكثر، فهتفت بلهجة آمرة
_خلاص يا غالية قولت مش عايز أسمع حاجة، ولا أتكلم مع حد؟ وبطلي عياط، بتعيطي علي أي كُنت مُت يعني علشان تعيطي كده؟
قاطعتهُ قائلة بعتاب:
_بعد الشر عنك متقولش كده.....
ربت علي يديها قائلاً بتبرة مُتعبة:
_خلاص بقا... مش أنتِ عايزاني أكل؟ خلاص هأكل بطلي عياط بقا!.