رواية جديدة قابل للكتمان لخديجة السيد - الفصل 2 - 4 - السبتط 27/4/2024
قراءة رواية قابل للكتمان كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قابل للكتمان
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة خديجة السيد
الفصل الثاني
4
تم النشر يوم السبت
27/4/2024
مِقعد يهتز بإنتظام للامام وللخلف يجلس عليه شخصاً بعمر الثامنه والثلاثون بملامح حزينة وعيناه السوداء الواسعه أصبحت أكثر إسودادا عن طبيعتها وجسده يتحرك للأمام وللخلف بإنتظام وهدوء مُريب ومن حوله دُخان من أعقاب سجائره التي يتناولها واحده تلو الآخري وقف مره واحده واتجه نحو الهاتف متردداً هل يتصل بها؟ هل ستجيب ويطمئن عليها؟ هل ستتكلم لمره واحده وتخبر إياه انها اشتاقت إليه كما هو يشتاق اليها .
أبتسم آدم بسخرية مريرة لأنه يعرف الجواب، فابنته الوحيدة رنا لا تحبه ولا تفتقده على الإطلاق. تحرك بوجهه الجامد كأنه لم يتألم ولم يشعر، ولما لا وقد صار قلبه حجراً لا يشعر ولا يتألم! زوجته رحلت منذ سنوات طويلة وتركته يعيني وحده في تلك الحياة، والألم الصعب الذي يشعر به بسبب الوحدة التي يعيشها، ويتبعه ألم فراق ابنته عنه رغم أنها على قيد الحياة، لكنها ذهبت لتعيش مع خالتها وهي في الخامسة من عمرها، ونشأت و ترعرعت بعيداً عنه. فبعد وفاة والدتها ذهبت. الوصية لخالتها لأن عائلته ماتت. كل ما يستطيع قوله عنها أنها امرأة سيئة تستغل دائمًا حبه لابنته الوحيدة ضده وتتلاعب دائمًا بعقل هذه الفتاة الصغيرة.
رغم أن رنا أبنته أكملت الآن عمر السادس عشر و يحق لها حرية الإختيار الى من تريد الذهاب، إلا أنها رفضت أن تراه أو تذهب تقيم معه بالطبع! فكيف بعد تلك هذه السنوات ستختار والدها التي لم تراه إلا مرتين في الشهر على الاقل في مركز شباب تحت مراقبه خالتها الشديدة، فكيف إذن سيستطيع أن يعبر لها عن حبه واحتياجه اليها هذه الفترات القليلة.. حتى كلما حاول ذلك تأتي خالتها و تهدم كل ذلك .
ومن حينها وهو لا يعرف كيف ينفرد بابنته ويعبر لها عن حبه الشديد، ولم يعرف أيضا أن يعيش حياته الطبيعيه براحه حيث انشغل في قضيه ابنته واغلق على نفسه ولم يتزوج من بعد زوجته الراحلة لينشأ أسره من جديد.. و بالنهايه مرت السنوات والعمر! دون زوجه.. أو أبناء.
واذا حاول الآن أن يلحق أي شيء من العمر! فماذا يحقق وهو بسن الثامنه والثلاثون.. من الزوجة التي ستستطيع تقبل شخص بائس او كيف سينجب أبناء بهذا العمر ويرعاهم إلي النهاية.
نهض واقفًا فجاء وتحرك بخطوات بطيئة تجاه تلك الإله التي تكون دائما مصدر الهامه ونسيان حزنه وهي اله البيانو، المحببة لديه حيث يجد أستخدمها بمهارة جلس أعلي المقعد الأمامي
ليبدأ تحريك الأصابع البيضاء مع السواد
ليصد صوت طبيليا وبدأ العزف لعده ساعات لمقطوعه حزينه تشرح حالته البائس!.
انتهاء أخيراً واستدار برأسة، ينظر الي صور العائلة التي لم يظلون منهم اي أشخاص بالقرب منه، وتطلع نظره أخيره وهو يقف علي اطراف غرفه أبنته وسالت دموعه وهو يهمس بحزن
= مشيتي ليه وسبتيني يا أم رنا..سبتيني تايه وضايع ويتيم من غيرك كنت فاكر ان بنتنا هتتيتم من بعدك.. اتريني انا اللي اتيتمت بفراقها!
❈-❈-❈
تحركت غاده بخطوات سهلة ولجت إلى غرفة المعيشة بعد أن سمعت صوت الباب، فتعجبت من وجود منذر زوجها السابق أمامها فهو لم يأتي ولا مره بعد طلقها، لاحظت سكونه المريب يتطلع فيها فقط، أبتسمت له ابتسامة صفراء هاتفة بصوت مستفز
= منذر يا أهلا لسه فاكر تيجي تسال علينا
لوى ثغره متسائلاً ببرود متهكم
= واسال عليكي بتاع إيه؟ ده انا اما صدقت خلصت منك وطلقتك، انجزي هاتي الفلوس اللي ابويا بعتها لك الصبح دي فلوسي شقيه و مش هسيبها لواحده زيك انتٍ ما لكيش حاجه عندي.. كفايه اللي خدتيه مني زمان.. و السنه اللي ضيعتها بدفع ثمنها لحد دلوقتي من حياتي .
هزت رأسها مدركة سبب مجيئه إلى هنا، لكنها بالتأكيد لم تعطه المال، فأصبح منذر بالنسبة لها كنزًا ثمين لا تريد أن تخسره! لقد صمت عن مصائبها التي فعلتها بكل وقاحة، ولم يتحدث في الأمر بعد مع أحد! بالإضافة إلى أنه قام بتسجيل طفلها الغير شرعيا علي إسمه، و لم يعترض... والآن الأموال التي تأتيها من حماها دون جهد، بالطبع شخصيه مثلها لم تتنازل عن كل ذلك، أجابت قائلة بنبرة استفزازية
= ولو قلت لك ما لكش حاجه عندي ده حقي على راي ابوك وحق ابنك، وهو اللي اداهم لي بنفسه وقال لي كل شهر ليكي زيهم روح بقى اتفاهم معاه
ضاقت نظراته نحوها حتى باتت أكثر حدة، ثم علق بامتعاض ذو مغزى
= ابننا!! لا ولله هو انتٍ هتكدبي الكذبة و هتصدقيها انا وانتٍ فاهمين كويس ان العيل ده مش مني ده من عشيقك اللي انا شفته في شقتي وهربتيه! فاكره ولا تحبي افكرك واهو بالمره اعرف امك وابوكي وهم يشوفوا صرفه معاكي.. ما انتٍ خلاص فجرتي وما بقيتيش لاقيه اللي يلمك
استنكرت طريقته الهجومية فرغم كل ما فعلته معه لكن لم يتحدث معها بهذه اللهجه من قبل فهو بات وما زال من وجهه نظرها ضعيف الشخصيه، استشاطت نظراتها سريعًا، وردت بتشنج
= اتلم يا منذر وحاسب على كلامك، انت هتعمل رجل عليا دلوقتي بس! طب ابقي اتكلم كده وقول لابويا وانا كمان هقول على اللي اعرفه
انفعل منذر بعصبية بائنة معنفًا إياها بقسوة لم تشاهدها من قبل عليه
= أنا راجل غصب عنك، وانا مش بهددك المره دي يا غاده قسما بالله العظيم لو ما دخلتيش جبتي الفلوس اللي اديها لك ابويا وبعد كده اي فلوس يديها لك ترفضيها وتعملي نفسك ان انا اديتك.. لا هقول على كل حاجه وعليا وعلى اعدائي بقى، لحد هنا وكفايه انا اما صدقت خلصت منك ومن قرفك
جزت علي أسنانها بغيظ شديد وقبل أن تتحدث قاطعها رافع كفه أمام وجهها محذر إياها من التمادي في افتراءه قائلاً بشراسة و توعيد
= مش عاوز اسمعلك صوت وعارف هتقولي ايه، ومش هاممني ومش خايف ولا هتلوي دراعي المره دي كمان عارفة ليه.. عشان اللي انتٍ هتقولي ما عندكيش دليل عليه واحد انما انا عندي بدل الدليل عشره و اولهم ان انا اخد عينه من ابنك واثبت انه مش ابني.. ساعتها بقى هم هيعرفوا أخيرا انا كنت مستحمل ايه.. ويعرفوا الهانم اللي بيحكوا عن اخلاقها وتربيتها وهي دي اللي عمالين يشكروا فيهم وفكريني كل السنين اللي فاتت أن انا اللي جاي عليها و ظالمها مش العكس.. وبعدين حتى لو اتكلمتي هقول انك بتفتري عليا وكلامك مش صح وبتقولي كده عشان تداري على مصيبتك .
تسرب إليها هلع طفيف فسألته متوجسة
= انت بتاع كلام وبس يا منذر ومش هتعمل كده.. ايه دلوقتي بس طلعلك صوت!
نظر لها مطولاً وفي لحظة حاول أن يدلف المنزل بالقوة فارتعدت غاده من طريقة طليقها العنيفة معها وفهمت بأنه إذا دخل ستعرف العائله جميعها بما فعلته، فتوجست خيفة أن يتهور والدها عليها ويضربها او الاحتمال الاكبر يقتلها بسبب فضيحتها المداويه، نظرت له مستنكرة انفلات أعصابه المفاجئ عليها فردت بجدية
= اقف عندك انت بتعمل ايه والله ما هتخطي خطوه واحده جوه.. اوعى
توقف وهو يشعر بالانتصار، ثم فرك طرف ذقنه بيده ورد بجمود
= يبقى انتٍ فهمتي انا عاوز اعمل ايه وابوكي جوه بس برده لو مش هتدخليني هعلي صوتي واسمع بالمره الجيران عشان الفضيحه تبقى على العلني، ها هتدخلي تجيبي الفلوس ولا لاء.
ظلت واقفة في مكانها تراقبه بأعينها المحتقنة غيظًا منه حتى تحركت مضطره ان تحضر له الأموال وعادت اليه وهي تشعر بالغضب الشديد هاتفه بحنق
= اتفضل خد فلوسك وما تجيش هنا تاني كانت جوازه سوداء.. ويوم اسود يوم ما عرفتك يا شيخ.
جمد أنظاره المشتعلة عليها، فرد باشمئزاز وبسخط متعمد تحميلها اللوم لتسرعها معه
= اول مره تقولي حاجه صح هي فعلا كانت جوازه سوداء وكلها غلط في غلط من البدايه
بس اديني اهو بحاول اصلح اللي فاضل، مش هحذرك تاني اول واخر مره تاخدي حاجه من ابويا وامي وخصوصا فلوسي! يا شيخه ده انا ما شفتش واحده في بجاحتك كل اللي عملتيه ولسه ليكي عين .
نفخت بضيق شديد ثم قالت بتعمد محاوله هز كيانه في نفسه كالسابق
= هو انت مش خدت الفلوس كفايه قله ادب بقى وامشي، بس انا قلتها لك زمان و هقولها لك دلوقتي كمان يا منذر! هفضل زي عملك الاسود وقفلك طول عمرك في حياتك.. وانت مش هتقدر تعمل حاجه وعارفه ومتاكده ان كل اللي بتعمله ده مجرد تهديد وبس .. بس انا كبرت دماغي
نظر لها ليخفض عينه للأسفل و للاعلي عليها بطريقه نافره منها بشده، ثم أبتسم بحزن هاتفاً
= نفسي مره واحد تفهمي انا لحد دلوقتي اللي مسكتني مش عشان انا مش راجل زي ما انتٍ فاكره ولا ما اقدرش! الكلام مفيش اسهل منه بس انا خايف من ربنا فاكراه ولا انتٍ صحيح نسيتيه.. من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
نعم، هذا حديث صحيح رواه مسلم عن أبي هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة
لوت شفتيها بسخرية دون حديث، وظنت أن صامت على فضيحتها حتى الآن بسبب ضعف شخصيته وليس لسترها كما يقول.. فمن المستحيل يكون شخص مثله يفكر بتلك الطريقه، ثم تابع قائلاً بخيبة أمل كبيرة
= بحاول لحد اخر لحظه اعمل باللي ربنا امرنا بيه و استر عليكي لاني عارف ومتاكد لما اتكلم ايه اللي هيحصل ومش عاوز اشيل ذنب واحده زيك و ذنب عيل صغير جبتيه وانتٍ مش عارفه هتعملي ايه في الدنيا بيه.. لانك بكل بساطه مش بتفكري غير في نفسك .
تقوس فمه أكثر وهو يضيف بطريقة تهكمية
= يا خسارة يا غاده بعتي دنيتك و اخرتك عشان واحد صايع لحد دلوقتي رميكي ولو كان قد كلمته كان اتجوزك على الاقل بعد ما طلقتك بدل ما هو سايب ابنه كده يتكتب على اسم حد ثاني .. بس انا عارف ومتاكد أن هيجي يوم و ربنا ياخد لي حقي منك ومن كل واحد ظلمني في الدنيا دي
استدار ليغادر، بينما كانت غاده واقفة هناك، تشعر بالتوتر والارتباك. ولأول مرة بدأت تشعر بالقلق منه،لأنه من الممكن يتحدث عن أسرارها الخفية لقد كان على حق، لم يكن لديها أي دليل على سره. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصيبتها كانت أكبر بكثير، ولن يؤدي ذلك إلا إلى لفت الانتباه إليها، ثم إلى ذلك الشخص الحقير الذي سلمت نفسها له. بالطبع تخلى عنها، فلم يكن أمامها إلا أن تكتب طفلها باسمه. ورغم كل ما فعلته إلا أنه سترها في النهاية ولم يفضحها. والآن يخبرها أنه لم يفعل ذلك خوفا، كما فكرت واعتقدت..صمتت لبعض الوقت وفكرت هل حقًا خسرت شخصًا مثل منذر، زوجًا وسندًا حقيقيًا لها.
❈-❈-❈
وقفت سياره تاكسي أمام مطعم وهبطت منها فتاه في عمر السادس عشر ترتدي ثوبا قصير لمنتصف فخذها وتضع علي وجهها زينه كامله دلفت الي الداخل بخطوات بسيطة، نظر آدم من بعيد علي أبنته وعلي ما ترتدي وشعر بالاسف على نفسه وعليها فهذه تربية خالتها التي تتركها تخرج وتسافر بالايام وحدها دون حتي ان تكلف نفسها بالسؤال أين ومع من..!!
حاول كثيراً أن يأخذها منها لكنه فشل، وكان ينتظر بفارغ الصبر أن تصل الى السن القانوني حتى تختار ولكنها بالنهايه فضلت الجلوس مع خالتها، عليه ان يعترف هو خسر ابنته للأبد! لم يستطيع أن يفرض السيطرة عليها ولا لمره ولا يأمرها بأي شيء ويعلمها كيف تكون الاخلاق وبر الآباء لكنها لا تهتم اليه مطلقاً والى رأيه الذي لا يعجبها.
بلل شفتيه بلسانه وهو يراقب أبنته القادمة حتى استقام واقف يقول لها بلهفة وحرارة
= ازيك يا حبيبتي عامله ايه وحشتيني
جلست أمامه بكل برود وجفاء، وسألته مهتمة وقد تشكل على ثغرها ابتسامة عابثة
= جبت الفلوس اللي قلت لك محتاجاها
لوى آدم فمه بتهكم يجيب ببطء شديد
= طب قولي لي انت كمان وحشتني حتى! هو انا مش ابوكي يا رنا برده
رسمت رنا له تلك الابتسامة الباردة نفسها وهي تقول باقتضاب
= آه طبعاً وحشتني