رواية جديدة ما بين العشق والهوس لأمل نصر الفصل 4 - 2 - الثلاثاء 16/4/2024
قراءة رواية ما بين العشق والهوس كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ما بين العشق والهوس
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الرابع
2
تم النشر يوم الثلاثاء
16/4/2024
قطبت قليلًا بتفكير قبل أن تُجيبه بتذكر:
-نعم تذكرته، ولكن لن استخدمه، فهاتفي الأساسي يعمل جيدًا، لذا فقد اخذت هاتفك وخبئته مع الأشياء القديمة بغرفة الخزينة.
عاد برأسه للخلف يرد مستنكرًا فعلها:
- أما وجدتي سوى أشيائي القديمة ان تضعي بها الهاتف يا عزة؟ لابد أن شاشته انكسرت الاَن أو أنه هو نفسه تعطل، كنتِ حافظي عليه أو ع الأقل تُخبريني حتى أفعل انا.
أجفلت عزة من قوله الحاد واتهامها بالإهمال أو التقصير، فدافعت ترد بلهجة معاتبة:
- هاتفك لم يتأذي يا عمران، لقد وضعته بخرانة الملابس، ولو دخلت الغرفة الاَن لن تتعب في البحث عنه سوى بوضع يدك على الرف الأعلى في الضلفة الوسطى.
أشرق وجهه ليزيد من دهشتها وانتفض ناهضًا عن طعامه معها بابتهاج قائلًا:
- حسنًا يا عزة شكرًا لكِ لاحتفاظك بهذا الشئ العزيز على قلبي، ولتعذري حدتي، فقد ذكرت لكِ عن معزة هذا الهاتف بالنسبة لي.
ختم كلماته وتحرك سريعًا من أمامه ذاهبًا نحو الغرفة المقصودة، لتغمغم من خلفه بتعجب:
-عزيز عليكِ! لم تذكر لي سابقا هذا الأمر يا عمران!!
❈-❈-❈
وبداخل الغرفة التي دلفها سريعًا قاصدًا خزانة الملابس، ليفتح ضلفتها ويخرج الهاتف على وصف زوجته كما ذكرت، وجده بالصندق الورقي الفارغ ليتناوله على الفور ويضعه على الشاحن حتى يتمكن من تشغيله، فجلس على طرف التخت القديم بجواره ينتظر لدقائق.
جال بعينيه على الأثاث المتهالك والذي قضى عليه نصف عمره تقريبًا في غرفة الحديقة، كطفل ضال يقاسي وحشة الوحدة في غياب الأهل والجميع عنه، وكأنه لا يملك العائلة.
تنهد يتطلع جيدًا إلى نظام الغرفة المرتب رغم تكدسه بالاثاث والأجهزة الفاقدة للصلاحية بتعطلها، يبدوا أن عزة الطيبة كما تهتم بنظافة المنزل تهتم أيضًا بتنظيم الغرفة رغم عدم الداعي لذلك.
ربت بكف يده على المرتبة المهلهلة أسفلة، والتي خرج منها معظم الحشو بداخلها من القطن، ليتذكر نعومة مرتبته مع عزة الاَن وملمسها المريح، فيتحسر على هذه الأيام الخوالي وما كان يقاسيه بها.
نفض كفيه من الأتربة التي علقت بهما ليتناول الهاتف ويحاول بتشغيله، ضغط لدقائق على زر الباور حتى فتح، ليتهلل وجهه وهو يقلب في الصور العديدة التي كان يلتقطها قديمًا للطبيب وعائلته منذ دراسته.
هذه كانت اول واحدة التقطها له بعمر ١٦ عشر في الأحتفال بعيد ميلاد والدته، والذي أقيم في الحديقة وحضره العديد من أصدقاء العائلة وشاهده هو بزواية ما مظلمة بالحديقة.
يرى منها البشر ويشاهد الإحتفال ويلتقط الصور، دون أن يراه أحد أو تزعجه نظرات الشفقة والتعجب، كاللعبة الشهيرة والتي تسمى صندوق الدنيا، حينما يدخل الطفل تحت الغمامة السوداء.
فيشاهد بعينيه في الثقب الصغير ما يبهره من قصص وحكايا يرويها الرجل صاحب اللعبة، ولكن هو كان بزاويته يرى القصص بدون شرح أو تفسير، لأنه لا يحتاج، فيكفيه الحلم والتخيل فقط ليعيش بعالمه الذي يخلقه لنفسه ويتكيف عليه.
ظل يقلب في الصور ويتذكر كل واحدة بتاريخ حدثها مع ذاكرته القوية والتي تسعفه على الفور بالزمان والمكان، حتى أخذه الوقت وغلبه سلطان النُعاس على تخته القديم، فلم يستيقظ سوى بعد مدة طويلة من الوقت لم يعرف بها .
تثائب ينزل بجسده على الأرض، وعظام ظهره تأن من وجع من النوم على السرير القاسي، وتناول هاتفه ليجده قد أكتمل شحنه للمئة، ليعلم أن نومته مر عليها أكثر من ساعتين، ساعتين ولم تمر به عزة أو توقظه أم أنها ظنته نائم بغرفته، يبدو أن هذا هو الظن الأكيد.
خطا يجر أقدامه الثقيلة حتى خرج من الغرفة القريبة من مدخل المنزل، أغلق على مقبض بابها جيدًا، ليُتابع بسيره بتجاه غرفة نومه أو مخاطبة عزة عن نسيانها له نائما على تخت القديم، ولكنه تجمد فجأة وتسمرت اقدامه برؤيتها، جارته العزيزة؛ كانت واقفة أمام المراَة الكبيرة الملتصقة بجدار الحمام من الخلف.
تتأمل بوجهها جيدًا تلوك فكها وكأنها تمصغ بالعلكة، تراجع للخلف سريعًا حتى تخفى خلف دولاب الاَواني الثمينة (نيش) حتى لا يفوته هذه الرؤية عن القرب وبعيدًا عن ثقب باب الغرفة، تحرك بأكتافاها يمينًا ويسارًا بتخايل بنفسها، فيهتز معها باقي جسدها الممتلئ .
-بلهاء بلهاء.
هذا كان ما يردده بداخله وهو يجزم أن هذه المرأة تجذب الفرد نحوها لاستغلالها حتى لو لم تكن هذه فكرته بها من البداية، إعجابها بجمال صورتها ينسيها العالم وينسيها حتى موقعها في مكانٍ آخر غير منزلها .
-كل هذا بالحمام يا ابتسام؟
هتفت بها من داخل المطبخ عزة لتستجيب لها الأخرى بالذهاب على الفور تردد ضاحكة:
-لقد خرجت من الحمام منذ فترة، وأخفضي صوتك
حتى لا يشعر بنا زوجك ويستقيظ من نومه.
قالتها وجلست بجوارها تشاركها التحضير لطعام الغذاء الذي تعده معها، باستغلال وقت نوم ازواجهما، تتسامر بالحديث بانطلاق عن عصام وفعله الغريب:
-أقسم بالله يا عزة سيتسبب لي في أزمة قلبية يوما ما، أنا لما افهم لما يفعل هكذا معي؟
تنهدت عزة تطالعها بابتسامة غامزة وهي تنقي في الأرز بيدها:
-لأنه يحبك؟
افتر فاهها تطالعها بعدم تصديق:
-كيف؟ وبالأمس قطع أمعائي بنصل كلماته السامة؟ إنه مجنون يا حبيبتي مجنون صدقيني.
ضحكت عزة بصوت عالي نادرًا ما يصدر منها لتقول لها:
-حتى لو كان مجنونًا حبيبتي، مدام ينهي شجاره دائمًا بالفاكهة المحببة إليكِ نغفر له ونتقبل الصلح، اليس كذلك؟
قالت الأخيرة وهي تُشير بيدها إلى الطبق الموضوع به حبات التين أمامها على الطاولة، وقد أتت به ابتسام معها منذ قليل، والتي استجابت للضحك معها تتناول من الطبق واحدة كببرة وطازجة قائلة لها:
-نعم اغفر واتقبل الصلح حتى لو لم يطلب مني، ولقد أتى بأفضل شئ أحبه على الإطلاق.
توقفت لتتناول منه بتلذذ شديد بالطعم السكري لتنابع:
-امممم يا عزة الوغد يعلم جيدًا بنقطة ضعفي.
رمقتها المذكورة بدهشة شديدة لتقول بتسلية:
-ألهذه الدرجة انتِ تعشقي التين؟ محظوظ أنت يا عصام، متزوج من امرأة بكيلو واحد من التين لن يكلفه أكثر من عشرين جنيه، قادر على أن تملكُها.
ردت ابتسام قائلة بغبطة وتأثر:
-السر ليس بثمنه أو طعمه اللذيذ، هذا التين يذكرني بذكرياتي الجميلة في حقل جدي، فقد كان يملك شجرة كبيرة له بجوار نخلة زُرعت معها في وسط أحواض الخضر .
حيث كنت اذهب معه دائمًا الهو واللعب حوله وهو يعمل بتنظيف حوض القمح من الحشائش الضارة أو الجني أو الحصاد، في كل مرة أطلب منه أن يأتي إلي بالطازجة الحمراء من أعلى الأغصان والتي لا يصل إليها أحد سوى هو بعصاه الغليظة، هو الوحيد الذي كان يدللني.
قطبت عزة تسالها بتعجب:
-الوحيد! ووالديك؟ أليسوا على قيد الحياة كما تذكري لي دائمًا؟
مطت بشفتيها ابتسام وهي تلهي نفسها بتنقية الأرز معها:
-نعم لدي، ولكن أمي حازمة ولا تقبل الدلال للبنات ، بل هي شديدة المعاملة معنا نحن الخمسة، وذلك لقناعتها الدائمة أن الدلال يفسد الفتيات ويجعلهن مائعات.
توقفت لترفع انظارها إلى عزة التي كانت تبتسم بخبث قائلة:
-وانتِ الاَن لست مائعة؟
أستجابت لها ضاحكة ترد:
-لا لست مائعة يا عزة أنا فقط ناعمة وأشعر جيدًا بأنوثتي التي يحق لها الدلال، هذا حقي وحق كل امرأة، جدي رحمه الله كان يدلل جدتي وقد زرع شجرة التين والنخلة مخصوصًا لها وسط أحواض الخضرة.
كنت اراهما بعيني وأنا صغيرة وهو يدللها بست الحسن والجمال وهي كبيرة ووجهها ممتلئ بالتجاعيد فيشرق وجهها بالفرح لتعود اربعين سنة للخلف وكأنها طفلة صغيرة، تُجيد الدلال مع والدها، عكس أبي وأمي.