-->

رواية جديدة نسائم الروح الجزء الثاني من ميراث الندم لأمل نصر الفصل 17 - 2 - الخميس 11/4/2024

  

قراءة رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى







رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل السابع عشر

2

تم النشر يوم الخميس

11/4/2024



بعد دقيقتين من دخولهم اليه

حيث كان يوزع ابصاره عليهم، دون النطق بكلمة، رغم تقديره لحديث غازي الدهشان. 

- ها يا بسيوني، انا عارفك عاجل وبتوزن الامور صح، اكيد جدرت وفهمت دلوك، ياللا بجى ريح جلبنا بردك .


تنهد بملامح مبهمة، يخفي من خلالها القبضة التي تعصر قلبه، مع كل نظرة نحوها، وهي ترتجف امامه، بأعين مترجية كي يسامحه، في خطأ كان المتسبب الاساسي فيه والداهما، بعدما تخلى عنهما كالعادة .


ود ان يفتح لها ذراعيه لترتمي على صدره كالعادة ويضمها اليه مهونًا، ولكن مع رؤيته لتشبثها بذراع الاخر، وكأنه تحتمي به.....، وكأنها وجدت سندا غيره، وتبيت في منزل واحد معه........

غلت الدماء برأسه، وشعور بغيض يتسرب اليه، لتنقبض ملامحه بعدم احتمال قائلًا:


- معلش يا غازي بيه، معلش ممكن نأجل اي كلام في الموضوع ده، اتا تعبان وعايز أريح دلوك. 


❈-❈-❈


دلف عائدًا الى المنزل بخطوات ثقيلة بالكاد تتحرك اقدامه، متهدل الأكتاف، محني القامة، وكأنه رجل فاق عمره الثمانون، وقد رسم الحزن لوحة بائسة على صفحة وجهه، لا يدري كيف استطاع الوصول الى هنا؟ رغم استطاعته الذهاب بمساعدة سليمة الى والدته ليرتمي في حضنها، والبكاء كطفل صغير، يفضي لها بالهم الذي قسم ظهره...... ربما الخزي هو الذي منعه ، وقد تعرى اليوم امام نفسه ليكتشف حقيقته، حقيقة للرجل الأحمق الذي عاش لملزاته وغروره برغبة عمياء لكسر المرأة الوحيدة التي أحبها، حتى لا تكون لها الأفضلية الدائمة عليه، فخسر في سبيل غروره والحقد ، ابناءه الاثنان وهو يستحق.


وقعت عينيه على زوجته الثانية، تحتل مقعدها بوسط الصالة بشرود اعتاد عليه مؤخرًا منها، بوزن نقص نصفه، حتى هي رغم جبروتها يحمل ذنبها الاَن:


- ازيك يا شربات. 

القى تحتيه وبجسده يسقط بجوارها جالسًا، التفت اليه برأسها، تجيبه بفتور:


- انت جيت، اهلا .

- انا بسألك ازيك يا شربات عشان اطمن عليكي، ايه عاملة دلوك؟

بزغت نصف ابتسامة ساخرة على زاوية فمها، ترمقه بنظرات لم يكن يفهمها قبل ذلك الا اليوم، انها نظرات لوم، لقد قرأها وبكل وضوح، رغم علمه بأنها مسؤلة معه في الذنب، إلا أنه ايضًَا لا ينكر انه يتحمل معظمه.


- شربات البنتة عايزينك، فوجي عشانهم ان ماكنش عشانك.

حركت رأسها بمزيج من الحنق والاستهزاء، لتنهض من جواره، تاركته يتطلع في أثرها، بحسرة أصبحت ملازمة له، بعدما استفاق اخيرا لخييته.


❈-❈-❈


بعصبية وغيظ شديد، كانت تهتز قدميها اسفل الطاولة، بعدما طال انتظارها له، كانت تنوي المغادرة منذ قليل ولكن باتصاله ورجائه لها بألا تذهب، اذعنت لطلبه


فالتأخير قد زاد عن حده، حتى استشعرت بإهانة لكرامتها، لتنتفض تلملم اشيائها تنوي الرحيل وقطع سبل التواصل معه مرة أخرى، حتى يتأدب قبل ان يجرأ ويكررها، وقبل ان تتحرك قدميها تفاجأت به امامها:


- ايه؟ انتي كنتي ماشية ولا ايه؟ دا انا ما صدقت ووصلت. 


قالها بأنفاس لاهثة وكأنه عائدًا من سباق عدو 

نظرت اليه بضجر رافعة حاجبيها المنمقين بتعالي قائلة:

- وعلى ايه؟ ما كنت استنى احسن ولا متجيش خالص ، انا اساسا ماشية......


همت لتركه ولكنه منعها بأن اطبق على كفها قائلًا:

- استني يا فتنة، انا كان عندي عذري في التأخير، اسف يا قلبي لو زعلتي؟

حدجته بنارتيها تنهره:

- انت جاي دلوك تتأسفلي، بعد ما لطعتني ساعة كاملة في انتظارك، ابعد، حل يدك عني بدل الم الناس عليك وافضحك 


قابل غضبها بهدوء مستفز يهادنها:

- طب انا موافق على اي حاجة تعمليها، بس المهم تسمعيني الاول، يمكن ترضي عني لما تعرفي السبب ، ومحدش عارف، يمكن تفرحيلي


افرحلك؟! ليه ان شاء الله؟ لتكون اتجوزت؟

تمتمت بها بامتعاض، بعدما اجلسها بلطف وحزم، لتواصل اعتراضها امام ابتسامة عابئه منه أثارت حنقها:

- انا بجول اروح احسن بدل ما ينفلت لساني بكلام ميعجبكش.


ردد خلفها مستنكرا بمكر:

- يا ستي وانا متأكد انك هتصفي دلوقتي وتبقى عال لما تعرفي المفاجأة اللي محضرهالك؟


- مفاجأة ايه؟

اجاب عن سؤالها بثقة:

- انا النهاردة افتتحت المقر الجديد لشركتي هنا في المحافظة، يعني خلاص هانت عشان اتقدملك عن قريب.


ارتخت تعابيرها، وبدا الاهتمام جليًا في نبرتها:

- يعني ايه؟ جصدك ان السيولة اللي كنت بتتكلم عليها اتوفرت؟


- مش بنفس المعنى يا روحي، بس تقدري تقولي انها البداية وقريب اوي هيحصل اللي قولتلك عليه، المهم بقى انا عايزك تشوفي مكتب الشركة، وتقولي رأيك في زوقي، 


- اروح معاك فين؟ مكتب ايه اللي اروحه؟

- ما قولتلك يا قلبي، انا عايزك تيجي معانا وتتأكدي بنفسك من صحة اللي بقوله،


❈-❈-❈


اثناء عودتهم من المشفى وبداخل السيارة التي استقلاها اربعتهم ، عارف كان يقود في الأمام، ووفي الكرسي المجاور ابن عمه غازي، وزوجاتهما في الخلف، 

فكان الحديث الدائر، بينه، وبينهم:


- بسيوني شكله النهاردة مكانش يطمن، حتى انت يا غازي، برضك متغير من بعد حضورك التحقيق، 

قالها عارف بفراسة موجها الخطاب اليه اثناء قيادته السيارة.


وافقته نادية الرأي:

- والله انا جولتها من الاول، بس واد عمك لوعني في الكلام واتهرب.


رمقها بنظرة عاتبة، فتابعت بإصرار:

- ايوة يا غازي، اذا كان واد عمك نفسه خد باله، يبجى انا معايا حق


تدخلت روح هي الأخرى:

- معلش يا غازي يعني من غير غلاسة، هي اسرار حربية ولا ممنوع فيها النشر، احنا بنتكلم يا واد ابوي عشان نطمن


خرج رده البهم اخيرا بغموض:

- ومين جال ان المعرفة دايما بتطمن؟ احيانا كتير بيكون الجهل نعمة لصاحبه. 


قال الأخيرة بنظرة واضحة نحو زوجته، والتي استبد بها الفضول تطالبه بتحفز:

- شكلك جاصد الكلام يا غازي، انا من رأيي تتكلم احسن، لأن الجهل عمره ما كان نعمة.


كانت نظرته اليها ابلغ من أي حديث، ليربع ذراعيه فوق صدره، طارًا زفرة قوية، وقد حسم الامر بداخله قائلًا:


- انا هحكي باختصار عن اللي شهد بيه بسيوني. 


❈-❈-❈


انتهى من وضع الطعام في الأطباق التي رصها على السفرة الصغيرة بنظام، لتشجع على الشهية، قبل ان يهتف مناديًا باسمها:


- وردة، ياللا عشان تاكلي معايا...... ناوية تيجي 

يا وردتي ولا ادخلك الأوضة اسحبك منها احسن.....

وردة.....


- - خلاص..... انا جيت اهو .

تمتمت بها وهي تخرج من الغرفة على عجالة بعدما اضطرها لذلك، حتى لا ينفذ تهديده ويدخل اليها كما قال، 


برغم التسلية التي شعر بها إلا ان رؤيتها بهذا الحجاب الذي كانت تلفه حول رأسها بعجالة، جعل ابتسامته تخبئ على الفور، ليسحب لها الكرسي كي تجلس ويأخذ هو مقعده قبالها بوجه واجم، يعلق ساخرًا بعتب:


- على فكرة مش هتاخدي ذنب لو خرجتي كدة من غير حجاب ولا جوزك الغلبان شاف شعرك. 


- جوزك

غمغمت بالكلمة داخلها وكأنها لم تستوعب بعد، لتعتلي معالمها الحيرة، رغم الحرج الذي اكتسحها من تقريعه المباشر، ليخرج صوتها بتلعثم:


- مما انا متعدوتش اطلع بشعري جدام اي حد......

توقفت على نظرته الحادة لها، لتبرر على الفور:


- يا يوسف ما انا متلغبطة ومش فاهمها اساسا الجملة دي، اللي بتجول عليه جواز دا تم في ظروف غريبة، ودلوك اخويا صحي وبصراحة مش عارفة ان كان هيجبل ولا.....


- ولا ايه يا ورد.....

قاطعها بها ليردد بتصميم:

- انتي مراتي، فاهمه يعني ايه مراتي؟ يعني دا امر مفروغ منه، اما بقى عن موقف اخوكي، ف انا مقدر وصابر لحد ما يرضى ويبارك، بس دا مش معناه انه يفرقك عني، انا متزوجك على سنة الله ورسوله، يعني مش لعب عيال......


قال الأخيرة بانفعال جعلها تطالعه مشدوهة، ليستأنف ويفاجئها:

- إلا إذا كنتي انتي نفسك رفضاني، ورافضة استكمال جوزانا..... ممكن دا يحصل يا ورد؟


- هو ايه؟

- انك تكوني رفضاني...... انتي فعلا رفضاني يا ورد؟ 

حينما ظلت صامتة عاد مشددًا بالسؤال:

- رفضاني يا ورد؟


بصيحته الاخيرة تحركت رأسها بالنفي دون تفكير، وكلمة واحدة مقتضبة منها اعادت لقلبه الحياة:


- لأ 

تبسم بوسع فمه، يتأمل خجلها بعدما اجبرها على الرد الذي أثلج صدره، ليزفر بارتياح متمتمًا:

- وانا مش عايز اكتر من كدة منك دلوقتي، تكفيني الكلمة الصغننة دي، وعلى رأي عمنا عارف نصبر


❈-❈-❈


لم يكن غافلا عن تغيرها من وقت ما قص امامهم الحقائق التي ذكرها رجله الاول والشاهد الوحيد على القضية، ولكن ظل صابرا حتى اختلى بها داخل غرفته، بعد عودتهم للمنزل، ليياغتها اللان بسؤاله:


- مش مصدجة صح؟

استدعى انتباهها لتناظره بتساؤل:

- ايه هو ده؟


رد بابتسامة جانبية خاليه من اي مرح:

- عن اللي واخد عجلك يا نادية، ومخليكي سرحانة وعنيكي فيها الف سؤال وشك، اتكلمي متخليش حاجة في نفسك. 


ردت بحدة وكأنه ضغط على زر الانفجار:

- بصراحة ايوة يا غازي، انا عمري ما اصدق على حجازي حاجة زي دي، ازاي يعني؟ كيف؟ حجازي لا يمكن يعمل كدة، دا جوزي اللي انا عرفاه وحفظاه ...


- انا اللي جوزك دلوك مش هو.....

هتف بها غاضبًا واشتعلت عينيه بنيران اتقدت تحرق فؤاده، ليتابع امام ذهولها:


- الله يرحمه مكانش ملاك، كان بشر ومن الوارد جدًا ان نفسه تضعف جدام حاجة كبيرة وضخمة زي دي، ثم ان الكلام ده مش كلامي، دي شهادة من حضر وشاف وسمع بنفسه، ولا تكوني مش مصدجة بسيوني؟


ابتلعت ريقها تستدرك هفوتها، لتردف مصححة:

- انا مجصديش طبعا اشكك فيك ولا في بسيوني، انا بس مش جاردة استوعبها، حجازي كان....

- خلاص....

هتف بها مقاطعًا بعدم احتمال، ذكرها لإسم الراحل وما تحمله داخلها من رصيد يجعلها تضعه في مكانة خاصة منزهة عن الجميع، تزيد من احتراقه، وكأنها تضغط بقوة على جرحه الغائر، حتى تجعله يتلوى من الألم، لينهض فجأة قائلًا:


- انا جايم اشم هوا برا البيت.

قالها وتحرك ليرتدي سترته الجلدية التي خلعها منذ قليل، لتستفيق من غفوتها تسأله:

- هتروح فين يا غازي؟ احنا لسانا راجعين من برا. 

- غاير في داهية. 

غمغم بها بصوت خفيض، متجنبًا الرد عليها، حتى غادر الغرفة، دون ان يريحها بكلمة، ليتركها في تخبطها، وهذه الحروب الشنعاء التي تدور برأسها.


الصفحة التالية