-->

رواية جديدة نسائم الروح الجزء الثاني من ميراث الندم لأمل نصر الفصل 18 - 1 - الإثنين 15/4/2024

  

قراءة رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى







رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الثامن عشر

1

تم النشر يوم الإثنين

15/4/2024



(داخل غرفة معتمة، وجدرانها المتشققة رسمت لوحات من البؤس من حوله، يشعر برطوبة الأرض من أسفله، وروائح مقرفة تملأ رئتيه إشمئزاز وتقزز، والأكثر والأبشع، هو تحرك هذه الجدران وكأن فرد ما يحركها بالبطيء، رويدًا رويدًا، لتضيق وتضيق وتضيق، ثم انحسار انفاسه داخل صدره ، حتى توشك على خروج الروح من جسده، يود النداء او الاستغاثة بأحد ما ينجده، يتطلع الى السقف بأمل يريد النجاة، لكن صوته محبوس لا يخرج من حنجرته، يستمر في محاولاته دون جدوى  حتى يستسلم حين يغلبه اليأس، مقررا بداخله انها النهاية، ليرخي مقاومته في انتظارها، علٌه يجد الراحة بعدها،  ولكن فجأة يتغير كل ذلك، ويعود كل شيء لأصله، ويجده امامه! بهيئته الوسيمة كعادته، يظهر له من العدم، جالسًا على عقبيه، مقربًا وجهه منه، بابتسامة قميئة يحدثه:


- ما انا قولتلك من الأول اتجوزها يا عمر)


- اصحى يا عمر، اصحى انت في كابوس 

تلك الكلمات التي اخترقت أسماعه، ليستعيد وعيه مع موصلتها لهزهزة جسده الضخم، ليستقيظ فجأة بنظرة حادة اجفلتها لتتراجع بوجهها عنه وتستقيم واقفة، فينتبه هو لنومته جالسًا على الاَريكة، ثم مخاطبة  زوجته له بتوتر:


- انا صحيت من نومي على الأصوات اللي كانت طالعة منك، أصلي مكنتش اعرف انك جاعد هنا في الصالة والنوم غلبني وانا مستنياك ليلة امبارح فى أوضتي


ابتلع ريقه بتوجس ليسألها مستفسرًا :

- وانا كنت بجول ايه؟ ولا الساعة كام دلوك؟

- الساعة دلوك داخلة على تلاتة،  وع اللي كنت بتخترف بيه؛ صراحة مكنش مفهوم معظم كلامك، غير جولة لأ، والباجي كان همهمة، أو بتزوم جافل خشمك اكنك كنت بتحارب.... ولا بتتعرك مع حد......


 طريقتها في الشرح، وارتباكها في النظر اليه والى هيئته، والتي يعلم تمام العلم الاَن انها مزرية،  

لتواصل معبرة عن قلقها:

- شكلك حلمت بكابوس عفش، انا بجول تاجي تريح على فرشتك وتكمل نومك على سريرك ، بدل الكنبة اللي اكيد اثرت على ضهرك. 


اومأ لها بهز رأسه مخرجًا زفرات متتالية، يردد بصوت متحشرج:

- ماشي ماشي تمام ، روحي اسبجيني انتي وانا جاي وراكي.


حينما ظلت واقفة دون حراك اعاد عليها الأمر مرة أخرى:

- خلاص جولت جاي وراكي يا هدير، روحي ياللا من جدامي.


اضطرت تحت ضغطه، وحتى لا تثير غضبه ان تستجيب ذاهبة نحو غرفتها، وربما اخذتها فرصة لتهرب من امامه، وقد تمكن منها الجزع من وقت ما استيقظت من نومها على أصوات غريبة أوقفت قلبها في البداية، قبل ان تتمالك لترى من اين تأتي.

 هالها ما رأته، وقد بدا وكأنه يصارع الغرق وسط امواج عاتية، يقاوم الاختناق او الموت، لا تعلم، ولكنها خافت منه وعليه.


اما هو فقد تجمد بعض الوقت ناظرًا في أثرها، باستيعاب بطيء، انه الاَن في منزله، وفي بلدته، مع امرأة مختلفة، حر ويفعل ما يشاء، رغم تشتته الاَن والقلق الذي استبد به، ليجعل ارتخاء جسده، كمن اصابه الشلل، وقد عادت اسوء الصور بذهنه تذكره بما حدث، زوجته العزيزة تظنه حلم ، ولا تعلم انه كان حقيقة بالفعل!


زفر بقوة يطرد انفاس كالدخان من صدره عبر انفه، متذكرًا أخر ما قام به قبل ان يغلبه النعاس هنا في جلسته، بعدما راسل من كانت سببًا في كل ما عاناه السنوات الاَخيرة من أجل الوصول لها، ومع ذلك لم يصل إليها.


نظر بشاشة الهاتف، فتأكد اليه انها شاهدتها، تلك الصورة التي أتى بها من كاميرات المبنى،  اثناء لقاءه بها يوم زيارة الطبيبة، ليبعثها الاَن بغرض ان يجس نبضها في البداية، ولكنها لم ترد، لم تستفسر، لم تسب او تشتم، اللعنة، كيف لها ان تتجاهل من الأساس؟


غمغم بخشونة وقد استفزه عدم اكتراثها:

- ماشي يا ست روح، انا وراكي واما اشوف هنوصل لفين؟


❈-❈-❈


اما هي فقد كانت في هذا الوقت مستيقظة ايضًَا، جالسة بجذعها على الفراش، متكتفة الذراعين، بتفكير متعمق، وقد سرق النوم منها  رغم نجاحها في اخفاء الأمر عن زوجها، ومجاهدتها حتى لا يشعر بما يعتريها من مخاوف، فيسألها عن سبب تغيرها، تلعنه بداخلها بأبشع الالفاظ، لقد اظهر لها وجهه الدميم، خلف الصورة المزيفة، والتي انخدعت فيها سنوات، لماذا لا يتركها وحالها؟ لماذا يصر على تبديد كل رصيده من محبة لديها؟


كان لديهم قصة والقدر لم يشأ لها الاكتمال، تزوجت من غيره وهو كذلك فعل، لماذا مصر على ملاحقتها؟ وقد أصبحت زوجة لغيره، وهو متزوج من امرأة اخرى جميلة وصغيرة، رأتها بأم عينيها في تلك العيادة البائسة 


انها حتى لم تسأله او ترمي عليه اللوم لطول المدة في سفرته، رغم عودته الاَن محملا بالأموال الكثيرة كما ترى ، واستغرابها لكيفية جمعها بهذا الكم مقارنة مع من سافر معهم من شباب البلدة ومن سبقوهم......


توقفت فجأة وقد ومض عقلها باستدراك سريع ،  لتتناول هاتفها مقررة البحث به، مدام هو لن يتركها في حالها، اذن من العدل ان تتعرف عليه مجددًا حتى تعرف مع من تتعامل الاَن، وقد تأكدت ان عمر القديم لم يعد له وجود،  وربما وجدت حلا لأسئلتها


❈-❈-❈


فتحت أجفانها للنور اخيرًا، وراحة لذيذة من الدفء والأمان والرائحة العطرة تغمرها، فذراعيه ما زالت تضمها، ولم يتخلى عنها كالعادة مهما طال نومها، لقد اعتادت منه اشياء أصبحت مدمنة لها، 


رفعت ابصارها له، وكما توقعت وجدته مستيقظًا، يتأمل بها صامتًا، رغم ما تراه من  هالة حزن يطل من عينيه، لتشق ثغره ابتسامة ضعيفة ولكنها اشرقت بملامحه لها:


- صباح الخير. 

- صباح الهنا .

قالتها وهي ترفع نفسها لتقبله على وجنته، وتفاجأه للمرة الثانية، فتتوسع ابتسامته بمرح يخاطبها بدهشة:


- ايه الحكاية؟ انا بدأت اتوغوش منك يا بت هريدي. 


ردت بضحكة عالية سلبت عقله:

- توغوش مني ليه ان شاء الله؟ عملت حاجة عيب ولا حرام؟ انا بجرب من جوزي مش من حد غريب يعني .


ضحك بدوره ليعتدل بنصف نومه ويقابلها بسعادة اعتلت تعابيره مرددًا:

- لا طبعا مش حد غريب، بس انا اخاف يا غالية لا اتعود ع الدلع ، وتطلع في الاخر دي هرمونات حمل، ساعتها هيبجى مجلب وشربته. 


عادت تقهقه بمشاغبة له:

- والله يا غازي ان كان عليا، ف انا عايزاك تتعود بس بصراحة موعدكش بالاستمرارية، اللي جاي توم، يعني مش هلاجي وجت اسرح شعري حتى .


كانت تتحدث بغبطة تغمرها ، لتثير انتباهه ويسألها:

- بس انا حاسك فرحانة جوي من ساعة ما عرفتي انهم عيلين، دا انا على كد فرحتي بيهم، وان ربنا بيزود في رباط المحبة ما بينا، لكني بحسك فرحانة اكتر مني  


مررت بكفها على البطن التي تحمل الاطفال داخلها، لترد بتنهيدة خرجت من القلب:

- انا مش فرحانة وبس غازي، لا، دا انا حاسة نفسي طايرة من وجتها، من وجت الدكتورة ما خبرتني، اصل انا بحب الاطفال جوي، ومن زمان نفسي يبجى عندي عيال كتير، 


لانت ملامحه، يطالعها بحنو ، وقد لامست كلماتها شغاف قلبه،  لامست حلمه بأنها تريد مزيدًا من الإنجاب منه،  وهي أحب الأمنيات على قلبه، يبدوا ان الصبر يؤتي ثماره معها.


دنى يطبغ قبلة عميقة على جبهتها، ليتمتم بصوت أجش يحمل في طياته الكثير مما يعتريه في هذه اللحظة:


- بس كدة، دا احب ما عليا يا جلب غازي، شدي حيلك انتي واجدعني،  وليكي عليا نملى البيت عيال، ربي ما يحرمني منك.


- ولا منك ابدا

رددت خلفه بسجيتها، لتشعل رغبته في إعادة الوصال معها مرة أخرى، وما شرع ان يفعل حتى اجفله الطرق العشوائي على باب الغرفة:


- يا ماما، يا بابا، انا صحيت انتوا لسة مصحيتوش، افتح يا بابا انا معتز. 


ضحك غازي لينهض على الفور من تخته، ويفتح له ، ثم يتلقفه بالاحضان والقبلات مرددًا؛

- ما احنا عارفين انك معتز، هو انت محتاج تعرف عن نفسك يا باشا. 


اعتدلت بجذعها هي الأخرى، لتنزل قدميها وتنهض ببطء تعبر عن بابتهاجها لقرب الاثنان وهذه العلاقة المميزة بينهما:


- طب اسيبكم انا وادخل الحمام، عشان بعديها احضر الفطار ، تلاجي روح لساها مصحتش، خالك صحي ولا لاه يا معتز؟


- صحي وبيصلي.

اجابها الصغير، ليضيف على قوله غازي:

- اعملي حسابك يا نادية، بعد زيارة بسيوني، وبعد ما اخلص مشواري ع القسم، هاخدك انتي والباشا نجطي اليوم برا، اهو نتفسح شوية ولا نشمه هوا، 


اردف بغمزة اخجلتها لتسأل باضطراب:

- طب وروح هناخدها معانا؟


- معاها جوزها، هما هيكبسوا على نفسنا هنا وبرا، دا ايه الخنجة دي؟


تفوه بها يتصنغ التجهم ليُضفي جوا من المرح، بإلقاء الدعابات الممازحة معها ومع صغيرها


الصفحة التالية