-->

رواية جديدة نسائم الروح الجزء الثاني من ميراث الندم لأمل نصر الفصل 24 - 2 - الإثنين 6/5/2024


قراءة رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الرابع والعشرون

2

تم النشر يوم الإثنين

6/5/2024


توقف برهة ليطبع قبلة على جبهتها، ثم يردف بدمعة ساخنة وهو يضم رأسها إليه:

- متضعيش انتي كمان، انا اكتر من كدة مش هتحمل،  والله ما هتحمل.


ظل على وضعه حتى غلبه النوم، ليثقل جسده وتهدأ انفاسه، فتفتح هي عيناها اخيرا، بعد فترة طويلة  من ادعاء النوم، تطالعه بنظر  جديدة، بعيدا عن تلك الحالمية التي كانت تسبح بها سابقًا، يبدو أنها كبرت بالفعل لتفهمه وتعرف السبب وراء عنفه معها.


حينما اشرق الصباح،  انتفض الاثنان يستقيظان من نومهما على دفعة غاشمة لباب الغرفة وصيحة قوية من والدتها:


- عملت في بتي ايه يا عمر عشان تجري بيها ع المستشفيات في عز الليل من غير ما تبلغنا.


- عمل فيكي  ايه يا بتي؟

تمتمت بها وهي تدنو منها، لتتفحصها بتمعن وانفاث لاهثة، فنهض هو يرفع نفسه عن التخت، بوجه متجهم دون أن يجيبها، ثم يستقبل بعيناه دلوف والدها وشقيقته جميلة التي ما أن رأته حتى تسائلت بقلق:


- ايه اللي حصل يا واد ابوي؟ جلوبنا اتخلعت من مكانها ، مش كنت تطمنا ع البت بدل ما نسمع من الغريب والناس اللي بتهول. 


عقبت إجلال على قولها:

- تهويل ايه يا حبيبتي؟ ما هي باينة زي عين الشمس، اكيد هو اللي ضربها وسجطها، بتي ماشية من عندي زي الفل.


رمقها بتعجرف، غير متقبلًا للهجتها في الاتهام المباشر، حتى وان كان بالفعل مدان، ولكن؛ وقبل ان ينبت فمه بالانكار تفاجأ بردها:


- عمر معملش حاجة ياما، انا اللي اتكعبلت ودوخت ومحسيتش بنفسي، اما عمر ...... فهو اللي نجدني. 


توجهت في الأخيرة نحوه، ليتلقى ردها كصفعة مدوية على وجنته،  تفيقه من غروره وخسته. 


❈-❈-❈


على مائدة الطعام التي كان يتناول عليها وجبة الافطار صباحًا مع شقيقته، غير منتبهًا بحديثها، ولا بأي شيء ، فقد كان عقله شاردًا بها، تلك التي زارها بالامس في منزل عائلتها، ليتلقى منهم ترحيب بحفاوة غير عادية، وكأنهم على علاقة به منذ نشأته.


اما هي فقد كانت كلماتها كنسمات الربيع، تلطف على القلب،  لا يمل منها ولا يشبع،  حتى حينما عرضت عليه ليتشارك معها الطعام، وهم ان يرفض، غلبته بردها:


- وحياة اغلى حاجة عندك ما تكسفني، انا نفسي يبقى في ما بينا عيش وملح. 

ارتبك بحيرة ما بين الرفض كعادته مع اي دعوة يتقاها من أشخاص اغراب، وما بين ارضاءها والموافقة، لتضيف والدتها بمكر:


- ليكون لسة مستغربنا يا مشمش، ولا مبيحبش اكلنا، حكم دي نفوس يا بنتي.


على الفور كان رد للمرأة مصححًا:

- لا يا خالة ازاي بس؟ طب وربنا حاسس بألفة ما بينكم د، وكأني اعرفكم بجالي سنين مش اول مرة ادخله فيها.


تبسمت مشيرة بابتهاج لقوله:

- خلاص يبقى معندكش حجة بقى؟ ولا ناوي ترفض؟


بالطبع بعد كلماتها لم يقوى على الرفض، ليتقبل ويشاركهم الطعام المتواضع بشهية وكأنه هو الاخر،  استطعمه قبل ذلك، غريب امر هذه العائلة وامر هذه الفتاة التي شغلت قلبه وعقله بالتفكير بها.


- الجرس بيرن، يوسف وصل. 

هتفت بها شقيقته تجفله من شروده،  قبل ان تنتفض من محلها وتسرع لتفتح باب الشقة لهذا السمج، ليدلف على الفور مرددًا:


- صباح الورد ع الورد، جهزتي الفطار ولا لسة؟

- جاهز، تعالي كُل على ما انا جهزت نفسي

تمتمت بها كرد له لتسبقه مهرولة نحو غرفتها، وتقدم هو نحو المائدة يسحب الكرسي ليجلس مقابله، يضع في فمه الطعام قبل ان يلقي نحوه التحية دون اهتمام:


- صباحك فل يا بوس، عامل النهاردة بقى؟


تجمد بسيوني، يطالعه بغيظ شديد، وهو يتعامل معه بتباسط وعدم تكلف وكأنه من اهل المنزل، هذا الشاب ينوي ان يجلطه بأفعاله.


- ساكت ليه يا قلبي ؟ ما ترد .

زفر بسيوني يطرق بكف يده ليجيبه بنزق:

-  وانت مالك بالكلام يا يوسف، خليك في الأكل، مش انت برضو جاي على لحم بطنك، وملجيتش وجت تشوج فيه ريجك زي كل يوم؟ ثم تعالي هنا، انا مش كذا مرة انبه عليك، بلاها من اسم الجلع الماسخ ده.


قابل يوسف حنقه ببساطة قائلًا:

- يا باشا،  ما انا كل مرة بحاول اخد بالي، بس برجع تاني اندهك بيه من غير ما احس، ما هو دا من معزتي ليك برضو، كمان لو معايا مراتي، مش هتلاقيني بزعجك كل يوم، ما هو الطبيعي يعني، هصحى من نومي الاقيها حضرتلي الاكل والحمام، ههحتاج لإيه تاني بقى؟


سمع منه، ليقلب عينيه بسأم وضجر، متجنبًا الرد عليه،  حتى لا يزيد عليه بجداله، اما يوسف والذي كان ياكل بنهم وشهية غير ابهًا بشيء، فلم يتوقف سوى بعد ان خرجت إليه، بلهفتها تخبره:


- انا خلصت خلاص، وجاهزة عشان امشي معاك ع الكلية.


تمتم لها بانبهار وعينيه تطوف على ما ترتديه من طقم خروج جديد:

- حلوو اوي يا ورد يجنن، كان قلبي حاسس انه هيليق عليكي، وكأنه متفصل عشانك مخصوص. 


ردت بابتسامة فرحة بالجديد:

- هو فعلا جميل، انا كمان اتفاجأت بيه لما لبسته، مظبوط وتمام التمام. 


- عشان تعرفي اني مغلطش ابدا في مقاسك. 

قالها بمكر اخجلها لتطرق رأسها بحياء عنه، فجاء الرد من شقيقها المتفاجئ:


- هو انتوا بتتكلموا عن ايه بالظبط؟ لهو الطجم دا جديد يا بت؟ امتى جابه؟

خبئت ابتسامتها تجيبه بحرج :

- جابهولي امبارح.

هم ان يصب غضبه به، ولكن الاخر لم يعطيه الفرصة حينما نهض بغتة من جوراه، ليخاطبه بحزم لا يخلوا من لطف، يؤكد بتملك:


- هي دي حاجة عيب يا ابو نسب؟ ولا انت ناسي انها مراتي؟.... حتى لو ع الورق، فهي ملزمة مني في اي حاجة تخضها.


بغضب شديد صار يحدجه بسهام مشتعلة، يقابلها هو بابتسامة مستفزة، ليهتف بعدم اكتراث:

- ياللا بينا يا ورد عشان اوصلك بعربيتي ع المحاضرة، مش عايزين زعل مع الدكاترة، عايزين نعدي السنادي بخير ولا ايه؟


قالها وتحركت معه بتردد، تستأذن من شقيقها الذي لم يرد، ليظل صامتًا،  حتى خرجوا ، لطم بكفه على سطح المكتب بغيظ شديد:

- ماشي يا يوسف.


❈-❈-❈


وفي الجنوب وقد ولج منزله صباحًا، عائدًا من نوبته المسائية في العمل، ليتفاجأ بأصوات الصراخ والسباب الآتية من غرفة البنات، ليركض نحوها، فيجد امرأته ممسكًا بابنته الوسطى، تحاول ضربها والصغيرة تترجاها:


- انا هعرفك ازاي تردي عليا يا مضروبة الدم، انا هكسر عضمك النهاردة.

- ااي ياما حرام عليكي، سيبيني انا معملتش حاجة. 


خطا على الفور ، ليفصل بينهم، جاعل جسده حاجزا امنًا للطفلة التي تشبثت بظهره تتحامى به من بطش الأخرى:

- ايه؟ ايه؟ خبر ايه؟ عملت ايه البت لدا كله يا شربات، 

- عملها اسود ومزفت على دماغها، بتعصاني ومش سامعة الكلام، يبجى تاخد على دماغها عشان تتعدل. 


عقبت الصغيرة

- والله يا بوي ما غلطت فيها، انا بس بجولها سبيني اذاكر، عندي امتحان الشهر بكرة، وهي مصممة اغسل معاها المواعين واساعدها في الطبيخ، طب ما تخليها يوم تاني.


- يوم تاني ولا تالت، مالك بالعلام؟ ما انتي اخرك بيت جوزك، ولا هي مياعة وخلاص..

نهرها فايز بغضب:

- المياعة انك تفتحي عينها من دلوك ع الكلام ده يا شربات، بتجولك وراي مذاكرة يبجى سبيها يمكن تفلح، بتهجمي عليها وهتموتيها في يدك.


- صرخت به:

- تموت ولا تغور في داهية، هتبجى اعز من اللي راح، انا سيبهالك وغايرة من الأوضة خالص، جلعها على كيفك، وخيبها هي التانية. 


بصقت كلماتها وخرجت على الفور،  ليزفر بتعب،  ثم يلتف نحو ابنته التي صارت تبكي بندم وعتب:

- طب هي بتدعي عليا ليه؟ والله العظيم انا بحاول ارضيها دايما، بس كمان مينفعش اجصر في المذاكرة،  مش عايزة مجاميعي تقل، واهز ثقة الاساتذة فيا .


قطب فايز عاقد حاجبيه باندهاش لجملتها الأخيرة،  ليعقب مرددًا بتساؤل:

- تهز ثقتهم! ايه يا بتي الكلام الكبير ده، هو انتي في الكلية ولا بتطلعي من الاوائل؟


تهكم بالاخيرة ليأتيه الرد منها بتأكيد:

- ايوة يا بوي انا بطلع من الاوائل صح، والمدرسة كذا مرة تديني شهادات تقدير،  حتى شوف....


قطعت لتخرج من الادراج عدد من الشهادات بالفعل، كان يقلب ويتأمل بها بعدم تصديق، ثم رفع رأسه اليها بحزن يسألها:


- انتي شاطرة كدة من الأول،  امال ليه مكانش باين عليكي.

ابتسامة ضعيفة لاحت على وجه الصغيرة تجيبه:

- انا طول عمري زينة يا بوي في المدرسة، بس مكنتش بهتم، انما دلوك من ساعة اللي حاصل، انا بجيت حاطة همي كله في الدراسة، عايزة اطلع حاجة زينة واشرفك انت وامي يا بوي، 


- يا جلب ابوكي 

هتف بها ليجذبها فجأة، ويضمها إليه، يتأوه بلوعة، ليته اهتم بأطفاله سابقًا، ليته انتبه، ليجد منهم ما يسر قلبه وينير ظلمة نفسه البائسة:


- من هنا ورايح ليكي كل اللي تعوزيه، عشان تحججي اللي بتحلمي بيه، يوفقك يا نور عيني ويعطيكي من فضله، زي ما رطبتي على جلب ابوكي دلوك وخففتي حزنه.

الصفحة التالية