رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 14 - 1 - الجمعة 24/5/2024
قراءة رواية ليتها تعلم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ليتها تعلم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم جمعة
الفصل الرابع عشر
1
تم النشر يوم الجمعة
24/5/2024
" إضطربات وعواصِف"
كلِمتين، أو شعورين وصفوا مايمُر بهِ ويحتبِسهُ بداخِلهُ في الأوانة الأخيرة بسببِ كُثرة مُشاجراتهِ معَ عائِلتهُ وبالأخص أبيه، ورغم كُل هذا هو يجلسُ بهدوءٍ داخِل أحد المقاهي المُتواجِدة في وسط البلد، وعلى الطاولة أمامهُ يضعُ جهاز "اللاب توب" ويضغطُ على لوحة الأزرار بسُرعة ومهارة شديدين مُنتظرًا مجيئ زهراء كي يُوافيها بالجديد في القضية والَّتي بالفِعل قد حضرت بعد دقيقتين، وعندما جلست تحدَّثت بنبرة طغى عليها الحماس الشديد..:
_إزيك ياهندسة، أول ماكلمتني وقولتلي إنك جبت معلومات جديدة جيتلك طايرة.
_طب إهدي بس الأول كده عشان انتِ فعلًا بتنهجي كإنك طايرة..
قالها كريم وهو يضحك بخفة على حالها، ثُم أغلق
اللاب توب وإعتدل في جلستهِ مُسترسِلًا..:
_وأنا بدوَّر كده عادي إكتشفت إن والد عزيز طرد واحد من عيالُه من حوالي 30 سنة والسبب للأسف معرفتهوش، بس إبنه اللي طردُه واللي هو يبقى إسمه حِلمي رجع ظهر بعد ماكان مُختفي يوم ما إنطرد أول ماوالدُه إتوفى وبعدها على طول بشهر عزيز إتقبض عليِه بتُهمة مراتُه، فدا يبقى تفسيرُه إيه!
وعلى الفور ردَّت زهراء عليهِ قائِلة..:
_هو اللي قتلُه.
_إحتمال بنسبة 60 في الميَّة، وبرضوا لازم نحُط أخوه معاه التاني في دايرة الشك، بس اللي مِستغربُه ومصدوم منه هو إزاي يوصل بيهم الدرجة إنهم يعملوا في أخوهُم كده لمُجرَّد إن أبوهم كتب ليه الورث!!
أعطتهُ زهراء بسمة باهِتة مُقابل زهولهِ ثُم قالت بنبرة ساخِرة خلفها الكثيرُ من الحُزن والوجع مما تُقابلهُ من عائلة أبيها الرَّاحِل..:
_متستغربش يابشمهُندس بيحصل كُل دا عادي وأنا أكتر حد مجرب..
نظر كريم لها بإستغرابٍ شديد مما قالته، فأردفت هي مُغيرة دفة الحديث..:
_سيبك بقى من الكلام اللي يخنق على الصبحية دا وخلينا في المُهم.. أنا محتاجة منك ياكريم تجيبلي أصغر حركة لحِلمي دا وهو وأخوه حتى ولو تافهة، وأنا هروح عند عزيز واسأله ليه أبوه طرد حلمي من البيت، معلش عارفة إن الموضوع هيبقى صعب بس إنت قدها.
وفور ما إن أنهت زهراء حديثها صدح صوت رنين من هاتِفها، فأمسكتهُ لتجِد ان رقم المُتَّصِل غيرُ مُسجَّلًا، ولكنها أجابت قائِلة..:
_السلامُ عليكُم.. مين!
_أنا اللي بعتلك صورك من كام يوم يابشمُحامية.
إتسعت أعيُن زهراء صدمةً مما سمعته، وكاد كريم الَّذي كان يُتابع إنفعالات وجهها أن يسألها عن ما أصابها فجأةً، لكنها أشارت لهُ بالصمت وضغطت فوق موضع مُكبر الصوت لتفتحهُ كي يستمِعَ معها، وتحدَّثت تسألهُ بصوتٍ حاد..:
_إنت مين وعاوز مني إيه وإيه غايتك من إنك تصورني وتبعتلي صوري؟
_أنا شايف إن الإجابة على الأسئِلة دي كُلها من خلال مُكالمة تلفون مش هتبقى لطيفة، فـ إيه رأيك لو نتقابِل بُكرا في نفس الوقت والمكان اللي انتِ قاعدة فيه دلوقتي معَ البشمُهندس كريم!
❈-❈-❈
يوم أمس في المساء عندما عاد من الورشة وخطت قدماهُ داخِل المنزل، لمح إبنةَ عمِّهِ مودَّة تهبِطُ من على الدرج بسُرعة وتُنادي بإسمه، فوقف في مكانهِ يتطلَّعُ لها بإستغراب، وبعدما إقتربت منه دنى بطولهِ ليصل لمستوى طولِها، واستمع لها وهي تقولُ بأنفاسٍ لاهِثة..:
_بقالي يومين بدور عليك ومش لاقياك، وأول مالقيتك داخل أخيرًا من الباب لما لمحتك من البلكُونة جيتلك على طول.
_طب والبرينسيس مودة بجلالة قدرها بقالها يومين مستنياني ليه!
أخذت مودَّة نفسًا عميقًا في محاولةً منها لتهدئة دقات قلبها السريعة إثر ركضِها قبل أن تتحدَّث بما جعلهُ يصعق من الصدمة..:
_قبل ما خطيبتك نُوران تمشي بيوم كُنت في الحمام تحت عند جدو بالليل، وأول ماجيت أخرُج إستخبيت وراقبتها من غير ما أقصُد لما لقيتها وقفت قُدام الحوض وطلعت كيس فيه دقيق وفضته على طرف الحوض وفضلت تشم فيه، وتاني يوم كُنت قاعدة معَ ماما بنتفرج على فيلم ولقيت واحد بيعمل نفس اللي نُوران عملِتُه، ولما سألتها هو بيعمل إيه قالتلي بيشم مُخدرات، وفضلت بقى أدور عليك عشان أقولك بس مالقيتكش، وماتخافش أنا ماقولتش لحد غيرك إنت بس.
ظل هارون مُتصنِّمًا في مكانهِ مما سمعهُ منها لوقتٍ لايعلمهُ حتى آلمتهُ قدميهِ من وضعيتهُ الغيرُ مريحة، فاعتدلَ واقفًا وهو يُقنع عقلهُ بأنَّ مودَّة طِفلة وماتقولهُ بالطبع هِراء، ولكن ماجعلَ جُزءً بداخلهِ يُصدِّق هو أنَّهُ لاحظ السواد الظاهر الَّذي كسى أسفل عينيها رغم جلوسهِ القليلُ معها وأيضًا هُناك عدة أعراض قليلة يعلمُها جيدًا تخُص المُدمنين ظهرت عليها، ولكن لم يتوقَّع بتاتًا أنها تتناولُ المُخدرات، هل وصل بها الثراءُ والدلال الَّلذان تتغدَّقُ فيهِما إلىٰ هذا الحد من الإنحدار!!
بصعوبة بالِغة إستطاع هارون رسم بسمة خرجت باهتة على شفتيه، ومسَح على خُصلاتِها برفقٍ قائِلًا..:
_شُكرًا ياحبيبتي إنك عرَّفتيني، وخليكِ زي ما إنتِ ماتعرفيش حد ووعد مني هجيبلك شوكولاتة.
منذُ ذلك الحين وهُو لم يخفِض لهُ جفنٌ طوال اليوم، وعندما أشرقَ صباحُ اليوم التالي انطلق على الفور بدارجتهِ النارية للجيزة نحو منزلها، وفور ما إن وصل للمنزل ووجدها أمامهُ لم يستطِع أن يتمالك نفسهُ وجذبها من خُصلاتِها المُجعدة بقُوة جعلتها تصرُخ من الألم، وصرَخ هو أيضًا في قوله..:
_إنتِ إزاي يوصل بيكِ الدلع والإستهتار لـ إنك تبقي مُدمنة وتشوهي سُمعتي أنا وأخوكِ وتدمري نفسك.. فهــميني!
دفعتهُ نُوران بكلتى يديها بقوة قد تلبَّستها فجأةً، وقد كانت ستجيبهُ بصراخٍ مثلما فعل، ولكنها إبتسمت ساخِرة عندما أرخى قبضتهِ عن شعرها ووجد بعضُ الخصلات في كفِّه، وردَّت عليهِ قائلة وهي تشيرُ على خُصلاتها الَّتي سقطت..:
_شوفت الشعر اللي وقع في إيدك بسهولة دا!،أهو بقى دا سرطان يابشمُهندس.
في أقل من ثانية إمتزجت ملامحُ هارون الغاضِبة بالصدمة الكبيرة الَّتي أصابتهُ من قولها، وتحدَّث هو يسألُها بنبرة أقل حِدَّة وغيرُ مُصدقة..:
_وضَّحي كلامِك يانُوران وقولي الحقيقة عشان كُل اللي قولتيه دا مادخلش دِماغي.
تركتهُ نُوران وولجت للداخِل دون أن تتفوَّهَ بشيئ، فتبعها هارون ووقف في مُنتصفِ باحة الڤيلا وشاهدها وهي تصعدُ للأعلى بخطواتٍ سريعة، وبعد دقيقة عادت وهي تحمِلُ عدة أوراق، وبعد أن وقفت أمامهُ ألقت الأوراقَ برفق على صدرهِ فالتقطتهم قبل أن يقعوا على الأرض، وعندما شرِع في قراءتهِم أخذت هي تسرِدُ له ماحدث في الأوانة الأخيرة قائِلة بنبرة جامِدة..:
_من فترة صغيرة كان بيجيلي صُداع مُتفرِّق وبيروح بس كان قوي وشديد، وبعدها بدأ يزيد ويدوم معايا لدرجِة إني كُنت بعيط من الوجع، وفي مرة لما كُنت في الكافتيريا اللي في النادي جالي غثيان وصُداع أشد من كُل مرة وتنميل في الجُزء الشمال في وشي، والجرسون لما شاف حالتي إداني حباية مُسكن وأنا أخدتها منه وشربتها من غير ما أسألُه عن مصدرها، وفي أقل من دقيقة كان الوجع راح وكإن الحباية دي سحر، ولما عملت تحاليل والتعب كان بيروح وبيجي كُنت بروحلُه عشان يديني المُسكن دا بس هو مارضيش يديني غير لما أدفعلُه فلوس، وفعلًا بقيت بديلُه كُل اللي هو عاوزه مُقابل الحباية، وبعدها إكتشفت لما عرَّفني بواحد صاحبُه هو اللي بجيب الحبوب إن اللي باخدُه مُخدرات، والتحاليل طِلعت وإكتشفت إن عندي ورم في المُخ، شوفت بقى الدلع والإستهتار وصلوا بيا لفين زي مابتقول.
_طب وليه إنتِ ماقولتليش الكلام دا من الأول!
خرجت تلك الكلِمات من ثُغر هارون الَّذي يُحاول أن يستوعِب كُل ماقالته ببطئ، ولكِنَّ نُوران أعطتهُ بسمة ساخِرة رغم كلِمات إجابتِها الَّتي بان في كُل حرفٍ فيها الوجع الشديد..:
_لو كُنت فعلًا شايفاك مُهتم بيا ياهارون كُنت هحكيلك ورغم كده كُنت بلتمِس ليك أعذار فارغة وبقُول الله يعينُه دا شغال في شِركة وورشة في وقت واحد معَ إني جيت البيت بتاعكُم وقعدت يومين وكُنت بشوفك أغلب الوقت في البيت بس إنت معبَّرتنيش بكِلمة إزيك فعاوزني أشحت منك إهتمام وأقولك اللي فيا وإنت أصلًا أول ماعِرفت إني بتعاطى مُخدرات جيت مسكتني من شعري وكنت هتضربني من غير ماتفهم الأول!!
توقَّفت نُوران عن التحدُّث عِندما إهتزت نبرتها وسالت الدموعُ من عينيها، ولكنها مسحتها بِعُنفٍ وامتدت أصابع كفِّها الأيسر لتسحب من إصبعها الأوسط ذلك الخاتِم المُلتف حوله، ثُم أمسكت بكفِّهِ ووضعت بداخِلِ راحتهِ الخاتم وتابعت بهدوء..:
_أظُن إنك ماينفعش تفضل مُرتبِط بواحدة مُدمنة ومريضة، فكفاية أوي لحد هنا... إمشي ياهارون.
كاد هارون أن يفتح فاهُ ليتحدَّث ويُبرر لها، ولكنِّها صرخت في وجههِ قائِلة بأعصابٍ إنفلتت تمامًا..:
_قــولتــلك إمــشــي من قُدامي.