رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل 16 - 1 - الخميس 23/5/2024
قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية اليمامة والطاووس (روقة)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة منى الفولي
الفصل السادس عشر
1
تم النشر يوم الخميس
23/5/2024
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لتمتم متهكمة: لا ياحبيبتي أنا اللي هامشي لوحدي، بس مفكرتيش هتروحي السوق أزاي بعد مانا أمشي، ولا هتروحي تشيلي لهم الشنط.
شهقت هناء بصدمة بعدما تبينت ما يترتب عليه رحيل شوقية بالنسبة لها، أما رانيا فقد فقدت تعاطفها مع شوقية، فهي كالمادة المشعة التي يسمم إشعاعها المحيطين بها، وسطوة حماتها ستكون بمثابة صندوق رصاصي يحجب تلك الإشعاعات، ويحمي الناس من شرورها.
❈-❈-❈
جلس زينهم يفرك كفيه بتوتر وهو ينظر للباب بقلق، ليبتسم له ياسر مشجعا: متقلقش ثواني وتيجي، وأنا اتفقت مع مديرة الدار تسيبكم تتكلموا براحتكم.
ثواني معدودة ووقف مشدوها لايصدق أن تلك الفاتنة هي صغيرته، لينتبه على نحنحة ياسر يخبره بانتظاره بالخارج، غض بصره لا يعلم كيفية التصرف بموقف كهذا، كان ينتظر صغيرته تجري نحوه، تتدلل عليه طالبة الحلوى كعادتها، لتدخل عليه أنثى خجلة تتطلع إليه بحياء، ليزداد تشتته وهو يستمع لصوتها الشجي: أزيك يا زينهم.
تمتم متوترا: أزيك يا يو..أية، أزيك يا أية؟
نكست رأسها تبتسم بخجل وقد تذكرت تدليله لها، لتموت ابتسامتها ويتجهم وجهها: حقك عليا يا زينهم.
اندفع يجيبها بحمية: ليه هو أنت كنتي غلطتي في أيه، هو اللي راجل ** وأنا رجلك وكان طبيعي أدافع عنك.
ابتسمت بخجل لكلماته وهي تسأله بتوتر: يعني مش زعلان مني؟
تمتم برضا: لا طبعا ده مكتوب، هو عمره كده، وأنا نصيبي كده، وأنا دورت عليكي ياما من يوم ما خرجت.
ابتسمت بسعادة: صاحبك قالي وقالي كمان أنه لما لاقاني جيه يطمن أني أنا الأول عشان ميعشمكش، لأنك هتزعل قوي لو مطلعتش أنا.
ابتسم ممتنا لياسر: الحمد لله، أنا عايزك متشليش هم من هنا ورايح، وأول ما تطلعي من هنا هتلاقيني مستنيكي.
همست بخجل: ربنا يخليك ليا.
تنحنح مضطربا وقد مست رقتها شيئ بداخله: بس هو في حاجة كده كنت محتاج أكلمك فيها.
نظرت له باهتمام: قول.
تحشرج صوته وخرجت كلماته مبعثرة: يعني احنا مش هينفع نعيش مع بعض في بيت واحد زي زمان، عشان كدا ياسر صاحبي اقترح... اقترح اننا...
بتر كلماته لا يعرف كيف ينطقها، خشي من ردة فعلها كما كانت ردة فعله عندما حادثه ياسر بالأمر، لقد اعترض على عرض ياسر بشكل قاطع، فكيف له أن يتزوج بطفلة كانت بمثابة أخته الصغرى، أخته التي كان يطعمها ويدرسها ويدللها؟ أعتقد لحظة سمع ياسر أن الأمر منافي للطبيعة عامة ولوجدانه خاصة، انها مجرد طفلة كانت لأعوام خلت اخته المدللة، لم يراها يومًا إلا أخته، ولكن من دخلت وتقف امامه ألان شابة مفعمة بالانوثة، هذه ليست أخته أبدا، فهم ألان لما لم يتورع ياسر بعرضه أن يتزوجها، فياسر لم يراها طفلة كما يذكرها هو، بل فتاة ناضجة مكتملة الأنوثة فما الضير من زواجه منها؟ ومن أصلح منه ليتزوجها فيرعاها ويحميها ويكن لها سكن؟
خرج من شروده على نداءها بأسمه بحيرة، فهي خائفة من شروده هذا، فما يمكن ان يكون اقتراح ياسر؟ ما هذا الاقتراح الذي يجعله مشتتا هكذا؟، قررت ان تخرجه من شروده لتتبين الامر، فليس لديها الصبر اكثر وحياتها بعد الملجأ على المحك، فنادته بتوتر وحيرة: زينهم، كمل، ياسر اقترح أيه؟
أخذ نفسا طويلا وجلى صوته: ياسر قلي مينفعش تقعدي معايا زي الأول، غير لو يعني كنا متجوزين، فلو يعني ده هيضايقك، فأنا ممكن أحاول اتصرف، بس أنا قولت اقولك عشان يعني، لو هينفع يعني.
ارتبكت والجمت المفاجأة لسانها للحظات، منذ عرفت بوجوده ومن كلام ياسر تأكدت أنه لن يتخلى عنها، وأنها ستكون بحمايته، واطمئن قلبها، فمن أجدر على بث السكينة لروحها منه هو رجلها، فمنذ كانت طفلة وهو أخوها سندها، حتى يوم الحادثة رغم صغر سنها وعدم فهمها لما يفعله ذلك الرجل القذر، ألا أنها شعرت أنه شيء خاطئ وأنها مرعوبة، ورعبها شلها عن الحركة، فكان هو حاضرا ليرفع عنها الأذى كما كان دوما، لم تنادي باسمه، لكنه كان موجودا ولم يخذلها، بل هي من خذلته ودخل السجن بسببها، أودعوها الملجأ بعد أن فقدت جدتها و قيدوا أخيها، وهاهو يعود اليها طالبا فرض حمايته عليها مرة أخرى وضمها تحت جناحه كما السابق، ولكن ليس اختا صغرى بل زوجة، فهل ستختلف المسميات أذا ما كانت النتيجة واحدة؟، هي ليست صغيرة الأن حتى لا تفهم او تميز الفرق بينهما، فبنات الدار هنا بمعلوماتهن وكلامهن يجعلنا الطفلة عجوز، هي تعي تماما طلبه وكل ما قد يترتب عليها بعدما تصبح زوجته، زوجته كلمة لها وقع غريب لم تتخيله يوما، ولكنها ستقبل لتتمتع ثانية باهتمامه وعطفه ودلاله وأمانه، يكفيها أن يكون بالقرب لتشعر بالراحة والأمان، ولكن كيف ستخبره بقبولها؟ أذن سترمي كلمتها وتهرب، تخضب وجهها باللون الوردي خجلا لمجرد ان لاحت لها كلماتها الموافقة.
طال سكوتها وعدم ردها على طلبه فشعر انها تحاول انتقاء كلماتها للرفض، فقرر رفع الحرج عنها واختصار الموقف، الا أنها باغتته بكلماتها التي تلجلجلت بقولها وهي تفر من أمامه، فكانت نبرتها مختلطة بين شقاوة طفلته المدللة وبين الفتاة الفاتنة التي تعرف إليها للتو: مش أنت بتقول أنك رجلي؟ اللي تشوفه في مصلحتي أعمله.
تسمرت قدميه مكانه متسائلا هل تعني كلماتها تلك موافقتها أم أنه يتوهم.
لينتفض على صوت ضحكات ياسر العابثة: عملت في البنت أيه خليتها خارجة تجري ومش على بعضها، ووشها عامل زي الفروالة.
تنحنح مرتبكا وهو يدافع عن نفسه مبررا: مش أنت اللي قولتلي أني لازم أقولها أننا نتجوز عشان أقدر أخد بالي منها.
ضحك ياسر مشاكسا: لا وواضح أنك خدت بالك منها قوي، وعمال تقولي أختي وأمانة، أتاريك نمس وشكلك كنت خايف لتكون وحشة.
تنحنح بحرج: لا والله أنا بس كنت حاسس أنها يويو، بس لما شوفتها لقيتها واحد تانية، مش حاسس أنها أختي ولا مستغرب أني اتجوزها، خصوصا وهي مكسوفة مني كده، يويو أختي عمرها ما اتكسفت مني.
اجابه ياسر بحكمة اكتسبها بأصعب الطرق: لأنها مش أختك، والعلاقات مفيهاش زي، أيه اللي يخليك فاكر أنك هتشوفها أخت بعد البعد ده كله، والمتربين مع بعض نظرتهم لبعض بتتغير مهما قالوا زي، لأن زي ما قولتك، زي دي وهم كبير ياما أذى ناس.
تفهم زينهم ذلك الحزن بنبرته لمعرفته بما مر به، ليتمتم موافقا: عندك حق.
ربت ياسر على كتفه بود: مبروك يا صاحبي، متنساش بقى تخلي المهندس وهو بيشتغل شقتي والعيادة، يدهنلك شقتك وش نضافة، عشان تليق بالعروسة.
وقبل أن يعترض أو يجادل، ارتفع صوت ياسر مشاكسا: وأهم من الشقة الحق استر على نفسك وأعمل اللحمية، بدل متهرب منك في الصباحية ويبقى موقفك صعب.
أزاح يده عن كتفه بغيظ وهو يتركه وحيدا، مهرولا للخارج وهو يتسائل، لما لا يكف عن مشاكسته.
❈-❈-❈
دلف ياسر لمكتبه بالمزرعة ملقيا التحية على المجتمعين بانتظاره: السلام عليكم، أسف يا جماعة على التأخير.
وقف الجميع يردون تحيته، ليطلب منهم الجلوس وهو يراقب ذلك الرجل الذي يراه معهم للمرة الأولى، ليتطوع غسان بالتعريف بينهم: حضرته المهندس فهمي المهندس الزراعي، بيشرف على المزرعة أسبوع كل شهر.
ابتسم فهمي مرحبا: أزاي حضرتك يا أستاذ ياسر، برغم أن حضرتك شاري المزرعة من أكتر من تلات شهور، لكن مكنش لي حظ أني اقابلك.
ابتسم له ياسر مجاملا: ده من سوء حظي أنا، دايما مكنتش بابقى موجود في وقت الرش، بس عامة خلاص انا بقيت معكم هنا علطول.
هتف غسان سعيدا: أخيرا، خلاص اتنقلت؟
بينما صاح يوسف مرحبا: نورتوا البلد كلها والله.
ليبتسم فهمي مجاملا: أنتوا فعلا نورتوا البلد، يمكن دي أول مرة أقابل حضرتك، بس أنا تعاملاتي كلها مع الفلاحين ودايما بيدعولك بالخير.
أضاف يوسف بحماس: ده حقيقي، فكرة أنك تاخد منهم زراعتهم تبيعهلهم في المنفذ بتاع المركز رحمهم من جشع التجار اللي كانوا بيشتروا منهم برخص التراب.
هتف غسان مؤكدا: ده غير فكرة الخضار المجهز اللي شغل ستات كتير من بيوتها ورحهمهم ذل السؤال، ورفضك أنك تاخد أي نسبة ربح منهم ونسبة التوضيب اللي بتتزود على الخضار الجاهز بياخدوها هما كاملة.
تمتم ياسر مستنكرا: مش طبيعي اني أقاسم ستات غلابة في رزقهم، من شوية بسلة بيفصصوها ولا ملوخية يقرطفوها، وبالنسبة أني باخد هامش ربح بسيط من المزراعين اللي بعرض خضارهم، فده لأني في كل الاحوال دافع تكلفة النقل لمنتجاتنا ونقل منتجاتهم بالمرة مش بيفرق معنا بحاجة، ده غير أن مش لازم يبقى كل المكسب فلوس، بالعكس احنا كمان مستفيدين من تسويق زرعتهم.
تسائل فهمي مندهشا: أزاي يعني.
ابتسم ياسر موضحا: المزرعة عندنا أنتاجها كله حيواني، ووجود مزروعاتهم خلا المنفذ معرض متكامل للمواد الغذائية.
أردف فهمي مؤكدا: كونك تستفيد ميمنعش أن شراك للمزرعة فرق مع ناس كتير، وسهل حياتهم.
ابتسم يوسف مؤكدا: عندك حق، ده غير الدكتور ياسين وعيادته اللي مبتقفلش بابها في وش أي حد، معاه أو ممهعوش.
ابتسم ياسر لذكر أخيه الذي أصر على الانتقال للعيادة بمجرد إعدادها رافضا انتظار انتقالهم معه، ليبدأ عمله بهمة مكتسبا حب الجميع كأنما يغرق أحزانه ببحر العمل مستبدلا حبا ضائع، بحب جميع من حوله.
عاد من ذكرى أخيه للحديث مع الرجال عن المزرعة، لمعت برأسه فكرة طارئة، فامتدت يده بخفة نحو أحد جيبيه، مخرجا ذلك الهاتف الصغير الذي يستخدمه بحالات الطوارئ وفصل هاتفه أو نسيانه، واضعا ذلك الهاتف بأحد الأدراج خفية عن مجالسيه، ليضغط عليه متصلا بهاتفه الرئيسي، الذي ارتفعت نغمته، ليتطلع ياسر لشاشته متظهرا بورود اتصالا ما: أسف يا جماعة هارد على التليفون.
أجاب على اتصال الوهمي بصوت يبدو أنه يحاول أن يجعله خافتا ولكنه واثق بأنه مسموع لمن حوله: أيوه يا شريف أزيك...... تاني يابني أنت مش هتغير تفكيرك ده أبدا...... عارف لو بتقولي أنك عايزها تقعد من شغلها عشان مقصرة في البيت كنت وافقتك، لكن عايزني أقولك أيه وانت بتقول أنك عايز تقعدها من شغلها عشان يبقى ممعهاش فلوس وتبقى محتاجالك، ...... مراتك حتى لو مبتشتغلش فطبيعي أن أنت تعملها مصروف وتخليها مش محتاجة لأي حد ولا حتى ليك،...... أنت سامع نفسك أنت مش طبيعي...... يابني أنهي أكرملك أن مراتك تفضل معاك عشان بتحبك ولا عشان محتاجلك..... طيب لو النهاردة أنت ذللها بفلوسك هيبقى الوضع أيه لو بكرة فلوسك أو صحتك راحوا..... خايف تتنمرد عليك أحب أقولك أن عمايلك دي هي اللي هتنمردها، وهي شايفة غيرها عايشة ومتهنية وهي اللي محتاجة ومحرومة..... هي بتحبك دلوقتي لكن حبك في قلبها هيقل في كل مرة هتتسبب في احراجها وحرمانها وهي عارفة أن معاك..... ربنا يهديك يا صاحبي... سلام.
تظاهر بإنهاء مكالمته الوهمية وهو يراقب وجه فهمي الممتقع الذي يدل أن رسالته قد وصلته كاملة، معتذرا بإدب: أسف يا جماعة، كنا بنقول أيه.
ضحك يوسف بمرح: كنا بنرحب بوجودك ما بينا ونقلك لهنا علطول.
ابتسم غسان متحمسا: وأننا أخيرا هنشوف الأستاذ بودي.
ابتسم راميا بأخر سهما بجبعته: طيب بخصوص الأستاذ بودي وأمه، عرفت أن السوق هنا أسبوعي، فلو سمحتوا أول كام مرة المدامات بتاعتكم ياخدوا المدام معهم لحد ما تعرف تروح أزاي.
أجابه غسان بحماس: أكيد دي هتنبسط معهم قوي.
ضحك ياسر مشاكسا: طيب عشان أنا كمان انبسط عرفوني بتدوا المدامات في حدود كام وهم رايحين عشان أديها.
أجابه يوسف ضاحكا: اللي بتقول عليه الحكومة بدفعه وأنا ساكت، وبيبقى مختلف كل مرة حسب الحاجة اللي ناوية عليها.
ابتسم غسان: وأنا أخر واحد ممكن يفيدك، لأني باقبض من هنا واورد من هنا، ولا أعرف خدت كام، ولا هتجيب أيه ألا وأنا باكله.
ضحك ياسر موجها حديثه لفهمي: يبقى مفيش حد هينقذني غيرك بما أنك معظم الوقت مش موجود، بتسيب للمدام كام للسوق، طبعا مقصدش بالظبط، أنا عارف أن كلا ينفق من سعته، ده غير أن عددنا أكبر، لكن يعني في حدود كام بالتقريب.