رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل 16 - 2 - الخميس 23/5/2024
قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية اليمامة والطاووس (روقة)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة منى الفولي
الفصل السادس عشر
2
تم النشر يوم الخميس
23/5/2024
ارتبك فهمي لسؤاله المباغت، ليتنحنح وهو يجيب كاذبا: زي يوسف بأديها اللي بتقول عليه، [متعجبا] بس ليه تسيبها تروح السوق، واحنا عندنا حاليا كل المنتجات اللي بتتباع هناك، ومتوضبة كمان.
ضحك ياسر مداعبا: هو أنت مش متجوز ولا أيه، الست مبتفرحش غير بالحاجة اللي اشترتها بعد ما لفت السوق كله، مع أنها موجودة في المحل اللي تحت البيت عادي جدا.
شاركه يوسف الضحك: والله عندك حق، تحس أن الموضوع ده ليه متعة خاصة عندهم.
ليعلق ياسر برزانة موجها كلامه ليوسف بينما هو ينظر لفهمي من جانب خفي: حقهم نبسطهم بحاجة بسيطة زي دي، بعد التعب والحبسة اللي هما فيها طول الأسبوع، وزي ما قال رسولنا الكريم، {ما أكرمهن إلا كريم وما أهنهن إلا لئيم}.
ابتسم غسان مصدقا على كلامه: وقال كمان {خيركم خيركم لأهله}.
ارتسمت ابتسامة مرتعشة على شفتي فهمي، لينقذه من ذلك الموقف السخيف رنين هاتف يوسف، الذي انتفض صارخا بمجرد إجابته، ليسأله غسان بقلق: في أيه يا يوسف.
ليجيبه يوسف وهو يهرول للخارج: الحاجة آمنة أغمى عليها.
توتر الجميع، ليخرج ياسر هاتفه وهو يهتف بصوت عالي بغية أن يصله: أنا هاتصل بياسين وأخليه يحصلك.
ليهرول غسان لاحقا بصديقه، بينما فهمي بعالم أخر، يفكر بما سمعه، خاصة وأن هناء ترفض طاعته والذهاب للسوق منذ ما يقرب من الشهرين، وأصبحت دائمة البكاء عازفة عن الحياة، فهل أساء لها وزادها حرمانا بعدما وعدها تعويض ما حرمته قبلا، فأن حرمت فيما مضى بفعل اليتم والحاجة، فأنها محرومة الأن بفعله هو.
❈-❈-❈
انهي ياسين فحصه لتلك السيدة المسنة ذات الوجه السمح، لتسأله تلك السيدة الفزعة: هي مالها يا دكتور.
ابتسم لها مطمئنا: الحمد لله مفيش أي حاجة، هبوط مش أكتر، واضح أن الحاجة مش مهتمة بأكلها وكمان بتجهد نفسها.
بكت السيدة بانفعال مكبوت أثر سقوطها أمامها: والله كل يوم بتتعب نفسها واتحايل عليها ترتاح مش بترضا.
احتواها يوسف بين ذراعيه يربت عليها بحنان: أهدي يا وفاء ما الدكتور أهو قال أنها بخير.
نظر ياسين لوالدة يوسف عاتبا: عاجبك كده يا حاجة، ولا أنت قاصدة عشان تشوفي غلاوتك.
انتبه على ثقل ثبت بساقه فجأة يجذب بنطاله لأسفل برقة، تطلع لمصدر الجذب ليرى ذلك الكائن الملائكي الرائع، بقامته القصيرة، وعيونه البريئة المائلة للأعلى تعتلي أنف مسطح دقيق ولسان بارز، يحتفظ ببقايا شيكولاتة كان غلافها قد التصق ببنطاله، ليجد وفاء تسرع إليه بغية حمل الصغير، فيسبقها لذلك محتضنا أياه.
بينما وفاء تنظر لبنطاله الملطخ بالشيكولاتة متمتمة بحرج: آسفة، هدومك اتوسخت.
نظر لقميصه الذي اتسخ بدوره أثر احتضان الصغير له، ليبتسم بسعادة غامرة وهو يشدد من احتضان الصغير: فداه الدنيا كلها.
ابتسم له الصغير بحب وهو يمسح خده على كتفه، ذاب قلبه حبا له تمنى لو يدخله لقلبه، محتضنا أياه بضلوعه، أو أن يسمحوا له باصطحابه معه، نعم أحب ابن شقيقه، ولكنه شعر بأن ذلك الصغير قد آسره برقته وبراءته، تلك البراءة التي أشفق عليها مما ستواجهه في هذا المجتمع الريفي، الذي لا يجيد التعامل مع من هم مثله الذين يحتاجون للبيئة المحفزة والدعم الإيجابي، كما لا تتواجد به مراكز التأهيل التي تمتلك رعاية صحية جيدة، وبرامج تعليمية مناسبة، التي تمكنهم من عيش حياة منتجة والمساهمة في المجتمع بعدة طرق رائعة.
غمغم بصوت خافت وهو يمسح له أثر الشيكولاتة بمنديله الخاص: هو مين كشف عليه من دكاترة القلب.
نظرت له وفاء التي احتبس الدمع بأعينها متأثرة بحنانه الجم على الصغير الذي لا يلاقى عادة من الغرباء سوى النفور، وغمغمت بصوت متحشرج: لا هو مكشفش قلب، هو مبيشتكيش من حاجة الحمد لله.
خشن صوته عكس رقته في وضع الصغير على ساقيه يفحصه باهتمام: أزاي كده، المفروض كان اتعرض على دكتور يطمنا عليه، نص أطفال متلازمة الحب بيتولدوا بعيوب خلقية في القلب، أنا هاطمن عليه.
كادت تخبره بأنها قد اجرت له فحص شامل بعد ولادته مباشرة، ولكنها صمتت وهي ترى اهتمامه الجلي بالطفل وفحصه الجاد له، شكرت له بداخلها اهتمامه على هذا النحو بصغيرها، كما شكرت له ذلك المسمى الراقي الذي لا يستخدمه كثيرون، لكنها تطلعت له متعجبة، لا تفهم سر اهتمامه، ولما ذكر نفسه ضمن من يجب طمأنتهم على الصغير، لتتسع ابتسامتها وهي ترى ضحكات الصغير ولهوه بالسماعة الطبية.
❈-❈-❈
توقفت سيارة الترحيلات أمام سجن النساء، لتترجل كلا من نجوى وسلوى لتدفعهما تلك السيدة الشرسة أمامها، وهي تنهرهما: يالا ياختي أنت وهي مش ماشيين على قشر بيض.
علا نحيبهما لتتهكم عليهما أخرى: يا أختي صغنن أنتوا بتعيطوا، أشحال أن ما كنتوا قتالين قتلة.
صرخت بها سلوى بقهر: والله هو اللي حاول يعتدي على أختي، وأنا كنت بالحقها، مكنتش اعرف أنه هيموت.
سألتها أحدهم بفضول: ما أنا كنت معاكي في الجلسة وتقرير الطب الشرعي قال أن أختك سليمة ومحدش لمسها.
تذكرت نظرت الحاوي الشامتة لها، وهو يقدم التقرير وكأنما يثبت قوة علاقاته التي شككتا بها من قبل، لينتهز فرصة توكيل خلود له بمقتل ابنها على يدها.
لكزتها تلك الشرسة: بطلي يا بت شغل التمثيل ده، ده مرات أبوكي الغلبانة قلبها كان هيقف من كتر صريخها ودعاها عليكم.
لتتسائل أخرى بفضول: هو صحيح انتو كانتوا بتسرقوا الصيغة عشان تهربوا من جوازة الرجل الكبير، ولما عكشكم قتلتوه.
حاصرتهم التساؤلات والاتهامات لينكمشتا على بعضهما بخوف، تتميان أن يكونا ما تعيشانه الأن مجرد كابوس، لا تصدق أيا منهما أن تلك هي النهاية.
❈-❈-❈
احتسبت الدموع بعيني تلك الشابة وهي تستمع لكلمات شوقية المسمومة: ماهو من خيبتك، دي شيلته هو ومسئوليته لوحده، ولا هو جوزك بالشخط والنطر بس.
اجابتها الشابة بانكسار: يعني أنا غلطت أن حسيت بيه وحاولت أهونها عليه.
ابتسمت شوقية متهكمة: وأدي النتيجة، أهو بلطلك في الخط، وبقيتي ملزمة تحطي فلوسك في البيت بدل ما توسعي على نفسك، وتجيبي اللي نفسك فيه.
اشتعلت عيني الشابة بالغضب هادرة: وأنا أيه اللي يلزمني، من هنا ورايح كل واحد يدور على حقه.
ابتسمت شوقية بسعادة، لتتحول ابتسامتها لشهقة فزعة وهي تستمع لصوت تلك السيدة الهادر: كسر حقك منك ليها، أنت يابنت يا عبيطة سايبة ابنك بيعيط، ومسلمة ودنك للست هانم هنا.
انتفضتا كلاتهما لتبرر الشابة بضيق: يا ماما أنا كنت بفضفض.
نهرتها السيدة بحزم: على مين يا هبلة على جوزك أبو عيالك، ده أنا سامعة الكلام من الأول وواقفة هاتجنن وأقول دلوقتي تحترم نفسها وتدافع عن الراجل اللي شايلة أسمه لكن أنتي سيباها نزلة فيه مرمطة.
أجابتها الشابة مبررة: ماهي عندها حق برضو يا ماما، ماهو برضو مكبر دماغه ومبلط في الخط.
صاحت بها أمها زاجرة: هو مين ده اللي مبلطلك في الخط، جوزك المحترم اللي كان ناقص يجيبلك حتة من السما.
أسرعت شوقية تؤيد قولها: كان يا حماتي، لكن دلوقتي رامي الحمل عليها.
نهرت الأم ابنتها بحدة متجاهلة تدخل شوقية: يا بنتي جوزك نصيبه كده، حظه أن الطيران يتقفل وهو هنا في إجازة، يبقى تحمدي ربنا أنه في وسط عياله ولا تنكدي عليه عيشته.
لم تحرى الشابة جواب، فاستطردت الأم: جوزك مهندس بترول وشقي واتغرب عشانكم ومع ذلك لما لاقى نفسه هنا مسكتش وراح أشتغل مع جوز أخته عشان ميقعودش في البيت.
تمتمت الشابة بتردد كأنما صدى كلمات شوقية مازالت تتردد بعقلها: ماهو واجب عليه برضو يدور على شغل أحسن من ده.
أجابتها أمها بتعقل: يا بنتي ده حال المرتبات في مصر، ومهما اشتغل عمره ما هيدخل اللي كان بيجيبه من الخليج، وبعدين اللي مزنق الدنيا كده أقساط الشقة اللي أنت صممتي يشتريها، ولسه قدامه سنين عقبال ما تخلص.
زاغت عيني الشابة وهي تتذكر رفض زوجها لشراء هذه الشقة الباهظة الثمن وإصرارها وقتها، لتضعها والدتها أمام حقيقة ثانية: وبعدين هو المشروع اللي فرحانة بفلوسه ده فتحتيه منين، مش من فلوس الدهب اللي هو اللي جايبه أساسا، يعني كله من خيره.
نكست الشابة رأسها خزيا وهي تغمغم: عارفة والله أنا بس كنت متضايقة شوية وبفضفض بكلمتين.
لان صوت أمها: معلش يا حبيبتي، أنا عارفة أن الظروف ضاقت معاكي بس أنت بنت أصول ولازم تقفي جنب جوزك، خصوصا وأنه ملوش ذنب ومش مقصر، ولو كان مبلط فيها زي ما بتقولي كنت أنا وأخوكي فضل اللي وقفنا له وجبنالك حقك.
تقشعت سحب غضبها، لتلوح سماء رضاها: عندك حق يا ماما.
ابتسمت لها والدتها برضا وهي تخبرها ناصحة: ربنا يهديكي يا حبيبتي، وبعدين أحمدي ربنا، تخيلي حتى لو كمل في شغله، كان الحال أيه لو جاله كورونا وهو هناك لوحده.
اندفعت الشابة بلهفة: بعد الشر، الحمد لله على سلامته ومش مهم أي حاجة تانية.
ابتسمت لها والدتها بحب: ربنا يحفظكم يا حبيبتي، [لتحتد نبرتها ثانية وهي تنظر لشوقية شزرا ] وبعدين يا حبيتي لما تحبي تفضفضي بكلمتين زي ما بتقولي يبقى تختاري حد يكون عاقل ويحبلك الخير.
تحمحمت الفتاة بحرج من تلميح والدتها، بينما أكملت والدتها وكأنما لم تقل شيئا: يالا بقى نروح نشوف حبيب سته، لاحسن كان بيعيط بس أنا راضيته.
تحركتا للخارج لتتركا شوقية وحيدة تكز على أسنانها بغضب، لتطلق سبة نابية بمجرد ابتعدهما، وهي تلعن حماتها التي تحاصرها وتمنعها من أبداء الرأي، وتحرمها تلك المكانة التي تستحقها من هي بمثل ذكاءها وحيلتها.
❈-❈-❈
نادت دعاء ياسر وهي تمسك بتلك اللفافة التي تفوح منها رائحة شهية: ياسر تعالى نزل الأكل لدكتور ياسين يا حبيبي.
جاءها مبتسما وهو يشكرها: تسلم أيدك يا حبيبتي.
ابتسمت له بحب: متتأخرش عشان جعانة وهاستناك.
أجابها متآففا: أكيد هيأخرني زي كل مرة ويغلبني عقبال ما يرضى ياخده، ويقعد يقولي ما انا قولتلها متتعبيش نفسها وأنا ممكن أكل أي حاجة.
اعترضت بحسم: لا طبعا، مش كفاية أنه عايش في العيادة لوحده، وكمان مبيرضاش يطلع ياكل معانا، كمان هنسيبوه يدور على أكل، احنا مش في القاهرة عشان يتصل بالدليفري.
قبل يدها ممتنا لطيبة قلبها وهو يغمغم بحرج: هو محرج منك بعد اللي حصل ومش هايقدر يواجهك يوميا، ده ساعات بيقعد يسألني أذا كنتي سامحتيه فعلا ولا لا.
التقطت نفس عميق قبل أن تتمت بصدق: مش هاكدب عليك وأقولك أني نسيت اللي عمله، لكن أنا بجد سامحته كفاية وقفته معانا يوم تعب بابا، ده غير حبه ليك ولعبد الرحمن وخوفه عليكم.
قبل وجنتها بحب وهو يغمغم برضا: ربنا يبارك لي فيكي ويديم لنا طيبة قلبك، أنا هانزل علطول أهو، عشان الحق أطلع قبل ما الأكل يبرد.
تابعته بنظرها وهي تدعو الله أن يمحو أي أثر سيئ بنفسها، فالأحقاد تأذي حاملها قبل أن تأذي من حملت تجاهه.
❈-❈-❈
تطلع يوسف بدهشة لذلك الذي يقف ببابه وهو يحمل العديد من اللفافات ذات الألوان الزاهية، ليتنحنح ضيفه بحرج: مساء الخير يا دكتور يوسف.
نحى يوسف دهشته جانبا وهو يجيبه مرحبا: أهلا يا دكتور ياسين.
تمتم ياسين بخفوت: أسف لو جاي في وقت مش مناسب، بس كان لازم يكون حضرتك رجعت من الشغل، وطبعا لو مكنتش رديت على التليفون أو أعتذرت كنت هارجع.
ابتسم له يوسف بود: مفيش أي مشكلة حضرتك اتصلت وأنا رحبت بزيارتك، ملوش لازمة الأعتذار.
أجابه ياسين بارتياح: تسلم، بس أصلي كنت عايز أطمن على الحاجة.
ابتسم له يوسف شاكرا: أحسن كتير، شكرا لذوقك يا دكتور.
ليتفاجأ بلهفة ياسين وهو يسأله: أمال فين مهاب؟
أجابه يوسف ببساطة: نايم، هو في حاجة.
أجابه ياسين محبطا لعدم رؤيته: كنت جايب له معايا هدية.
وسرعان ما عاد له حماسه وهو يفض تلك اللفافات الملونة شارحا كلا منها بالتفصيل: دي لعبة الحلقات والوتد، زي ما أنت شايف كده، البرج ده ومعه الحلقات بألوان مختلفة وجذابة بتترتب حسب حجمها، ودي لعبة عبارة عن لوح مفرغ عليه أشكال هندسية المفروض هو بيحط الشكل في المكان المناسب، واللعبتين دول بيزودوا عنده القدرات الإدراكية، والبصرية، والحركية.
فاضا غلافا أخر وهو يستطرد: ودي مكعبات، وبيركب منها أشكال، وممكن بمساعدة صغيرة يكون أشكال جميلة، ودي لعبة موسيقية بيدوس على الزراير هنا فبتطلع أصوات معينة، وبعد فترة هو بيقدر يحدد الصوت اللي بيطلع من كل زرار.
نظر يوسف لكل تلك الأشياء معترضا: أيه ده كله يا دكتور، حضرتك كلفت نفسك زيادة عن اللزوم.
غمم ياسين بسعادة وهو يخرج أخر هداياه: لا تكلفة ولا حاجة، مفيش حاجة تغلى عليه، وبعدين دي أخر حاجة، بطاقات بألوان مختلفة عليها صور للحيوانات، بتعلي إدراكه بالألوان وصور الحيوانات.
غمغم يوسف متحفظا، فهو لا يحب المبالغة بأي أمر: شكرا لذوقك يا دكتور، اتفضل عشان تشوف الحاجة.
وافقه بفتور ينبأ بأن الأطمئنان على والدته مجرد حجة واهية لحضوره، ولم يخيب ياسين ظنه وهو يتجه مباشرة لهدفه من الزيارة، وهو يتسائل بحرج مغلف بلهفة وشغف: هو أنا ممكن ابقى أجي العب معه باللعب دي؟
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منى الفولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية