-->

رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل الأخير- 1 - الجمعة 24/5/2024

  

قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية اليمامة والطاووس (روقة)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منى الفولي


الفصل الأخير

1

تم النشر يوم الجمعة

24/5/2024



تطلع له يوسف بصدمة وهو ينظر لخلف ياسين بحيرة، لتلك التي تتابعهما من خلف الستار منذ سماعها لسؤاله عن صغيرها، وصدمتها لا تقل عن صدمة أخيها.

❈-❈-❈


ابتسمت فاطمة وهي ترى ذلك الأسم ينير شاشتها معلنا عن تلقيها مهاتفة من صديقتها، لتجيبها وهي تهتف بسعادة: تونة حبيبة قلبي، وحشاني.

أجابها صوت فاتن الحماسي على الطرف الأخر: بطوطة الرايقة، أزيك يا قلبي وحشاني قوي.

ضحكت فاطمة بنعومة: أخبارك أيه، شوفت الصور وعرفت أنك خرباها.

ضحكت فاتن بسعادة: يا ناس يا شر كفاية قر، طبعا ما أنت مكتومة ومفيش رقص ولا زغاريط، من ساعة ما روحتي بيت حماتك.

ضحكت فاطمة وهي تتمتم صادقة: والله أنا واخدة راحتي على الأخر، وبالعكس أكتر من الأول بعد ما شالوا عني هم العيال، دي جدتهم روحها فيهم، ياريتني سمعت كلام يوسف وجيت من زمان.

أجابتها فاتن بضيق: منها لله بقى شوقية هي اللي قعدت تزن على ودانا لحد ما كانت هتخرب علينا.

استغفرت فاطمة وهي تلومها بلطف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} هي صحيح كانت شورتها غلط وكلامها مؤذي، بس هي مضربتش حد منا على أيده عشان يسمع كلامها ويمشي وراها. 

أجابتها فاتن بمكابرة: بس متنكريش أنها كانت بتقومنا وتزن على ودانا.

أجابتها فاطمة بتعقل: طيب ماهي ياما زنت على ودن رانيا واتريقت عليها، لكن لا عمرها سمعت لها ولا اهتمت بتريقاتها.

سألتها فاتن متهكمة: يعني أنت شايفة أنها مش غلطانة.

أجابتها فاطمة ببساطة: طبعا هي غلطانة بس الغلط الأكبر علينا احنا.

سألتها فاتن معترضة: أزاي يعني.

أجابتها فاطمة ضاربة المثل بنفسها أولا لتمتص حدتها: مثلا أنا مسلمة وداني لكلام البنات عن بيت العيلة والحماوات، من قبل حتى ما أعرف شوشو، مبنكرش أن قصص كتير صح وأني لسه مبفضلش لحد يتجوز ببيت عيلة، بس مينفعش ناخد الكلام بالمطلق، والمفروض كل واحد يقيم الناس اللي هيعيش معهم وبس.

لتستطرد بعدها بوضعها هي: وأنت كمان مصدقتي تقعدي ومتسفريش أول ما عرفتي أن سكن هاشم في منطقة شبه مقطوعة، وكلام شوشو جه على هواكي.

أجابتها فاتن مستلمة: عندك حق.

لتجيبها فاطمة مغيرة مجرى الحديث: عامة ربنا يصلح حالنا وحالها، المهم قوليلي الحمل عامل معاكي أيه.

اندفعت فاتن تحكي لها بحماس عن حملها وسعادة زوجها به، لتسعد صديقتها لسعادتها واستقرار حياتها.

❈-❈-❈


جلس زينهم بغرفة المكتب بالدار بانتظار آية، لتدلف إليه وقد خدش وجهها، وتمزق طرف ثوبها لتبدو كمن خرجت لفورها من مشاجرة حامية، ليسائلها بلهفة: مالك يا آية، مين عمل فيكي كده.

لم تخيب ظنه وهي تجيبه: اتخانقت.

انتفض غاضبا، وهو يصيح بحمية: مين ده اللي خانقك وبهدلك كده، شوريلي بس عليه.

التفتت إليه وقد احتقنت عينيها بغضب: أشاورلك على مين، عايز تشوفها ليه؟

تمتم مندهشا وهو ينظر لمظهرها: هي مين دي، هو أنت متخانقة مع بنت، وهي اللي شلفتطك كده.

صرخت به وقد احتد صوتها: كله من تحت راسك، متجليش هنا تاني.

انتفض قلبه مذعورا، هل طلبت منه للتو الابتعاد، لقد كان يظن أن الفترة الماضية قاربت بينهما، ولم يعد سبب زواجهما مقتصر على حاجتهما للتواجد معا بطريقة شرعية، بل لقد وجد بها ما يرجوه بشريكة عمره، حتى أنه توهم أنها مثله تقبلت ارتباطهما كخطيبين، لا كأخين تربيا سويا، ولكنه كان واهما، وها هي ترفض زواجه، بل ترفض رؤيته ثانية، فهل السبب عدم تقبلها لوضعهما أم أنها قد مالت لغيره، أشتعل قلبه للخاطرة الأخيرة، ليسألها بحدة: ليه؟

اشتعلت الغيرة بعينيها وهي تجيبه بشراسة: الهانم بتقول عليك قمر، وياريتها هي اللي تاهت وأنت لاقيتها، بس تستاهل اللي عملته فيها، أنا قولتلك أهو، متجليش هنا تاني ويفضلوا يبصوا عليك، رن عليا وأنا هاخرجلك.

فغر فاهه بصدمة، آية تغار، تعاركت مع تلك الشرسة رغم طبيعتها الهادئة، لأنها تغزلت به، وكلماتها التي ظنها نفورا ما هي ألا رغبة منها بحجبه عن من سواها.

طال صمته ولم يصلها رده، فسألته متشككة: قولت أيه، هتبقى ترن علي.

نظر لها بحب متمنيا، أن يضمها إليه، ولكن عليه الانتظار، ولعجبه فاجأها وتفاجأ هو بنفسه، بأنه قد انفجر ضاحكا، فقد مر وقتا طويل، منذ أن كان سعيدا حقا، وهو الأن سعيد، سعيدا جدا.

❈-❈-❈ 


صرخة ملتاعة شقت السكون أطلقتها خلود لتصرخ بعدها لاعنة: قتلوه، قتلوه يا سامي، بناتك قتلوا مودي.

أجابها سامي محاولا تهدئتها: أهدي يا خلود، ربنا يرحمه يا حبيبتي.

صاحت هادرة: أهدى أيه؟ منهم لله، حسبي الله ونعم الوكيل بإذن الله أشوفهم متعلقين على حبل المشنقة؟

انقبض قلبه لتلك الدعوة ولكنه نفض عنه بقايا انسانية منشغلا بهمومه: يا خلود اللي أنت بتعمليه ده ممنوش فايدة، أنا عملت اللي أنت عايزاه والحاوي أكدلك أنهم هياخدوا جزاتهم، خلينا بقى نشوف المصيبة اللي ورانا.

صرخت مولولة: هو في مصيبة أكبر من موت الغالي.

زفر بضيق محاولا إشراكها فيما يواجه: الشيخ وهدان قالب الدنيا علينا، وبيقول لنجيب العروسة زي ما وعدناه، يانرجع له فلوسه.

هدرت صارخة بضيق: يخبط راسه في الحيط، هو لعب عيال، الفلوس واتحطت في المناقصة،أول ما الشغل يخلص هنديله فلوسه بالأرباح.

زفر بنفاذ صبر: يا خلود ركزي، ده هيخبط راسنا احنا في بعض لغاية ميجيب اجلنا، أنت ناسية أن الراجل دافع أكتر من نص مليون في الجوازة دي، وصمم أننا نمضي شيكات وأن توثيق الشراكة بعد توثيق الجواز. 

غمغمت بصدمة: يعني أيه؟!

وضح لها الحقيقة الغائبة عنها:يعني رسميا هو مداينا مش شريكنا، ومن حقه يطلب فلوسه في أي وقت وده راجل حبايبه كتير واحنا مش قده.

تسائلت بقلق: والحل؟

أجابها بتردد: مفيش غير حل واحد.

تسائلت بلهفة: أيه.

أجابها بلا مواربة: يتجوز شاهندة.

صرخت مستنكرة: شاهي بنتي، لا يمكن طبعا، هو أنا اتجننت عشان أرمي بنتي رامية زي دي.

نظر لها مندهشا، فالأن تقول ذلك، بعدما اقنعته بأن تلك المصاهرة حلم يجب أن يسعى لتحقيقه، لتلتقط نظرته، فتبرر متوترة: بناتك كانوا متجوزين، ده غير عملتهم السودة في اجوازهم لكن أنا بنتي لسه آنسة.

نظر لها متهكما، فهو من يعلم خفايا أولادها ويتحمل عبء سترها، لتشتعل عينيها بغضب وهي تعلم سر تهكمه: شاهي متجوزتش رسمي ومحدش يعرف وعملية صغيرة وتقدر تعيش حياتها، مش هدفنها بالحيا عشان غلطة، على الأقل مهياش قتالة قتلة.

ضاق صدره بحديثها ثانية، لينهي هذا الأمر برمته لائما: الفكرة كانت فكرتك من البداية، وأنت اللي صممتي أني أقدم للمناقصة مع أني قولتلك أني معنديش سيولة.

تركها وخرج دون كلمة أخرى، لتلعن بنتيه اللتان لم تكتفيا بقتل وحيدها، بل أصبحت ابنتها ملزمة بمواجهة ما أعدته لإحداهما. 

❈-❈-❈ 

تقدمت وفاء تحمل كأس عصير تقدمه لياسين المنشغل عنها وعن العالم بأسره بمداعبة صغيرها واللهو معه، تطلعت إليه للحظات بأعين تنطق بالحب، متمنية ان يأتي يوما تشارك صغيرها بحنانه واهتمامه، قبل أن تغض بصرها مستغفرة وهي تحمد الله على أن سخر لصغيرها قلبا محب يهتم لأمره على هذا النحو، لتنصرف تحت أنظار أخيها المتألم لألمها.

لم يكن بحسبانه عند موافقته على زيارات ياسين لمهاب بعد معرفته بظروفه وحرمانه من نعمة الأبناء، أن يتعلق قلب شقيقته به، وها هو بين المطرقة والسندان، أيمنع تلك الزيارات محطما قلب ياسين بفراقه للصغير، على الرغم من أدبه الجم وأنه لا ذنب له بمشاعر شقيقته التي من الواضح أنه لم يشجعها أو ينتبه لها من الأساس، حارما الصغير من حنانه المفرط الذي زاد من تعلقه به مما زاد من استجابته ووعيه بما حوله.

أم يدع الأمور كما هي، ليزداد تورط  شقيقته بمشاعرها التي تظن أنها غير واضحة، بينما لا تخفي على أعين مهتمة.

حاول طرد تلك الأفكار المنهكة، وهو يرحب به: اتفضل العصير يا دكتور.

أجابه ياسين بغير انتباه، وهو يمسك بيد الصغير ضاغطا على إحدى قطع المكعبات لتكوين شيئا ما: ها، عصير أيه!

ابتسم يوسف بمرارة، لتيقنه من حدسه، وغفلة ياسين عن المشروب ومن أتت به، داعيا الله ان يلهمه الصواب، وأن يكتب لشقيقته الخير أينما يكن.

❈-❈-❈

تطلع زينهم حوله بانبهار، فقد تحول السطح الخرب لحديقة غناء، رغم تقلص حجمه لصالح الحجم المبني منه.

انتبه من تأملاته على صوت ياسر المرحب: السلام عليكم، أزيك يا زينهم، عامل أيه.

ابتسم زينهم بود وهو يصافحه بتقدير: وعليكم السلام يا أستاذ ياسر، الحمد لله بخير، أزي بودي.

ابتسم له ياسر وهو يشير له بالجلوس، ليجلس بمقابله مجيبا: الحمد لله، كويس، عقبال ما نفرح بعيالك أنت وآية.

ابتسم بسعادة للفكرة مآمنا عليها بداخله قبل أن يغمم بحرج: تسلم يارب، ماهو أنا كنت جاي أقابلها عشان كده.

شهق ياسر مشاكسا: أنت جاي تقابلها في بيتي، عشان تجيب عيال، أنت فاكرني أيه.

صدمت ملامح زينهم، الذي لا يتفهم كثيرا مشاكسات ياسر، وهو يندفع مبررا: لا طبعا والله، أنا أقصد أني جاي أتكلم معها في ميعاد الجواز، كتر خيركم، شايلنها بقالكم أسبوع.

انفجر ياسر بالضحك لعفويته وبراءته: أهدى أنا بهزر معك.

ليكتسي صوته بجدية مفاجأة: بس اللي مش هزار ويزعل بجد كلامك البايخ ده،  كتر خيركم، وشيلتوها ومشلتوهاش.

نكس زينهم رأسه محرجا: أنا بس كنت متقل، عشان هي قاعدة عندك من يوم ما خرجت من الملجأ، لحد ما نكتب الكتاب.

نهره ياسر عاتبا: أهو ده كلام أبوخ من اللي قبله، وعامة عشان تبطل كلامك ده وتبقى عارف النظام، دكتور ياسر قرر أنه المسئول عن آية وأنه هيكون وكيلها في كتب الكتاب.

نطقت عيني زينهم بالسعادة وهو يرى تشريفهم بعروسه، ومحاولتهم أن يمحو عنها آسى اليتم، ليغمغم ممتنا: ربنا يسعدكم يارب ويجبر بخاطركم، زي ما بتجبروا بخاطرنا.

 ابتسم ياسر سعيدا لسعادته، وأن كان يعلم برفضه لما هو آت: الجواز هيكون بعد شهرين تكون أنت جهزت نفسك واحنا كمان جهزنها باللي يليق بيها وبوكيلها، وبناء عليه هي من الأسبوع الجاي هتسافر حوالي أسبوع هي ودعاء وهيقعدوا في بيت حماي؛ عشان ينقوا هدومها وجهازها وحاجات الستات دي، وبعدين أنا وأنت نحصلهم عشان تنقوا الموبيليا سوا.

انتفض زينهم رافضا، فأن رحب بدعمهم المعنوي،فهو يآبى مثل ذلك الدعم المادي: لا طبعا ما ينفعش، وبعدين ماهي الشقة تحت جاهزة من مجاميعه وكله برضو من خيركم. 

زجره ياسر متآففا: وأنت مالك، احنا كنا أديناك حاجة دي هدية الدكتور للعروسة بصفته وكيلها المسئول عنها.

ظل مصرا على رفضه بعزة: معلش يا أستاذ ياسر كلامك أنت والدكتور على راسي من فوق، بس أنا مش موافق على الكلام ده.

تحداه مشاكسا: ابقى أتكلم مع الدكتور في الحوار ده لو تقدر عشان يطبق عليك محاضرات التشريح، أنت عندك ميعاد معه النهاردة عشان تتفقوا على التفاصيل ونشوف أنت عليك أيه واحنا أيه، وكمان تحددوا القايمة والموخر ما احنا لازم نحفظ حق بنتنا.

رقص قلبه لتشريفهم لصغيرته على هذا النحو، ولكن كبرياءه تمسك بالعناد الذي التمع بعينيه: أن الدكتور يكون وكيلها ده شرف ليا وليها، لكن ده مش معناه....

كان يعلم بمدى عنده بكل ما يتعلق بكرامته، ولكنه أصبح خبيرا بالتعامل معه ويدري كيف يشتته عندما تتصلب رأسه، ليقاطعه بغرور مفتعل: على فكرة بمناسبة الوكالة دورلك على شاهد غيري لأني مش فاضيلك، أنا شاهد العروسة لأني كده في مقام عمها بما أنها وكلت أخويا.

وقبل أن يعلق على كلماته عاجله مستطردا: بس مدورش بجد لان علي باشا حالف يحبسك لو اختارت شاهد غيره.



الصفحة التالية