-->

رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل 14 - 1 - الثلاثاء 21/5/2024

  

قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية اليمامة والطاووس (روقة)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة منى الفولي


الفصل الثالث عشر

1

تم النشر يوم اثلاثاء

21/5/2024



كانت كلماتها كالحجارة ترجم روحه وتصطدم بأبواب ذكرياته مستخرجة تلك المواقف العديدة التي خذلها بها، مساندا لمن أرادوا هدم بيته ولو بسلبيته تجاهه ضيقها، ليجيبها معترفا بألم: عندك حق، مش هاقول أني مغلطتيش في كل اللي قولتيه، لكن عذري الوحيد أني وثقت في ناس مكنوش قد ثقتي فيهم.

فجأها اعترافه بذنبه مخالفا عهدها به، فهدأ صوتها معاتبا: وماوثقتيش فيا أنا ليه يا ياسر.

أجابها صادقا وقد أيقن أن هذا هو طريقه لنيل صفحها: وثقت فيكي، بس استكبرت، استكبرت أغير نظام حياتي فيقولوا أنك ممشياني وراكي، وماخدتيش بالي أني أمشي ورا ست في الحق أكرملي ألف مرة من أني أمشي ورا دماغي في الباطل، لكن الكبر بيعمي ويلغي تفكيرنا.

 صدمها ثانية باعترافه بذنبه بتلك البساطة، وهرب منها كل ما أعدته لمواجهة هجومه المتوقع واتهاماته المنتظرة، لتتمتم بتشتت: وأنت عايز أيه مني دلوقتي.

أجابها بأعين متوسلة ونبرة مترجية: تسمحيلي أصلح غلطي يا دعاء، تديني فرصة تانية نبني اللي كسرته ما بينا، ولو شايفة أني مستهلش فرصة تاني، فابننا يستاهل يعيش حياة طبيعية مع أمه وأبوه.

أندفعت تهتف بما يحرق قلبها قهرا: وأنت مفكرتش فيه ليه وأنت بتدافع عن اللي حاولت تقتله، وكتبت كتابك عليها تاني يوم ما مطلقتني.

صرخ بألم: كنت غبي، غبي، ضحكوا علي زي العيل الصغير، وعموا عيني وسحبوني وراهم، وربنا أراد أني أفتح وأشوف الفرق وأعرف أني بعت الدهب بالتراب، أشوف الفرق بين اللي عايزة تلبسني تهمة واللي جريت تتطمن علي حتى وأنا ظالمها.

أجابته بمكابرة مسترجعة كل لحظة شعرت فيها باستهانته بها: أه، لو أنت فسرت مرواحي لدكتور ياسين على أني باحاول أقرب، تبقى فهمتني غلط، ولو أعرف أن ده سبب الزيارة مكنتش وافقت أقابلك.

غمغم مستنكرا بذهول: ترفضي تقابليني، احنا في العدة يا دعاء، ولولا أني معنديش استعداد أغصبك على حاجة كان ممكن جدا أرجعك لذمتي حتى من غير ما أعرفك. 

صرخت متذكرة أكثر لحظات حياتها مهانة: وهتعرفني عن طريق القسم زي الطلاق، ولا هتبعت مع تمرجي أخوك زي هدومي والمؤخر، [لتصرخ بهيستريا متوعدة] أعملها يا ياسر، والله لأكون خالعك.

انفطر قلبه وهو يرى ما أوصل علاقتهما إليه، فترجاها محاولا تهدأتها: أهدي يا دعاء، أنا باقولك معنديش استعداد أغصبك على حاجة، بس بافكرك أن المفروض شرعا أن عدتك تكون في شقتنا، مش أنك ترفضي تقابليني.

صرخت بألم: انهي شقة دي اللي المفروض أقضي فيها عدتي، الشقة اللي رمتلي هدومي منها بعد كام يوم، عشان مفكرش أرجعها تاني.

لم يشأ أن يخبرها بخداع شقيقه له وإيهامه بأنها من طلبت متعلقاتها، وحقوقها الشرعية، فلا احتمال لعلاقتهما لضغائن جديدة، ولا استغناء له عن شقيقه مهما كان خطأه، فغمغم محملا نفسه تبعات هذا الخطأ: انسي اللي فات كله، شقتك دلوقتي مستنياكي، ولو مش لسه في العدة، فهي شقتك بكل الأحوال، بما أنك بإذن الله بعد الولادة هتبقى حاضنة والشقة من حقك. 

غمغمت متهكمة بمرارة: تفتكر ممكن ارجع الشقة اللي عيشت فيها مع واحدة غيري.

حاول المراوغة متجنبا الجدال معها: أرجعي العمارة وأقعدي في شقتي التانية، [محاولا استمالتها] على فكرة أوضة نومنا فيها، متخيلتش أن ممكن واحدة غيرك تنام عليها، كنت بانزل أنام فيها كل ماتوحشيني.

لم يعرف بأن كلماته أثارت غضبها، فدون أن يدري ذكرها بأنه كان ينام بأحضان أخرى بينما هي مجرد ذكرى يشتاق إليها من وقت لأخر، فهدرت قائلة: أنهي عمارة اللي ابني كان هيتقتل على سلمها، زفر بضيق وقد علم بأن مشوار إسترضاءها ليس بهين أبدا، ولكنه على أتم الاستعداد لخوض الصعاب من أجل استعادتها، فأن لم يكن تكفيرا عن ذنبه تجاهها، وحفظا على مستقبل وليده القادم، فلأنها تستحق ذلك وسيكون أبله لو فرط بجوهرة مثلها.

❈-❈-❈


فتحت تلك المرأة بابها والتمعت أعينها بالشماتة وهي تنظر للسيدتين خلف زوجها وهي تصيح متهكمة: أهلا، أهلا، بالهوانم اللي مشرفنا، اتفضلوا. 

سبقهما الرجل بالدخول، ينهرهما على تسمرهما: اتفضلي يا هانم أنت وهي ولا مستنين عزومة.

دلفتا متمسكتين ببعضهما، القهر يسكن عين نجوى بينما الغضب يشتعل بعين سلوى، وهي تجيبه محاولة التظاهر بالقوة: محدش بيتعزم على بيته يا بابا.

انطلقت ضحكة متهكمة من زوجة أبيها وهي تهتف هازئة: بيت مين يا أم بيت، البيت ده بيتي أنا، واللي مش عاجبه فالباب لسه متقفلش.

أزاحهما والدهما للداخل مغلقا الباب خلفهما، وهو يتمتم بخفوت: خلود، مفيش داعي للكلام ده دلوقتي.

احتدت صوت خلود: لا ده وقته تحديدا، عشان نحط النقط على الحروف من أولها.

خرج على صوتها، فتاة ترتدي ملابس متحررة جدا، وشاب يبدو غير متزن ينظر لهما بنظرات قذرة، يستمعان لإهانة والدتهما للشقيقتين وهي تستطرد: أنا لما قولتلي أن خالهم أتصل يقولك تعالى خد بناتك، بعد ما رموا بلاهم عليه، قولتك ماشي عشان أنا بنت أصول، بس كله بالأصول، والبيت ده له صاحبة واحدة هي أنا.

تشبثت نجوى بيد شقيقتها بذعر بينما سلوى لا تصدق أن تتعرض للإهانة على الملأ بذلك الشكل المخزي، هي لم تعتاد هذا أبدا، كانت أميرة ببيت أبيها، وبعد الأزمة التي تعرضت لها أسرتها، ما لبثت إلا قليلا لتصير بعدها، ملكة متوجة ببيت ياسين، لم تلقى بعمرها من الإهانات مثل ما تلقته بالأسبوع المنصرم، منذ بعدها عن مصدر عزتها ببعدها عن ياسين، إبتداءا من تلاعب ذلك المحامي بها، ومرورا بتيهها بعدما فقدت ملجأها الحقيقي فبحثت عن مكان تعيد به حساباتها، وتفكر كيف تستعيد حياتها مع ياسين، فاضطرت للجوء لخالها الذي خذلها كعادته، لتلقى إهانتها الكبرى على يد تلك الحقيرة، لم تحتمل أعصابها كل ما مرت به، لتسقط فاقدة الوعي، لتصرخ نجوى ملتاعة وهي تزداد تشبثا بها، ويسرع الشاب بحملها مستغلا الفرصة لملامستها، بينما علا صوت خلود السوقي: هي حامل ولا أيه، مش طليقها مبيخلفش برضو، أستر على ولايانا يا رب. ❈-❈-❈

تحركت دعاء متثاقلة في طريقها خارج أبواب منزلها في طريقها لجامعتها، لتفاجأ بسيارة ياسر تقطع المدخل، بينما يقف هو مستندا على بابها الذي أسرع بفتحه بمجرد رؤيته لها، تخشب جسدها كرد فعل رافض لدعوته الصريحة للركوب معه، همت بالتحرك متجاهلة دعوته، ولكنه سد عليها طريقها وهو يأمرها برفق: أركبي يا دعاء.

أشاحت بوجهها جانبا، فاستطرد بلهجة أكثر حزما: أركبي يا دعاء متفرجيش الناس علينا.

تلفتت حولها فوجدت بعد الوجوه المتطلعة لهم فأطاعته صامتة، ليحتل مكانه بكرسي القيادة منطلقا، تملأ وجهه ابتسامة أمل.

❈-❈-❈

وضع ياسر قدح الشاي أعلى طاولة النادي بحدة: مش عارف أعمل أيه مش مدياني أي فرصة اتكلم معها، ولا راضية ترجع الشقة حتى لو لوحدها، حتى ياسين كمان رافض يرجع البيت، ومصمم يقعد في المستشفى، وأنا بجد مش ملاحق أجري ورا مين فيهم.

أجابه عمر متفهما: أهدى أنت بس فترة وتعدي، واللي حصل مكنش سهل أصلا، والحمد لله أنها جات على كده.

غمغم بهدوء: الحمد لله والشكر لله، أه وعلى فكرة أشكرلي علي قوي، جميله على راسي، بجد مش عارف لولا تحذيره كانوا زمانهم عملوا فيا أيه جوا التخشيبة، ده طبعا غير وقفتك أنت معايا.

ابتسم عمر بطيبة: متقولش كده يا جدع ده احنا أخوات.

لمعت عينيه متذكرا: أه صحيح، قوله كمان أني محتاجه في خدمة تخص زينهم.

تجهم وجه عمر مغمغا: خير، والله أنا اللي كنت عايز أكلمك في موضوع يخص زينهم.

تسائل ياسر باهتمام: خير ماله زينهم.

أجابه عمر بضيق: عمو أحمد صاحب المزرعة اللي بيشتغل فيها زينهم، كلم بابا يشوفله مشتري ضروري، و أكيد أي حد هيشتريها غالبا هيرفض يشغل حد بظروفه، عشان كده كنت بافكر نكلم الدكتور يشغله في العيادة أو المستشفى، بس خوفت يعني عشان التوقيت وكده، وكأن ده تمن وقفته جنبك.

صاح ياسر منفعلا: أيه الهبل اللي بتقوله ده أنا لايمكن أفكر كده.

أجابه عمر مؤكدا بثقة: مش بتكلم عليك، أنا خايف من أن زينهم اللي يتحرج من كده، أنت مش متخيل قد أيه هو عزيز النفس.

أجابه ياسر مفكرا: طيب سيبها على الله وأنا هالاقي لها حل،  [مشيرا لجهة بعيدة] أيه ده مش الواد محمود اللي واقف مع الشلة اللي هناك دي.

تردد عمر قبل أن يردف: بص هو في موضوع كنت متردد أقولهولك بس شايف أن من حقك تعرفه، أنا قبل ما أكلم زينهم كنت اتصلت بمحمود عشان يخبيك في شقته اللي حاجزها للجواز بما أنه لسه شاريها؛ ومش كتير يعرف بيها بس هو رفض.

لم يجيبه ياسر واكتفى بأن تفحص هاتفه وهو يتابع اقتراب محمود نحوهما ليصلهما هتافه بمرح: أحلى شباب أزيكم يا رجالة.

ردا تحيته بخفوت، بينما هو استطرد بمرح: ياواطيين، بدل جايين مقولتوش ليه كنا اتفقنا واتقابلنا. 

نظر له ياسر بابتسامة جامدة قائلا: أزيك يا محمود أخبارك أيه.

محمود بحماس: الحمد لله كويس قوي، المهم عمر كان قالي على حوار كده يخصك، خلص على خير الحمد لله؟

أمأ ايجابا وهو يردف بلوم: هيفرق معك.

ارتبك محمود وتنحنح بحرج وهو يبرر بصوت متحشرج: معلش يا صاحبي والله، أنا معرفتش أخدمك في الحوار ده غصب عني، أصل...

قاطعه ياسر حازما: حقك، طبيعي أنك متدخلش نفسك في حوار في بوليس ومشاكل، محدش يقدر يغصبك على كده.

زفر محمود بارتياح لتفهمه: والله أنا كنت عارف أن دماغك كبيرة وهتقدر موقفي.

باغته ياسر مهاجما: بس بصراحة اللي مش قادر أفهمه ولا أقدره، أنك حتى متحاولش تتطمن علي حتى لو بمكالمة وتشوفني عملت أيه، ولولا أنك شوفتنا دلوقتي بالصدفة كان زمانك برضو متعرفش عني حاجة.

ازدارد ريقه بتوتر، وهو يغمغم متلعثما: لا ده أنا حاولت اتصل أكتر من مرة بس التليفون يا مقفول يا مبيجمعش، شكل المكان اللي كنت فيه مكنش فيه شبكة.

فجأته حركة ياسر السريعة وهو يختطف هاتفه من بين يديه، ضاغطا على أول حرفين من رقمه السري الذي يعلمه، ولكن توقفت أصابعه فجأة وصدى صوت زينهم يتردد بأذنيه {وَلا تَجَسَّسُوا}، ليعيد الهاتف بين يدي صاحبه آمرا بحزم: لو صادق أفتح دلوقتي سجل المكالمات ووريني طلبتني كام مرة.

زاغت عيني محمود بتوتر، قبل أن يضع هاتفه بجيبه كدليل واضح على كذبه.

❈-❈-❈

وقفت سلوى أمام الموقد تقوم بطهي أنواع متعددة من الطعام، بينما نجوى تقف أمام الحوض تقوم بجلي الصحون بإرهاق، لتدخل عليهما خلود تحمل ذلك الصغير بأحضانها، وهي تصرخ عليهما بحدة: أيه ماتشهلوا شوية، الناس هتموت من الجوع.

صرخت سلوى بإستياء: ما أنا مولعة على الأكل أهو، أعمل أيه أولع في نفسي.

ضحكت خلود باستفزاز: هتولعي أكتر من كده، [مقبلة الصغير بأحضانها] ومن شر حسد إذا حسد، حبيب قلب عمته الغالي، يالا يا ابن الغالي لاحسن في ناس هتولع هنا.

ألقت سلوى بالملعقة من يدها بعنف، وهي تبكي بقهر، لتترك نجوى ما بيدها، لتحتوي شقيقتها الذي زاد بكاءها، فهي لم تعد تحتمل كل ذلك الضغط، فتلك الملعونة عرفت كيف تقهرها، فمنذ مجيئهما لهنا وهي تدعو شقيقها للغداء، لتشعل بها نار الغيرة وهي تراه بصحبة زوجته وأبناءه، بينما هي تقوم بخدمتهم تحت كلمات شقيقته المهينة، لا تعلم أتغار عليه، أم تغار من استقراره بحياته بينما هي قد اضاعت كل شيئ.

❈-❈-❈

خرجت دعاء من جامعتها تتهادى ببطنها المنتفخ في طريقها لمكان ركوبها، لتفاجأ ثانية بسيارة ياسر أمامها، بينما هو جالسا مكانه فاتحا باب المقعد المجاور له، هاتفا بها: أركبي.

تصنمت للحظات قبل أن تحسم أمرها ملبية دعوته هي تشيح بوجهها بعيدا عنه، لينطلق عن فوره بينما يصدح صوته يدندن بأغنية مرحة تناشد الحبيبة الغفران.

زفرت بضيق وهي تصيح: ممكن أعرف إيه اللي أنت بتعمله ده.

أجابها ببساطة مستفزة: بمارس دوري كأب.

صاحت متهكمة: يا سلام.

أجابها بجدية: بصي بقى أنا سيب تعندي براحتك، وحارمنا أننا نصلح غلطتنا ونرجع لبعض، لكن مش حقك تحرمي ابني من خير أبوه، وتشحططيه في المواصلات وأبوه يقدر يوصله براحة لأي مكان هو عايزه. 

صاحت مستنكرة: نصلح غلطتنا.

هادنها بحكمة: غلطتي لوحدي متزعليش، بس أنت كمان كده بتغلطي في حق ابنك وبتتعبيه، وأنا كأب من حقي أدور على راحته.

زمت شفتيها متذمرة: وكان بابا فين الكام الشهر اللي فات.

عبس وجهه بضيق: أنا منكرتش أني غلطت، بس الحمد لله غلطتي كانت بعد ما الحمل ثبت وقبل الولادة، لكن انت دلوقتي على وش ولادة، ومش هستنى لما تولديه في مطب في ميكروباص.

أشاحت بوجهها المتذمر، ليبتسم بسعادة فبرغم محاولاتها للتظاهر بالغضب، ألا أن صمتها موافقة ضمنية على توليه أمر توصيلها، وتلك أول خطواته في طريقه لإسترجاعها. 


الصفحة التالية