رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 15 - 1 - الجمعة 31/5/2024
قراءة رواية ليتها تعلم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ليتها تعلم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم جمعة
الفصل الخامس عشر
1
تم النشر يوم الجمعة
_بُص يا إبني، حمدي كان صبي في المحل وإشتغل عندنا فترة طُويلة، ولما أنا كُنت زمان ماسِك إدارة المحل بعتلي كام ورقة عقود كده تبع بضاعة هنوردها لمحل بيشتري مننا وطلب مني أوقعهم بصفتي الوكيل الرسمي للمحِلات طبعًا، وأنا كُنت مشغول بمكالمة تبع الشغل ووقعت عليهم من غير ما آخد بالي بس كُنت قارئ عنوان العقد وطبعًا مش هخوِّن واحد مشتغل معانا من سنين، وبعدها بكام يُوم عقود المحلات بتاعت جدك كُلها إتسرقت من أوضتُه اللي في البيت وكمان في قروض كتيرة مسحوبة من البنك وللأسَف كانت بإسمي، يعني أنا اللي ساحِبها وأنا معرفش عنها أي حاجة، وطبعًا العقود كُلها لقيناها في خزنة أُوضتي اللي في المحل، وكمان كاميرات المحل إتعطلت كُلها فجأة وللأسف التُّهمة اللي معملتهاش إتثبتت عليا وللأسف كُلهم صدقوا إني سرقت العقود عشان أكتب كُل حاجة بإسمي بالتوكيل اللي جدك عملهولي بعد ما أنا اللي كُنت سبب في الأرض بعد ربنا إن اسم الأصلي يلمع في سوق التجارة، وقبل ما أمشي أنا ومراتي وولادي إفتكرت اللي حصل معايا أنا وحمدي فحكيت لمُصطفى أبوك الوحيد اللي كان مصدَّقني، ومُصطفى فعلًا خلاه يعترِف بإن هو اللي عمل كُل دا بس ماقالش السبب وغايتُه من اللي عملُه واتسجَن.
عرض خالد ذلك الحديث الَّذي دار بينهُ وبين محمود يوم أمسه والَّذي سجَّلهُ في هاتفهِ على رئيسه، وبعد أن إنتهى التسجيل سألهُ خالد بحيرة..:
_حضرتك تفتكِر إيه الغاية من كُل اللي عملُه دا، وإيه لازمة الكلام دا في قضية قتلُه؟
عاد عِماد بظهرهِ للخلف رافعًا بصرهُ للسقف، وترك خالد دون أن يجيبهُ لدقيقتين يُحاول أن يربط الأحداثَ ببعضها، ثُم تحدَّث بشرود وهو لايزالُ على وضعِه..:
_لو كان هدف حمدي الفلوس من الأول كان سرق من غير الحوار دا كُلُّه، بس واضِح إن في مُؤامرة..
إرتكزت أعيُن خالد نحوهُ يُنصت بإهتمام لما يقولُه، وكذلك إعتدل عادِل في جلستهِ مُفصِحًا عن أفكارهِ الَّتي يُحاول أن يُجمعها ليصِلَ إلى طرف الخيط..:
_حمدي واحد ضعيف، عُمره ماهيعرف يسرق العقُود من أوضة جدك ولا يعرف الرقم السري بتاع خَزنِة عمك لوحدُه، أكيد أكيد في حد معاه بدليل إن زي ماقال لعمَّك إنه معترفش هو عمَل كده ليه، بس دماغي وصلت لفكرة، واللي هي إن الهدف من اللي حصَل إنهم يفرَّقوا عمك وجدك عن بعض، وزي ماسمِعت في التسجيل إن جدَّك موكَّل عمك بإنه يمشي كُل حاجة في الشُّغل بداله، فأنا حاسس إن اللي ساعد ودبر كُل دا كده حد قُريِّب منكُم وعارِف بِكُل كبيرة وصُغيرة تخصكُم.
أنهى عِماد حديثهُ الَّذي إتخذ مُنحنى آخر عن قضية القتل، وأمسك هاتِفهُ تارِكًا خالد يشرُد مُفكِّرً بكُل حرفٍ سمِعه منه، وقد أدار عِماد هاتفهُ وقرَّبه نحو خالد قائِلًا..:
_شوف كده الفيديو دا.
تناول خالد منهُ الهاتِف على الفور وأخذ يُشاهد الفيديو كما طلب عِماد منه بإستغرابٍ لم يدُومَ وهو يستمِع لتوضيح عماد..:
_زي مانتَ شايف في الفيديو دا تسجيل كاميرا سريَّة محطوطة في أوضة الزيارات وماحدش يعرف بيها غيري لحمدي وهو قاعد معَاه واحد قبل مايموت بكام يوم، وإكتشفت بعد تدوير في الكاميرات إن الراجِل دا بيجي يزوره كُل فترة و...
قاطعهُ خالد عن إكمال حديثهُ بعد أن قام بتكبير الفيديو ورأى هويَّة الزائِر هاتفًا بلهفة..:
_دا حِلمي.
_ومين حِلمي دا؟
_حلمي كان فقير جدًا وكان شغَّال برضوا في محل جدي وسابُه مرَّة واحدة وإختفى سنين ورجع من سنتين وهو مليونير وفتح محِل عِطارة كبير زي بتاعنا ومفكر نفسُه إنه بينافِسنا..
بس يبقى الأصلي هو الأصل.
إلتمسَ عِماد نبرة خالد الَّتي إستحالت للزهو والثقة في كلماتهِ الأخيرة من حديثهِ ليبتسم بخفوات، ثُم سألهُ بِشك..:
_وإيه اللي يخلي واحد زيُّه يجي يزور واحد زي حمدي؟
_يمكن مثلًا عشان كانوا صُحاب زمان وشغالين في نفس المحل!
نفى عِماد برأسهِ مُعترضًا على إقتراح خالد بعد أن إستطاع بعد أن جاءت برأسهِ فكرة، ثُم قال بنبرة حملت الكثيرُ مِن الغموض..:
_أنا هبعت إستدعاء لحِلمي وإنت هتستجوبه وهنشوف، ولو اللي في دماغي صح الموازين كُلها هتتقلِب!
❈-❈-❈
قبل أذانِ المغرب بنِصف ساعة، عاد نُوح للمنزل قبل أن يذهب للمائِدة على غير العادة، فهو منذُ بدايةِ شهر رمضان وهو يخرُج من المطعم ويتجه للمائِدة مُباشرةً، وعندما كان سيوشِكُ على الصعودِ صوب شقَّتهِم إرتفعت أصواتٌ أنُوثية تابعة لنساء العائِلة تصدُح من داخِل شقَّةِ جده الَّتي دومًا ما كانت هادِئة جدًا، فغيَّر مسارهِ واستدار واقِفًا أمام الشقة وطرق على الباب عِدة مرات حتى فُتِحَ لهُ من قبل شقيقتهِ الصُّغرىٰ، والَّتي ما إن رآها أمسكها وحملها فوق ظهرهِ بحركةٍ إعتاد أن يفعلها معها عندما تفتحُ لهُ الباب، وسار بِها نحو المطبخ حيثُ يتواجدُ هُناك النساء تحت ضحكاتها الرنانة الَّتي صدحت في أرجاء الشقة،وقبل أن يدُخل حمحم بخشونة وأتبع يقولُ بصوتٍ عالٍ بعض الشيئ..:
_يــارب يــاسـاتـر.
وانتظرَ في مكانهِ عِدة ثوانٍ حتى إن كانت أحدهُم تجلِسُ بُحرِّية فستطيعُ أن ترتدي حجابِها وبعدها ولجَ للداخِل مُلقيًا السلام، ورأى أن ملامِح الجميع قد بدت عليها السعادة بوجُودهِ عدى خطيبتهُ الَّتي لمحها تجلسُ في أحد الأركان تُقطع السلطة، وعلى مايبدوا أنَّها لم تُلاحِظهُ من شرودها الَّذي هي عليه، فترك إستغرابهِ من حالتِها جانبًا ونظر لوالدتِهِ الَّتي قالت..:
_كويس إنك جيت ياواد.. تعالى بقى ساعِد معانا شوية.
أنزل نُوح مودَّة على الأرض، وعلى الفور شرع في رفع أكمامِ قميصهِ الرمادي وهو يرُد عليها بحماس..:
_طبعًا من عنيا.
وهُنا صدح صوت دَهب مُتحدِّثة بلهجة مُعترِضة من وجودِه..:
_عندك سِت نسوان قُدامك مش ماليين عينك ولا إيه عشان حضرتك تُدخل وسطينا وتُطبخ معانا!! روح يلا للرجالة زي كُل يُوم وساعِدهم في المائِدة.
_أنا أصلًا كُنت جاي عشان أشوف خطيبتي.. طبخ إيه دا اللي أطبخُه معاكُم، دا كلام فاضي.
نطقَ بها نُوح على الفور مُتراجِعًا عن المُساعدة رغم غيظهُ الَّذي كبحهُ بصعوبة، واتجه نحو تسنيم وهو يجذب كُرسي ليجلِسَ بالقُرب منها مما جعلها تخرُج من شرُودها عندما لمحته، فسألتهُ بملامِح مُتفاجئة بعض الشيئ قد رُسِمت عليها بسمة باهِتة..:
_إنت بتعمل إيه هنا!! مش من عادتك تيجي قبل المغرب.
أجابها نُوح بنبرة مُعاتِبة..:
_جيت عشان أشوف حلويات العبد اللي مابترُدش على مُكالماتي من إمبارح وأشوف إيه اللي مغيَّر وشها كده ومخليها سرحانة!
_مافيش حاجة بس رجعت إمبارِح من المدرسة مش قادرة شوية ونِمت بدري والتلِفون كُنت عملاه صامِت
رمقها نُوح بنظرة مُتشككة بعض الشيئ مُحاولًا أن يُصدِّق تبريرها، فابتسمت لهُ ببعض من التوتر خوفًا من أن يكشِف كذبتها، بينما كانت الحقيقة هي أنها منذُ أن قابلت المدعو شريف وهي مُرتعِبة من أن يُنفِّذ تهديدهُ ويختطفُها أو يأذي نُوح أو أحد أشقَّائِها ولا تعلم ماذا ستفعل!
_إيه رأيك أخطفك!
أجفلت تسنيم من شرودها مُستمِعة لما قاله، وقد إنعقدَ إحدىٰ حاجبيها وهي ترُد عليهِ بسُخرية..:
_تخطفني فين ياعم!، لا أنا شريفة ومُحترمة وأهلي ربُّوني.
_يابت أقصد آخدك أفسَّحك يعني بالليل مش نضرب ورقتين عُرفي يعني زي مابتفكَّري.
إستطاع نُوح بكلمَاتهِ أن يرسم البسمة على ثُغرها ويجعلها تضحكُ بخفوات، فأسند نُوح وجنتهِ على كفِّهِ قائِلًا بنبرة هائِمة..:
_هو في حلويات بالحلاوة دي كُلها!
حمحمت تسنيم ببعضٍ من الصدمة وهي تنظُر خلفهُ، وإبتسمت بتوتر مُتحدِّثة لمن حضرت واستمعت لما قالهُ نُوح قبل ثوانٍ..:
_أهلًا ياتيتة دَهب.
نهض نُوح واقِفًا على الفور واستدار لها، فوجدها تقفُ عاقِدة ذراعيها وتنظُر لهُ بوجهٍ جامد، وكاد هو أن يفتح فاهُ لينطق، لكنَّها أوقفتهُ بإشارة من إصبعها ونهرتهُ بقولها الحاد..:
_لما تبقى مراتك ومقفول عليكُم باب واحد يبقى قولها كُل الكلام المايِع دا براحتك لإن وارد تنفصلوا وتتحاسِب قُدام ربك على الكلام دا، غير كده ياريت تقوم بإحترامك وتخرُج برا لإن قعدتك وسط الحريم غلط.
خرج نُوح وهي يزفُر بضيقٍ رغم أنَّهُ أدرك بسببها أنَّهُ مُخطئ، ولكن غضبها الغيرُ مُبرر الَّذي هي عليهِ منذُ أن جاءت هو من أزعجه، لكن الشيئ الَّذي لايعلمهُ هي أنَّها ناقِمة على كُل تصرُّفات جميع أفراد العائِلة الخاطِئة الَّتي تراها منهُم منذُ أن خطت بقدميها داخِل المنزل وليست عليهِ فقط، لكنَّها أصرَّت في نفسها أن قريبًا جدًا ستضعُ حدودًا لكُل شيئ!