-->

رواية جديدة نسائم الروح الجزء الثاني من ميراث الندم لأمل نصر - الفصل 25 و الأخير - 2 - الجمعة 10/5/2024

  

قراءة رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية نسائم الروح 

الجزء الثاني من رواية ميراث الندم

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الأخير

2

تم النشر يوم الجمعة

10/5/2024


غمغمت الاَخيرة بصوت خفيض، لتلفت انتباهه، فيعتدل بجسده يواجهها بسؤاله:

- هو ايه اللي استحليتها؟ بتخرفي بتجولي ايه يا بت؟

عبست تجيبه بشجاعة وعدم اكتراث:

- جصدي ع النفسية، انها تبجى واجعاك وهي اللي راخية عضمك عن الجومة، حكم دي اعفش من المرض نفسه. 


احتدت عينيه بإجفال وعدم تصديق، فالمغزى من كلماتها وصل إليه بإهانة مست كرامته، لينهض فجأة ويباغتها بالقبض على رسغها بعنف هادرًا:

- ايه يا بت اللي بتخربطي بيه ده؟ عجلك شرد منك؟ ولو نفسك تتربي من جديد، بتتنأوذي عليا يا كلبة.


- انا مش كلبة....

صاحت بها تنزع كفه عنها، لتنهض من جواره تسترسل بقهر:

- واهلي ربوني زين جوي، يعني مكنوش مستنينك تاخد الدور دا عنهم، اوعى تفتكر اني غبية ومش فاهمة باللي بيدور في مخك، بعد ما سمعت بوداني وفهمت اللي صايبك.....


تحركت تفاحة أدم داخل حلقه باضطراب يردد خلفها سائلًا:

- ايه هو اللي صايبني بجى؟ اتكلمي يا هدير انا سامعك.


تخصرت بوقفتها، بصمت زاد من تسرب الشك بداخله، وقد تأكد له الآن انها سمعت ما تفوه به من اعتراف في لحظة ضعف منه، قد يدفع ثمنها غاليًا الاَن.


- بجولك يا هدير، لو كنتي سمعتي...... 

قاطعة حاسمة:

- اسمع انت...... انا مايخصنيش اي شيء من اللي فات، انا يهمني اللي جاي...... من هنا ورايح، لا يمكن هسمحلك تهيني ولا تعايرني بفقر اهلي، ولا تمد يدك عليا حتى لو كان عصبية ومن غير جصد زي ما جولت، وبطني دي......


اشارت على الأخيرة، تربت بكفها عليها هادرة:

- مش هخليها تشيل منك تاني، لو كفك اتمدت عليا بنص ضربة، وان كنت مش عجباك يا واد الناس فديتها ساهلة جوي عند المأذون، وشوفلك انت عبدة تتحملك ولا دور احسن..... ع اللي تليج بيك، وبمجامك العالي....


انهت كلماتها وخرجت على الفور، تتركه محله تجمد مذهولًا، من اين أتتها الجرأة لتخاطبه بهذه الصورة وتتحداه؟ كيف انتقت كلماتها بهذه القوة كصفعات توجهها إليه؟ تنهد باستدراك ليعود برأسه للوسادة، وقد فطن اخيرا لغباء ما اوقع نفسه به، حينما غره الإعجاب والانبهار من ناحيتها، ليستغل بفرض سلطته وتطويعها بقسوة وكأنه ينتقم لنفسه منها، وقد غفل ان كثرة الضغط تولد الانفجار، وتكبر الصغير عن عمره الأصلي .


❈-❈-❈


وفي المحافظة وامام مبنى المركز الطبي المتخصص للنساء والولادة، توقف بسيارته ليلتف نحو الأثنتان مخاطبًا:


- ادينا وصلنا يا حلوين، عايزين نطمن ع العيال، ونشوف مين فيهم الأجوى وصحته أحسن؟


ضحكت زوجته تجاربه عن قصد من أجل فك جمود الأخرى:

- عيالي انا طبعا، انا باكل زي الوحش،  عكس الغلبان واد اختك، دا بيطول منها اللجمة بالعافية، زي اللي عامل ريجيم.


استطاعت بدعابتها ان تستفزها:

- وه يا ست نادية، انتي هتطلعي على ولدي من دلوك انه مسلوع، طب النهاردة الاشاعة تبين عند الدكتورة، الفرق بين اللي ساكن فرداني، وبين اللي بيتعركوا ع اللجمة في بطنك...


عقبت نادية توافقها ضاحكة؛

- انتي بتجولي فيها، وربنا انا بحس كدة فعلا ، معتز  في بطني كان مأدب، مش زي دول خالص.... شكلهم هيطلعوا متشردين 


- شوف الولية. 

غمغم بها غازي باستنكار يتابع  بزهو:

- عيالي طالعين اشجيا زي ابوهم، خلي بالك من كلامك يا هانم انتي وهي، وياللا انزلوا خلينا نقضي مشوارنا،  العيال مع نادرة اختي هيطلعوا عينها وهي مش كدهم  ولا  كد نصايبهم.


- اه والله عندك حق.

تمتمت بها بصوت خفيض وكأنها تحدث نفسها، متذكرة افعال الوسطى من ابناء زوجها والتي تتعمد مضايقتها بكل السبل منذ سفر والدتها مع زوجها. 


ترجلت روح اولا من السيارة لتلفحها نسمة هواء باردة، طيرت قماش عبائتها والحجاب، لتعلق بمرح حقيقي وشعور لا تعرف له صفة يجعل قلبها ينبض بقوة غير مفهومة وكأن....... تحركت رأسها تجليها من افكار خيالية فهي تعلم من شقيقها انه مازال خارج المدينة، مختفيا عن الجميع، لتجعل كلماتها عن الطقس:


-الله ع الجو، نسمة جميلة رغم انها شديدة .

لتعقب على قولها نادية:


- هي فعلا جميلة سبحان الله، خليها تطري ع الخلق.

نزل من جهته غازي ليخبرهم:

- حلو عشان اخدكم بعد كدة ع الكورنيش، اهي تبجى فسحة بالمرة 

هللت الاثنتان بابتهاج:

- الله عليك يا كبير، هو ده .

- تحبي جوي الفسح انتي يا ست روح. 

- جوي جوي. 


تبسم لها، ثم توجه لزوجته:

- وانتي يا ام الغايبين

- انا كمان شكلي حبيت الطلوع والفسح من ساعة ما اتجوزتك 


قالتها بعفوية، تغفل عن تأثيرها عليه، حيث دوت طبول داخل صدره، حتى بدت على ملامحه، ليعبر عن سعادته لكن برزانة:

- ماشي يا بوي مدام فرحانين كدة،  نكررها كل ما نيجي، بس نجضي مشوارنا دلوك. 

قالها بعد اغلاقة للسيارة وما هم ان يتحرك خطوتين ليسبقهم حتى سفط على الأرض، على غير ارادته ودوي طلقات نارية صاخبة في الأجواء لا يعلم من أتت، ولكنها استقرت بصدره ، لتجعله بلا حول له ولا قوة يغمض عينيه بألم غير محتمل، مرافقًا لصراخ الاثنتين زوجته وشقيقته، قبل ان يركضن عليه، تجثو كل واحدة منهما على جانب منه، لتتلقفه حبيبته، وتضم رأسه الى صدرها 


- جوم يا غازي، جوم يا حبيبي، متسبنيش الله يرضى عنك

- جوم يا خوي واسند ضهري متسبنيش يا ولد ابوي .


كل شيء كان يمر امامه كالحلم، صرخات النساء وهرولت الرجال، وتجمع مجموعة كبيرة من حوله، ولوعة الاحباب، هل هذه هي النهاية، بعد ان ذاق لذة الحياة اخيرا، يرحل، ليترك العديد من الارواح المعلقة من خلفه؟

بدأت الرؤية رويدا رويدا في الإنحسار ، لتخف الأصوات، وانفاسه تضعف، وقبل ان يذهب عن الوعي، أتى صوت من البعيد يخاطبه بخشونة:


- اصحى يا سبع، احنا مسكنا الاتنين اللي عملوها. 


❈-❈-❈


بعد عدة ساعات.


رمشت اجفانه بضعف، ليفتح عينيه للضوء القوي الذي اخترقها، يُبصر السقف الأبيض من فوقه، ثم دارت مقلتيه على باقي الأنحاء في الغرفة الغريبة، حتى توقفت عليها، 


جسدها يهتز بدموع تسيل بغزارة، وكأنها تصلبت امامه بلا حراك، لا تصدق عودته اليها اخيرًا، فيطالعها هو بألم وهيئتها المزرية شقت قلبه،


حتى طال الصمت ليقطعه بتحريك شفتيه:

- انا رجعت خلاص، جدامد اها.

وكأنها كانت في انتظاره، ليذوب جبل الجليد فجأة ، فتنهض من محلها ترتمي بكليتها عليه تضمه من رأسه، ونشيج بكاءها يقطع نياط قلبه، تبكي وتبكي دون توقف.


حتى وصل صوتها للخارج، ليدلف على اثرها جمع من الأحباب، من ابناء عموته وشقيقاته، وأعمامه الاثنان، يامن وسعيد الذي سبق الجميع في الترحيب بعودته:


- حمد ع السلامة يا واد اخوي، مبروك رجعتك لينا من تاني.

اومأ له بجفنه ليكن هذا رده للجميع، حتى التقت عينيه بخاصتي رفيق دربه، وصديق الطفولة والشباب، يضم زوجته تحت جناحه بعدما عاد إليها في الوقت المناسب، ليخفف عنها في ضعفها، والتي دنت نحو شقيقها تقبله بلوعة:


- حبيبي يا واد ابوي، روحي اتردلتي بشوفتك

أهداها ابتسامة ضعيفة، ليلتفت بعد ذلك نحو الاخر والذي هتف يشاكسه

- حمد الله ع السلامة يا بطل، وحشتني الشتيمة منك يا ابو البنات. 

غمغم له بسبة وقحة بتحريك الشفاه أثارت الضحكات من الجميع، برغم خجل النساء منها، ليتبعها العديد من الدعابات،  مما أجبر طاقم التمريض النداء لصرفهم:


- يا اخونا..... يا اخونا.... ارجو الجميع يطلع برا، المريض تعبان ومش حمل الكلام.

استجاب معظمهم وغادر الغرفة، فلم يتبقى سواها لتهتف بغضب وعصبية، متشبثة بذراعه 


- انا  مش هسيب جوزي، 

- يا ست غلط عليكي انتي حامل.....

- ملكيش دعوة، انا ادرى بمصلحتي، مش جايمة من هنا الا ورجلي على رجل جوزي


كان ردها عنيفا وحاسمًا، حتى اجبر الفتاة على تركها، لتثير اهتمامه، فيتطلع لها باندهاش، فخرج قولها اليه تطمئنه:


- متخافش ع العيال، انا واخدة بالي منهم كويس، دول هديتك الحلوة جويا، جوم انت بس واجف على رجليك يا حبيبي.


توسعت عينيه باستغراب للفظ الذي اكدت عليه بقولها بعد ذلك:

- ايوة حبيبي ودنيتي كلها، اصرخ بيها جدام الخلق عشان تصدجها؟......... وه ايه مالك؟


صدر سؤالها الاَخير،  بعد ان انتبهت على تجعد ملامحه واغماض عينيه وكأنه يتألم من شيء ما، ولا تعلم ان هذا كان النتيجة الطبيعية لما اردفت به، كيف يجد الرد الاَن وقد انتقت ببلاهتها اضعف اوقاته للإعتراف، كم ود ان يكون واقفًا على قدميه الاَن ليعصر ضلوعها في ضمته ، كم ود ان يكافئ هذا الفم الذي نطق بها، بالعديد من القبلات، ليتها انتظرت قليلًا حتى يجد القوة لفعل أي شيء......


- غازي اروح اندهلك الدكتورة....

خرج صوته بصعوبة:

- تندهي مين؟ دا انتي دائي ودوائي....... دلوك بالذات اياك تجومي من جنبي.... جاية تقوليها وانا خلصان.


كادت ان تجادل، ولكنها استدركت لمغزى كلماته لتغزو ابتسامة صافية محياها، ثم تنهض وتباغته بطبع قبلة على وجنته، زادت من ذهول اختلط بغيظه، ليضغط بأسنانه على شفته السفلى بتوعد:


- ماشي يا نادية، بس أجوملك  

وكان ردها ضحكة كبيرة مرددة بشقاوة:

- وانا هاخد فرصتي فيك لحد ما تجوم على حيلك 


❈-❈-❈


اما في الخارج 

داخل غرفة طبية أخرى،.في المشفى، وقد جاء بها إلى الطبيبة النسائية لتفحصها وترى حالة الجنين، بعد ساعات من الاجهاد والصراخ ، حتى مرور الأمر على خير الاَن.


- خير خير والحمد لله، حالة الجنين ممتازة، هي بس شوية تعليمات هنمشي عليها عشان ميحصلش حاجة لا قدر الله.


اردفت الطبيبة بالتعليمات والرد على استفسارتهم، ثم خرجت لمتابعة عملها، تاركة لهم الغرفة، يساعدها في ارتداء ملابسها، وقلبها الوجل مازال في حالة يرثى لها من وقت مفاجأتها بعودته:


- اتوحشتك جوي يا عارف، جلبي كان وجعني في بعدك عني .

طبع بقبلة على أعلى رأسها قبل ان يلف عليها الحجاب  يتمتم لها:

- سلامة جلبك يا روح عارف، انا كمان كنت بتعذب اكتر منك.


ردت بدمعة سالت على وجننتها:

- طب وليه العذاب والهجر، كنت تعالي وعلمني الأدب على كيفك، انا جابلة منك اي عقاب، بس متبعدتش تاني حن عليك .


خارت قدميه لقولها، ولم تعد به قدرة على الصمود، لبضمها اليه بلوعة الإشتياق مرددًا،  


- انتي اللي بتطلبي؟ دا انا روحي كانت معلجة، وما رجعت غير بشوفتك.

ظلت تبكي على صدره لفترة من الوقت، وهو لم يمل، كان يمسد بكفه على ظهرها وشعرها بحنو، حتى اذا هدأت تذكرت لتسأله:


- الا جولي صح يا عارف، عرفت ازاي تمسك العيال دي، وامتى جيت اصلًا؟

جلس بجوارها، يطرد دفعة كبيرة من الهواء بصدره، ليعود بذاكراته لموقع الحادث قبل ساعات  


(( كان متوقفًا بسيارته على بعد مسافة ليست بالقريبة من مبنى المركز الطبي للطبيبة النسائية، فلم يقوى على منع نفسه من الاطمئنان عليها رغم تصميمه على البعد وعدم العدول عن قراره في العودة إليها الا بعد فترة ليست بالقليلة،  ليتحذ موقعه وسط العديد من السيارات المصطفة في هذا المكان، يراقب دون ان يلفت النظر اليه.



الصفحة التالية