-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 13 - 1 - الخميس 16/5/2024

  

 قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل الثالث عشر

1

تم النشر يوم الخميس

16/5/2024



قُرآن الفجر الَّذي صدَح في أرجاءِ شقَّةِ عمِّها جعلها تستيقِظ من نومِها الَّذي دام لثلاثِ ساعات وتمُد كفِّها نحو المقعد المُجاوِر للفراش لتأخُذ من فوقهِ الهاتف الَّذي لم تمسكهُ منذُ أن جاءت من المشفى، وبعد أن فتحتهُ وجدت أنَّ آذان الفجر مُتبقِّي على ميعادهُ نصف ساعة فقط، وأيضًا يوجد بضع مُكالماتٍ فائِتة من الطبيبُ إسلام، فهبطت من على الفراش وخرجت من الغُرفة قاصِدة غُرفة المعيشة الَّتي سمعت منها أصواتًا تابعة لعائِلة عمِّها، وعندما ولجت للداخِل ورأوها جميعًا نهض نُوح من مكانهِ على الفور واتجه نحوها يسألُها بإهتمام..: 


_حبيبتي صاحية ليه، انتِ كويسة؟ 


_كويسة واللهِ.. بس إنتوا ماصحيتونيش أتسحَّر ليه؟


تدخَّلت حنان بين حديثهم ترُد عليها بدلًا من نُوح برِفق..: 


_لا انتِ ضعيفة وتعبانة محتاجة غِذا ومش هتقدري تصومي. 


_لا ماينفعش أفوت يُوم تاني طالما أنا بقيت كُويسة. 


كاد نُوح أن يتحدَّث مُبديًا إعتراضُه على ماقالته، ولكن إستوقفهُ والدهُ بقوله..:


_سيبها يانُوح براحتها طالما هي مُصرَّة..


وثُمَّ نظَر لِذكرىٰ وتابع حديثهُ بنبرة حنونة وهو يُشيرُ لمقعد نُوح الَّذي كان يجلسُ عليهِ على المائدة قبل أن تأتي هي..: 


_تعالي بقى ياحبيبتي أُقعدي جمبي. 


"لماذا لم تكُن هذهِ عائلتِها؟ "


دار هذا السؤال في خُلد ذِكرىٰ الَّتي كادت أن تبكي من لُطف العائلة الزائد معها وهي تتجه نحو عمِّها لتجلِسَ بجوارِه، بينما هتفَ نُوح بدرامية شديدة..: 


_أخدتي أوضتي وبعدها الكُرسي بتاعي، ناوية تاخدي إيه المرَّة الجاية إن شاءالله يابنت عمي! 


_روحك ياحبيبي. 


ردَّت عليهِ ذِكرىٰ بهاتين الكلمتين وهي تبتسِم لهُ بإصفرار، وشرعت تأكُل لُقمتين بشهية غير مفتوحة كي يُسانِدوها في صيامها، ولكنَّها وجدت حنان زوجةَ عمِّها تضعُ أمامها أصنافًا أُخرى وكثيرة من الطعام وهي تقول..: 


_عاوزاكِ تخلَّصيلي على الأكل دا كُلُّه عشان تربربي وتتخني بدل ما انتِ مسلوعة كده. 


ضحكت ذِكرىٰ وهي تنظُر لها بأعيُن مُتسعة من الصدمة مما سمعتهُ منها، بينما حدَّثتها رُؤىٰ مُمازِحة..: 


_حنان تخصُّص دشملة خواطغ. 


_جلال كُل شوية بيكلمني وبيسأل عليكِ ياذِكرىٰ وعاوزك ترجعي شقِّتكُم. 


قول حسن المُفاجئ جعلها تتوقف عن الضحك وتتحوَّل ملامِحها للوجوم، وقد تاهت الكلِمات من بين ثُغرِها ولم تدري بماذا ستقول، ولكِنَّ حسن أردف مُكمِلًا حديثهُ بهدوءٍ وحنكة..: 


_بصي يابنتي، أنا عارف إن في بينكُم مشاكِل بس مش عارف إيه هي تحديدًا ، وأنا مش بقولك إن هو قالي إنه عاوزك ترجعي لشقِّتكم عشان نخلص منك، بالعكس الشقة دي بيتك التاني وأنا أبوكِ التاني مش عمِّك والمكان اللي تحبيه تقعدي فيه وقت ما انتِ عاوزة، بس أنا بنصحِك إنك متكتميش اللي جواكِ وحاولي تصفِّي اللي بينك إنتِ وأبوكِ وأُمك عشان حرام الخِصام وخصوصًا بينك وبينهم وذنبُه كبير أوي ياحبيبتي، ولو المُشكلة بينكُم كبيرة لدرجة إنها وصَّلتك لكده قوليلي من غير خوف وأنا هحل كُل حاجة، وبعدين والله إنتِ منوَّرانا حتى ولو كلامك قُليل ونايمة طول الوقت. 


نظرت ذِكرىٰ لهُ بأعيُنٍ دامِعة من التأثُّر، وردَّت عليهِ قائِلة بإمتنانٍ شديد يعجزُ لسانِها عن وصفِه..: 


_حقيقي أنا بشكُر حضرِتك ياعمي على كُل اللي بتعملُه معايا، وآسفة بجد لو كُنت متقِّلة عليكُم. 


_نُوح ياريت تِسكِّت البنت دي عشان ما أتخلاش عن وقاري وأشتمها. 


قالها حسن بنبرة مُغتاظة ومُصاحبة للمُزاح مما جعَل ذِكرىٰ تُعاود في الضحِك وتُكمل تناول الطعام بشهية قد فُتحت فجأةً، والسببُ هو جلوسِها بين تلك العائِلة اللطيفة الَّتي إزدادت حُبًا بداخلِها بعد رعايتهم الرائعة بها الَّتي لم تتلقاها من والديها أبدًا. 


❈-❈-❈


بعد أن جاء جواد في الليلة الماضية وطلبها للزواج وهي لم يُغمض لها جفن من المشاعِر المُختلطة الَّتي أصابتها لِأول مرة في حياتها لِأن هذا أول رجُل يتقدَّمُ لخُطبتها فعليًا بعد أن كانت ترفُضُ كُل من يطلبها للزواج، مزيج بين الخوف والسعادة والإطمئنان والقلق، هي لم تراهُ يوم أمس لأنها كانت جلسة تعارُف بين الرجالِ وبعضهم، وجدَّها أخبرها بعد ذهابهِ أنَّهُ كلَّف يُونس بالبحث والسؤال عن أصلهِ وفصلهِ وهل هو جدير بالزواجِ منها أم لا، وطلب منها هي أيضًا بأن تُصلي إستخارة وترى هل هي مُطمئنة لهُ أم لا، لكن قبلها عليها أن تختفي من أمام أنظار فتيات العائِلة قبل أن يعرفوا ويقتلوها لأنَّها أخفت عليهم ماحدث ولم تُخبرهُم.. 


أنتهت زهراء من إرتداء حجابِها الأسود، وكالمُعتاد رسمت بالكُحل فوق جفون عينيها لتظهر زيتونتيها بشكلٍ حاد وخلاب في نفس الوقت، ثُم حملت حقيبتها وخرجت من الغُرفة وسارت بإتجاه الباب الخارِجي كي تذهبَ لعملِها، لكنها لمحت في طريقها والدتها وزوجها يجلسانِ في غُرفة المعيشة فتوقفت تُلقي تحية عابرة، وكادت أن تُكمل سيرها ولكن سامي ذو الوجه المُتهجم والغاضِب نادى عليها بصوتٍ خشن ليوقفها، وخرج من المعيشة ووقف مُقابلًا لها بعد أنِ إستدارت له، ثُم نظرت لساعتِها المُلتفة حول رُسغها وقالت بعدها..: 


_أنا آسفة ياعمو ورايا مشاوير كتيرة إنهاردة ولازم أنزل بدري، ولو في أي كلام هيتقال ياريت نأجله لـ بليل لحد ما أرجع. 


كانت غايتها أن تتهرَّب منه لأنها تعلم أنه لن يمُر ماحدث بالأمس مرور الكرام، وبالفعل لم يكترث لما قالتهُ وتكلم بنبرة عالية مُنفعِلة أزعجتها لأنها تكرهُ الأصوات المُرتفِعة..: 


_انتِ إزاي مبلغتنيش إن في عريس متقدِّملك وتقولي بس  لِجدِّك وأتفاجئ زيي زي الغُربة؟ 


قابلت هيجانهُ ببسمة أشدُّ برودًا من قارة أنتركاتيكا وردَّت عليهِ بقولها..: 


_الصوت ياعمو.. مبحبش حد يكلمني بصوت عالي.. 


ثُم تنهَّدت بضيقٍ مكتومٍ وأردفت وهي لاتزالُ محافِظة على بسمتِها..: 


_أنا أهم حاجة بالنسبالي هي رأي وموافقِة جدو اللي هو إتكفل بمصاريفي من ساعة وفاة أبويا لحد مابقيت مُحامية ليها إسمها في المجال.. وغير كده رأي الباقي ميهمنيش. 


إستفزهُ ماقالتهُ وتصاعد الغضبُ أكثر من إهانتِها الغيرُ مُباشِرة له لدرجة إنه رفع يدهُ ليصفعها ، لكنها سبقتهُ وأمسكت كفِّه قبل أن تصِل لوجنتِها وهتفت بغضبٍ تلبسها من فعلته..: 


_إنت إزاي توصل بيك الدرجة إنك تمِد إيدك عليا!!، أنا مش هعديهالك أبدًا. 


_وإنتِ قليلة الأدب ماتربيتيش. 


ألقت زهراء نظرة على والدتها الَّتي كانت تُشاهد مايحدُث من البداية بصمت، وكالعادة لم تتدخل ولم تقفُ بجوارِها كأُم حقيقية لها ولو لِمرة واحدة، فهزَّت رأسها بتفهُّم رغم صدرها الَّذي يعلوا ويهبِط إثر إنفعالها وقالت بهدوء..: 


_تمام.. بما إني قليلة أدب وبنت *** فوجودي هنا بين الشُّرفاء غير مُرحَّب بهِ عشان ما أدنسكُمش، وأول ماهرجع من الشُّغل حاجتي هتبقى كُلها هتبقى عند جدُّو تحت وهعيش معاه.


كادت زينب المُصدومة مما قالتهُ زهراء أن تتحدث، ولكن قاطعتها زهراء رافعة كفَّها وتابعت هي مُخرِجة كُل مابجبعتها..: 


_متتكلميش أرجوكِ، أنا قعدت السنين دي كُلها وسطكُم عشانك انتِ، والسنين أثبتتلي إني دخلية بينكُم إنتوا التلاتة، والدليل إن انتِ شايفة حياتي كُلها غلط وبتنتقدي كُل أفعالي زي ماجوزك موصَّلك كده وسايبة بنتك التانية اللي هي أصلًا كُل اللي بتعملُه غلط براحتك، فأنا قررت أنسحِب من بينكُم وألبِّي طلب جدو اللي ياما طلبُه مني من زمان وهنزل أعيش معاه، ولو قلبِك حن وعوزتي تشوفيني

فـ بيني وبينك دور واحِد. 


❈-❈-❈


_أهلًا بيك ياخالد يابني، منور والله. 


وجَّه محمود تلك الكلمات لخالد الّذي حضرَ في شقَّتهِم فجأةً في الصباح لِأمرٍ يجهلُه، فابتسم خالد بهدوء ورد مُجاملًا..: 


_تسلم ياعمي دا نُور حضرتك. 


_خير ياحبيبي إن شاء الله، إيه الموضوع اللي محتاجني فيه دا؟ 


_الحقيقة أنا كُنت عاوز أتكلم معاك إنت وجدي في مكان واحد لإن الموضوع يخصكم إنتوا الإتنين وحضرتك رفضت بس مش مُشكلة. 


_معلش أنا رفضت عشان مش هقدر اتجمع معاه في مكان واحد، بس إيه بقى الموضوع اللي يُخصنا إحنا الإتنين قلقتني! 


_لا لا مافيش أي حاجة بتستدعي للقلق، هُما كام سؤال بس وهمشي على طول. 


إعتدل محمود في جلستهِ وسمح لهُ بإلقاء الأسئِلة الَّتي يُريدُها منهُ بقوله رغم إستغرابه الشديد..: 


_إتفضل يابني معاك. 


حمحم خالد بخشونة كما إعتاد عند أخذ الإستجواب من أي شخصٍ عادي أو مُتَّهَم، وبدأ في التحدُّث بنبرة عملية..: 


_أنا جاي لحضرتك بصفتي ظابط بيحقق في جريمة إنتحار، أو بالأدق قتل المُتَّهم فتحي عبد الفتاح الجمال. 


نزل حديثُ خالد على رأسِ محمود كالصاعِقة وجعلهُ يتصنم في مكانهِ مُردِّدًا بذهول..: 


_إتقتل!!!، دا إزاي وإمتى الكلام دا!! 


_من يجي كام يُوم كده لقيناه منشوق بحبل في زنزانتُه وباين إن هو مُنتحِر، وإستغربنا إزاي عمل في نفسُه كده وهو أصلًا كان كمان كام يُوم وهيخرُج، واللي خلانا نشُك هو إننا لقينا جرح في راسُه، فمستنين بقى نتايج الطب الشرعي عشان نشوف إتقتل ولا إنتحر ولا إيه نظامُه، وأنا جاي أعرف إيه اللي حصل بينكُم وبينُه بالظبط يمكن ألاقي ثغرة في الموضوع. 


هز محمود رأسهُ بتفهُّم رغم أنهُ لم يخرُج من صدمتهِ بعد، وأخذ يسرُد لهُ ماحدث قبل خمسة عشر عامًا وهو ينظُر للأمامِ بشرُود بسبب الذكريات القديمة الَّتي تدفقت بداخِلَ رأسهِ دون هواده. 


الصفحة التالية